وجــه آخـــر للــدم - وجه آخر للدم نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

وجه آخر للدم - نسخه متنی

علی المزعل

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

وجــه آخـــر للــدم

قصص

الإهــــداء إلى ولدي حسان آملاً أن يرث أحلامي جولانيات

- بدت بحيرة طبرية في هذه اللحظة بيضة فضية، تلتمع تحت نثار الشمس الغاربة، وتختزن في قاعها ظلال الجبال الناهضة على أطرافها بينما بدأت الزوارق المعادية تشق المياه لنقل المتسللين شرقاً، وقد خلفت وراءها ركام الأمواج المتدافعة. وفي السماء كانت طائراتنا تصب حممها متلاحقة في مياه البحيرة . وحين استعصى أحد الزوارق على التدمير، نهضت إحدى الطائرات حتى غابت في رحم الفضاء ثم انقضت شعاعاً لامعاً . وارتفع عامود من الدخان والماء، ليعانق آخر خيوط الشمس، حتى خيل لنا أن رذاذه قد بلل وجوهنا، ونحن نقف فوق الصخور المطلة على طبرية.

- كان صوت الناي يأتي شجياً ناعماً مسربلاً بندى الصباح . تبتلعه الصخور ثم تشكله من جديد ليعود صدىً مقطعاً حنوناً، مبتلاً بمياه البحيرة، وفوح أزاهير التلال. وقطعان الأغنام تلج السفوح على صدى أجراسها، وثغاء طلائها وثمة طيور في السماء ترف بأجنحتها صعوداً إلى أعالي الصخور، وبين أصداء الناي، وأجراس القطيع دوت طلقات متلاحقة لرشاش معادٍ بدأ يعوي مسعوراً من خلف الخطوط. التف القطيع مذعوراً حول راعيه، وتداخل الثغاء مع جلبة الأجراس وأصدائها كانت الكثير من الأغنام تقفز في الفضاء، ثم تخر وهي تقاوم الموت بحركة أطرافها، وثغائها المقطع الحزين وفي الأعالي ثمة كبش جريح يجرجر أطرافه، وقد شخصت عيناه نحو القرية وبيوتها.

- في اليوم الثاني لاندفاع قواتنا إلى عمق الجولان المحتل، كنا نتحلق حول جهاز اللاسلكي . جاءت الشارة الأولى:

أنا المقدم رشيد . أخاطبكم من قرية السنديانة، أمامي الآن رتل من الدبابات المعادية، دمرنا معظمها ونتابع التصدي . وانقطع الاتصال وصار رشيد سنديانة في السنديانة. وجاءت الشارة الثانية:

أنا الملازم جورج أخاطبكم من مشارف طبرية، أمامي الآن أرتال من آليات العدو وها نحن نواصل الاشتباك . وانقطع الاتصال . وصار جورج صخرة تطل على بحيرة طبرية، ولا زالت بزة زفافه معلقة في خزانة والدته حتى هذه اللحظة.

- حين انقضت الطائرة سهماً من نار، صار ملجأ القرية حفرة سوداء محترقة، امتزجت فيها الأشلاء والدماء والدموع، وما أن رحلت كتل الدخان متهادية فوق قمم التلال المكسوة بالخضرة الداكنة والملونة بالدحنون الأحمر . حتى بدأت المقبرة تمتد نحو الشرق، وقد اضطررنا في الكثير من الأحيان لفتح القبور مرات متلاحقة، لأنّا كنّا نجد في كل يوم قطعة من جسد تناثرت في أطراف البيوت والحواكير . وكانت آخرها قدم العم سويلم الذي كان على رأس الراقصين في ساحة القرية قبيل القصف بلحظات.

- عندما صدر البيان الأول للحرب، رقص العم عبد الرحيم أمام مكتب المقاومة الشعبية الواقع في منتصف القرية . لوّح بالبندقية . رمى الكوفية والعقال في حضن السماء، وهو يصرخ:

"طاب الموت يا عرب"، وحين بدأت الطائرات المعادية تلوّث فضاء القرية، أمسك بندقيته النصف آلية، وبدأ إطلاق النار، أفرغ ما بحوزته من أمشاط الفشك لم يبق في جعبته إلا مشط واحد عندها أعتقد أن رصاصه لا يصل إلى الطائرات، فركض في ساحة القرية وهو يواصل الصراخ:

"طاب الموت يا عرب"، إلى أن وصل خزان المياه صعد إليه ومن هناك تابع إطلاق النار، وبعد لحظات فقط كانت أطراف جعبته تنهض وسط الركام وهي تقطر دماً.

- كانت أسراب السنونو ترف بأجنحتها فوق بيوت القرية الطينية العتيقة، ترتفع حيناً، وتنخفض أحياناً، ثم تواصل الطيران لتلامس بأجنحتها سطح الماء في بحيرة طبرية، وتنهض من جديد نحو القرية وبيوتها، لتملأ الفضاء بتغريدها، وحفيف أجنحتها المتسابقة. واستمر المشهد رائعاً حتى ابتلع المكان هدير الطائرات ودويّ الانفجارات، وضاعت أسراب السنونو بين كتل النار والدخان

/ 19