نهایة الأرب فی فنون الأدب جلد 8

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نهایة الأرب فی فنون الأدب - جلد 8

شهاب الدین النویری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

وقد روي أن إبراهيم الخليل عليه السلام
أصابته حاجةٌ فذهب إلى صديقٍ له يستقرضه
شيئاً فلم يقرضه فرجع مهموماً، فأوحى
الله تعالى إليه: لو سألت خليلك لأعطاك.
فقال: يا
رب، عرفت مقتك للدنيا فخفت أن أسألك منها
شيئاً. فأوحي الله إليه: ليس الحاجة من
الدنيا. فعلى هذا يكون قدر الحاجة من
الدين وما وراء ذلك وبالٌ في الآخرة، وهو
أيضاً في
الدنيا كذلك، يعرفه من يخبر أحوال
الأغنياء وما عليهم من المحنة في كسب
المال وجمعه
وحفظه واحتمال الذل فيه، وغاية سعادته به
أن يسلم لورثته فيأكلوه، وربما يكونون
أعداءً
له، وقد يستعينون به على المعاصي فيكون هو
معيناً لهم عليها. ولذلك شبه جامع الدنيا
ومتبع الشهوات بدود القز إذا لا يزال ينسج
على نفسه حياً ثم يروم الخروج فلا يجد
مخلصاً
فيموت ويهلك بسبب عمله الذي عمله بنفسه،
فكذلك كل من اتبع شهوات الدنيا. قال
الشاعر:
كدودٌ كدود القز ينسج دائماً ويهلك غماً
وسط ما هو ناسجه
قال: ولما انكشف لأولياء الله تعالى أن
العبد مهلكٌ نفسه بأعماله واتباعه هوى
نفسه
إهلاك دود القز نفسه رفضوا الدنيا
بالكلية، حتى قال الحسن: رأيت سبعين
بدرياً كانوا
فيما أحل الله لهم أزهد منكم فيما حرم
الله عليكم. وفي لفظٍ آخر: كانوا بالبلاء
أشد
فرحاً منكم بالخصب والرخاء، لو رأيتموهم
قلتم: مجانين ولو رأوا خياركم قالوا: ما
لهؤلاء
من خلاق، ولو رأوا شراركم قالوا: ما يؤمن
هؤلاء بيوم الحساب. وكان أحدهم يعرض له
المال الحلال فلا يأخذه ويقول: أخاف أن
يفسد علي قلبي. فمن كان له قلبٌ فهو لا
محالة
يخاف من فساده، والذين أمات حب الدنيا
قلوبهم فقد أخبره الله عنهم فقال: "ورضوا
بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم
عن آياتنا غافلون"، وقال تعالى: "ولا تطع من
أغفلنا
قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره
فرطاً"، وقال تعالى: "فاعرض عمن تولى عن
ذكرنا ولم
يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من
العلم"، فأحال ذلك كله على الغفلة وعدم
الفكر. وقال
بعضهم: ما من يوم ذر شارقه إلا وأربعة
أملاكٍ ينادون في الآفاق بأربعة أصواتٍ:
ملكان
بالمشرق وملكان بالغرب يقول أحدهم
بالمشرق: يا باغي الخير هلم، ويا باغي الشر
أقصر.
ويقول الآخر: اللهم أعط منفقاً خلفاً،
وأعط ممسكاً تلفاً. ويقول اللذان بالمغرب
أحدهما:
لدوا للموت وابنوا للخراب، ويقول الآخر:
كلوا وتمتعوا لطول الحساب.
علامات الزهد
قال الغزالي رحمه الله تعالى: اعلم أنه قد
يظن أن تارك المال زاهدٌ، وليس كذلك، فإن
ترك
المال وإظهار الخشونة سهلٌ على من أحب
المدح بالزهد. فكم من الرهابين من ردوا
أنفسهم كل يومٍ إلى نزرٍ يسيرٍ من الطعام
ولازموا ديراً لا باب له، وإنما مسرة
أحدهم معرفة
الناس حاله ونظرهم إليه ومدحهم له، فلذلك
لا يدل على الزهد دلالةً قاطعةً، بل لابد
من
الزهد في المال والجاه جميعاً حتى يكمل
الزهد في جميع حظوظ النفس من الدنيا، بل قد
يدعي جماعةٌ الزهد مع لبس الأصواف
الفاخرة والثياب الرفيعة كما قال الخواص
في وصف
المدعين إذ قال: وقومٌ ادعوا الزهد ولبسوا
الفاخر من الثياب يموهون بذلك على الناس
ليهدى إليهم مثل لباسهم لئلا ينظر إليهم
بالعين التي ينظر بها إلى الفقراء فيحقروا
فيعطوا كما
يعطى المساكين ويحتجون لأنفسهم باتباع
العلم وأنهم على السنة وأن الأشياء داخلةٌ
إليهم
وهم خارجون منها، وإنما يأخذون ما يأخذون
بعلة غيرهم، هذا إذا طولبوا بالحقائق
وألجئوا إلى المضايق. وكل هؤلاء أكلة
الدنيا بالدين لم يعنوا بتصفية أسرارهم
ولا بتهذيب
أخلاق نفوسهم، فظهرت عليهم صفاتهم
فغلبتهم فادعوها حالاً لهم، فهم مائلون
إلى الدنيا
متبعون للهوى. هذا كلام الخواص.
قال الغزالي رحمه الله: فإذاً معرفة الزهد

/ 91