أجراس و قیامات الدم نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أجراس و قیامات الدم - نسخه متنی

نجاح إبراهیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

المطبخ حيث شرع بإعداد طعام العشاء للرّجل، سألته بدهشة: ـ غسّان، من هذا؟ أجاب وهو يضع وعاء الحليب على النّار: ـ وَرِثْتُه عن أبي.

ـ لا تمزح.

قلتُ لـه بعصبيّةٍ، فأجاب: ـ أنا لا أمزح، إنّه من إرث أبي، ورثته مع هذه الدّار.

قلتُ: ـ أعرفُ أنّ الإرثَ يكون إمّا مالاً، أو أشياء، أو عقاراً، أمّا أن يكون إنساناً من لحم ودم، فهذا مستحيل إلاّ إذا عدنا إلى عصر العبيد والإماء؟‍ صمتُّ، وكذلك صمتَ صديقي، أو انشغل في تحضير الأطباق، فقلتُ بعد تفكيرٍ: ـ كأننّي أعرفه؟ أو يخيّل إليّ ذلك! فردَّ صديقي ببرودِ أعصابٍ، وهو يحمل الصّينيّةَ الكبيرةَ، ويخرج بها إلى فناء الدّار: ـ نعم.

ـ أعرفه؟‍ سألتُ باستغراب وجمدّتُ في مكاني، بينما وصلَ غسّان قرب النّافورة يوزّع الأطباقَ على الطّاولة المنخفضة، انتبهتُ إلى نفسي وإذا يدي وسط صدري، وفمي يردّد بلا وعي: ـ أنا؟‍ ركضّتُ نحوه، جرجرتهُ من قميصه، وسحبتُه إلى المطبخ ثانيةً وقلتُ له: ـ قل لي من يكون، وإلاّ جعلتُ هذه القبضة تستقرُّ فوق حنكك.

أجاب بابتسامةٍٍ صغيرةٍ لاحتْ عل الوجه: ـ كما قلتُ لكَ، هذا الرّجل ورّثني إيّاه والدي رحمة الله عليه، جعله أمانةً في عنقي، ووددتُ أن أؤدّيها على أتمَّ وجه وبمحبّة خالصة واندفاع.

سألته: ـ ما صلة القرابة بينكما؟ أجاب: ـ لا صلة.

ـ ما القصّة إذاً؟ قال: ـ إنّها قصّة حقّاً، وقصّة طويلة يا صديقي اللّحوح.

ـ إحكها لي.قال: ـ ليس قبل أن أُطعِمَ الرّجل الجائع، وأعتني به.

هززتُ رأسي موافقاً، وعدنا حيث يقبع الرّجل العجوز، نشاركه الطّعام، وتبادل النّظرات المبهمة، فجأةً وضعتُ قطعةَ الخبزِ من يدي على الطّاولة وقلتُ وأنا أبسط نظري فوق ملامح الرّجل الهادئ وهو يلوك طعامه ببطء شديدٍ: ـ والله لستَ غريباً عنّي! فوقف عن تحريك فمه، ثمَّ نظر إليَّ باطمئنان، بعدها ابتسم وتابع تناول طعامه وقد أرسل بصره بعيداً.

مرَّ وقتٌ حتّى فَرِغَ من طعامه، أحسستُ أنَّ هذه السَّاعة التي مرّت وأنا أنتظر انتهاء غسّان من عمليّة الاهتمام بالرّجل، وتنظيف فمه ويديه هي بمثابة سنة، مملّة، لا حدود لثقلها، ولا أبالغ إن قلت ذلك، فكل دقيقة مرّت كنتُ أتحاملُ على نفسي لأحتملها وأحتمل ثقل السّؤال الذي ما برح يلحُّ عليّ ويتلجلج على لساني للحصول على إجابة سريعة: "مَنْ يكونُ هذا الرّجل العجوز، بعينيه المألوفتين اللّتين تأخذاني إلى البعيد، البعيد، ترحلان بي ثمَّ تعودان بي من جديد لأنخرطَ في شرودٍ وسهومٍ قاتلين؟" وحين فرغ غسّان من مهمّته نطقتُ بالشّهادتين.

انتبذنا رُكناً تحت شجرة الكبّاد، وأغفى الرّجل في مكانهِ، وتدلّى رأسه على عنقهِ.

بادرني صديقي بقوله بعد أن قرأ نفاذَ صبري: ـ هذا الرّجل هو المخرج عبد النور عبد النّور.

هتفتُ وأنا أهبُّ واقفاً من مكاني: ـ لا أصدّقُ! جرّني، وأعادني إلى كرسيِّ لأهبطَ فوقه كتلةً دَهِشَةً ومنبهرةً ثمَّ قال: ـ بل صدّق.

ورحل نظري إليه، إلى ذلك السّاكن في هدأته، كان غافياً على كرسيه ذي العجلتين المعدنيّتين، كانت ذقنه تتلامعُ تحت ضوء المصباح وخيطٌ رفيعٌ من الرّوال ينسربُ من زاوية فمه، بينما بقي رأسه متدلّياً على صدرٍ تهبط أنفاسه وتعلو كطفل متعب لا تخلو قسماته من نبالةٍ.

هززتُ رأسي منتشياً كمن قبضَ على خيوطِ سرٍّ لعينٍ، تساءلتُ بيني وبين نفسي: "أهذا هو الرّجل الذي أتحفَ السينما بأروع الأفلام؟ وهل أنا حقّاً أجلس قبالته وهو في قمّة الانطفاء؟ ما الذي حلَّ بالشعلة المتّقدة؟!" وأسرعتُ بتوجيه سؤالي إلى صديقي: ـ ما القصة يا غسان؟ ما الذي أصابه؟ أجاب بصوتٍ خفيضٍ وهو يسترقُ نظرةً إليه

/ 27