إنشائيّة الخطابفي الرّواية العربيّة الحديثة - إنشائیة الخطاب فی الروایة العربیة الحدیثة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إنشائیة الخطاب فی الروایة العربیة الحدیثة - نسخه متنی

محمد الباردی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

إنشائيّة الخطابفي الرّواية العربيّة الحديثة

د. محمّد الباردي

- دراسة -

إن أبسط تعريف للخطاب من وجهة نظر لسانيّة ما ذهب إليه اللساني الفرنسي المعروف إ.بينفنيست EMILE BEN VEN VENISTE (1902 - 1976) من أن الخطاب هو كل تلفّظ يفترض متحدثاً وسامعاً تكون للطرف الأول نيّة التأثير في الطرف الثاني بشكل من الأشكال(1) ومن ثمة فهو يميز بين نظامين من التلفظ هما الخطاب والحكاية التاريخية (LE RECIT GISTORIQUE). فالخطاب وقوامه جملة الخطابات الشفوية المتنوعة ذات المستويات العديدة وجملة الكتابات التي تنقل خطابات شفوية أو تستعير طبيعتها وهدفها شأن المراسلات والمذكرات والمسرح والأعمال التعليمية يختلف عن الحكاية التّاريخيّة في مستويين اثنين هما الزمن وصيغ الضمائر. فالخطاب يوظف كل الأزمنة في حين لا يكون زمن الحكاية التّاريخيّة إلا زمنا آورستيا " AORISTE" أي ماضياً لا يمكن تحديده. كذلك يتعامل الخطاب مع صيغ الضمائر المختلفة في حين يقتصر توظيف الضمائر في الحكاية التّاريخيّة على صيغة الغائب وإذا كان مفهوم الخطاب يمكن أن يتّسع لدى إ- بنفينيست ليشمل كلّ الأجناس الأدبية التي يخاطب فيها شخص شخصاً آخر ويعلن عن ذاته باعتباره متكلّما وينظّم كلامه وفق مقولة الضمائر(1) فإن الرواية هي خطاب أدبيّ ذو شرعية كاملة، فهو بدوره يجمع بين المقولتين: مقولة الزّمن ومقولة الضمّير.

ولعل الإنشائيّ الفرنسيّ ذا الأصل البلغاري تودروف، استوحى تمييزه بين الخطاب والحكاية في حديثه عن مقولات الحكي الأدبي(2) من مصدرين اثنين: مصدر لساني يتمثّل في الأفكار العامة التي صاغها إ-بنفينست والتي تتعلّق بمفهوم الخطاب في علاقته بالحكاية التاريخيّة ومصدر إنشائي يتمثّل في أفكار الشّكلاني الرّوسي توماشفسكي (TOMACHEVSK)(1957-1980) الواردة في بحثه الموسوم "بنظرية الأغراض"(3) فهو يميّز بين المتن الحكائيّ والمبني الحكائيّ. فقد عرف المتن الحكائي (FABLE) بأنّه "مجموع الأحداث المتعلّقة فيما بينها والّتي يقع إخبارنا بها خلال العمل (وهو) يمكن أن يعرض بطريقة عمليّة (PRAGMATIQUE) حسب النّظام الطبيعي بمعنى النظام الوقتي والسببي للأحداث وباستقلال عن الطريقة التي نظّمت بها [تلك الأحداث] أو أدخلت في العمل "(4) ويعرّف المبني الحكائي (SUJET) بأنّه يتألّف من الأحداث ذاتها الّتي يتألّف منها المتن الحكائي "بيد أنّه يراعي نظام ظهورها في العمل كما يراعي ما يتبعها من معلومات تعيّنها لنا"(5) كذلك ميّز تودروف

(TODOROV) بين الحكاية والخطاب على هذا النحو:

"للأثر الأدبيّ، عموماً، مظهران فهو في الوقت ذاته حكاية وخطاب، فهو حكاية بمعنى أنّه يوحي بشيء من الواقع ويوحي بأحداث قد تكون وقعت وشخوص من وجهة النظر هذه، يتماهون مع شخوص الحياة الواقعيّة وكان بإمكان هذه الحكاية أن تنقل إلينا بوسائل أخرى…

ولكنّ الأثر الأدبيّ في الوقت ذاته خطاب فثمّة سارد يقصّ الحكاية وثمّة قارئ يواجهه، يتلقّى الحكاية. وعندئذ لا تهمّنا الأحداث الّتي تروى وإنّما تهمّنا الطريقة التي استعملها السارد ليعرفنا بها"(6).

وهكذا يصبح السّارد مقولة رئيسية للتمييّز بين الحكاية والخطاب في تفكير "تودروف" ولكن "تودروف" ذاته يعترف أنّه من الصّعب التمييز بين مظهري الأثر الأدبيّ رغم اعتراضه على استدراك الإنشائي الرّوسي شلوفسكي

(CHILOVSKI 1983) الذي أعلن أنّه من المستحيل ومن غير المفيد أن نفصل القسم الحدثي عن تنظيمه التركيبي لأنّ الأمر يتعلّق دائماً بالشيء ذاته وهو معرفة الظاهرة"(7) وفي الحقيقة لا تكون الحكاية إلاّ في مستوى التصوّرات الذهنية لأنّ أيّ أثر أدبي هو في جملته خطاب وأنّ الخطاب في الرواية هو الحكي بما أنّه الدّال أو الملفوظ أو النصّ السردي ذاته وهو "وحده الذي يمكننا دراسته وتحليله تحليلاً نصياً وذلك لسبب بسيط هو أنّ القصّة والسّد لا يمكن أن يوجدا إلاّ في علاقة مع الحكي وكذلك الحكي أو الخطاب السردي لا يمكن أن يتم إلاّ من خلال حكيه قصّة وإلاّ فليس سرديّا. إنّ الخطاب سرديّ بسبب علاقته بالقصّة الّتي يحكي وبسبب علاقته بالسّرد الذي يرسله"(8).

2. 1. لتجلّيات الخطاب- بمفهومه التواصلي- صيغ ثلاثة: صيغة صرفيّة وصيغة نحويّة وصيغة دلاليّة ولكنّها صيغ مترابطة ترابطاً وثيقاً لا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى. فإذا تعرّضنا إلى الصّيغة الصرفيّة من خلال الحديث عن الوظائف والشّخوص وما يربط بينهما جميعاً من علاقات فإنّ ذلك لا يكون إلا في إطار علاقتها بالخطاب ثمّ إنّ الصّيغة النحويّة وتجلّيات السّارد والمسرود وصيغ الخطاب والرّؤى لا تنفصل عن الصّيغة الدلالية إذ يتّسع الخطاب ليشمل مفهوم النصّ وللنصّ كاتب وقارئ وله علاقاته النصيّة المتفاعلة والمتداخلة وعلاقاته الخطابيّة المتنوعة وبناه السوسيو لسانيّة (9). وعلى هذا النحو يمكن أن نفهم الخطاب الرّوائي الحديث في الأدب العربي وهو خطاب في غاية التركيب والتعقيد لأنّه صهر في بنيته أجناساً أدبيّة مختلفة واستدْعى خطابات متنوعة أدبيّة أو شبه أدبية.

2) إنّ ما يميز الخطاب الربوائي عموماً عن الخطابات الأخرى هو كونه خطاباً تشخيصيّا ومن قبل تحدّث الشّكلاني الرّوسي بوريس إيخنباوم (1886-1959) في فصله المعروف "كيف صيغ معطف غوغول(10) وفي سياق حديثه عن السرد الفكاهي المباشر عن نوعين من السرد: الحكائي (NARRATIF) والسّرد التشخيصي (REPRESENTATIF). "فالأول يقتصر على المزحات والجناسات إلخ، بينما يدخل الثاني أنساقاً ميميّة وإيماءات، مبتكراً تلفّظات فكاهيّة فذّة وإبداليّات وهيآت نحويّة شاذّة إلخ. إن السرد الأول يعطي انطباعاً بأنّنا أمام حديث متساو، أمّا الثاني فيسمح لنا باستشفاف ممثل يؤدّيه. هكذا يصبح السّرد المباشر تمثيلاً ولا يعود مجرّد تنسيق المزحات هو ما يحدّد التركيب وإنما نظام من التكشيرات المختلفة والحركة التلفّظية الفذّة (11) إنّ ما يعنيه بوريس إخنباوم بالسّرد التشخيصي هو السّرد الذي يتجلّى فيه حضور السارد بطرق مختلفة فيصبح أشبه بممثل يجسّد حضوره بوسائل لغوية ومواقف فكريّة ولكنه في كلّ الحالات يؤدّي لعبة معقدّة، يظهر ويختفي، يصرّح ويلمّح، ويهادن ويشاكس فيتموّج الخطاب تموّج حضور السّارد يتنوّع تنوّع المادة السردية التي يوظفها ويختلف اختلاف الموقع الذي منه يطل ويرى.

لا شكّ أن السارد يظل مقولة رئيسية في الخطاب الروائي الحديث وصورته المتعدّدة والمتنوّعة يمكن أن تحدّد المراحل الكبرى التي مرت بها الرواية العربية الحديثة، فليس السارد مجرد واسطة محايدة وقارة بين المؤلف والقارئ بل هو في حقيقة الأمر موضوع السرد برمتّه. فإذا كان المسرود يعرض بعين السّارد فإن السّارد في الرواية الحديثة موضوع السرد، فهو في روايات عديدة يشكل كائناً بشرياً متنوّعاً ينتج خطابه الخاص دون أن يكون بالضرورة طرفاً في المسرود. ولذلك لا يمكن أن نرصد تطوّر الرواية العربية الحديثة دون رصد التشكّلات المختلفة والمتنوّعة للسّارد فيها.

/ 120