أحـــلام مصــــادرة - احلام مصادرة نسخه متنی

This is a Digital Library

With over 100,000 free electronic resource in Persian, Arabic and English

احلام مصادرة - نسخه متنی

آسیا علی موسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

أحـــلام مصــــادرة

آسيا علي موسى ـ الجزائر

مجموعة قصصية

من منشورات اتحاد الكتاب العرب
دمشق - 2003
الزّر الناقص
ـ سيدتي ما بك؟

تقترب العجوز من الهيكل الجامد الملتصق
بالحائط في منعطف الشارع، وعلامات الحيرة
والإشفاق بادية على وجهها، تتفحصه بقلق
واستغراب
تسكت لحظات في انتظار ردّ على سؤالها
لكنّ الهيكل لا يتحرّك، ولا يصدر منه أيّ
صوت، ممّا يزيد في قلقها، تدنو منه أكثر
فأكثر، تتحسّس أنفاسه الخافتة ثم تضع يدها
النّحيلة على كتفٍ متراخٍ مستسلم، تتجلّى
فيه ملامح الضّير والتعب.
تريثت قليلاً وهي تلاطف هيكلاً، غصناً
ذابلاً، قصفته العاصفة فالتصق بجدار
منعطف الشّارع، لا تختلج له جارحة، يعروه
صمت وهدوء وجمود
ظلّت يدها تهزّ بحنوٍّ شديد الكومة
الآدمية، مردفة في خفوت.
ـ سيدتي، هل أنت مريضة أطلب لك الإسعاف؟

يبقى الهيكل متشبثاً بالحائط، يحاول
مقاومة الانهيار، تفلت منه أنّات طويلة
أعمق من صراخ الهاوية.. وتحاول العجوز
بتجاربها استقراء ما حلّ بهذا الكائن من
خطوب الدّهر وأنوائه.
طلائع الشّفق تلّون الأفق في دعة وسكون
فتضفي على المخلوقات خدراً ساحراً يثير
فيها أحاسيس غريبة متضاربة وحنيناً
رخيّاً عبقاً تتهادى على ترنيماته عذابات
فتّاكة وآمال طافحة.
في تلك الساعة الخلاّقة من عمر اليوم، في
تلك الومضة الخاطفة من عمر البشر، حيث
تتقاطع محطّات الانطلاق بخطوط الوصول،
وتتأهّب الكائنات لطيّ صفحة يومها
ترقّباً لغدٍ تودعه أمانيها . تقف امرأة،
ويقف عمرها في منعطفٍ كان يرشح بدخّان
الخطيئة، تسكن وتظلُّ وقفتها المتعبة
تتكلّم وقد استحال أنينها المكتوم في تلك
السّاعة إلى ضجيج تخفره تداعيات النّدم..
تحركت ببطء تحامل جسدها على الولوج إلى
المكان الغائبة عنه حواسها، تلتقط
أنفاسها الهاربة تقتلع كيانها اقتلاعاً
من سقطته، استدارتها بطيئة، ثقيلة كأنّها
مومياء فرعونية تستعيد روحها بعد قرون من
التحنيط ليطالع العجوز وجهاً شاحباً
مشدوداً بقبضات ألم لا يرحم.. تقاسيمه حطام
صدمة
عينان واحتان جفّ قاعهما، فانبعث منهما
شعاع فاتر، يتلاشى كالسّراب يتلاعب
عابثاً بنظرات غائمة بقايا شعلة تنحدر
للزوال، عينان شاخصتان كأنَّ الموت
يسكنهما، وجفون وارمة اكتحلت بظلال
التّوجع.
شفاه يابسة لا حياة فيهما، ولا رغبة لهما
فيها..
خدود تسيخ فيها مجاري الدّموع، تخطّ
تعاريج تغور لتلتقي عند ذقن مرتعش، تختفي
على حافته.
الوجه مفضٍ إلى الضّياع..
لم يشقّ على العجوز أن تفهم، أنّ المخلوق
الذّاهل أمامها يقف في منعطفٍ من منعطفات
الحياة المفاجئة، حيث تنسف معالم الطريق
بغتة وحيث يفرض الاختيار الوحيد نفسه،
ضرورة تقصّي المخرج وحتمية الاستمرار..
تستعيد المومياء حركتها وبإدراك العجوز
التجريبي لوقائع الحياة..
لم تفاجأ
ضمّت بهدوء اليد الباردة المستسلمة لها،
حضنتها بين راحتيها اليابستين وبقيت ترنو
إلى الأرض، كأنّما تسترجع آلاماً مشابهة
ولّدتها مواقف ربّما تكون مختلفة، لكن
الألم واحد وإن تغايرت أسبابه.
لحظات صمت، ثم تتحرّك شفاه العجوز
المطبقة، ينبعث منها هدير الكلام هادئاً
مؤنساً مواسياً، يمسح على صفحته
المتأنّية تأوّه خفيف:
ـ لا شيء في هذه الدّنيا يساوي ما يحدثه من
ألم وعلى كلٍّ فالدنيا مليئة بالهموم بنا
أو بدوننا، علينا فقط أن نرضى بالقسمة، فما
قد يبدو اليوم مستحيل التّحمل سيغدو غداً
مجرد ذكرى دعي الزمن يضمّد الجراح، على
كلٍّ سيفعل رغبت في ذلك أ م لا، مسألة وقت
فقط، فمهما كانت قساوة الهمّ فإنَّ
التّعود يؤلفه في النّفس.
المهم أن نتعلّم من أخطائنا ونتقوى من
ضعفنا ونرضى بنصيبنا الكلّ في
القناعة الكلّ في الرّضا فكلّما ضاقت
حلقاتها فرجت، ستفرج أكيد ستفرج..
تنفّست العجوز عميقاً، كأنّما أخرجت كلّ
ما في داخلها وارتاحت، أو لعلّ عكس ذلك ما
حدث، لعلّ الكلمات المنبعثة من غياهب
الماضي البعيد، خدشت جراحاً قديمة،
وحفّزت نزيف الذكريات.
قالتها. ومكثت تحدّق في المرأة، التائهة
نظراتها، تخفرها هيبة الأمومة. ثم انصرفت

/ 31