• عدد المراجعات :
  • 1176
  • 9/7/2009
  • تاريخ :

 قيود مشروعة

الشجرة

  العبودية السلبية من منظور الشرع والوضع

هل تعتبر المحرمات التي يحدها الإسلام على تصرفات الإنسان ، مثل حرمة البهتان و الغيبة و الكذب ، و يعاقب عليها ، هل تعتبر هذه المحرمات قيودا على حرية الإنسان ، كما يبدو من ظاهر الأمر ؟

 يقول الدكتور عبد المجيد ، إن هذا السؤال : "يقودنا إلى البحث عن نقيض الحرية ، و هو العبودية ، لنجد أن كمال الحرية في الإسلام يبدو في أن عبودية الإنسان لله وحده، تحرره من كافة أنواع العبودية " .

و من هنا يقع الاختلاف بين النظرة الإسلامية للعبودية ، و نظرة الليبراليين ، يقول باروت و هو باحث سوري : " إن النظرية الليبرالية تترجم مفهوم الحق الطبيعي بحق الفرد المستقل بقدر ما تترجمه النظرية الإسلامية بعبودية الفرد لله ، إن هذه العبودية هي التي تضمن حريته ، و يتلخص مفهوم الحاكمية هنا في أن الله خلق الإنسان حرا ، و انه لا سيادة لأحد على أحد بل يخضع الجميع لسيادة الله العادل " ، فعبادة الله و الخضوع التام إلى سيادته كما يقول أبو الأعلى المودودي (ت 1979م) هو : " صك للحرية البشرية الحقيقية " .

ربما كان استدلال الشيرازي (ت 1980م)، اقرب الاستدلالات إلى الواقعية لبيان أهمية العبودية و علاقتها بالحرية ، حيث يقول : " و من الحقائق أن الإنسان أبدا يكون خاضعا لاثنين من هذه العبوديات الاربع – الله ، العقل ، السلطان الجائر ، و النفس – و لا يستطيع التحرر من اثنين منها إلا ليرضخ لأخريين ، فإما يكون الإنسان خاضعا لله و العقل ، و إما أن يستعبده السلطان الجائر و النفس ، و لا يمكن أن يتحرر من عبودية السلطان الجائر و النفس ، إلا إذا رضي بعبودية الله و العقل . و لا ريب أن عبودية الله والعقل ، خير من عبودية السلطان الجائر و النفس ، بل العبودية الأولى ، شرف لا يدانيه شرف ، و فوق النبوة و الرسال ة، كما نقرأ في الصلاة ، اشهد أن محمدا عبده و رسوله ، ولولا أن العبودية لله أشرف من رسالة السماء ، لما قدمت عليها ، بينما تكون العبودية للسلطان الجائر و النفس جريمة لا تدانيها جريمة ، حتى جعلها الله أول جريمة يحاسب عليها الإنسان قبل الموت ، كما في قوله تعالى : ( إن َّ الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها ) ، ( النساء: 97 ) ."

و يخلص الشيرازي إلى النتيجة التالية : " و إذا كان الإنسان مخيرا بين آن يختار أي نوع من هذه العبوديات الاربع ، فالذي يرضى بعبودية الله و العقل يكون حرا بأكمل معاني الحرية و أنبلها ، فيما يكون الذين يجدون حريتهم في مخالفة الله و العقل ، قوما مستعبدين ، قد استعبدهم سلطان جائر بأفكار مزيفة ، و استعبدتهم شهواتهم ، فانجرفوا في تيارها المسعور ، و هم حينما يعيبون على المؤمنين عبوديتهم لله و العقل ، يعبدون أتفه ما في الحياة من أفكار و غايات ، و ها هي صورتهم تظهر في القران – بكل وضوح -:  ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه ) ، ( الفرقان: 43 ) ، فمن يتمرد على عبودية الله تعالى ، يكون قد استسلم – سلفا- لعبودية الهوى ، و ما أجمل قول ابن خضرويه ( أبو حامد احمد البلخي المتوفى 240هـ ) : " في الحرية تمام العبودية ، و في تحقيق العبودية تمام الحرية ". و جاء في كتاب منهاج الكرامة أن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) اجتاز على باب دار بشر الحافي ( بن الحارث المروزي المتوفى 227هـ ) فسمع منها الغناء و اللهو – في  أول شباب بشر و هو ببغداد – و رأى على باب الدار جارية ، فقال لها : أيتها الجارية مولاك حر أو عبد؟

فقالت: حر،

فقال لها : صدقت! ، لو كان مولاك عبدا لعمل بمقتضى العبودية و خاف الله تعالى.

فذهبت الجارية إلى داخل الدار ، و أخبرت بِشراً بذلك ، فأثر فيه هذا الكلام و كان سبب هدايته ، و خرج حافيا إلى خارج الدار و جعل يركض خلف الإمام ، حتى وصل إليه فوقع على قدميه ، و تاب على يده ، و أناب ، و بقي حافيا طوال عمره.

أقول إذا كانت كلمة الحر لغة هي نقيض العبد ، و الحرية نقيض العبودي ة، فان العبودية لله ، من حيث الاصطلاح و الممارسة هي عين الحرية لا نقيضها ، لان العبودية لله رفعة و سمو و كمال إنساني ، بل هي أعلى مراتب الكمال ، و كما قال رسول الإنسانية محمد (ص) : " لا ترفعوني فوق حقي فإن الله اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبياً " ، (8) ، و نص الرسول (ص) هو مصداق قوله تعالى : (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى ..) ، ( الإسراء: 1) ، باعتبار ان النبوة لاحقة على العبودية،  و حسب تعبير الحيدري و هو استاذ فلسفة عراقي، " ان الله خاطب نبيه (ص) في سورة الاسراء بالعبودية ، لأن العبودية هي منشأ النبوة و الرسالة و مبدأ الولاية ".

و الى جانب ذلك فان العبودية في ذاتها منفعة تقود الإنسان إلى خير الدنيا و الآخرة ، لأن الله غني عن عباده ، و من حاز المنافع و الخيرات حاز الحريات جميعها من مصادرها السليمة ، لان من معاني الحرية السامية هي تمتع الإنسان بما تحت يديه و إعمال إرادته في نيل المنافع.

د. نضير الخزرجي*

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)