• عدد المراجعات :
  • 1709
  • 9/1/2009
  • تاريخ :

التمثيل الثامن و الخمسون : لقمان الحکيم

القرآن

خاتمة المطاف

ربما عدّ غير واحد ممّن كتب في أمثال القرآن ، الآية التالية منها :

( وَ ما جَعَلْنا أَصحابَ النّارِ إِلاّ مَلائكةً وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُم إلاّ فِتْنةً لِلّذينَ كَفَرُوا ليَستَيْقِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ وَ يَزدادَ الّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَ لا يَرتابَ الّذينَ أُوتُوا الكِتابَ وَ المُوَْمِنُونَ وَ لِيَقُول الّذينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الكافِرُون ماذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلّ اللهُ مَن يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَمايَعْلمُ جنودَ رَبّكَ إِلاّ هُوَ وَ ماهِيَ إِلاّ ذِكرى لِلبَشر ) ، (1) .

 

تفسير الآية

لمّانزل قوله سبحانه ( سَأُصْلِيهِ سَقَرَ* و ما أدراكَ ما سَقَرُ*لا تُبْقِي ولا تَذَرُ* لواحَةٌ للبشرِ* عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ ) ، (2) .

- قال أبو جهل لقريش : ثكلتكم أُمّهاتكم أتسمعون ابن أبي كبيشة ، يخبركم انّ خزنة النار تسعة عشر، و أنتم الدهم (3) الشجعان ، أفيعجز كلّ عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم.

- فقال أبو أسد الجمحي: أنا أكفيكم سبعة عشر ، عشرة على ظهري ، و سبعة على بطني،  فأكفوني أنتم اثنين ، فنزلت هذه الآية : ( وَ ماجعلنا أصحاب النّار إلاّ ملائكة ) ، أي جعلنا أصحاب النار ملائكة أقوياء مقتدرون و هم غلاظ شداد ، يقابلون المذنبين بقوة ، و هم أمامهم ضعفاء عاجزون ، و يكفي في قوتهم انّه سبحانه يصف واحداً منهم بقوله : ( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى* ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى ) ، (4) .

فالكفّار ما قدروا الله حقّ قدره و ما قدروا جنود ربّهم ، و ظنوا انّ كلّ جندي من جنوده سبحانه يعادل قوة فرد منهم . ثمّ إنّه سبحانه يذكر الوجوه التالية سبباً لجعل عدتهم تسعة عشر:

1. ( فتنةللذين كفروا ).

2. ( ليستيقن الذين أُوتوا الكتاب ).

3. ( يزداد الّذين آمنوا إيماناً ) .

4. ( لا يرتاب الّذين أُوتوا الكتاب والموَمنون ) .

5. ( وَليقول الّذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلاً ) .

و إليك تفسير هذه الفقرات:

- أمّا الاَُولى : فيريد انّه سبحانه لم يجعل عدتهم تسعة عشر إلاّ للاِفتتان و الاختبار ، قال سبحانه : ( و اعلموا انّما أموالكم و أولادكم فتنة ) أي يختبر بهم الاِنسان ، فجعل عدتهم تسعة عشر يختبر بها الكافر و الموَمن ، فيزداد الكافر حيرة و استهزاءً و يزداد الموَمن إيماناً و تصديقاً ، كما هو حال كلّ ظاهرة تتعلق بعالم الغيب . يقول سبحانه : ( وَ إِذا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إيماناً فَأَمّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ* وَأَمَّا الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُون ) ، (5) .

ولا تظن انّ عمله سبحانه هذا يوجب تعزيز داعية الكفر، و هو أشبه بالجبر وإضلال الناس و وجه ذلك انّ الاستهزاء و الابتعاد عن الحقّ أثر الكفر الذي اختاره على الاِيمان ، فهذا هو السبب في أن تكون الآيات الاِلهية موجبة لزيادة الكفر و الابتعاد عن الحقّ ، و الدليل على ذلك انّ هذه الآيات في جانب آخر نور و هدى و موجباً لزيادة الاِيمان و التصديق.

- و أمّا الثانية: أي استيقان أهل الكتاب من اليهود و النصارى انّه حقّ وانّ محمّداً رسول صادق ، حيث أخبر بما في كتبهم من غير قراءة ولا تعلم.

- و أمّا الثالثة: و هي ازدياد إيمان الموَمنين ، و ذلك بتصديق أهل الكتاب ، فإذا رأوا تسليم أهل الكتاب و تصديقهم يترسخ الاِيمان في قلوبهم.

- و أمّا الرابعة : أعني قوله : ( ولا يرتاب الّذين أُوتوا الكتاب و الموَمنون ) ، فهو أشبه بالتأكيد للوجه الثاني و الثالث .

و فسره الطبرسي بقوله ، و ليستيقن من لم يوَمن بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) و من آمن به صحة نبوته إذا تدبّروا و تفكّروا.

- و أمّا الخامسة : و هي تقوّل الكافرين و من في قلوبهم مرض بالاعتراض ، بقولهم : ماذا أراد الله بهذا الوصف و العدد ، و هذه الفقرة ليست من غايات جعل عدتهم تسعة عشر ، و إنّما هي نتيجة تعود إليهم قهراً ، و يسمّى ذلك لام العاقبة ، كما في قوله سبحانه : ( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَونَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَ حَزَناً ) ، (6) ، و من المعلوم انّ فرعون لم يتخذه لتلك الغاية و إنّما اتخذه ليكون ولداً له ، كما في قول امرأته : ( لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُون ) ، (7)،  و لكن ترتبت تلك النتيجة على عملهم شاءوا أم أبوا .

و هكذا المقام حيث أخذت الطائفتان أي الذين في قلوبهم مرض و الكافرين بالاستهزاء، و قالوا : ( ماذا أراد الله بهذا مثلاً ) .

و قد فسر قوله ( الّذين في قلوبهم مرض ) بالمنافقين ، كما فسروا الكافرين بالمتظاهرين بالكفر من المشركين ، غير انّ هنا سوَال ، و هو انّ السورة مكية ولم تكن هناك ظاهرة النفاق و إنّما بدأت بالمدينة.

ولكن لا دليل على عدم وجود النفاق بمكة ، إذ ليس الخوف سبباً منحصراً للنفاق ، فهناك علل أُخرى و هي الاِيمان لاَجل العصبية و الحميّة أو غير ذلك . يقول العلاّمة الطباطبائي: " لا دليل على انتفاء سبب النفاق في جميع من آمن بالنبي بمكة قبل الهجرة ، وقد نقل عن بعضهم انّه آمن ثمّ رجع أو آمن عن ريب ثمّ صلح " .

على أنّه تعالى يقول : ( وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النّاسِ كَعَذابِ اللهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبّكَ لَيَقُولُنَّ إِنّا كُنّا مَعَكُمْ أَوَ لَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِين* وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقين ) ، (8 - 9)  .

ثمّ إنّه سبحانه يختم الآية بقوله : (كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ) ، أي الحقائق الناصعة و الآيات الواضحة تتلقاها القلوب المختلفة تلقياً مختلفاً ، يهتدي بها فريق ، و يضل بها آخر حسب ما يشاء سبحانه ، و ليست مشيئته سبحانه خالية عن الملاك و السبب ، فهدايته و إضلاله رهن اهتداء الاِنسان من هداياته العامة ، فمن استهدى بها تشمله هدايته الثانية ، و هي التي وردت في هذه الآية ، و من أعرض عنها فيشمله إضلاله سبحانه بمعنى قطع فيضه عنه.

الآية ليست من الاَمثال

و مع ما بذلنا من الجهد في تفسير الآيات ، فالظاهر انّها ليست من قبيل التمثيل لما عرفت من أنّه عبارة عن تشبيه شيء بشيء و إفراغ المعنى المعقول في قالب محسوس لغاية الاِيضاح ، ولكن الآيات لا تمتُّ إليه بصلة ، و إنّما هي بصدد بيان سبب جعل الزبانية تسعة عشر وانّ لها آثاراً خاصة.

و على ذلك فقوله سبحانه : ( ماذا أَرادَ الله بِهذا مَثَلاً ) ، أي ماذا أراد الله به وصفاً، فالمثل في هذه الآية نظير ما ورد في سورة فرقان حيث بعد ما ذكر انّ المشركين و صفوه بأنّه رجل مسحور ، قال: ( انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الاََمْثالَ ) أي انظر كيف وصفوك ، فليس مطلق الوصف تمثيلاً.

--------------------------------------------------------------

الهوامش

1 ـ المدثر:31.

2 ـ المدثر:26ـ 30.

3 ـ الدهم: الجماعة الكثيرة

4 ـ النجم:5ـ 6.

5 ـ التوبة:124ـ 125.

6 ـ القصص:8.

7 ـ القصص:9.

8 ـ العنكبوت:10ـ11.

9 ـ الميزان:20|90.

 


التمثيل السابع و الخمسون : لقمان الحکيم

التمثيل السادس و الخمسون : لقمان الحکيم

التمثيل الخامس و الخمسون : لقمان الحکيم

التمثيل الرابع و الخمسون : لقمان الحکيم

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)