الجريمة ... بين النظريات التقليدية و التفسيرات الحديثة
يمكن القول بأن أول تفسير لظاهرة الجريمة كان غيبياً ، انطلاقاً من أن المحاولات الأولى لتفسير الظواهر المحيرة للأنسان ، قبل ظهور العلم ، كانت تعزى الى قوى خارجية غير مرئية. و عليه كان ينظر الى المجرم في ذلك الزمان البعيد ، على انه شخص تملكته روح شريرة ، و هو تفسير ما يزال موجوداً في المجتمعات ، التي ينتشر فيها السحر ، أعني المجتمعات المتخلفة ، التي تعزو الأنحراف و الجريمة الى إغراءات شيطانية أو استحواذ جني أو عفريت على عقل الأنسان و روحه. و الخطير في هذا التفسيرالغيبي أنه لا يعد الفرد المجرم مسؤولاً عن جريمته ، الامر الذي أدى الى ظهور تفسيرات جديدة أطلق عليها (( التفسيرات الطبيعية Naturalistic Explanation) ) ، وقفت بالضد من التفسيرات الغيبية ، و سخرت من أن يكون للأرواح الشريرة و الشياطين أي دور في دفع الفرد نحو ارتكاب الجريمة ، و قالت بأن الأفكار و الأحداث الموضوعية و العلاقات القائمة في الواقع الذي يعيشه الفرد ، هي المسؤولة عن ذلك.
يمكن القول بأن أول تفسير لظاهرة الجريمة كان غيبياً ، انطلاقاً من أن المحاولات الأولى لتفسير الظواهر المحيرة للأنسان ، قبل ظهور العلم ، كانت تعزى الى قوى خارجية غير مرئية.
و بظهور علم الجريمة الكلاسيكي ، ( Classical Criminology ) جرى تحول بشأن فهم الطبيعة البشرية ، بتوكيده على أنها تمتاز بصفتين هما : العقلانية و الذكاء ، تمكنان الفرد من اتخاذ قراراته ، و ما يقوم به من أفعال ، و انه يعمل وفقاً لمصالحه ، و ليس اسيراً لقوى غيبية أو طبيعية . و عليه صار الإطار المرجعي يعزو الجريمة و الأنحراف الى الأنسان نفسه و ليس الى غيره ، فكان أن ظهر القانون الجنائي.
و بينما أسس علم الجريمة الكلاسيكي فكره على الأرادة الحرة و العقلانية الانسانية ، و أصرّ على العقوبة بهدف منع الجريمة و الوقاية منها ، ظهر علم الجريمة الوضعي ( Positive Criminology ) بوجهة نظر مناقضة تماماً ، تقوم على فكرة أن الأنسان غير حر في سلوكه ، بسبب عوامل بيولوجية و حضارية ، تدفعه للقيام بأفعال خارج ارادته ، بضمنها الانحراف و الجريمة . فكان أن انضوى تحت هذا المنظور نوعان من الحتمية ؛
- الأولى : الحتمية البيولوجية التي تنظر الى الصفات السلوكية بوصفها انعكاس لما يحمله الفرد من إرث وراثي ،
- و الثانية : الحتمية الثقافية ، التي ترى أن سلوك الأنسان ماهو الا انعكاس للخصائص الثقافية و الاجتماعية و الحضارية.
ثم ظهر في الستينات من القرن الماضي ما أطلق عليه الفكر النقدي ( Critical Thinking ) في السياسة و الأقتصاد و التربية و الأجتماع و القانون ، تجنب أصحابه اشكالية ما اذا كان سلوك الانسان حراً أم حتمياً ، و ركزوا في أهمية مساهمة الفرد في صنع عالمه الأجتماعي ، و نظروا الى الجريمة على أنها مجرد بناء اجتماعي ، و ان المجتمع وضع تعريفاً لها ، و على وفق هذا التعريف ، يختار مجموعة من الأفعال و الأفراد ، يجعلها موضوعاً لتعريفاته. و هو موقف ذاتي –على ما يرون – فالجرائم و صفات المجرمين ، تتحدد قانونياً ، و ليس بناءً على وجهات و خلفيات المجرمين.
و رأى بعضهم ، أن مفاهيم الجريمة و المجرمين ماهي الا وصمات او مسميات ( Labels ) ، تضفى على أفعال محددة و أفراد محددين . و كانت فضيلة هذا المنهج النقدي ، أنه استطاع أن يحول التفكير بأتجاه دراسة معنى الجماعة و آثارها السلبية في الفرد و المجتمع ، و إنه وجّه علم الجريمة النقدي الى دراسة مجموعة العمليات ، التي يمارسها المجتمع تجاه مجموعة من الناس و الأفعال ، و الكيفية التي يصبح من خلالها هؤلاء مجرمين و الأفعال جرائم . و مثال على ذلك أن معظم نزلاء السجون من الفقراء ، لا بسبب فقرهم ، انما القانون يطبق عليهم بصرامة، فيما لا يطبق بنفس الأجراء على مرتكبي جرائم الفساد المالي و الأداري ، لأنهم يكونون في العادة من الاغنياء ذوي الجاه و السلطان.
علم الإجرام
جغرافية الجريمة الحضرية
الظاهرة الاجرامية
نظريات الجريمة