• عدد المراجعات :
  • 1486
  • 8/30/2009
  • تاريخ :

معارض الكتب و دورها في تعميق الوعي الثقافي  

معرض الکتب

من التقاليد الثقافية الراسخة في البلدان و الامم المتطورة ، إقامة معارض الكتب بصورة شبه دائمة ، و الهدف من هذا قبل كل شي ، هو جعل الكتاب بمختلف مضامينه في متناول يد المواطن ، من اجل زيادة الوعي لديه سواء في الجوانب العلمية او الادبية او الثقافية عامة ، و لعل الامر لايحتاج الى كثير من التمحيص ، لكي نكتشف سبب اهتمام الشعوب المتطورة بإقامة معارض الكتب ، على الرغم من ان شبكة الانترنيت جعلت من الوصول الى أنفس الكتب ، و أندرها أمرا هيّنا لا يحتاج الى كثير من البحث او الجهد او حتى المال أحيانا ، و مع ذلك لازلنا نسمع بالمعارض ( المدوّية ) التي تُقام في بيروت او القاهرة او دبي او فاس في المغرب و غيرها ، ناهيك عن تلك المعارض العالمية المتكررة التي تقيمها ، و تشرف عليها المؤسسات الجامعية و غيرها في اوربا و الغرب عموما.

و لعل قائل يطرح علينا التساؤل التالي ، هل لدينا القدرة على التفاعل الايجابي مع الكتاب و معارضه ؟ ، و هل هناك إمكانية للمواطن البسيط على اقتناء الكتب مع ارتفاع ثمنها بصورة لافتة ؟ ، و هل يسمح لنا الظرف الراهن بالانشغال في مثل هذه الامور التي يعدّها البعض كمالية قياسا لاحتياجات الناس الاخرى كالمأكل و الملبس  وما شابه ؟!.

قد تبدو مثل هذه التساؤلات منطقية و قابلة للنقاش ، غير ان ذلك لا يلغي أهمية الكتاب و مضامنيه المتنوعة في إغناء الفكر الانساني الشعبي و غيره ، و لا يجب أن يكون هذا مبررا للعزوف عن الكتاب سواء من لدن المتخصصين او عامة الناس ، كما ان ثمة أمرا هاما ينبغي التنبّه إليه من لدن الجهات الرسمية المتخصصة ، و هو قصور الدور الرسمي في دعم الكتاب و في ترسيخ التقليد المتحضر للتعامل معه و أساليب نشره بين الناس كافة بمختلف اعمارهم و مشاربهم.

و هنا علينا ان نناقش هذا الموضوع بشيء من الاستفاضة و التروي ، و بدءً نسأل الجهات الرسمية المسؤولة عن توزيع الكتاب و عرضه في معارض متخصصة في المناسبات الوطنية و غيرها ، هل هي راضية عن دورها و جهدها المبذول بهذا الصدد ؟ ، و هل قدمت تسهيلات واضحة كي تجعل الكتاب في متناول يد القارئ بسهولة ؟ ، و هل قامت بدورها هي و من يهمهم الامر بتوعية الناس و إظهار الدور الهام للكتاب في زيادة وعي الناس و نشر و ترسيخ منظومة السلوك و الفكر المثقف بينهم ؟!.

إنها أسئلة هامة كما يبدو والأهم منها هو الاجابة عنها بصدق و بروح المسؤولية الانسانية و الاخلاقية و الوطنية في آن واحد ، و لعل الجانب المهم ايضا ، فيما يتعلق بهذا الموضوع أهمية ان لا يلجأ المعنيون الى لغة التبريرات و التهرب من المسؤولية ، بل على من يهمه الامر من الرسميين تحديدا ان يواجه الأسئلة ، و يجيب عنها بصدق و شجاعة ، و أن يطرح رؤاه بثقة و وضوح - سواء كان فردا او مؤسسة او منظمة ثقافية - تلك الرؤى التي تسهم بصورة او أخرى في ترويج ثقافة ( معارض الكتب ) و ترسيخها كتقليد انساني وطني متحضر، و سيبقى الهدف كما هو واضح تنوير الأوساط الشعبية بحُزَم فكرية ايجابية متواصلة لزيادة وعيها الانساني كونها من الشرائح الأكثر حاجة الى مثل هذه المضامين التي تحاول الارتقاء بها الى مصاف السلوك و التفكير المتنوّر.

و هنا تحديدا تتوجه التساؤلات الى الجهد الحكومي المختص بهذا الجانب ، و مدى ما قدمته المؤسسات المختصة من فعّاليات تصبّ في ترسيخ توزيع الكتاب و إيصاله الى القارئ العام ، الذي ينبغي ان يكون هو الهدف أكثر من غيره في هذا الجانب ، و لعل الجواب الذي سنتفق عليه هو ملاحظة غياب الجهد الحكومي أو ضعفه في افضل التقديرات ، حيث لم ترجع الانفاس كاملة الى معرض بغداد الدولي للكتاب على سبيل المثال ، و لم نجد بديلا ناجحا له ، ناهيك عن الانشغال بأمور و جوانب يضنها المسؤولون اهم من توصيل الكتاب الى القارئ ، و هم قطعا واهمون ، فالمواطن المتنوّر لا يُتعب حكومته إلاّ إذا كانت تستحق ذلك ، في حين ستجد فيه دعما كاملا لها في حال نجاحها في كسبه من خلال إدارتها الناجحة لشؤون الشعب و تنويرها له بزيادة وعيه و مهاراته السلوكية و الفكرية ، و لعل التجارب العالمية الراهنة قدمت و لا تزال تقدم لنا إشارات لا تقبل الشك بأن الشعوب المثقفة هي الأكثر استقرارا من غيرها و أن حكوماتها متوازنة و مقبولة كونها تتربع على عرش شعوب متنورة و أكثر وعيا من غيرها ، لذا سنكتشف بأن الجهد الحكومي المبذول في توعية الشعب من خلال نشر و توزيع الكتاب ، لن يذهب سدى بل سيصب في صالح الحكومات مثلما يصب في صالح شعوبها.

و لكي نسهم و نجتهد معا في ترسيخ تقاليد اقامة معارض الكتب نقترح الخطوات الاجرائية التالية :

1- أن تتضافر جهود الرسميين و الاهليين من المعنيين للعمل على جعل إقامة معارض الكتب ( الجوهرية و ليست الشكلية ) ظاهرة ثقافية راسخة في المجتمع .

2- أن يتدخل الجهد الحكومي بقوة و بصورة مخطط لها على نشر و توزيع و توصيل الكتاب من خلال المعارض الى اكبر عدد ممكن من القراء ، مع الاسهام الجاد في دعم اسعار الكتب.

3- الانفتاح على العناوين العلمية و الثقافية و الادبية و الدينية و غيرها مع التنبّه للمضامين التي لا تصب في صالح الوعي الانساني.

4- أن نعمل معا لا سيما المؤسسات الرسمية المعنية بنشر الكتاب ، على توظيف المناسبات الوطنية و غيرها لاقامة المعارض و توصيل الكتاب للقراء بأيسر الطرق و أسهلها و أقلها تكلفة.

5- أن يتدخل القطاع الخاص بقوة ( مع القبول بهامش خسارة مؤقتة ) ليسهم بتنشيط معارض الكتب ، و يعمل على تحويلها الى مصدر ربحي قادر على مجاراة الفعاليات الاقتصادية في المجالات الاخرى.

6- أن تحاول الجهات المعنية و جميع من يهمه الامر اكتشاف طرق جديدة لترويج الكتاب ، و إنعاش بعض مشاريع الترويج السابقة للتشجيع على اقتناء الكتاب كما حدثت موجة (كتاب الجيب) في اوربا قبل عقود.

و بذلك وغيره من الرؤى والمقترحات القابلة للتطبيق الملزم ، يمكن ان نسير في الطريق القويم الذي يضاعف من قداسة مضمون الكتاب ودوره في تكريس الوعي الانساني ، و يقرّب المسافات بين الحكومات و شعوبها التي ستصبح أكثر معرفة و وعيا لخفايا الحياة وظواهرها في الوقت نفسه.

علي حسين عبيد

المصدر: النبأ


الانفتاح الثقافي

الاستمرار في تنمية الثروة اللغوية

حوار بين الكتاب و التلفاز 

ممارسة القراءة بانتظام

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)