تنبیهات حول المبدأ والمعاد نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تنبیهات حول المبدأ والمعاد - نسخه متنی

حسن علی المروارید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


((870)) وقوله : خلق اللّه الارواح قبل الاجساد بالفي عام وقول امير المؤمنين وامام الموحدين (ع ) حين ساله حبر من الاحبار : هل رايت ربك حين عبدته ؟
فـقـال : ويلك ما كنت اعبد ربا لم اره , وقال : كيف رايته , او كيف الرؤية ؟ فقال : ويلك لا تدركه
الـعـيون في مشاهدة الابصار ولكن راته القلوب بحقائق الايمان ((871)) والرؤية العقلية لا يمكن
بقوة جسمانية .

وقـولـه فـي الـجـواب حـيـن سـئل عـنـه : كيف قلعت باب خيبر ؟ : قلعته بقوة ربانية , لابقوة
جسمانية ((872)) .

وعنه ا نه قال : الروح ملك من ملائكة اللّه , له سبعون الف وجه ((873)) .

وقـال روح اللّه الـمـسـيح بالنور الشارق من سرادق الملكوت : لن يلج ملكوت السموات من لم يولد
مرتين وقوله : لا يصعد الى السما الا من نزل منها.

اقـول : شـرافـة الانـسان وعظمته واعظميته وقدرته وقوته ورؤيته الاشيا كما هي ومشاهدته
ايـاهـاكـلـها ورؤيته عالم الملكوت وصيرورته عرش الرحمان الى غير ذلك ممالايناسب الجسم
والـقوى الجسمانية , كلها بالانوار الالهية من العلم والقدرة والقوة الربانية الخارجة عن ذاته , كما
ان رؤيته ربه انما هي بربه لا بذاته , فلا دلالة في شي منها على تجرد النفس الحاملة لتلك الانوار.

فـيـعـرف الانسان نفسه ا نه شي قائم بالغير , وان الغير مشيئه وقيوم ذاته آنا فنا ,وا نه مباين ذاتا
لقيومه الذي هو الشي بحقيقة الشيئية القائمة بذاته ازلا وابدا , وا نه حقيقة مظلمة عاجزة ذاتا , وان
كـمالاته التي لا تناسب المادية انما هي بوجدانه لتلك الانوار , من غير ان يصير شي منها داخلا في
ذاتـه , وا نـه فـي بـقائه وبقا كمالاته محتاج آنا فنا الى قيومه , وان ذاته ونفسه المشار اليها بلفظ
((انا)) زمانية مكانية معروضة للعوارض واللواحق المادية والجسمانية , كما مر سابقا , وسنذكره
في التنبيه الاتي ان شااللّه تعالى .

فـبـعرفان الانسان نفسه بالصفات المذكورة من الفقر والظلمة والحاجة , وان ما له من النعم انما هو
بالغير يعرف ربه بالغنى والقيومية وسائر الصفات الكمالية .

ولـيـس رجـوعـهـم الـيه تعالى بمعنى فنائهم واندكاكهم فيه , او عرفان ا نهم شؤون لذات واحدة
وتطورات لحقيقة فاردة , كما مر في كلمات المستدل .

بل لعله بمعنى رجوع العبد الى محضر مولاه راضيا عنه مرضيا له , نظير ما حصل للانبيا ولموسى
(ع ) , ولنبينا (ص ) في مقام الوحي والمكالمة .

فبملاحظة ان اللّه تعالى كلم جميع خلقه برهم وفاجرهم وردوا عليه الجواب ـ كمادل عليه قوله
تـعـالى : (واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى ) , المفسر في الروايات الكثيرة بما ذكر ـ
يـظـهـر صحة اطلاق الرجوع اليه تعالى على ما يقع لهم من عرض اعمالهم عليه ومن الخطاب منه
تـعالى لهم ليريهم ما اعد لهم من الثواب , كماان رجوع الكفار و الفساق اليه ان ما هو بمعنى توقيفهم
في موقف المحاسبة والعتاب عليهم واراة ما اعد لهم من جزا اعمالهم .

قـال اللّه تـعـالـى : (كـذلـك زيـنـا لـكـل امـة عـمـلـهـم ثـم الـى ربـهـم مرجعهم فينبئهم بما
كانوايعملون ) ((874)) .

وقال تعالى : (متاع في الدنيا ثم الينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديدبما كانوايكفرون ) ((875))
.

وقـال تـعـالـى : (واتـقـوا يـومـا تـرجـعـون فـيـه الـى اللّه ثـم تـوفـى كـل نـفـس ما كسبت
وهم لايظلمون ) ((876)) .

وقـال تـعالى : (يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي
جنتي ) ((877)) .

ومن مصاديقه ما رواه في البحار عن تفسير القمي , عن ابيه , عن ابن محبوب , عن الثمالي , عن ابي
جعفر صلوات اللّه عليه , قال : قال رسول اللّه (ص ) : لا تزول قدما عبديوم القيامة من بين يدي اللّه
حـتـى يساله عن اربع خصال : عمرك في ما افنيته ؟ وجسدك في ما ابليته ؟ ومالك من اين كسبته ,
واين وضعته ؟ وعن حبنا اهل البيت ((878)) .

ومـا رواه فيه عن امالي الصدوق باسناده عن رسول اللّه (ص ) ا نه قال لعلي بن ابي طالب (ع ) : اذا
كـان يـوم القيامة يؤتى بك يا على على نجيب من نور , وعلى راسك تاج قداضا نوره , وكاد يخطف
ابـصار اهل الموقف , فياتي الندا من عند اللّه جل جلاله : اين خليفة محمد رسول اللّه ؟ فتقول : ها
انا ذا , قال : فينادي (المنادي ) : يا علي وانت قسيم النار ((879)) .

ومـا رواه الكليني في الكافي مسندا عن ابي عبد اللّه (ع ) قال : ان اللّه عزوجل يلتفت يوم القيامة الى
فـقـرا المؤمنين شبيها بالمعتذر اليهم , فيقول : وعز تي وجلالي ما افقرتكم في الدنيا من هوان بكم
عـلي , ولترون ما اصنع بكم اليوم , فمن زود احدا منكم في دارالدنيا معروفا فخذوا بيده فادخلوه
الجنة ((880)) .

ومـا رواه الـقـمـي باسناده عن اميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه في ذيل قوله تعالى :(الاخلا يومئذ
بـعـضـهم لبعض عدو الا المتقين ) ((881)) , قال : ويؤتى بالمؤمن الغني يوم القيامة الى الحساب ,
يـقول اللّه تبارك وتعالى : عبدي كـثيرا ؟ قال : بلى يارب , قال : فما اعددت للقائي ؟ قال :آمنت بك , وصدقت رسلك , وجاهدت في
سـبـيـلك قال : فماذا فعلت فيما آتيتك ؟ قال :انفقت في طاعتك , قال : ماذا ورثت في عقبك ؟ قال :
خلقتني وخلقتهم , ورزقتني ورزقتهم , وكنت قادرا على ان ترزقهم كما رزقتني فوكلت عقبي اليك
فـيقول اللّه عزوجل : صدقت , اذهب , فلو تعلم ما لك عندي لضحكت كثيرا ثم يدعى بالمؤمن الفقير
فـيـقول : يا عبدي عـلـي , وكـفـفت عني ما لو بسطته لخشيت ان يشغلني عما خلقتني له فيقول اللّه عزوجل : صدقت
عـبـدي , لـو تـعلم ما لك عندي لضحكت كثيرا ثم يدعى بالكافر الغني , فيقول : ما اعددت للقائي ؟
فـيـعتل , فيقول : ما ذا فعلت في ما آتيتك ؟فيقول : ورثته عقبي , فيقول : من خلقك ؟ فيقول : انت ,
فـيـقول : من خلق عقبك ؟ فيقول :انت , فيقول : الم اك قادرا على ان ارزق عقبك كما رزقتك , فان
قـال : ((نـسـيـت )) هلك , وان قال : ((لم ادر ما انت )) هلك , فيقول اللّه عز وجل : لو تعلم ما لك
عـنـدي لـبـكـيـت كـثـيرا ثم يدعى بالكافرالفقير فيقول : يا ابن آدم ما فعلت في ما امرتك , فيقول :
ابتليتني ببلا الدنيا حتى انسيتني ذكرك , وشغلتني عم ا خلقتني له , فيقول : فهلا دعوتني فارزقك ,
وسالتني فاعطيك لو تعلم ما لك عندي لبكيت كثيرا ((882)) .

ومـا رواه فـي البحار عن امالي الشيخ بسنده عن محمد بن مسلم , قال : سالت اباجعفر (ع ) عن قول
اللّه عزوجل : (فاولئك يبدل اللّه سياتهم حسنات وكان اللّه غفورارحيما) ((883)) , فقال (ع ) :
يؤتى بالمؤمن المذنب يوم القيامة حتى يقام بموقف الحساب ,فيكون اللّه تعالى هو الذي يتولى حسابه ,
لا يطلع على حسابه احدا من الناس , فيعرفه ذنوبه , حتى اذا اقر بسيئاته قال اللّه عزوجل للكتبة :
بدلوها حسنات واظهروهاللناس فيقول الناس حينئذ : ما كان لهذا العبد سيئة واحدة الى الجنة , فهذاتاويل الاية , وهي في المذنبين من شيعتنا خاصة ((884)) .

التنبيه الثاني عشر : الفارق بين الروح والبدن اعراضهمـا.
تـحـصـل مـما ذكرنا ان ارواح البشر وابدانهم كليهما من اجزا المادة المخلوق منهاجميع الاشيا , والفارق بينهما اللطافة والكثافة وغيرهما من الاعراض , فيمكن تغلظالارواح بحيث ترى بالاعين
العادية , كما في الجان والملك ((885)) ويمكن تلطف الابدان حتى لا ترى ,ومما يدل عليه رواية
محمد بن مسلم عن ابي جعفر (ع ) , ورواية الاحتجاج عن الصادق (ع ) ((886)) وما ورد من ان
اللّه تـعالى خلق قلوب الشيعة اوارواحهم ـ على اختلاف التعبير في الروايات ـ مما خلق منه ابدان
الائمة (ع ) ((887)) .

ثم ان كون روح الانسان جسما لطيفا كالهوا المتحرك ـ كما هو المصرح به في الخبرين المتقدمين
ـ لا يـنـافـي اشـتـمالها على خصوصيات مادية محيرة للعقول , نظيراشتمال البدن الذي لا شك في
جـسـمانيته على خصائص عجزت الحكما والاطباالفحول عن احصائها ودرك حقيقتها , ولا ينافي
ايـضا اشتمالها على امور لا تناسب المادية , فان ذلك ناشئ من افاضة نور العلم والقدرة وغيرهما ـ
مـمـاليس من سنخ المادة وعوارضهاولا جز منها , ولا صادرا ومتولدا عنها ـ عليها وهذا هو الفارق
بـيـن روح الانـسـان وبين غيرها من سائر الاجسام اللطيفة والكثيفة , وكفى به فارقا وقد مر ان
هذاالنور يجده الانسان اجمالا , وكذا مغايرته اياه .

وقـد مر ايضا في مبحث العلم ان من طرق التنبيه الى وجود هذه الحقيقة ـ اي النورالعلمي ـ وا نه
خارج عن حقيقة الانسان ولا تصير جز منها ابدا : فقداننا اياه عند المنام وعند عروض الغشوة بعد
وجدانه , وكذا وجداننا بعد الفقدان , فان هذا الوجدان والفقدان وتداوم ذلك في جميع افراد الانسان
يـنبهنا على ان حقيقة الانسان مظلمة ميتة بالذات ,وان حياته وشعوره من اول العمر الى آخره انما
هي ببركة هذا النور الخارج عن حقيقته ,فعند الوجدان يحصل العلم للانسان , وعند الفقدان يجهل
او يحصل له النسيان , وكل ذلك لا بنحو الممازجة , ولا البعد والمفارقة .

وبـعـد وضـوح مغايرته لهذا النور نقول : مغايرة سائر الاشيا المعلومة بالحواس الظاهرة لهذا النور
اوضح , فان كل ما يدرك بالحواس الظاهرة من الجوهر والعرض مظلم ذاتا , والعلم المظهر له ذاته
النور , ومباينة نوري الذات مظلم الذات ظاهرة .

هـذا فـي الـمـعلومات الخارجية , اي المحسوسات بالحواس الظاهرة , واما المعلومات النفسية اي
الـمـتـصورات فحالها في كونها ظاهرة بنور خارج عن ذات العالم بها واضحة ايضا لمن عرف نور
العلم .

وقـد مر ان الدليل على ما ذكرنا كله هو نفس نور العلم الظاهر بذاته المعرف لغيره ,ولا بد للمعلم
ان يذكر به المتعلم , ولا طريق له عادة الا ذلك .

التنبيه الثالث عشر : يمكـن لكـل ذرة وجـدان العلـم والادراك .
قـد مر ايضا ان ما ذكرناه جار في كل شي بل كل ذرة من ذرات عالم المادة , اي يمكن ان تدرك تلك الـذرة كل امر يدركه الانسان , فان توقف علم الانسان على سلامة دماغه وبنيته انما هو من السنن
الـتي اجراها مسبب الاسباب بمشيئته , وهي وان لم تتخلف غالبا وبحسب العادة الا ان له تعالى شانه
افاضة نور العلم على كل جز يصدق عليه ا نه شي دو ن الجز المجاور له بدون تلك الاسباب , كما
شـا واذن لـكـل شـي ان يـسـبـح بحمده وان لم يفقه الناس تسبيحه وحمله على خصوص التسبيح
الـتـكـويـنـي اي بـلـسـان الـحـال لا موجب له , كما سبح الحصى في كف رسول اللّه (ص ) حتى
سمعه الناس ((888)) وتقدم ذكر الايات الدالة على شهادة الايدي والارجل وغيرها يوم القيامة بما
فـعله الانسان في الدنيا , والروايات الدالة على شهادة المكان وامثالها كثيرة في المعجزات المنقولة
عن الائمة (ع ).

التنبيه الرابع عشر : الانسـان يبقـى على جسمانيتـه .
قـد ظـهـر مـمـا سبق ان الانسان من مبدا خلقته الى منتهى ما يصل اليه من الكمال باق على ماديته و جسمانيته , وعلى فقره واحتياجه في بقا ذاته وجميع كمالاته المادية والمعنوية الى اللّه تعالى , ولا
يـدخـل فـي حد التجرد المصطلح بان تصير ذاته مجردة عن المادة ولواحقها فانية في حقيقة الحق
الـمـتعالي , بل هو في حال غناه ـ باستضاته من الانوار الالهية المنزهة دائما عن لوث المادية ـ باق
على فقره و محدوديته وماديته , كماهو مشهود له في كل يوم وليلة غالبا , فينبغي للمؤمن ان يشكر
اللّه تـعـالى دائما على نعمائه التي من اعظمها نعمة الوجود ـ اي الثبوت و الكون و الحصول (وقد
عـبـر امـيـرالـمـؤمنين صلوات اللّه عليه عن اول النعمة بقوله : ان خلقتني ) ـ والحياة والعلم و
العقل والهدايات العامة و الخاصة ((889)) , وان يتضرع اليه تعالى لتبقى له تلك النعم ولا تسلب منه
ـ لامكان زوالها في كل آن ـ ولطلب الزيادة وهذا مما علمنا اللّه تعالى بامره في كل صلاة بقراة قوله
تعالى : (الحمد لل ه رب العالمين ) الى قوله : (اهدنا الصراطالمستقيم ).

التنبيه الخامس عشر : زوال العـلم والهـدايـة بالكفـر والظـلم .
مـن مـوجبات زوال نعمة العلم و الهداية ومن موجبات الحرمان من الزيادة كفرانهابسبب الكفر باللّه تعالى وبرسوله , والتكبر , والظلم , والفسق , والكذب , وغير ذلك من المعاصي , كما قال اللّه تعالى
: (واللّه لا يـهدي القوم الظالمين ) ((890)) (واللّه لا يهدي القوم الكافرين ) ((891)) (واللّه لا
يهدي القوم الفاسقين ) ((892)) (ان اللّه لا يهدي من هوكاذب كفار) ((893)) (ان اللّه لا يهدي
من هو مسرف كذاب ) ((894)) (كيف يهدي اللّه قوما كفروا بعد ايمانهم ) ((895)) .

وبـعـد زوال النعم المذكورة قد يحصل الطبع و الختم على القلب , كما قال اللّه تعالى :(كذلك يطبع
اللّه عـلـى قلوب الكافرين ) ((896)) وقال تعالى : (كذلك نطبع على قلوب المعتدين ) ((897))
وقـال تـعالى : (كذلك يطبع اللّه على كل قلب متكبر جبار) ((898)) وقال تعالى : (ختم اللّه على
قلوبهم وعلى سمعهم وعلى ابصارهم غشاوة ) ((899)) .

التنبيه السادس عشر : محل الارواح والابدان الذرية بعد الميثاق وقبل الدنيا.
لم يتبين لي من الروايات المباركات حال الابدان الذرية بعد الاخراج من ظهر آدم واخذ الميثاق منها فـي الـمـرة الاخـيرة : هل اعيد جميع افرادها الى ظهره ثم جعل في صلب من قدر اللّه من اولاده
الـذكـور جملة مقدرة , ثم نقلها من صلب الى رحم ومن رحم الى صلب حتى انتهى كل واحد منها الى
صلب الاب , فصار بضم الاجزا المتحصلة من الاغذية اليه واقعا في منيه وانتقل منه الى رحم الام ,
فـصـار بعد الخلط بمني الام وتغذيته بدم حيضها بصورة العلقة ثم المضغة الى ان صار جثة سوية ؟
وهل الجميع بهذه الكيفية وبهذ الترتيب , او كان بعضها بترتيب آخر ؟.

وكـذا حال الارواح التي اخذ منها الميثاق : هل صار جميعها بعد اخذ الميثاق منهاميتة الا من استثني
من ارواح النبي الاكرم والائمة صلوات اللّه عليهم ؟ واين كان مكانها ؟.

وهـل الارواح التي تنفخ في راس الاربعة اشهر في ابدان الاجنة , هي تلك الارواح بعد صيرورتها
حـيـة بـنـور الحياة ؟ او كانت وهي ميتة كامنة في تلك الابدان ؟ كما هوالمحتمل من قوله (ع ) :
وفـيـها الروح القديمة , وا نه بها تتحول النطفة علقة ومضغة , فعليه يكون الذي ينفخ فيه في راس
الاربـعة اشهر روح الحياة المجردة عن المادة واوصافها , اوكان بعضها من قبيل الاول وبعضها من
قبيل آخر ؟.

نـعـم في الزيارة : اشهد ا نك كنت نورا في الاصلاب الشامخة والارحام المطهرة ((900)) , وفي
دعا يوم عرفة لابي عبداللّه الحسين صلوات اللّه عليه : خلقتني من التراب , ثم اسكنتني الاصلاب ,
آمـنا لريب المنون واختلاف الدهور و السنين , فلم ازل ظاعنا من صلب الى رحم في تقادم من الايام
الـماضية والقرون الخالية , لم تخرجني لرافتك بي واحسانك الي في دولة ائمة الكفر الذين نقضوا
عهدك وكذبوا رسلك ((901)) .

بـل فـي روايـة الـكافي والعلل بسندهما عن عبداللّه بن سنان , عن ابي عبداللّه (ع ) ,قال : لما امر
ابراهيم واسماعيل (ع ) ببنا البيت وتم بناؤه نادى : هلم الحج , فلبى الناس في اصلاب الرجال : لبيك
داعـي اللّه , لـبيك داعي اللّه عزوجل , فمن لبى عشرايحج عشرا , ومن لب ى خمسا يحج خمسا ,
ومن لبى اكثر من ذلك فبعدد ذلك , ومن لبى واحدا حج واحدا , ومن لم يلب لم يحج ((902)) .

التنبيه السابع عشر : علاقـة الـروح بالبـدن .
ظهر مما ذكرنا ان الطفل الخارج من بطن امه مركب من روح مخلوقة قبل الابدان ,كما في الرواية : خلق الارواح قبل الابدان بالفي عام , ومن بدن مركب من بدن صغير في غاية الصغرمتشخص ثابت
من اول خلقته في الذر الاول ـ وكان هو الحافظ للوحدة والشخصية في جميع الاطوار والازمان ـ
ومـن اجـزا متبدلة , كما هو المشهود ودعوى تبدل اجزاالبدن باسرها في كل اربعين يوما او ازيد
مجازفة خالية عن الدليل .

وقد اعمل في هذا البدن المركب من اللطائف و الدقائق ما حيرعقول ذوي الالباب .

وجـعـل ذلك البدن بمنزلة المركب والالة للروح يعمل بها الاعمال المناسبة لعالم الدنيا , وفي بعض
الاخبار تمثيلهما بالمقعد و الاعمى .

وتـظهر المغايرة والمباينة بينهما بملاحظة حال النوم , فانه وان لم يعلم حقيقة العالم الذي هو فيه ,
والـمـرئيـات التي يراها فيه , الا ا نه لا يشك في ان الرائي فيه هو نفسه اي شخصه المعبر عنه
بـالـروح , كـما لا يشك ان الرائي في اليقظة ايضا هو نفسه وشخصه الواردفي البدن , ويجد ا نه
غير هذا الجسد الملقى على وجه الارض .

ويـحـتـمـل قويا كون هذا العالم في باطن هذا الفضا الواقع بين الارض والسماالمسانخ للروح في
الـجـسمية و اللطافة , كما هو ظاهر غير واحد من الروايات المتقدمة في بعض التنبيهات السابقة
ويـمـكن تنظيره بالكهربا والاشعة المخفية النافذة في الهوا , وفي سائر الاجسام اللطيفة والغليظة
محجوبة عن الانسان سوى ما يراه منها وبالجملة : لم يثبت كون المرئى في النوم صورة محضة كما
توهم , نظير توهم كون الرائي والمرئي في البرزخ مجرد صورة بلا مادة .

فصـل : في احوال الروح في البرزخ .
وهو ما بين الموت ويوم القيامة :.

لا اشكال في حياة الروح في البرزخ , ويدل عليه من الايات المباركات :.

قـولـه تـعالى : (حتى اذا جا احدهم الموت قال رب ارجعون لعلي اعمل صالحا فيماتركت كلا انها
كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون ) ((903)) .

(ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل اللّه اموات بل احيا ولكن لا تشعرون ) ((904)) .

(ولا تـحسبن الذين قتلوا في سبيل اللّه امواتا بل احيا عند ربهم يرزقون فرحين بماآتاهم اللّه من
فـضـلـه ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم الا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون
بنعمة من اللّه وفضل وان اللّه لا يضيع اجر المؤمنين ) ((905)) .

(ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى ) ((906)) .

قـال الشيخ البهائي (قدس سره ) : ولا يجوز ان يراد به سؤ الحال في الدنيا , لان كثيرامن الكف ار
فـي الدنيا في معيشة طيبة هنيئة غير ضنك , والمؤمنون بالضد , كما ورد في الحديث : الدنيا سجن
المؤمن وجنة الكافر ((907)) انتهى .

وقوله تعالى في قوم نوح :(اغرقوا فادخلوا نارا) ((908)) , فانه لو كان المراد ادخالهم النار يوم
القيامة كان المناسب الاتيان بـ ((ثم )).

وقـولـه تـعـالـى : (الـنار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون اشد
العذاب ) ((909)) .

فعن ابي عبد اللّه (ع ) : ذلك في الدنيا قبل يوم القيامة , لان نار القيامة لا تكون غدواوعشيا , ثم قال
(ع ) : الم تسمع قول اللّه عز وجل : (ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون اشد العذاب ) ((910))
.

وقـوله تعالى :(يوم يات لا تكلم نفس الا باذنه فمنهم شقي وسعيد فاما الذين شقواففي النار لهم فيها
زفير وشهيق خالدين فيها مادامت السموات والارض الا ما شا ربك ان ربك فعال لما يريد واما الذين
سـعـدوا فـفـي الـجـنـة خـالـديـن فـيـهـا مـادامـت السموات والارض الا ما شا ربك عطا غير
مجذوذ) ((911)) .

وقـولـه تعالى : (جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب انه كان وعده ماتيا لايسمعون فيها لغوا
الا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا) ((912)) .

ويـمـكن ان يقال ـ بقرينة الرواية المتقدمة ـ كما عن تفسير القمي : ان هاتين الايتين ايضا ناظرتان
الى الجنة والنار في البرزخ ((913)) .

وقوله تعالى : (وجا من اقصى المدينة رجل يسعى ) ((914)) .

قـال الـسيد شبر في تفسيره : وهو حبيب النجار , (قيل ادخل الجنة ) قال : ذلك بعدموته او قتله ,
بـشـره الرسل به , او حين هموا بقتله فرفع الى الجنة حيا , (قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي
ربي و جعلني من المكرمين ) , تمنى علمهم بحاله , ليرغبوا في مثله انتهى .

وقـوله تعالى : (يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي
جنتي ) ((915)) .

وقوله تعالى : (فاما ان كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم ) ((916)) ,فان حرف الفا الدال
على التعقيب يدل على ان ذلك كان بعد موته .

وقـولـه تعالى : (يثبت اللّه الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة ) ((917)) , فان
الاخرة في مقابل الدنيا شاملة للبرزخ , كما يشهد عليه مناسبة هذه الاية لما يلقن به الميت عند دفنه .

والـروايات من طريق العامة والخاصة في حياة الروح في البرزخ وفي تفسير الايات المذكورة بها
متظافرة , ومقتضاها ا نه بعد ما تخرج الروح من البدن ويدخل البدن القبرترد روحه من راسه الى
اوساط بدنه , فياتيه الملكان ويسالانه ((918)) , وترد عليه الضغطة من قبره , وان لم يقبر فمن
الهوا ((919)) وقل من يسلم منها ((920)) .

والـظاهر ان السؤال والضغطة بالنسبة الى البدن بعد ولوج الروح فيه , اما على نحو لايتحرك معه
شـي من اعضائه لانجماد دمه وان لم ار فيه رواية ـ والمقصود بيان امكانه ـواما ان يقعد ـ كما في
رواية ـ ((921)) بتصرف في البدن والقبر او في فضا القبر , او في اعين الناظرين على نحو لا
يـرى اهل الدنيا ما هو فيه وما يرد عليه , ونظيره مروي في معجزات الائمة (ع ) , ثم يعاد البدن
عـلـى مـا كـان جـسدا بلا روح كما ورد في ضغطة القبرا نه بها تختلف اضلاعه ((922)) (اي
تـتداخل ) وفي بعضها ان البدن يذاب من مرزبة الملكين على بعض الكفار ((923)) , ويكون سائر
امور البرزخ بعد ذلك غالبا بالنسبة الى الروح فقط.

وبـالجملة فان مما يجب الاعتقاد به بقا الروح حيا في عالم البرزخ لغير واحدة من الايات المتقدمة ,
وللروايات المتواترة .

تنبيـه وتوضـيح .

الـروح حيث انها جسم رقيق ـ كما مر الدليل عليه ـ يمكن ان يكون بقاؤها بعدالموت عبارة عن بقا
شـخصها متمثلة , اي متشكلة بشكل الجسد , كما هو ظاهر رواية الكافي بسنده عن ابي بصير عن
ابـي عـبـداللّه (ع ) , قال : ان الارواح في صفة الاجساد في شجرة في الجنة تعارف و تسال , فاذا
قـدمت الروح على الارواح تقول : دعوها فانها قدافلتت من هول عظيم , ثم يسالونها ما فعل فلان ؟
ومـا فـعـل فـلان ؟ فـان قـالت لهم : تركته حيا , ارتجوه , وان قالت لهم : قد هلك , قالوا : هوى ,
هـوى ((924)) اقـول : وفـي رواية اخرى عن ابي بصير عنه (ع ) ا نهم في حجرات في الجنة
ياكلون ويشربون الخبر ((925)) ,وفي رواية اخرى عن ابي بصير عنه (ع ) ا نها في روضة ,
كـهـيـئة الاجـسـاد فـي الـجـنة ((926)) ففي كل واحدة منها ذكر حالة من حالات الروح تدل
على جسمانيته .

ويمكن تغلظها , كما ورد ان ابابكر راى رسول اللّه (ص ) بعدوفاته ((927)) وان الحسن ابن علي
صـلـوات اللّه عـليهما ارى بعض اصحابه اميرالمؤمنين (ع ) ((928)) , وان بعض اصحاب الائم ة
راى مـعـاويـة بـصـورة رجـل فـي عـنـقـه سـلـسـلة ((929)) ,ورئي عمر بن سعد بصورة
الـقردة ((930)) , وغير ذلك , اورد كثيرا منها في المجلد الثالث من البحار ((931)) , في باب
احـوال الـبـرزخ والـقـبـر وعذابه فان الروح كالملك , وقد ورد في رواية الاحتجاج عن رسول
اللّه (ص ) : ان الملك لا تشاهده حواسكم , لا نه من جنس هذا الهوا ((932)) , ويؤيده ما ورد في
رجوع اميرالمؤمنين (ع )من قليب بدر حاملا للما ((933)) .

ويـمكن تغلظه , كما رئي جبرئيل بصورة دحية الكلبي ((934)) , ورئي ايضا في غيرواحد من
المواطن , منها: لقوم لوط ((935)) , ورآه السامري كما في قوله تعالى : (بصرت بما لم يبصروا
به فقبضت قبضة من اثر الرسول ) ((936)) .

وكالجن حيث روي انهم غلظوا لسليمان يعملون له ما يشا ((937)) , ورئي ايضابصورة الثعبان في
مسجد الكوفة , رواه في البحار عن كتاب بشارة المصطفى , بسنده عن الصدوق عن جابر الجعفي ,
عـن جـعـفـر بن محمد (ع ) ((938)) ورواه في احقاق الحق ((939)) , عن العامة بطريقين :
احـدهـمـا عـن ابن حسنويه في درر بحر المناقب , يرفعه الى جعفربن محمد(ع ) , والاخر عن
القوشجي في شرح التجريد , واللفظ لرواية جابرالجعفي عن جعفر بن محمد (ع ) , قال : بينا علي
بن ابي طالب على منبر الكوفة يخطب اذاقبل ثعبان من آخر المسجد , فوثب اليه الناس بنعالهم , فقال
لـهم علي (ع ) : مهلا يرحمكم اللّه فانها مامورة , فكف الناس عنها , فاقبل الثعبان الى علي (ع ) حتى
وضـع فـاه على اذن علي (ع ) , فقال له ما شا اللّه ان يقول , ثم ان الثعبان نزل وتبعه علي (ع ) , فقال
الـنـاس : يـاامـيرالمؤمنين الا تخبرنا بمقالة هذا الثعبان ؟ فقال : نعم , انه رسول الجن ,قال لي : انا
وصى الجن ورسولهم اليك , يقول الجن : لو ان الانس احبوك كحبنا اياك واطاعوك كاطاعتنااياك لما
عذب اللّه احدا من الانس بالنار.

ورئي الـشيطان بصورة شيخ كان اول من بايع ابا بكر على منبر النبي (ص ) ((940)) ,وفي غير
ذلك من المواطن .

ويـمـكن بقا الروح بوجه آخر , وهو تعلقها ببدن مثالى كتعلقها في الدنيا بالبدن العنصري , كما هو
ظـاهـر روايـة ابـي ولا د الحناط عن ابي عبداللّه (ع ) : انهم في ابدان كابدانهم ((941)) , وفي
رواية ابن ظبيان : في قالب كقالبه في الدنيا فياكلون ويشربون ((942)) .

نـعـم لـم يثبت كون البدن المثالي مجرد صورة بلا مادة , لاحتمال كونه ايضا جسمارقيقا يتعلق به
الـروح الـتي لعلها ارق منه , كما تتعلق في الدنيا بهذا البدن المالوف وفي بعض الافراد احتمال تعلق
الروح بعد الموت في بعض الاحيان ببدنه الذي كان فيه في الدنيا , كما عن كامل الزيارات بسنده عن
عبداللّه بن بكير , عن ابي عبداللّه (ع ) ,قال :حججت مع ابي عبداللّه (ع ) ـ الى ان قال :ـ فقلت : يا
ابـن رسـول اللّه , لو نبش قبرالحسين بن علي هل كان يصاب في قبره شي ؟ فقال : يا ابن بكير ما
اعـظـم مـسائلك ويـحـبـرون ,وانـه لعن يمين العرش متعلق به يقول : يارب انجز لي ما وعدتني , وانه لينظر الى
زواره ,وانـه اعـرف بـهـم واسمائهم واسما آبائهم وما في رحالهم من احدهم بولده , وانه لينظر
الـى من يبكيه فيستغفر له ويسال اباه الاستغفار ويقول : ايها الباكي اكثر مماحزنت , وانه ليستغفر له من كل ذنب وخطيئة ((943)) .

ونـسـب الـى جماعة منهم الشيخ المفيد ـ (قدس سره ) ـ القول بان النبي والائمة من خلفائه ينقلون
بـاجـسـادهـم وارواحهم الى السما ((944)) وفي بعض الروايات ان بعض خلفا بني مروان مسخ
جـسده بعد الموت وزغا , وان بني امية يمسخون وزغا بعدموتهم ((945)) , وفي بعضها ان بعض
الكلاب مسخ من الجن و الانس ((946)) , ومر امكان ذلك بالقا البدن الاصلي الذري الباقي بعد موته
فـي مني الكلب , فينتقل الى رحم الانثى منه , فتتعلق به روح ذلك الانسان ,فيخرج بصورة الكلب مع
تـغـيير في مشاعره , فيكون هذا مسخا خفيا , وطرفا من خزيه وعذابه في البرزخ , دون العذاب
الاكبر في القيامة .

ومما ورد في الروايات ان في البرزخ جنانا ونيرانا , احداهما في المغرب والاخرى في المشرق ,
تـنـعـم او تعذب فيها الارواح في كل ليلة , وا نها ترد بعد طلوع الفجر الى الارض , اما الى وادي
السلام او الى برهوت , وادي حضرموت او الى مقابرهم , وا نهاتتلاقى في الهوا ((947)) , وان
عـدة مـنـهـا يـسـتـخـبـرون عـن اهـالـيـهـم فـي كل اسبوع او اقل اواكثر بصور العصافير
ونـحـوها ((948)) , بعد وضوح امكان ذلك وظاهرها انها ليست مجردصور بلا مادة فضلا عن
كونها من مبدعات النفس , كما توهمه بعض المذاهب المنحرفة .

وفـي الـخبر ايضا ان القبر اما روضة من رياض الجنة او حفرة من حفرالنيران ((949)) , وان
الـقـبر يوسع لبعض الاموات سبعة او تسعة اذرع ((950)) , او مدبصره ((951)) , او مسيرة
شهر ((952)) , ونحو ذلك .

ومـنشا عدم ادراك حقيقة هذه الامور : الجهل بما اودع اللّه تعالى في الاجسام من الخواص والقوى
والعوائق والاشعة والامواج والاستار الظاهرة والمستورة .

ويناسب هنا ذكر كلام المجلسي ـ (قدس سره ) ـ في البحار , فان فيه ذكرا لبعض ماذكرنا وزيادة
عليه قال : اعلم ان الذي ظهر من الايات الكثيرة والبراهين القاطعة هوان النفس باقية بعد الموت ام ا
مـعـذبـة ان كـان مـمن محض الكفر , اومنعمة ان كان ممن محض الايمان , او يلهى عنه ان كان من
الـمـسـتـضعفين , وترد اليه الحياة اما كاملا او الى بعض بدنه , كما مر في بعض الاخبار , ويسال
بعضهم عن بعض العقائد وبعض الاعمال ,ويثاب ويعاقب بحسب ذلك , وتضغط اجساد بعضهم , وانما
الـسؤال والضغطة في الاجساد الاصلية , وقد يرتفعان عن بعض المؤمنين , كمن لقن , كما سياتي ,
او مـات فـي لـيـلـة الـجمعة او يومها او غير ذلك مما مر , وسياتي في تضاعيف اخبار هذا الكتاب
ثـم تتعل ق الروح بالاجساد المثالية اللطيفة الشبيهة باجسام الجن و الملائكة , المضاهية في الصورة
للابدان الاصلية , فينعم او يعذب فيها ولا يبعد ان تصل اليه الالام ببعض ما يقع على الابدان الاصلية
لسبق تعلقه بها انتهى ((953)) .

تنبيـه : في دفع شبهتين اوردوهما من قديم الايام في المعاد الجسماني .
احـداهـما المعروفة بشبهة الاكل والماكول , وبيانها بنحو الاجمال ا نه لو اتفق اكل احد الانسانين ميتة الاخر لاجل المجاعة ونحوها , وصار جز منه بسبب الانحلال في معدة الاكل او بسبب آخر
كـوصـلـة جز من بدن احدهما ببدن الاخر جز منه , فلو كان المعاد في القيامة بالابدان ايضا فكيف
يكون الاعادة , وكيف الجزا بدخول احدهماالجنة والاخر النار ؟ هل يعاد مع روح احدهما خصوص جز لم يكن جز البدن الاخر ؟ وهذا لايكفي للترجيح المذكور ,
مع ان الجز الاخر ايضا جز من بدنهما ووقعت الطاعة والعصيان بكلا الجزاين منهما.

او يـعاد كل واحد من البدنين مع تعلق كل من الروحين بكل واحد منهما ,ويلزم منه كون كل شخص
منهما شخصين , وهذا لايمكن الالتزام به جدا.

ويلزم ايضا من تعلق كل واحدة من الروحين ببدن الاخر التناسخ المجمع على بطلانه وعلى كل حال
, كيف تكون مجازاتهما بدخول الجنة او النار , كما ذكرنا ؟.

وهذا احد ادلة المنكرين للمعاد الجسماني , وهم الملاحدة , او المؤولين له بان المراد من الجسم هو
الصورة الجسمى ة الخالية عن المادة (بتوهم صحة القول بان السرير سرير بصورته لا بخشبه , مع
وضوح بطلانه بان السرير سرير بكلا الامرين ,بل المادة وهو الخشب عمدتها).

ويـمـكـن دفع الشبهة بان المراد بالاعادة اعادة كل فرد من الانسان في القيامة بروحه وبدنه الذي
شـخصيته في الدنيا به , وبه اطاع اللّه او عصاه طول عمره , وهو البدن الواحدبالوحدة الشخصية
الباقي من اول خلقته الى آخر عمره في الدنيا او البرزخ و القيامة , لاالاجزا الحاصلة بالتغذية .

وحـيـث ان لـكل روح بدنا خصه اللّه تعالى بها فلا محالة يكون ذلك البدن محفوظامن ان يصير بدنا
اصليا لروح اخرى .

ومـنـه يظهر الجواب عن الاشكال بان البدن الاصلي الصغير غاية الصغر ربما يصيرجز من نطفة
تخرج من الاكل ويتشكل منها ولده , فيلزم ما ذكر من المحذورات .

ويدفع بان اللّه تعالى قادر على ان يحفظه من ان يصير جز من نطفة انسان آخر , بل من ان تصير من
الاجزا الفضلية ايضا.

وبـالـجملة : الذي يتحقق به اعادة الابدان للجزا في القيامة ـ التي دلت عليهاضرورة الاديان ـ هو
اعـادة الاجـزا الاصلية الباقية من اول خلقتها الى آخرها , المحفوظكل فرد منها من ان يصير بدنا
اصليا لفرد آخر من الارواح , وهو بمكان من الامكان ولايضر بما ذكرنا الزيادة والنقصان والتبدل
في الاجزا الفضلية التي هي بمنزلة الالات والادوات ليتمكن الانسان من الافعال ويدرك بها اللذائذ
والالام .

ويـسـتـفـاد مـا ذكرنا من الروايات المتقدمة , منها ما عن الكافي بسنده عن عمار بن موسى عن ابي
عـبـداللّه (ع ) , قـال : سـئل عن الميت يبلى جسده ؟ قال : نعم حتى لا يبقى له لحم ولا عظم , الا
طـيـنـتـه الـتـي خـلق منها , فانها لاتبلى , تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق منها , كما خلق اول
مرة ((954)) .

اما الشبهة الثانية فهي ان للنفس في جوهرها قوة الوصول الى كمال تستغني به عن المادة , بان تصير
صـورة مـحضة لا تحتاج في واقعيتها وفعليتها الى عروضها على شي من المادة , وفيها ايضا كمال ,
وفـوق الـكـمال المذكور , وهو الورود في نشاة العقول المجردة عن المادة و لواحقها , فاذا حصل
الـكمال الذي هو برزخ بين الجسمية المركبة من المادة والصورة وبين عالم العقول المجردة عنهما
يكون عودها و رجوعها القهقرى الى الجسمية المذكورة رجوعا عن مقام الفعلية الى مقام القوة , وهو
من المحال .

وفـيه : ان هذه الفكرة ليست الا مجرد توهم خال عن الحقيقة , فان حقيقة الانسان وان كانت محيرة
لعقول اعاظم البشر حيث اعمل فيها من الدقائق ولطائف الصنع التي قال اللّه تعالى في بيان خلقته اياها
: (فـتبارك اللّه احسن الخالقين ) ((955)) , الا ان روح الانسان ـ بمقتضى الروايات الواصلة عن
اهل بيت الوحي النازل عن خالق الاشيا ـجز من المادة التي خلق جميع الاشيا منهاالمعبر عنها مجازا
بـالما , وان بدنه جز آخرمن تلك المادة , والفرق بينهما ـ على ما نبهنا عليه في التنبيهات السابقة ـ
انما هو باللطافة والكثافة , وبعروض اعراض خاصة على احدهما , واعراض اخرى على الاخر.

وحـيـاة الـروح ـ الـحـيـاة التي بها تكون حيوانا وانسانا ـ بوجدانها العلم والقدرة بماللوجدان من
الـدرجـات ونـور الـعلم هو عين نور القدرة وعين سائر الكمالات النورية , من غير ممازجة بين
الـروح وبين تلك الكمالات , ومن غير ان تصعد الروح وترد في نشاة تلك الكمالات وتدخل فيها و
تـصير من سنخها , ومن غير ان تتنزل تلك الانوار وتصيرمن سنخ الروح , لتباين حقيقتهما وموت
الروح بفقدانها لتلك الانوار.

وحـيـاة الـبـدن بولوج الروح الحية بالانوار المذكورة فيه , وموته بخروجها ـ اي الروح ـ عنه
ومفارقتها اياه مفارقة كاملة , ونومه بخروجها عنه مع بقا علاقة بينهماـ لا نعرف حقيقتها ـ على ما
يظهر من الروايات .

وعـود الـبدن حيا في القيامة بجمع الاجزا المتفرقة المحفوظة عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في
الارض ولا في السما , والتئامها وتشكلها بالشكل الذي كان عليه في الدنيا , وتصوره بصورة قبيحة
او حسنة , وولوج الروح الحية فيه كما كان عليه في الدنياوحشره للحساب والثواب والعقاب جزا
بما عمل في الدنيا وكل ذلك بمكان من الامكان .

وورد فـي الـروايـات المعتبرة ما يظهر بالتامل فيه ان الفعلية التي توهم استحالة الرجوع منها الى
القوة , والاستدلال بذلك على استحالة عود الابدان على ما كانت عليه في الدنيا لا موضوع لها , ولا
اقل من عدم الدليل عليه , ولا يجوز الاعتقاد بخلاف ما دلت عليه الروايات .

بـل ان وقـوعـهـا فـينا في كل يوم و ليلة اقوى دليل على امكانه , فانا ـ مع ما في ابداننامن الصنائع
المحيرة للعقول ـ اذا نمنا بخروج الروح الحية عن البدن يسلب عن ارواحنا الشعور بنفسها , فضلا
عن غيرها ـ في النوم الذي لا نرى فيه شيئا من الرؤيا ـ مع ان الروح لم تعدم , فيظهر ان نور العلم
حقيقة ورا الارواح و الابدان .

/ 16