• عدد المراجعات :
  • 1863
  • 1/28/2012
  • تاريخ :

حقائق لابد أن يعيها الشباب في سيرهم التكاملي

حقائق لابد أن يعيها الشباب في سيرهم التكاملي

السالك إلى الله تعترضه عقبات كثيرة في سيره التكاملي نحو الله، وأن عليه أن يكون واعياً وحذراً في كل مراحل تقربه إلى الذات المقدسة، وإلا ربما تحول تقربه إلى الله إبتعاداً عنه، واتصاله به احتجاباً عنه.

هنا نريد أن نذكر شبابنا المسلم ببعض الحقائق المهمة التي يلزمهم أن يضعوها نصب أعينهم في سيرهم التكاملي نحو الحق والحقيقية، وأهم ما يلزمنا التذكير به هو:

أولاً: خطورة الخوض في المسلك الروحي والقضايا الغيبية من دون مرشد بصير، يرشد الشاب السالك إلى الله في كل مرحلة من مراحل جهاده في ذات الله إلى ما يلزمه التحفظ عليه وما يلزمه التحذر منه.

ومن الملاحظ أن الكثير من الشباب المتدين ولاسيما من يتمتعون بحس ديني مرهف وإرتباط قوي بالله، يواجهون مشاكل عدة في المجال الروحي، وهذه المشاكل إذا لم يستطع الشاب حلها من خلال عرضها على من يمتلك الخبرة والبصيرة في القضايا الروحية فإنها مؤهلة لأن تكبر وتتفاقم وربما تؤدي في نهاية الأمر إلى عواقب وخيمة تفسد على الشاب حياته وتفكيره وسلوكه.

ومن الخطأ أن يتصور الشاب أن مجاهدة النفس وتهذيبها وقطع تصرفات الشيطان اللعين عنها بالكلية مهمة يسيرة يتهيء له انجازها والقيام بها شخصياً ومن دون الاستعانة بخبرات وتجارب الآخرين ممن وفقهم الله تعالى في الخروج بنتائج إيجابية في المجال الروحي.

ثانياً: من الأمور المهمة للغاية في حركة الإنسان وسعيه من أجل توثيق ارتباطه بخالقه ومعبوده، الاتزان والاعتدال في علاقته بالدنيا من جهة، وبالآخرة من جهة أخرى، إذ من اللازم على الإنسان أن لا يتصور إن الارتباط بالله سبحانه وتعالى والتقرب إليه يعني قطع علاقته بالكلية مع الدنيا وعدم اعطاء نفسه حظوظها المباحة من متع الدنيا، وهذا ما نفهمه من قوله تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة). (الأعراف: 31 ـ 32)

وقال أمير المؤمنين (ع) في وصيته لابنه الحسن (ع): "يا بني للمؤمن ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها بين نفسه ولذتها فيما يحل ويحمد، وليس للمؤمن بد من أن يكون شاخصاً في ثلاث: مرمة لمعاش، أو خطوة لمعاد، أو لذة في غير محرم". 1.

ولا يتصور أن الآيات أو الأحاديث التي تحث على لزوم اعطاء الإنسان نفسه حظوظها من الدنيا تتنافى وتلك الأخبار الكثيرة التي تذم الدنيا وتدعوا الإنسان لقطع علاقته بها والزهد في متاعها ولذتها، بل مجموع هذين القسمين من الآيات والأخبار إنما يريد حفظ اعتدال الإنسان واتزانه بحيث لا يحصل عنده إفراط في جانب ولا تفريط في جانب آخر، وهكذا الأمر بالنسبة على الأحاديث التي تأمر بالإكثار من العبادة وفي مقابلها الاحاديث التي تمدح الاقتصاد في العبادة، وفي الجمع بين هذه الأحاديث والأخبار يقول الإمام الخميني (قده): "وما ورد في الأحاديث الشريفة: من الأمر بالجد والسعي في العبادة وما ورد فيها من المدح للذين يجتهدون في العبادة والرياضة، وما ورد في عبادات أئمة الهدى (ع) من جهة، وما ورد في هذه الأحاديث الشريفة المادحة للاقتصاد في العبادة من جهة أخرى مبنى على اختلاف أهل السلوك ودرجات النفوس وأحوالها، والميزان الكلي هو نشاط النفس وقوتها أو نفور النفس وضعفها".

ثالثاً: من المطبات الخطيرة التي يقع فيها البعض من جهلة المتظاهرين بالنسك والعبادة هو القول: بأن غاية العبادات والأعمال هو طهارة باطن الإنسان فإذا طهر باطنه وصفى سره فلا حاجة به إلى العبادات.

ونجد هذا الفهم المعوج والخاطئ لدور العبادة في حياة الإنسان قد بدء في الظهور منذ العصر الأول للإسلام حينما كان البعض يستدل بقوله تعالى: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوى وأحسنوا والله يحب المحسنين) (المائدة: 93) على أن الإنسان المؤمن يصح له أكل وشرب الحرام وأنه ليس عليه جناح في ذلك كما تدل عليه الآية مادام يؤمن بالله ويعمل الصالحات.

رابعاً: إن على الشاب المسلم وكل من يريد السلوك إلى الله والتقرب منه أن يعي أن التقرب إلى الله وتوثيق الاستصال بعالم الغيب لا يعني الانفصال عن هذا العالم الدنيوي، وعدم احساس الإنسان بمشاكل المجتمع ومعايشته لهمومه، وهناك فرق بين أن نقول: إن الإسلام وكل الشرائع السماوية تدعوا الإنسان إلى الترفع عن عالم المادة والتوجه إلى العالم الغيبي، وبين أن نقول: إن الإسلام والأديان الإلهية تريد قطع صلة الإنسان بعالمه الدنيوي وجعله مترفعاً عن الإحساس بهموم الناس ومشاكلهم.

فالأمر الأول صحيح وأما الأمر الثاني فلا، لأننا حينما نتفكر في نفس الغاية التي من أجلها شرع الله جل وعلا الدين وبعث الأنبياء والرسل (ع) نلحظ أنها ترتبط بالناس وبالمجتمع كل الارتباط ويكفينا التأمل في الآيات القرآنية التالية:

الأولى: قوله تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط). (الحديد: 25)

الثانية: قوله تعالى: (قد أنزل الله إليكم ذكراً رسولاً يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور). (الطلاق: 10 ـ 11)

الثالثة: قوله تعالى: (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور). (إبراهيم: 5)

فهذه الآيات الكريمة وغيرها كثير تدلنا على أن الغاية من بعث الأنبياء والرسل (ع) هي إقامة العدل في المجتمع وإخراج الناس من ظلمات الوهم والجهل والشرك إلى نور العلم والحقيقة والتوحيد الخالص لله وسبحانه وتعالى.

فهل كان بإمكان الرسل والأنبياء (ع) أن ينجزوا هذه المهمة ويقوموا بتلك الوظيفة وهم بعيدون عن الناس لا يدرون ما هي همومهم ولا يعون ما هي مشاكلهم؟

ولقد سعى الإسلام لمحاربة هذه النظرة الانزوائية والانعزالية التي يريد البعض من خلالها حصر الإسلام في دائرة ضيقة تنصب كل اهتماماتها على تضخيم المعاناة الذاتية للشخص وتتغافل كل أنواع المعاناة التي يعيشها الآخرون، حينما اعتبر العديد من مظاهر السعي الاجتماعي التي تستهدف حل مشاكل الآخرين والتفاعل معهم أفضل بكثير من مظاهر السعي الفردي التي تتأطر بالتفكير الضيق في قضايا الذات وهمومها الشخصية، ففي الحديث عن الإمام الصادق (ع):

"لقضاء حاجة امرء مؤمن أحب إلى الله من عشرين حجة كل حجة ينفق فيها صاحبها مئة آلف".2

وحدث اسحاق بن عمار عنه (ع) انه قال: "من طاف بهذا البيت طوفاً واحداً كتب الله عز وجل له ستة آلاف حسنة ومحا عنه ستة آلاف سيئة، ورفع الله له ستة آلاف درجة حتى إذا كان عند الملتزم فتح الله له سبعة أبواب من أبواب الجنة، قلت له: جعلت فداك هذا الفضل كله في الطواف؟ قال: نعم وأخبرك بأفضل من ذلك، قضاء حاجة المسلم أفضل من طواف وطواف وطواف حتى بلغ عشراً". 3.

وعنه (ع) أيضاً: "لأن أمشى في حاجة أخ لي مسلم أحب إلى من أن أعتق ألف نسمة وأحمل في سبيل الله على ألف فرس مسرجة ملجمة". 4.

خامساً: من المهمات التي يلزم التوجه إليها أن لا تكون الغاية لسعي الإنسان الروحي شيئاً آخر غير الله سبحانه وتعالى، فهو الغاية التي ينبغي أن يجعلها الإنسان لكل أعماله الخيرة وقرباته الصالحة، ولذا لا ينبغي للإنسان أن يندفع في العبادة ويكثر منها بغرض نيل الكرامات التي نسمع بصدورها كثيراً من أولياء الله تعالى، وليعلم الإنسان الذي يريد السعي إلى الله بقدمي الاخلاص والعبودية أن نيل الكرامة ليس هدفاً في حد ذاته، وربما كان اشتغال الإنسان واهتمامه بالكرامات من الحجب التي تحجب الإنسان عن الوصول إلى مقصده الأصلي من سعيه الروحي.

يقول الإمام الخميني (قده): "وإذا كان السالك في سلوكه إلى الله طالباً لحظ من الحظوظ النفسانية ولو كان هو الوصول إلى المقامات بل ولو كان هو الوصول إلى قرب الحق بمعنى وصول نفسه إلى الحق فليس هذا السلوك سلوكاً إلى الحق..، فالسفر إذا كان في مراتب النفس وللوصول إلى الكمالات النفسانية فليس بسفر إلى الله بل هو سفر من النفس إلى النفس".

هذه خمسة أمور مهمة أردنا من شبابنا المسلم الذي يسعى إلى التكامل والقرب من الله أن يأخذها في حسبانه ولا يغفل عنها، لأن الغفلة عنها ربما أدت إلى أن يتحرك الشاب المسلم في اتجاه معاكس لما يريده الله منه في الوقت الذي يعتقد أن سعيه الروحي يقربه من الله.

المصادر:

1- (بحار الأنوار 70: 65، حديث 6)

2- (أصول الكافي2: 193، حديث 4)

3- (أصول الكافي2: 194، حديث 8)

4- (أصول الكافي2: 197، حديث 4)


ابنتي مع أسرتك تجدين الحل

طريقة التعامل مع المراهقة

مشاكل المراهقة

نصائح للمراهقين لإكتساب الثقة بالنفس

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)