• عدد المراجعات :
  • 4042
  • 6/6/2007
  • تاريخ :

كيف تواجه الكآبة؟
فرح

إن (الكآبة السريرية) قد تكون شديدة الخطورة، وتتطلب عناية طبيب أو عالم نفساني مدرب على معالجة هذا الاضطراب، فإذا بقي مزاجكم العكر مسيطراً عليكم يوماً بعد يوم، وأسبوعاً بعد أسبوع، أو تحول كآبة واضحة، فعليكم بمراجعة طبيب.

ولكن يمكنكم أيضاً أن تساعدوا أنفسكم، وإليكم بعض الاقتراحات الصادرة عن مراجع رائدة في هذا المجال:

أولاً: أشغلوا أنفسكم بعمل بنّاء

يقول أحد الخبراء: "إن الكآبة تتغذى من الجمود، والحركة عدوها الطبيعي"، فكلما تكاسلتم زادت رغبتكم في الكسل، ولمحاربة الجمود فلابدّ من تدوين برنامج عمل يومي من الصباح إلى المساء، دوّنوا كل شيء بما فيه أوقات الاستحمام ووجبات الطعام. لأنكم إذا كنتم تعانون الكآبة حقاً فستبدو المهمات الصغيرة كبيرة في نظركم. جزّئوا النشاطات المعقدة إلى خطوات صغيرة منفصلة، فتبدو لكم أكثر قابلية للحل.

وإذا تبين لكم أن تحضير برنامج اليوم مشروع مستحيل، فاعملوا بنظرية أن الحركة تتقدم على الحافز أحياناً، وهذا يعني أن عليكم ألا تتوقعوا الشعور بدافع إلى الحركة لكي تتحركوا، لأنكم إذا بقيتم فريسة الكآبة فلن تشعروا أبداً بدافع إلى الحركة، وعوضاً عن ذلك عليكم أن تعدّوا العدة وتخطوا الخطوة اأولى وإن كنتم في حالة نفسية غير ملائمة.

لقد أثبت المتخصصون أن أفعالنا تترك أثراً بداخلنا، ففي كل مرة نقدم على الفعل، نكبِّر الفكرة الأساسية أو النزوع الأساسي الكامن وراءه. إن معظم الناس يفترضون العكس، أي أن طباعنا ومواقفنا تؤثر في سلوكنا. وفي حين أن ذلك صحيح الى درجة معينة، فإنه من الصحيح أيضاً أن طباعنا ومواقفنا (تتبع) سلوكنا. فقدرتنا على أن نخطط لأنفسنا طريقة جديدة للتفكير، لا تقل عن قدرتنا على أن (نفكر) لأنفسنا في طريقة جديدة للفعل.

هناك مبدأ أخلاقي يخصنا جميعاً وهو: هل نرغب في أن نغيّر أنفسنا تغييراً مؤثراً بصورة ما؟ وفي أن نرتفع بتقديرنا لذواتنا؟ وأن نصبح أكثر تفاؤلاً وأكثر التزاماً بمحيطنا الاجتماعي؟

حسناً.. إن الاستراتيجية الفعالة لذلك هي أن ننهض ونبدأ بعمل هذا الشيء بالذات، ولا يقلقك أنك لا تشعر بميل نحوه، تحايل على الأمر، تظاهر بتقدير الذات، تصنّع التفاؤل، تقمص روح الود والانفتاح على الآخرين وسوف ترى كم تتغير حياتك إلى الأحسن.

وهكذا فإن علينا مواصلة الحركة التي يمكن أن تطلق شرارة العواطف.

فأنت تشعر أنك في حالة مزاجية قلقة وعصبية، لكن عندما يدق جرس الهاتف فإنك تتصنع المرح وأنت تتكلم مع صديقك، والشيء الغريب أنك بعد أن تضع السماعة لا تعود تشعر بضيق الصدر. تلك هي قيمة المناسبات الاجتماعية، فهي تدفعنا لأن نتصرف كما لو كنا سعداء وهو ما يؤدي في واقع الأمر إلى تحريرنا من الشعور بالتعاسة.

إن من المسلّم به أننا لا نستطيع أن نتوقع من أنفسنا أن نصبح أكثر تفاؤلية، وأكثر ثقة من الوجهة الاجتماعية في ليلة وضحاها، لكن بدلاً من أن نسلّم أنفسنا برخاوة لطباعنا وعواطفنا الراهنة، فإن بإمكاننا أن نتجاوز أنفسنا خطوة بخطوة. وبدلاً من الانتظار حتى نشعر بأننا نرغب في إجراء تلك المكالمات مثلاً، أو الوصول إلى ذلك الشخص، يمكننا أن نبدأ على الفور بذلك، وإذا كنا بالغي القلق أو التواضع أو عدم الإكتراث، فإن بإمكاننا أن نتظاهر واثقين من أن التظاهر سيتلاشى ما أن تبدأ أفعالنا في توليد الشرارة بداخلنا، الشرارة التي ستقودنا إلى السعادة.

ثانياً: ساعدوا الآخرين

يزداد إيمان الأطباء بجدوى مبدأ (حب الآخرين) كوسيلة ناجحة للتوصل إلى صحة أفضل، ومن شأن العمل الطوعي والخدمة الاجتماعية وغيرهما من التصرفات الودية ـ كالتبضع لأحد العجزة مثلاً ـ أن تعطي نتائج علاجية. يقول فلورنس برت الذي يشرف على متطوعين في مدينة نيويورك: "تجد أنك تملك الحنو والتفهم فنقول لنفسك: أستطيع أن أفعل شيئاً فأنا لست نكرة" وإلى ذلك فإن الوحدة والابتعاد عن الناس سبب رئيس للكآبة.

ثالثاً: اجعلوا الفرح بنداً في جدول أعمالكم

كثير من الأشخاص المصابين بالكآبة يتخلصون عن التسليات التي تمنحهم متعة مما يزيد الأمور تعقيداً. ولتغيير نمط حياتكم ضمّنوا برنامجكم اليومي نشاطات مبهجة، ركّزوا على التفاعل الاجتماعي وخصوصاً اللقاءات مع الأصدقاء والمشاريع التي تشعركم بكفاياتكم ـ كأن تبرعوا في مهارة جديدة ـ وأحداث ممتعة.

حاولوا الابتسام أيضاً؛ يقول جايمس د. ليرد الطبيب النفساني في جامعة كلارك بولاية مساتشوستس: "أظهرت الدراسات الواسعة أن تصرفنا يقولب عواطفنا".

إن كنتم تشعرون بالقنوط فلا تجروا أرجلكم بل سيروا بنشاط. لا تجلسوا مترهلين بل منتصبين. لا تعبسوا بل ابتسموا. فالمحاولة وحدها قد تنقلكم إلى مزاج جيد، ذلك أن التعابير والأوضاع والحركات التي تنم عن الفرح تشعركم بالسعادة.

رابعاً: مارسوا الرياضة بانتظام

يقول أحدهم: "إذا ركضت فإني أشعر بتحسن لمجرد أني أنجز أمراً ما، ومهما يكن بؤسي كبيراً قبل الجري، فإنه يزول بعده وأشعر بالتحسن".

ويعتقد العلماء أن التمارين الرياضية كالمشي والجري والسباحة وركوب الدراجة تعزز الثقة بالنفس، وتزيد الإحساس بالعافية وتقوي العزيمة، وهي إذ تساعد المرء على الاسترخاء، تخفف منا لتوتر الذي يساهم في الكآبة.

خامساً: زيدوا نهاركم إشراقاً

كانت "أنجيلا" كاتبة ناجحة حرصت على سكنى الأماكن المشرقة، وذات شتاء اضطرت إلى العمل في منطقة عائمة كالحة على الدوام، فطغى عليها الكسل ولم تستطع إنجاز مشروع كتاب. وكانت تعاني اضطراباً عاطفياً موسمياً هو كآبة ناتجة عن حساسية تجاه الضوء، وكان يتزامن فيها هبوط المزاج مع اشهر الشتاء المظلمة.

وقد أظهرت الأبحاث أن التعرض للضوء سواء أكان من الشمس أم من وسائل اصطناعية، يساعد في الشفاء من هذه الكآبة الموسمية التي تصيب قلة من الناس، وكشف بعض الاختصاصيين أن أجهزة ضوئية ساطعة خاصة قد تكون مفيدة لكنها يجب أن تستعمل بإشراف طبي.

ويمكنكم أن تدخلوا مزيداً من الضوء إلى منزلكم بإحلال جو أكثر إشراقاً داخله، وباختياركم نشاطاً خارجياً تمارسونه خلال النهار، كالمشي أو الجري، تحصلون على ضوء طبيعي خلال فترة معينة يومياً.

ولكن قبل أن تنصرفوا إلى المعالجة الذاتية لما ترتابون في أنه كآبة طفيفة، اخضعوا لفحص طبي للتأكد من أن صحتكم جيدة. ثم ضعوا هدفاً تحققونه خلال أسبوعين، وتأكدوا أن قراركم مساعدة أنفسكم هو مفتاح شعوركم بالتحسن.

سادساً: اعرفوا تقلباتكم المزاجية

ليس الإنسان في حالة مزاجية واحدة، فهو أحياناً هادئ وأحياناً أخرى متوتر. والأمر لا يعود إلى أفعال إرادية دائماً، بل بعضها يرتبط بالتقلبات الجوية، وبعضها بالبيئة، وبعضها بما لا نعلم..

المهم أن علينا أن نعرف ماذا يدور في أمزجتنا، حتى لا نسمح لتعكر المزاج أن يفرض علينا شروطه.

وبالطبع، فإنه يمكن لتقلباتكم المزاجية أن تكون خدّاعة للغاية، فيمكنها وهي تفعل ذلك فعلاً، أن تقودك إلى الاعتقاد أن حياتكم أسوأ مما هي عليه فعلاً.

فعندما يكون مزاجك صافياً تبدو الحياة رائعة، حيث تنظر للأمور بمنظار سليم وتتمتع كذلك بالفطنة والحكمة، فمزاج الإنسان عندما يكون جيداً فإنه لن يرى أن الأمور على درجة كبيرة من السوء، بل تبدو المشكلات أقل صعوبة وأكثر طواعية للحل، وتنساب العلاقات والمحادثات مع الغير بكل يسر، وإذا حدث وانتقدك شخص ما، فإنك تتقبل ذلك بصدر رحب.

وعلى العكس؛ إذا كان مزاجك غير رائق فإن الحياة تبدو لك صعبة ومضجرة بدرجة لا تُحتمل، وتكون نظرتك للأمور غير سليمة، كما تأخذ الأمور بمحمل شخصي، وغالباً ما تسيء الظن بمن حولك، حيث تنسب إلى تصرفاتهم دوافع شريرة.

والمشكلة أن الناس لا يدركون أن أمزجتهم دائمة التقلب وبدلاً من ذلك يعتقدون أن حياتهم قد انقلبت إلى الأسوأ من السابق. ولذا، فإن الرجل الذي يتمتع بمزاج رائق منذ الصباح قد يشعر بالحب تجاه زوجته ووظيفته وأحبائه، وربما يشعر بالتفاؤل بشأن مستقبله وبالرضا عن ماضيه، ولكن في الظهيرة، إذا كان مزاجه متعكراً، فقد يقول: إنه يكره وظيفته، ويعتقد أن زوجته مزعجة، وأن اقرباءه لا يستحقون المحبة منه وأنه لن يحقق هدفاً في مستقبله العملي. ولو سألته عن طفولته لربما أخبرك أنها كانت صعبة للغاية، وربما ألقى اللوم على أبويه وعائلته.

قد تبدو هذه التناقضات السريعة والجذرية ضرباً من السخف، إلا أننا جميعاً سواء في ذلك. فعندما يتعكر مزاجنا نفقد نظرتنا الصائبة للأمور، ويبدو كل شيء كما لو كان سيئاً. وننسى تماماً أنه عندما يكون مزاجنا صافياً يبدو كل شيء على أفضل حال. إننا نتعرض لذات الظروف بشكل مختلف تمام الاختلاف، تبعاً لحالتنا المزاجية!، أما عندما يتعكر مزاجنا، فبدلاً من إلقاء اللوم على المزاج المتعكر نتجه إلى الشعور بأن حياتنا برمتها سيئة، وكأن حياتنا قد انهارت فعلاً في الساعة أو الساعتين الماضيتين.

بينما في الحقيقة، حياتنا لا تكون على نفس درجة السوء التي تبدو عليها عندما يتعكر مزاجنا. ولذا، فبدلاً من الاستمرار في الاعتقاد بأن الحياة هي فعلاً سيئة، عليك أن تتعلم التشكيك في هذا الحكم ومحاولة معرفة الدوافع ورائه في المزاج، فعندما يتعكر مزاجك، تعلم أن تنظر إليه على أنه: حالة طارئة قد تحدث لنا ولكنها سوف تزول مع مرور الوقت، إذا ما تركتها وشأنها. إن المزاج المتعكر لا يُعتبر الوقت المناسب لتحليل حياتك، ولذلك فهو بمثابة انتحار عاطفي.

فإن كان لديك مشكلة لها ما يبررها، فإنها ستبقى بعد تحسن مزاجك لتحاول إصلاحها، والحيلة في هذه الحالة تتمثل في أن تشعر بالامتنان عندما يصفو مزاجك، وأن تتقبل الأمور عندما يتعكر وألا تأخذها على درجة كبيرة من الجدية. وفي المرة التالية التي تشعر فيها بتعكر مزاجك، لأي سبب كان، فإن عليك أن تذكر نفسك بـ"إن ذلك أيضاً سوف يمر".

سابعاً: أشعروا قلوبكم بالرضا والسكينة

إن الشعور بالرضا والسلام، أمر يصنعه الإنسان نفسه وليس من الأمور التي تهبط عليه من دون إرادته.

فالقضايا المعنوية تتحرك من الداخل إلى الخارج، وليس العكس.

ومن هنا فإن الأشياء الخارجية، والمواقع المختلفة ليس لها إلا دور ضئيل جداً في منحنا شعوراً طيباً، فالإنسان الذي يشعر بالصفاء والرضا، سيكون كذلك مهما غيّر مواقعه وأينما عاش. والذي لا يشعر بذلك سوف لن يشعر بالرضا والصفاء، مهما غيّر مواقعه وأينما عاش.

إن العبارة التي تقول: "أينما تذهب فأنت هناك" لهي حقيقة بالقطع واليقين.

فليس صحيحاً أننا إذا غيّرنا مكان إقامتنا، أو بدّلنا ظروف عملنا، أو سكنّا بيوتاً أخرى، أو غيّرنا شريك حياتنا فإننا سنكون أكثر سعادة. فمن يضع على بصيرته حاجزاً أسوداً فإنه سيرى كل الأشياء سوداء، مهما غيّر مكان إقامته أو بدّل ظروف عمله، أو منزل سكنه.

والحقيقة هي أنك إذا كانت لديك بعض العادات الذهنية السيئة، كأن تشعر بالضيق بسرعة أو تغضب أو تصاب بالإحباط معظم الوقت، أو تتمنى لو كانت الأمور على غير ما هي عليه، فإن كل هذه الصفات لن تفارقك أينما تذهب.

والعكس صحيح تماماً، فإذا كنت شخصاً سعيداً فإنك نادراً ما تصاب بالضيق، حيث إنك في هذه الحالة يمكنك الانتقال من مكان إلى مكان، ومن شخص إلى شخص بأقل تأثير سلبي ممكن.

وقد سأل أحدهم ذات مرة من رجل: كيف حال الناس في بلدكم؟

فأجاب الرجل: وكيف هم في بلدك؟

فقال السائل: إنهم أنانيون وجشعون.

فقال المسؤول عنه: إنك لو جئت إلى بلدي لوجدت الناس هناك أيضاً أنانيين وجشعين.

منتصف عمر الإنسان نهاية حياة وبداية اخرى اكثر اتزاناً

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)