• عدد المراجعات :
  • 2008
  • 6/12/2011
  • تاريخ :

جزاء مخالفة الوجدان

الورد

إن من النتائج الوخيمة لمخالفة الوجدان، الاضطرابات الروحية والاختلالات النفسية. فإن من يمتنع عن سماع نداء الوجدان الأخلاقي ويقدم على الجرائم إرضاء لرغباته النفسية مخالفاً في ذلك فطرته الانسانية لا بد وأن يلاقي جزاءه الشديد من قبل الوجدان، بغض النظر عن العقاب الدنيوي والأخروي. وإن تعذيب الضمير وتقريع الوجدان من القوة في أعماق الروح الانسانية بحيث تسلب المجرم راحته وتتركه في دوامة من الاختلالات والأمراض الروحية أو الجنون.

"لقد أسند فرويد منظومته الفلسفية إلى الغرائز، ومن الواضح أنه أوضح بعضاً من نشاطاتها ولكنه أهمل البحث عن الوجدان أو الضمير واعتبره منفذاً اجتماعياً فحسب. أما الواقع فيرشدنا إلى أن قضاء الخير والشر عمل أساسي يغلب على الشخصية ويبلورها وينسقها ويلائم بينها وبين الحياة الاجتماعية... من الممكن أن يبتلي الوجدان بآفات معينة فيسبب حدوث بعض الأمراض الروحية الحقيقية. فمثلاً نجد الأمر كذلك في الهستيريا المصحوبة بيقظة الضمير والتي تظهر على صورة الندم القاتل واتهام النفس، والاحساس بالاجرام، هذه الآثار عبارة عن التعذيب الأليم والتقريع الشديد"1.

فإن من يمتنع عن سماع نداء الوجدان الأخلاقي ويقدم على الجرائم إرضاء لرغباته النفسية مخالفاً في ذلك فطرته الانسانية لا بد وأن يلاقي جزاءه الشديد من قبل الوجدان، بغض النظر عن العقاب الدنيوي والأخروي.

بإمكان المجرم أن يهرب من وجه العدالة وحكم القانون في المحاكم القضائية العالمية بطرق مختلفة، وينجو من العقاب في النهاية. وباستطاعته إغفال بعض الحكام عن طريق التهديد أو التطميع، أو عن طريق اليمين الكاذبة وشهود الزور... أما حاكم محكمة الوجدان البصير الحاذق فلا يغفل.

قد يتخلص المجرم من العقاب بواسطة الفرار من قاعة المحكمة، أو الفرار من أرض الوطن، أما محكمة الوجدان فانها تخضع المجرم لسيطرتها دائماً، فأينما يذهب تصحبه وتلاحقه... ذلك أن محكمة الوجدان عبارة عن ضميره الباطن ولا ينفصل عنه ضميره أبداً.

في بعض الأحيان تكون مظاهر تعذيب الضمير، وملاحقة محكمة الوجدان للمجرم، والضغط الروحي الشديد الذي يلاقيه منها واللوم القارع الذي يراه في أحكامها... مؤلمة إلى درجة أنها تبعث كل من يشاهده عن القلق والاضطراب. وعلى سبيل المثال نذكر قصة حياة الشاب الضابط الذي دمر (هيروشيما) بالقنبلة الذرية في الحرب العالمية الماضية.

جنون ضابط شاب

إن الوضع المؤلم لهذا الشاب الضابط الذي سبب الفناء والدمار لعشرات الآلاف من الرجال والنساء، والشيوخ الشباب والأطفال الرضع في لحظات قليلة أصدق شاهد على ما ذهبنا إليه قبل قليل. وإليك بعض الأخبار عن أيامه الأخيرة مقتطفة من الصحف الايرانية نقلاً عن وكالات الأنباء العاليمة.

"وكالة الأنباء الفرنسية. لقد أعلن اليوم اختفاء الضابط الأمريكي الطيار كلود إيترلي الذي دمر مدينتي هيروشيما وناغازاكي عام 1945 بأول قنبلة ذرية، منذ اليوم الثالث والعشرين من شهر تشرين الأول. لقد كان هذا الضابط الطيار مصاباً ببعض الاختلالات العصبية منذ مدة وكان خاضعاً للمعالجة في مستشفى (فالوا). لقد وجد كلود نفسه بعد انتهاء الحرب أمام الضربات الروحية القاصمة وذلك بعد اطلاعه على الخسائر التي تسبب فيها بقنبلته، إنه كان يجد نفسه المسؤول الأول عن قتل أهالي مدينة هيروشيما. إن معالجة الأطباء كانت عقيمة له، وأخيراً اضطر إلى أن يعيش في مستشفى الأمراض العقيلة"2.

"لقد نشرت الصحف الأمريكية الصادرة صباح اليوم في صفحاتها الأواى صورة ومشخصات (كلود إيترلي) ولقد طلب البوليس من الملايين من أبناء الشعب الأمريكي في التعاون معه للقبض على كلود إيترلي. والآن يقضي عشرات الملايين من الأمريكان أوقاتهم في البحث عنه حيث أنه أصيب بالجنون تماماً. إن أكثر العوائل الأمريكية لا تهنأ بالنوم طوال الليل خوفاً من كلود إيترلي لأن أصحاب العيادات النفسية قد أعلنوا عن: أن كلود إيترلي يرى نفسه السبب في مقتل عشرات الآلاف من أبناء الشعب الياباني ولذلك فهو يحاول أن يقوم بعمل خطير كعقاب لنفسه.

 أعظم وسام حربي: لقد فاز كلو إيترلي بعد تدميره لمدينتي هيروشيما وناغازاكي بنيل أعظم وسام حربي في أمريكا. وإن كلود إيترلي الذي انتخب من بين آلاف الطيارين يوماً ما لمهارته في قيادة الطائرة، ولأعصابه الفولاذية، والذي عهد إليه بإلقاء أول قنبلة ذرية... قد أصيب الآن بالجنون".

"إن عمر كلود إيترلي اليوم 40 عاماً. لقد قام في غضون السنوات الأخيرة بأعمال السرقة ومخالفة القانون عدة مرات، لكنه كان يعفى في كل مرة، نظراً لكونه في عداد أبطال القوة الجوية الأمريكية في يوم ما"3.

"لقد استعانت سلطات البوليس الأمريكي بأبناء الشعب في إجراء التحقيق مع كلود إيترلي، ذلك أن أطباء الأمراض النفسية كانوا قد أعلنوا: أنه لما كان الطيار الأمريكي السابق مصاباً بمرض روحي شديد، فمن الممكن أن يقوم بأعمال خطيرة تهدد الأمن العام، إن الطيار الذي دمر عام 1945 مدينتين يابانيتين كان يردد هذه الجملة منذ مدة: أنا قاتل الـ 150 ألف من الناس ولا أغفر لنفسي خطيئتي الكبيرة هذه. لقد مات في التدمير الذري من المدن اليابانية 150 ألف شخص على الأقل وكلود إيترلي يرى نفسه مسؤولاً عن قتل هؤلاء جميعاً. لقد عثر أحد رجال البوليس على كلود إيترلي في مدينة دالاس من ولاية تكساس عندما كانت سيارته واقفة عند أحد فروع شوارع تلك المدينة، وذلك لاشارة المرور الحمراء على الطريق..."4.

لقد كان الضابط الأمريكي الشاب ذا أعصاب فولاذية عند القيام بإلقاء القنبلة الذرية. وكان سليماً من حيث المقدرة البدنية، لقد فاز الضابط الشاب بنيل أعظم وسام حربي في أمريكا بعد التفجير الذري، وإن من المحتم أنه لاقى النجاح في مهمته تشجيعاً وتقديراً فائقين من حكومة الولايات لمتحدة الأمريكية... ولكن هذه العوامل كلها لم تستطع أن تنقذه من السقوط، وأخيراً أصيب بالجنون، إن إفناء 150 ألف شخص بين رجل وامرأة، وطفل وشاب... مخالفة صريحة للوجدان. إن الأعصاب الفولاذية، والطاقات الحيوية، وأعظم وسام حربي، وتشجيع واستحسان حكومة الولايات المتحدة وشعبها... كلها لم تستطع الوقوف أمام قوة الوجدان، فقد انتصر الأخير عليها جميعاً، وأصيب الشاب المسكين بالجنون وظهر بصورة موجود مفترس وخطير.

لقد كان البركان الثائر في نفس الشاب من جراء ردود الفعل الناشئة من وجدانه قوياً إلى درجة أن جميع المتخصصين بالعلاجات الروحية عجزوا عن معالجته، فلقد أخذ الضغط الشديد من قبل الضمير يقض عليه مضجعه يقظة ونوماً، وليس من البعيد أن يؤدي إلى موته.

------------------------------------------------------------

المصادر:

1- جه ميدانيم ؟ بيماريهاى روحى وعصبى ص 92.

2- جريدة إطلاعات الايرانية العدد 10377.

3- جريدة اطلاعات الايرانية العدد 10382.

4- جريدة اطلاعات الايرانية العدد 10392.


تنمية القابليات في باطن الإنسان

القابليات الروحية لدى الإنسان

التربية البدنية من وجهة نظر الإسلام

مناقشة نظرية نسبية الأخلاق

تربية اليتيم وموقف التعاليم الاسلامية

تربية العقل و تدبر العاقبة

عوامل التربية

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)