• عدد المراجعات :
  • 1600
  • 5/9/2008
  • تاريخ :

السيدة زينب(ع) و الشعائر الحسينية

السيدة زينب(ع)

قد اهتمت السيدة زينب (عليها السلام) بالشعائر الحسينية أكبر اهتمام، فعلاً وقولاً وتقريراً:

فبكت، وأبكت، ولطمت وجهها، ونطحت رأسها بمقدم المحمل حتى جرى الدم، وخطبت خطباً، وأنشأت أشعاراً، وعقدت مجالس العزاء والبكاء على الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام .

ففي صبيحة عاشوراء حينما كانت عند ابن أخيها الإمام السجاد عليه السلام تمرضه، سمعت أخاها الإمام الحسين عليه السلام يقول:

يا دهر أفٍّ لك من خليـل كم لك بالإشراق و الأصيل

إلى أخر الأبيات..

يعيدها المرتين أو الثلاثة، فلم تمتلك نفسها أن وثبت وخرجت حتى انتهت إليه (عليه السلام) منادية:

واثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن، يا خليفة الماضين وثمال الباقين.. فنظر إليها الإمام الحسين عليه السلام وترقرقت عيناه بالدموع قائلاً لها: يا أُخيّة.. لو ترك القطا يوماً لنام، فقالت:يا وليتاه … ذلك أقرح لقلبي وأشد على نفسي، ثم لطمت وجهها وهوت إلى جيبها فشقَّته وخرَّت مغشياً عليها(1) ـ كما في رواية الإمام السجاد عليه السلام ـ .

ولما كان اليوم الحادي عشر وأراد ابن سعد حمل النسوة والأسرى من آل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى الكوفة، طلبن النسوة أن يمروا بهن على مصرع أبي عبد الله عليه السلام والشهداء، فمروا بهن، فلما نظرن إلى القتلى صحن ولطمن الوجوه، وأخذت زينب (عليها السلام) تندب أخاها الحسين عليه السلام وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب:

يا محمداه، صلّى عليك مليك السماء، هذا حسينك مرمَّل بالدماء، مقطَّع الأعضاء، وبناتك سبايا، و إلى الله المشتكى… ثم بسطت يديها تحت بدنه المقدس ورفعته نحو السماء وقالت: إلهي تقبَّل منَّا هذا القربان، وفي الحديث: انها أبكت والله كل عدوٍّ وصديق(2).

وعندما أُدخل السبايا من آل البيت (عليهم السلام) الكوفة وأخذت أم كلثوم تخاطب الناس، إذا بضجة قد ارتفعت، فإذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين عليه السلام وهو رأس زهري قمري أشبه الخلق برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، ولحيته كسواد السبج قد انتصل منها الخضاب، ووجهه دارة قمر طالع، والريح تلعب بها يميناً وشمالاً، فالتفتت زينب (عليها السلام) فرأت رأس أخيها فنطحت رأسها بمقدَّم المحمل حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها، وأومأت إليه بخرقة وجعلت تقول:

 

  غاله خسفه فأبدا غروبا        يا هلالاً لمّا استتمَّ كمالا 

 

  كان هذا مقدَّراً مكتوبا         ما توهَّمتُ يا شقيق فؤادي 

فقد كاد قلبها أن يذوبا

 

  ماله قد قسى وصار صلبا         يا أخي قلبك الشفيق علينا 

 

  مع اليتم لا يطيق وجوبا           يا أخي لو ترى عليّاً لدى الأسر 

 

  بذلّ بغيض دمعاً سكوبا          كلّما أوجعوه بالضرب ناداك 

 

  وسكّن فؤاده المرعوبا            يا أخي ضُمّه إليك وقرِّبه 

 

  بأبيه، ولا يراه مجيبا              ما أذل اليتم حين ينادي(3)

وقد خطبت السيدة زينب (عليها السلام) عندما جيء بهنَّ أسارى إلى الكوفة، فأومأت إلى الناس بالسكوت والإنصات، فارتّدت الأنفاس وسكنت الأجراس، ثم قالت في خطبتها بعد حمد الله تعالى والصلاة على رسوله:

أما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختر والغدر والحدل…

أتبكون على أخي ؟! أجل والله فابكوا، فإنكم والله أحق بالبكاء، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً…

أتدرون ـ ويلكم ـ أي كبد لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فريتم؟ وأي عهد نكثتم؟ وأي كريمة له أبرزتم؟ وأي حرمة له هتكتم؟ وأي دم سفكتم؟!…

ثم أنشأت تقول:

  ماذا صنعتم وأنتم آخر الأمم؟          ماذا تقولون إذ قال النبي لكم 

 

  منهم أسارى ومنهم ضرَّجوا بدم؟     بأهل بيتي وأولادي ومكرمتي 

… إلى آخر الخطبة التي هزت ضمائر الناس وعروش الطواغيت، حتى قال الراوي: فلم أرَ والله خَفِرة أنطق منها، كأنّما تنطق وتفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام ..

وقال مشيراً إلى مدى تأثر الناس يومئذ بخطبتها: فوالله لقد رأيت الناس يومئذٍ حيارى يبكون وقد وضعوا أيديهم في أفواههم، ورأيت شيخاً واقفاً إلى جنبي يبكي حتى اخضلَّت لحيته وهو يقول: بأبي أنتم وأمي كهولكم خير الكهول وشبابكم خير الشباب ونساؤكم خير النساء ونسلكم خير نسل لا يخزي ولا يبزي.

وهنا قال الإمام زين العابدين عليه السلام : (يا عمة.. ـ أنت بحمد الله ـ عالمة غير معلَّمة، فهمة غير مفهَّمة)(4).

كما وقد أمرتنا السيدة زينب (عليها السلام) بإقامة مآتم البكاء على سيد الشهداء قائلة:

(يا قوم اِبكوا على الغريب التريب…)(5).

وهي (عليها السلام) التي استفادت من كل فرصة تتاح لها في ذلك، حتى أنها (عليها السلام) لما عادت إلى كربلاء مع حرم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) العائدات من الأسر وتراءت لهن القبور، ألقت بنفسها على قبر أخيها ثم أخذت تعدَّد مصائبها لأخيها وهي تبكي كالثكلى وترثيه بأبيات، فأنَّت وبكت بكاءً شديداً حتى أبكت أهل الأرض والسماء، كما ورد في الحديث(6)!!.

وقد تنبَّأت سيدتنا العالمة مستقبل القضية الحسينية، فقالت لابن أخيها الإمام زين العابدين عليه السلام :

( لقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمَّة، لا تعرفهم فراعنة هذه الأمة، وهم معروفون في أهل السماوات، إنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرَّجة، وينصبون بهذا الطف عَلَمَاً لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام، وليجهدنَّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد إلا ظهوراً وأمره إلا علواً)(7).

و قالت ليزيد: (… فإلى الله المشتكى و عليه المعوَّل، فَكِدْ كَيْدك، واسعَ سَعْيَك، وناصِب جُهدك، فوالله لا تمحو ذِكْرنا، ولا تميت وَحْينا، ولا تُدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عاره

الهوامش:

1- عوالم العلوم.. سيدة النساء : ج2 ص962 .

2- راجع بحار الأنوار : ج45 ص58 . عوالم العلوم: سيدة النساء: ج2 ص964. مقتل الإمام الحسين عليه السلام للسيد المقرم: ص396.

3- بحار الأنوار: ج45 ص115

4- بحار الأنوار:ج45 ص162، اللهوف على قتلى الطفوف:ص64.

5- ناسخ التواريخ: ج2 ص522 . و(رياض الشهادة)، و(مفتاح البكاء).

6- ناسخ التواريخ: ج2 ص504 .

7- كامل الزيارات: ص263 .

8- اللهوف: ص79 .

 

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)