• عدد المراجعات :
  • 1792
  • 3/12/2008
  • تاريخ :

بحثاً عن الحقيقة ..لماذا الخلافة والإمامة
علي ولي الله

    هذا السؤال يرجعنا إلى أعماق التاريخ كي نلقي نظرة على تاريخ البشرية ونتبصر في امتيازها على كثير من الموجودات المحيطة بها حيث جاء في القرآن الكريم (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)(1). فقد امتاز الإنسان بعقله وبصيرته واختياره في سلوكه طريق الخير والشر. ولكنه متى يبقى مفضلاً ومتى يسقط إلى اسفل السافلين؟

الا انه إذا اتبع عقله وخالف هواه وعرف انه مفضل عند الله فحينئذ عليه أن يتحرى ما عليه من التكليف حتى يصل إلى مقام القرب الربوبي. وبما أن الإنسان قاصر عن فهم الواقع وما وراء الظواهر من التكليف وقد قال عز وجل (هو الذي أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً)(2) وجاء أيضاً (يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا)(3) فكيف يفهم ما عليه من التكليف بنفسه واستقلاله؟! والتكاليف تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية التي لا يمكن الوصول إليها عبر الظواهر فلذا احتاج إلى مرشد مرتبط بالسماء كي يأخذ عن الله تعالى ويبلغ البشر به ومن هذا المنطلق جاءت النبوات منذ أن وجد الإنسان الأول وبدأت الأديان حتى يعرف الإنسان كيفية ارتباطه بالله تعالى. واما السؤال متى يسقط الإنسان عن مقام التفضيل إلى اسفل السافلين؟

ألا انه يسقط إذا اتبع هواه وضل عن طريق الله الذي فضله كما قال تعالى (افرايت من اتخذ إلهه هواه واضله الله على علم) (4). فتراه حينئذ يصل إلى مرحلة يقول الله جل وعلا عنها، (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا) (5) وليس هذا المثال مرتبط باليهود بل هو جار في كل الأمم التي تركت تكليفها مع العلم به بل قد يكون مقامه انزل من ذلك كما جاء في قوله عز شأنه (فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث) (6) وقد يكون أضل من ذلك كما قال سبحانه (أولئك كالأنعام بل هم أضل)(7) وسبب كونه أضل لأنه مفضل عن الأنعام بالعقل ولكنه ترك عقله وصار في تصرفه كالأنعام التي لا عقل لها فهو امتاز في خلقه ولكنه صار في خُلقه كالأنعام ولكن كيف يخرج عن ضلاله؟ ألا إن ذلك منحصر بالطريق الذي عينه الله له وهو اتباع النبوات.

لماذا استمرت النبوات؟

بما أن البشر في بداية أمره كان بسيطاً في حياته فكانت حاجاته على قدر بساطة حياته وكلما اتسعت رقعة البشرية واتسع وجودهم على هذه البسيطة وانتشروا فيها وساروا في مناكبها وتوسعت حياتهم فازدادت حاجتهم إلى أمر السماء فلذا جاءت النبوات تترا كي ترتبط الإنسان بمختلف أوضاعه ومستوياته بالله تعالى لان الدين هو الذي يؤمّن الإنسان وينظم حياته من أول وجوده إلى آخر يوم من بقاءه ويعرفه كيفية ارتباطه بالله تعالى بل ويبيّن له كيفية معاشرته مع باقي الناس وافراد نوعه فليس الدين يأخذ بيده في جانب العبادات بل ينظم كل حياته بالقوانين الإلهية التامة التي جاءت كل يوم تكمل جانباً من جوانب الحياة ولم تنزل عليه دفعة واحدة لئلا يختل النظام ويلزم منه نقض الغرض الذي جاءت النبوات لاجله وهو تنظيم معاشه ومعاده والسبب في ذلك يكمن في عدم قدرة البشر على استيعاب القوانين دفعة واحدة ويوجب ذلك النفور والخروج عن الشريعة. واستمرت النبوات لاستمرار حاجة البشر إليها على الدوام وكانت السنن الإلهية أن كل نبي إذا عرف دعوة ربه نصب شخصاً على أمته ينوب منابه ويقوم مقامه ليمشي بهم على نهجه وشريعته ثم لبّى دعوة ربه، نعم هذا ما نعرفه من التفاتنا إلى تاريخ البشرية حتى وصلت البشرية إلى مرحلة كمالها في الاستيعاب والأخذ والفهم ومرادنا من وصول البشرية إلى مرحلة كمالها ليس هم فئة خاصة دون فئة أو في مكان دون آخر بل على نحو العموم بنظرة عامة فجاءت حكمة ربنا بختم النبوات بخاتم الرسل نبيّنا محمد (ص) (ما كان محمداً أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما)(8).

فهل ختمت النبوة واستغنى البشر عن ارتباطهم بالسماء أم ان الاحتياج مزروع في وجودها؟ والإنسان بفطرته يعرف أنه محتاج دائماً إلى رعاية السماء واستجابة لهذه الحاجة كان في اللطف الإلهي ضرورة بعث الأنبياء والرسل كما قال جل ذكره (ثمّ أرسلنا رسلنا تترى) (9) وقال أيضاً (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) (10) ولكن لما ختمت النبوة هل انغلق الباب والطريق عليهم؟ كلا بل كانت السنة الإلهية في الأمم الماضية أن يقوم وصيّ مقام النبي يسير على هداه وهذه هي الخلافة والإمامة. وهل انغلق هذا الباب على الأمة المرحومة؟ كلا بل انغلاق الباب يوجب تغيّر وتبدل السنن الإلهية (سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا) (11) (ولن تجد لسنة الله تحويلا) (12) فإذن توجد في هذه الأمة ما كان في الأمم السالفة من قيام شخص مقام النبوة يسير على هدى النبوة واستمراراً للنبوة وتلبية للحاجة البشرية ولكن بما أن الدين قد اكتمل (اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (13) فلذا لا داعي حينئذ للنبوة فجاءت الخلافة والإمامة.

 تاريخ الخلافة

متى بدأت الخلافة

بدأت الخلافة منذ أن وجد الإنسان الأول كما جاء في القرآن الكريم (اني جاعل في الأرض خليفة) (14) ومقام الخلافة كما يفهم من القرآن، الكريم إنها مقام حمل الأمانة الإلهية وفيها إشارة بل وضوح إنها مقام المعرفة ومقام حمل العلم الإلهي الذي يحتاجه الآخرون فقد قال جل شأنه في تلك الحكاية (وإذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم ما لا تعلمون * وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم * قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبئهم بأسمائهم قال ألم اقل لكم اني اعلم غيب السماوات والأرض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون) (15) والتأمل والتدبر في هذه الآيات يعطيك أن الله جل وعلا لما أراد أن يجيب الملائكة عن اعتراضهم أوقفهم مقام العلم وأن كانوا قد تكلموا بالتسبيح والتقديس وبيّن لهم مقام الخلافة إنها مقام التعليم الإلهي ومقام العلم الذي لم تصل الملائكة إليه (لا علم لنا الا ما علمتنا) ومن السير في آيات الذكر الحكيم يعلم وظيفة الخليفة كما جاء في الكتاب الكريم (يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) (16) فالخليفة هو الموظف من قبل الله تعالى لاقامة الحق والحكم به وقال أيضاً عن داود وسليمان (ولقد آتينا داود وسليمان علماً) (17) لان سليمان وريث داود كما جاء (وورث سليمان داود) النمل 16 فورث مقام داود بل وقام مقامه وذلك المقام مقام الخلافة الذي لا يخلو من التعليم الإلهي ومن وظيفة الخليفة أيضا الإصلاح كما جاء في حكاية موسى وهارون (وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) (18) ومن هذه الآيات يعلم أولا: إن هذا المقام يكون بالجعل الإلهي حيث هو جعل آدم وداود خليفة وكذلك موسى بالجعل الإلهي جعل هارون خليفة عنه فهي أما مباشرة من الله تعالى أو بواسطة نبي، وثانياً: إنها تشتمل على التعليم الإلهي. وثالثا: وظيفة الخليفة التعليم (ويعلمهم الكتاب والحكمة) (19) واقامة الحق والإصلاح. نعم الخلافة قد تجتمع مع النبوة كما في الآيات السابق ذكرها أو دون تعرض إلى مقام النبوة كما جاء في الآية الشريفة (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات) (20) فالخلافة سمة إلهية تمتاز بأنها تعطى افضل الرعية ليقودهم إلى الكمال وإلى مقام القرب الربوبي.

فربّنا جلّ قدره لعلمه بباطن البشر وصلاح ذاته وامتياز جوهره حيث أن الناس معادن كما جاء في الحديث النبوي الشريف (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة) فيختار ربنا من أجود أنواع المعادن خلفاء ليقيم بهم البشرية وليس للإنسان أن يتبرع بذلك من نفسه أو يختاره جماعة من الناس (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة) (21) لان الخلافة تقوم مقام النبوة بعد النبي (ص) كما جاء في قوله (ص) يا علي أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي وعلى ضوء ما مضى نعرف أن الخلافة والإمامة مستمرة ما دامت البشرية على وجه الأرض دون انقطاع وإنها تقوم مقام النبوة وإنها بالاختيار والجعل الإلهي ووظيفتها وظيفة النبوة دون أن تكون معها النبوة بعد نبيّنا (ص).

ومن هنا نبدأ بالسؤال متى بدأت الدعوة إلى الخلافة والإمامة في الإسلام؟

وهذا السؤال يجيب عليه تاريخ الرسالة المحمدية وإعلانها حيث انه لما نزلت الآية الشريفة (وانذر عشيرتك الاقربين) فدعاهم إلى دار عمّه أبي طالب وهم يومئذٍ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه وفيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب فاطعمهم وفي آخر ما قال رسول الله (ص) يا بني عبد المطلب اني والله ما اعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد امرني الله أن أدعوكم إليه فآيكم يؤازرني على أمري هذا على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم فاحجم القوم عنها غير علي وكان أصغرهم إذ قام فقال انا يا نبي الله أكون وزيرك عليه فاخذ رسول الله رقبته وقال إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له واطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.

أخرجه بهذه الألفاظ وقريب منها جماعة من المؤرخين والمحدثين منهم:

1ـ تاريخ الطبري ج2 ص319، 2ـ الكامل في التاريخ ج2 ص62، 3ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج3 ص210 وص244، 4ـ السيرة الحلبية للحلبي ج1 ص311، 5ـ منتخب كنز العمال بهامش مسند احمد ج5 ص41، 6ـ شواهد التنزيل ج1 ص371، 7ـ كنز العمال ج15 ص115، 8ـ تاريخ ابن عساكر ج1 ص85، 9ـ التفسير المنير للحاوي ج3 ص118، 10ـ تفسير الخازن لعلاء الدين الشافعي ج3 ص371، وغيرهم من المحدثين لا يسع هذا المختصر نقله.

ومن هذا تعرف كيف اقترنت الخلافة مع النبوة من يومها الأول بل واستمرت هذه السيرة النبوية الشريفة بتطبيق بعض الآيات القرآنية وبيان الولاية والخلافة والإمامة وشروطها ومن هو أهل لها وكيف يبين الدين للناس ما هو مستحب ومندوب عند الأكل والشرب ودخول الحمام والخروج منه وكثير من الصلوات المندوبة بل وكثير من الأمور التي لا تحتل الأهمية الكبرى في حياة الناس حتى في كيفية المشي والسلام والمعاشرة وغير ذلك ويترك لهم أهم شيء يقوم به الدين الحنيف وسيستمر به وهو أمر الخلافة والإمامة فقد ظلموا رسول الله (ص) بقولهم لم يفكر بالأمة ولم يترك وصياً وخليفة وإماما مع انه كان مهتماً بأمر السماء من يومه الأول بذلك وكان يتماشى بالإمامة مع نبوته (ص) بل استمر بذلك ببيان وافي في مواقف كثيرة قد تصدت كتب الصحاح الشريفة لبيان جملة منها وسنقف على جملة منها في طيّ البحث إنشاء الله.

وقبل الدخول فيها نستنير ببصائر القرآن الكريم حول الإمامة وشروطها ووظائفها.

 بصائر الإمامة في القرآن الكريم

جاءت الإمامة في القرآن الكريم ضمن ضوابط خاصة ولنتدبر الآيات التالية:

وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال اني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريّتي قال لا ينال عهدي الظالمين. (22)

وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات واقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين. (23)

وجعلنا منهم أئمة يهدونا بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون. (24)

فنرى أن الإمامة أعطيت إبراهيم بعد الامتحان والابتلاء وقد تكون مع النبوة كما في إبراهيم وقد تكون دون نبوة كما في الآية الثالثة حيث لم يتعرض إلى مقام النبوة وانما وصفهم بالصبر واليقين (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) والتبصر في الآيات يعطيك أن جملة من الامتحانات التي مرّ بها إبراهيم من مجابهة قومه والخروج عنهم إلى التغرب وابتلائه بالنار النمرودية وبعد ذلك ابتلائه بتغرب أهله عنه واسكانهم بواد غير ذي زرع وبعد ذلك كله ابتلاه الله بذبح ابنه بعد كبر سنه فوجده قد سلم أمره لله تعالى هو وابنه كما قال (فلما اسلما وتله للجبين) (25) ومن هذا نعرف وصوله إلى أعلى درجات الصبر مع وصوله إلى اليقين كما قال جل شأنه (كذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) (26) ومن سؤال إبراهيم الإمامة لذريته حيث قال (ومن ذريتي) يعلم إنها بيد الله وطلبها إبراهيم لذريته وليست هي بيد الناس ولو كانت دون جعل إلهي لما طلبها فالإمامة لا تكون الا منصب معطى من قبل الله تعالى فلذا جاء في سورة الزخرف آية 28 (وجعلها كلمة باقية في عقبه) وكذلك يفهم هذا المعنى من قوله تعالى (واجعلنا للمتقين إماما) (27) فيفهم من كل ذلك إنها بالجعل الإلهي فقط ضمن ضوابط خاصة أهمها الصبر واليقين ولكن هاتين الصفتين من أمهات صفات الكمال التي تستبطن مجموعة أخرى من الصفات حيث أن الصابر هو المتقي الذي صبر على طاعة الله وعن معصية الله وعلى نوائب الدهر وهو الذي صح اعتقاده فوصل إلى مرحلة اليقين فرأى ملكوت السماوات والأرض واطلع على حقائق الأشياء وبواطنها والصابر هو الذي شملته العناية الإلهية وغمره اللطف الإلهي فقال عظمت آلاؤه (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) (28) ومنه يعرف انهم مهتدون بهداية رحمانية خاصة فشملتهم تلك الرحمة المتعقبة للصبر واليقين (عليهم صلوات من ربهم ورحمة) فالأئمة الذين يختارهم الله مهتدون بهداية ربانية فيصح الاقتداء بهم (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) (29) وهم أحق بالاتباع من غيرهم (افمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي الا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) (30) وبما أن الله تعالى اختار من جواهر الناس الاصلح وجعل وظيفتهم الهداية للناس والصبر (يهدون بأمرنا لمّا صبروا) و (وأوحينا إليهم فعل الخيرات واقام الصلاة وكانوا لنا عابدين) فهذه من وظائفهم وكما مرّ في بحث الخليفة أن وظيفته إقامة الحق والعدل والإصلاح كما قال (يا داود انا جعلناك خليفة فاحكم بين الناس بالحق) و(إذ قال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي واصلح) ومن هذه البصائر يظهر أن الأئمة هم الذين يتصفون بهذه الأوصاف فلذا أمر المتقين أن يكونوا معهم لان الله معهم (إن الله مع الصابرين) وقال في أمره (يا أيها الذي آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (31) والصادقون هم الصابرون حيث بين ذلك يقوله جل شأنه (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) (32) وهؤلاء هم الذين امرنا الله تعالى ان نطيعهم وقرن طاعتهم بطاعته حيث قال (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الأمر منكم) (33) فهل يتصور أن الله تعالى يأمرنا بطاعة أولى الأمر وهم يخطئون أو يأمرون بما لا يرضاه الله أو يتسلط عليهم الشيطان؟ وكيف يقوم الإنسان الذي لا يمتاز عن المجتمع بصفات الكمال مقام النبوة والرسالة الإلهية؟

نعم قد امرنا الله تعالى بطاعة أولى الأمر ثم بيّن من هم؟ ألا انهم هم الصادقون والمهتدون والمتقون والصابرون والموقنون وهم الذين علمهم الله من لدنه علماً فقال (واتقوا الله ويعلمكم الله) (34) وقد طهرهم الله تعالى كما قال عزّ اسمه(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (35). جاء في صحيح مسلم بسنده عن صفية بنت شيبة قالت قالت عائشة خرج رسول الله (ص) وعليه مرط مرجل من شعر اسود فجاء الحسن بن علي فادخله ثم جاء الحسين فادخله معه ثم جاءت فاطمة فادخلها ثم جاء علي فادخله ثم قال (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجل أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (36) وصحيح الترمذي ج5 ص30 ومسند احمد 1 ص330 والمستدرك على الصحيحين للحاكم ج3 ص133 والمعجم الصغير للطبراني ج1 ص65 وشواهد التنزيل ج3 ص11 وتاريخ ابن عساكر في ج1 ص185 وكفاية الأثر للكنجي ص45 وغيرهم من عشرات المحدثين.

فانظر إلى عائشة أنها تروي الحديث ولم تنسب إلى نفسها أنها دخلت تحت الكساء أو شملتها آية التطهير فالقول بان آية التطهير تشملها يكذبه القرآن الكريم لانه يقول إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس بصيغة الفعل المضارع ولم يذهب عنها الرجس حيث خرجت على الخليفة وإمام زمانها وقد حذرها رسول الله (ص) من ذي قبل من أن تكون التي تنبحها كلاب الحوئب ولم تشملها الآية جزماً فالقول بذلك كذب صريح يكذبه عشرات الروايات من عشرات من المحدثين فاهل بيته الذين نزلت فيهم آية التطهير هم الذين قال عنهم (ص) (مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق) كما جاء في مستدرك الصحيحين ج2 ص343 وفي حلية الأولياء ج4 ص306 واحياء الميت للسيوطي ومنتخب كنز العمال ومسند احمد ج5 ص92 وبألفاظ أخرى جاء في المعجم الصغير للطبراني ج1 ص139 ونور الأبصار للشبلنجي ص104 وغيرهم من عشرات المحدثين راجع ج9 من إحقاق الحق حديث السفينة. وهم أهل بيته الذين قال عنهم اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي فتأمل في مجموع الأحاديث تقف على حقيقة ما قلنا. نعم فقد طهرهم الله من كل ما يصدق عليه انه رجس ولكي نفهم طهارتهم لابد أن نرجع إلى القرآن الكريم حيث قابل الرجس بالطهارة ولنرجع بصورة موجزة ونأخذ منها محل الشاهد فمن آيات الذكر الحكيم قوله تعالى:

فاجتنبوا الرجس من الأوثان(37) ـ فالذين طهرهم الله لم يكن لهم تعلق بصنم ووثن ولا يعتقدون بها لأنها رجس وهذا كما نقول لعلي (كرم الله وجهه معناه انه لم يسجد لصنم قط).

كذلك يجعل اله الرجس على الذين لا يؤمنون(38) فهم مبرؤون من عدم الإيمان لانهم كلهم إيمان بالله كما بيّن رسول الله (ص) ذلك في معركة الأحزاب (برز الإيمان كله للشرك كله) لما برز علي … لعمر بن عبد ود العامري.

وقال عن المنافقين (فاعرضوا عنهم انهم رجس) (39) فهم مبرؤون من النفاق وهكذا جاءت تبيّن الطهارة من الرجس ببيان مصاديق الطهارة والرجس حتى يعرف انهم مطهرون ومبرؤون من كل دناءة ورجس حتى أنواع التعلق بالمال حيث قال جل ذكره.

خذ من أموالهم صدقة تطهرهم بها ـ وقال (فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلكم خير لكم واطهر) (40) فمقام الإمامة التي أوجب الله لها طاعة عباده هي الخالية من كل التعلقات التي لا ترجع إلى الله تعالى كما جاء في قوله تعالى (الا من اتى الله بقلب سليم) وقد جاء في معناه حسب الرجوع إلى آيات القرآن هو الخالي من التعلقات ومن غير الله تعالى ويكون هو حرم الله ولا يوجد فيه سوى الله تعالى فهو ظرف النبوة والإمامة واهل أن يقرن طاعته بطاعة الله ورسوله. وغير هذا القلب الذي لا يحمل هذه الصفات ولا يكون مستغرقا بالله تعالى لا نطيعه بل قد نهانا عن ذلك فقال جل شأنه

 

1ـ (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا) (41) والذين قلوبهم معمورة بذكر اله تعالى فالشيطان بعيد عنهم وليس له سبيل عليهم.

ولذا قال جل ذكره

2ـ (استحوذ عليهم الشيطان فانساهم ذكر الله) (42) فمن يتسلط عليه الشيطان ينسيه ذكر الله فلا يصلح للإمامة ومن يعترف أن له شيطاناً يعتريه كيف يصلح لها؟ ـ وقد نهانا الله تعالى عن طاعته ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا بل قلوب الأولياء وقلوب الطاهرين ليست فقط ذاكرة لله بل وجله منه كما جاء في قوله عزّ سلطانه

 3ـ (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) (43) فإذا كانوا كذلك فهل شيء يأخذ بمجامع قلوبهم من الدنيا؟ فقد جاء قوله تعالى

4ـ (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله) (44) فقلوبهم غير ساهية ولا لاهية بغير الله تعالى بل ذاكرة بل اكثر من ذلك لو لا ذكر الله لاضطربوا كما قال جلّ ذكره

5ـ (الا بذكر الله تطمئن القلوب) فقلوبهم معمورة ومطمئنة بذكر الله تعالى حتى صارت أهلا للتعليم الإلهي (وعلمناه من لدنا علماً) (45) فوصلوا من تلك المقامات والصفات الكمالية العليا إلى الاطلاع على كتاب الله تعالى وقد ذكر عظمت نعماءه (قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) (46) فليس المراد بمن عنده علم الكتاب هم أهل الكتاب كما قد توهمه البعض وهل هم يشهدون على رسالة الحق وقد حاربوه وكانوا قد عرفوا الحق من قبل وكانوا يستفتحون به ثم لما جاءهم كفروا به فهل يشهدون بالحق وقال عنهم (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم) (47) فهو الشاهد كما قال ويتلوه شاهد منه فالشاهد على صحة الرسالة هو معجزة الرسالة الخالدة وهو الإنسان الكامل (هو علي بن أبي طالب … وكان من غرض الرسالة تربية إنسان كامل دون نبوة وقد حصل ذلك وشاهد صدق على أن الشاهد والشهيد الذي عنده علم الكتاب في الآية الشريفة (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) هو علي … قوله (ص) المشهور والمعروف (انا مدينة العلم وعلي بابها) ولا بأس بان نطلع على آيات الذكر ونرى مدى التعليم الإلهي والعلم الذي اطلع عليه ذلك الشخص ويعلم ذلك من الآيات التي تعرضت للعلم الذي احتواه الكتاب الكريم حتى يعرف منه العالم به ومن تلك الآيات قوله تعالى:

ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين. (48)

لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا اصغر من ذلك ولا اكبر إلا في كتاب مبين. (49)

وما من دابة في الأرض الا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين. (50)

وما من غائبه في الأرض ولا في السماء الا في كتاب مبين. (51)

وما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم الا في كتاب. (52)

فهل هذا الكتاب والكتاب المبين هو القرآن أو غيره؟ فذلك يفهم من القرآن الكريم حيث قال (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) (53).

فالقرآن الكريم أودع فيه أسرار الملكوت وعلم كل شيء والذي اطلعه الله عليه وقد علم ذلك لأنه وصفه ومن عنده علم الكتاب فالناس في أمور معاشهم ومعادهم لابد إليه يرجعون بعد النبي (ص) فلذا جاء على لسان الأكابر احتياج الكل إليه واستغنائه عن الكل دليل على أنه إمام الكل ومع معرفة ذلك يتجلى بوضوح قوله تعالى (يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات) (54) فإذا كان إيمانه في القمة ومعرفته كذلك وعلمه غزيرا علم بالكتاب الكريم ووجدت فيه صفات الإمامة من الصبر واليقين حتى قال (لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً) هو الذي يرشح للامة والخلافة الإلهية التي هي بالنص الإلهي على لسان رسوله (ص) فالتدبر في آيات الذكر الحكيم (أفلا يتدبرون القرآن، أم على قلوب أقفالها) (55) يعطينا هذه الفكرة عن الإمامة فهل للعاقل المنصف ان يتخلى عنها؟ كلا بل يتخلى عن غيرها ويتحلى بها وحينئذ تتجلى له المعارف الإلهية واحدة تلو الأخرى وهذا بعض الكلام في طريقة طرح القرآن الكريم للإمامة والأوصاف التي لها والوظائف التي عليها من ضم بعض الآيات إلى بعض ولا نكون ممن قال الله تعالى فيهم (افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) (56) بل نؤمن بالكتاب كله.

واليك نماذج من القرآن الكريم في بيان الولي والخليفة والإمام وأوصافه نزلت بالتدريج للبيان على طول خط الرسالة المقدسة فمنها (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (57). فقد اخرج الثعلبي في تفسيره بإسناده عن أبي ذر الغفاري قال أما اني صليت مع رسول الله (ص) ذات يوم فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئاً وكان علي راكعاً فأومأ بخنصره إليه فاقبل السائل حتى اخذ الخاتم من خنصره فتضرع النبي (ص) إلى الله عز وجل يدعوه فقال اللهم إن أخي موسى سألك (قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اشدد به آزري واشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيراً انك كنت بنا بصيرا) (58) اللهم واني عبدك ونبيّك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي اشد به ظهري. قال أبو ذر فو الله ما استتم رسول الله (ص) الكلمة حتى هبط عليه الأمين جبرئيل بهذه الآية (إنما وليكم الله... ) ونقل إنها نزلت في علي كل من صحيح النسائي وكنز العمال ج6 ص405 ونقل الإجماع في نزولها في علي الإمام القوشجي في شرح التجريد وشواهد التنزيل للحسكاني ج1 ص161 وكفاية الطالب للكنجي الشافعي ص228 وابن المغالي في المناقب ص311 والخوارزمي في المناقب ص187 وابن عساكر في تاريخ دمشق ج2 ص409 وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ص123 وفتح القدير للشوكاني ج2 ص53 والصواعق المحرقة لابن حجر ص24 وغيرهم من عشرات المحدثين والمفسرين0 والنبي (ص) لم يترك اصل البيان بل ولا بيان على من تصدق هذه الآية وغيرها بل كان ذلك واضحاً جلياً ليس بآية واحدة بل بآيات كثيرة بل أحاديث كثيرة ستقف على قطرة من ذلك الخضم العظيم.

 

آية التبليغ

ومنها آية التبليغ (يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس).

ذكر الحافظ محمد بن جرير الطبري في كتاب الولاية في طرق حديث الغدير عن زيد بن أرقم قال لما نزل النبي (ص) بغدير خم في رجوعه من حجة الوداع وكان في وقت الضحى وحر شديد أمر بالروحات فقوّمن ونادى الصلاة جامعة فاجتمعنا فخطب خطبة بالغة ثم قال إن الله انزل اليّ (بلّغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) وقد امرني جبرئيل عن ربي أن أقوم في هذا المشهد واعلم كل ابيض واسود أن علي بن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي والإمام بعدي فسالت جبرئيل أن يستعفي لي ربي لعلمي بقلة المتقين وكثرة المؤذين إلى أن قال معاشر الناس فان الله قد نصبه لكم وليا وإماما وفرض طاعته على كل أحد ماضٍ حكمه جائز قوله ملعون من خالفه مرحوم من صدقة إلى أن قال معاشر الناس هذا أخي ووصيّي وواعي علمي وخليفتي على من آمن بي وعلى تفسير كتاب ربي ـ إلى آخر الخطبة ـ أخذنا منها موضع الشاهد وقد نقل حديث الغدير مع ما فيه من الدعاء والشعر 360 من الرواة راجع ج1 من كتاب الغدير ومن ذلك الدعاء لما رفع يديه بيد علي قال (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله) وقال حسان في ذلك شعراً:

بخمّ فاسمع بالرســـــول مناديا

 يناديهم يوم الغديـــــر نبيّهـــم

 

فقالوا ولم يبدوا هنـاك التعاميا

 يقول فمن مولاكم ووليكـــــــم

 

ولم ترمنا في الولايــــة عاصيا

إلهك مولانا وأنت وليــــــــــنا

 

رضيتك من بعدي إماما وهاديا

فقال له قم يا عــلــــي فإنــني

 

فكونوا له أنصار صدق موالـيا

فمن كنت مولاه فهذا وليـــــه

 

وكن للذي عاد علياً معاديــــــا

 هناك دعا اللهم وال وليـــــــه

 

والتأمل فذي الآية الشريفة (يا أيها الرسول بلّغ ما انزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) يعطيك أهمية الولاية حيث أنها ان لم تبلغ ولم ينصب ويبيّن الإمام فالرسالة كان لم تكن وكانت أتعاب النبي (ص) خلال 23 سنة ذاهبة ادراج الرياح فصدق تبليغ الرسالة موقوف على بيان الإمامة وكان هذا كما مضى في الحديث في أواخر حياة النبي (ص) وبعدها عاش رسول الله (ص) سبعين يوماً فهل يعقل أن النبي لم يكن بلغ الرسالة إلى ذلك اليوم وقد قال في ضمن خطبته كلما يقربكم إلى الجنة ويبعدكم عن النار الا وقد أمرتكم به وكلما يقربكم إلى النار ويبعدكم عن الجنة إلا وقد نهيتكم عنه فقد بيّن لهم فيما مضى الصلاة والصيام والحج والزكاة والجهاد وغيرها فأي شيء باق من الرسالة نعم قد بقي من الرسالة استمرارها وبقاؤها بعد النبي وذلك الاستمرار بوجود الإمام الذي يسير على خطى النبي (ص) وحقاً لو لا الإمامة لم تكن الرسالة باقية ولم يبلغ النبي شيئاً لان كلما بلغه فبعد وفاته بقليل أن لم يوجد حارس للدين يذهب وتنتهي الرسالة ولو كانت الرسالة وحدها كافية دون بقاءها ودون استمراريتها لكفت نبوة ورسالة نوح ولما استمرت النبوات والرسالات بعده فكما أن النبوات لابد أن تستمر لاحتياج البشر إليها كذلك آخر النبوات نبوة نبينا (ص) لابد أن لا تنقطع وتستمر فلذا بها كمل الدين الحنيف كما جاءت الآية بعد آية التبليغ بقوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).

 آية إكمال الدين

ومنها آية إكمال الدين: اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا.

اخرج شيخ الإسلام الحمويني الحنفي في فرائد السمطين في الباب الثاني عشر بسنده المتصل إلى أبي سعيد الخدريّ قال أن رسول الله (ص) دعا الناس إلى علي … في غدير خم وذلك يوم الخميس فدعا عليا فأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله (ص) ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية (اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) فقال رسول الله (ص) الله اكبر على إكمال الدين واتمام النعمة ورضا الرب برسالتي وبالولاية لعلي … من بعدي إلى آخر الحديث. ثم قال شيخ الإسلام الحمويني هذا حديث له طرق كثيره إلى أبي سعيد سعد بن مالك الخدري الأنصاري.

وقد ذكر من رواة الحديث العلامة الأميني في الغدير 16 طريقا وراوياً في الجزء الأول.

وإذا أردت أن تعرف أن الرد على ذلك مساوق للكفر بالله تعالى وعدم الإيمان فانظر إلى ما قاله رسول الله (ص) من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية وانظر إلى هذه الآيات التالية:

سأل سائل بعذاب واقع

ومنها سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج.

فقد روى الحافظ أبو عبيد الهروي في تفسره غريب القرآن قال: لما بلّغ رسول الله (ص) غدير خم ما بلغ وشاع ذلك في البلاد اتى جابر بن النضر بن كلدة العبدري (وفي روايات أخرى فيها اسم أخر) فقال يا محمد أمرتنا من الله أن نشهد أن لا اله الا الله وانك رسول اله وبالصلاة والصوم والحج والزكاة فقبلنا منك ثم لم ترض بذلك حتى رفعت ضبع ابن عمك ففضلته علينا وقلت من كنت مولاه فعلي مولاه فهذا شيء منك أم من الله فقال رسول الله (ص) والذي لا اله الا هو إن هذا من الله فولّى جابر يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد (ص) حقا فامطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب اليم فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله وانزل الله تعالى سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج.

وروى هذا الحديث ثلاثون من المحدثين.

انظر إلى كتاب الغدير ج1.

تكملة ذكر العلامة الأميني عن ستين من المحدثين حديث التهنئة نذكر واحداً منها محلاً للشاهد اخرج الحافظ احمد بن عقدة عن سعيد بن المسيب قال قلت لسعد بن أبي وقاص اني أريد أن أسألك عن شيء واني أتقيك قال سل عما بدا لك انا عمك قال قلت: ما قام رسول الله (ص) فيكم يوم غدير خم قال نعم قام فينا بالظهيرة فاخذ بيد علي بن أبي طالب فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال: فقال أبو بكر وعمر أمسيت يابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة وفي بعضها انهما صافحاه وصفقا ثلاث مرات وبايع المسلمون حتى نقل انه وضع للنساء في خيمة قدح ماء وكن النساء يضعن أيديهن في القدح من جانب وفي الجانب الآخر يضع علي يده في الماء ويبايعن حتى مكثوا هناك ثلاثة أيام.

حقيقة أم جنون؟!

فهل يعقل في حر الهجير وفي وهج الصحراء في سموم البيداء وبين الصخور الصماء وبعد التعب الشديد وعناء السفر وقضاء فريضة الحج مع تلك الصعوبات أن يوقفهم رسول الله (ص) ذلك الموقف ثلاثة أيام لكي يتبيّن لهم أن علي بن أبي طالب هو ابن عمه أو هو ناصره أو محبه أو غير ذلك وهل هذا يحتاج إلى بيان ولعمري من ذهب إلى ذلك فلقد سفه النبي (ص) وحاشاه من ذلك بل أراد أن يبيّن في أيامه الأخيرة أهمية حقيقة الرسالة والنبوة وأن هذه الفرائض بأجمعها لا تغنيهم ولا تقربهم من الله جل وعلا الا بإمام عادل منصوب ومبيّن من قبل الله تعالى نعم إن نسب ذلك إلى النبي (ص) فقد نسب إليه الهجر في القول أيضا وكل ذلك لاجل أن لا تتضح الحقيقة التي بينها القرآن (يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون) ألم يقل رسول الله مبيّناً للحقيقة رحم الله خلفائي كما جاء في الصحاح ثم بيّنهم الذين (يروون حديثي) ثم بيّن الخلفاء من بعده وننقل نموذجاً شاهداً لا استقصاءاً لما وجد في الصحاح والمسانيد فقد ورد أن الخلفاء بعنوانين مختلفة في الأحاديث النبوية الشريفة منها بعنوان الأئمة ومنها بعنوان الخلفاء ومنها بعناوين أخرى فمنها.

ما جاء في صحيح البخاري ج1 في كتاب الأحكام ص252 قال سمعت النبي (ص) يقول يكون اثنا عشر أميراً فقال كلمة لم اسمعها فقال أبي انه قال كلهم من قريش.

وفي صحيح مسلم كتاب الإمارة عنه (ص) لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش.

وعنه أيضاً لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً نفس المصدر.

وفي مسند احمد ج1 ص389 لما سئل ابن مسعود عن شان الخلفاء قال فقال النبي (ص) اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل.

فهل بعد ورود كل ذلك من شك أو شبهة وبعد التأمل فيما أسلفنا من شرائط الخلافة والإمامة يتضح لك من هم الذين عناهم رسول الله وقصدهم بل يمكن لك أن تعرف ذلك من رجوع الخلفاء إليهم في ما كانوا يحتاجونه من أمر القضاء والدين واليك نماذج من ذلك كشواهد فقط كما هو دأبنا لا من باب الاستقصاء.

فمنها كما جاء في الجزء السادس من الغدير:

ما أخرجه الحاكم في المستدرك ج1 ص457 وابن الجوزي في سيرة عمر ص106 والازرقي في تاريخ مكة والعسقلاني في إرشاد الساري ج2 ص 195 وغيرهم أن عمر قال لا أبقاني الله على الأرض لست فيها يا أبا الحسن.

اخرج في الرياض النضرة ج2 ص196 وذخائر العقبي ص80 ومطالب السؤولى ص13 ومناقب الخوارزمي ص48 والاربعين للفخر الرازي أن عمر قال لولا علي لهلك عمر. وقالها اكثر من مرة لوقوعه في الخطأ في أمر القضاء.

اخرج العاصمي في زين الفتى في شرح سورة هل اتى أن عثمان قال لو لا علي لهلك عثمان. ومن قبل ذلك قد وقع في خطأ وندم في اخر حياته أبو بكر كما جاء.

عن كتاب الأموال لأبي عبيده والطبري في تاريخه ج4 ص52 وابن قتيبة في الإمامة والسياسة ص18 والمسعودي في مروج الذهب ج1 ص414 وابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد ج2 ص254 وغيرهم أن عبد الرحمن دخل على أبي بكر في مرضه الذي توفي فيه (والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة) فقال أبو بكر اجل اني لا آسى على شيء من الدنيا الا على ثلاث فعلتهن وددت اني تركتهن وثلاث تركتهن وددت أني فعلتهن وثلاث وددت اني سألت عنهن رسول الله (ص) إلى أن قال وددت اني كنت سألت رسول الله (ص) لمن هذا الأمر فلا ينازعه أحد ووددت اني كنت اسأله هل للأنصار في هذا الأمر نصيب.

قد ترى الشطحات الكثيرة من الذين لم يكونوا معصومين ولم تشملهم الطهارة الإلهية فلذا وقعوا في خطأ بل قد اعترفوا بندمهم بنحو من الأنحاء حتى أن بعضهم قال كما نقل ابن أبي الحديد وغيره قوله (أقيلوني ولست بخيركم وعلي فيكم) وقال إذا أخطأت فقوموني فان لي شيطاناً يعتريني فكيف يصح لامر الخلافة الإلهية والإمامة وتحمل ذلك المقام.

وكيف نسي أبو بكر قول النبي (ص) كلهم من قريش حتى تمنى أن يسأله هل للأنصار في هذا الأمر نصيب ؟ فهل نسي ذلك أم غلبه الوجع أم غير ذلك ؟! 

من هم أهل البيت؟

الشيعة بين الجَبر والاختيار

السر في بقاء التشيع

التطور والإبداع عن الشيعة الإمامية

 


الهوامش

1- سورة الإسراء: الآية 70.

2- سورة النحل:الآية 78.

3- سورة الروم: الآية 7.

4- سورة الجاثية: الآية 23.

5- سورة الجمعة: الآية 5.

6- سورة الأعراف: الآية 176.

7- سورة الأعراف: الآية 179.

8- سورة الأحزاب: الآية 40

9- سورة المؤمنون: الآية 44.

10- سورة الرعد: الآية 1 – 7

11- الفتح:الآية 23.

12- سورة فاطر: الآية 43.

13- سورة المائدة: الآية 3.

14- سورة البقرة: الآية 30.

15- سورة البقرة:الآية 30-33.

16- سورة ص: الآية 26.

17- سورة النمل: الآية 15.

18- سورة الأعراف: الآية 142.

19- سورة الجمعة: الآية 2.

20- سورة الأنعام: الآية 165.

21- سورة القصص: الآية 68.

22- سورة البقرة: الآية 124.

23- سورة الأنبياء: الآية 73.

24- سورة السجدة: الآية 24.

25- سورة الصافات: الآية 103.

26- سورة الأنعام: الآية 75.

27- سورة الفرقان: الآية 74.

28- سورة البقرة: الآية 155-157.

29- سورة الأنعام: الآية 90.

30- سورة يونس: الآية 35.

31- سورة التوبة: الآية 119.

32- سورة البقرة: الآية 177.

33- سورة النساء: الآية 59.

34- سورة البقرة: الآية 182.

35- سورة الأحزاب: الآية 33.

36- سورة الأحزاب: الآية 33.

37- سورة الحج: الآية 30.

38- سورة الأنعام: الآية 125.

39- سورة التوبة: الآية 95.

40- سورة المجادلة: الآية 12.

41- سورة الكهف: الآية 28.

42- سورة المجادلة: الآية 19.

43- سورة الأنفال: الآية 2.

44- سورة المنافقون: الآية 9.

45- سورة الكهف65:الآية.

46- سورة الرعد: الآية 43.

47- سورة النمل: الآية 14.

48- سورة الأنعام: الآية 59.

49- سورة سبأ: الآية 3.

50- سورة هود: الآية 6.

51- سورة النمل: الآية 75.

52- سورة الحديد: الآية 22.

53- سورة النحل: الآية 89.

54- سورة المجادلة: الآية 12.

55- سورة محمد: الآية 24.

56- سورة البقرة: الآية 85.

57- سورة المائدة: الآية 55.

58- سورة طه: الآية 25 ــ 35.

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)