• عدد المراجعات :
  • 9921
  • 5/30/2007
  • تاريخ :

أثر المنمنمات‌ الإيرانية‌ في‌ الفن‌ الإسلامي‌

المنمنمات‌ الإيرانية‌

   استطاعت‌ الثقافة‌ الايرانية‌ ، أن‌ ترسخ‌ مواقعها ، و أن‌ توسع‌ دائرة‌ معجبيها عبر التاريخ ‌، قديمه‌ و وسيطه‌ و حديثه‌، و كان‌ للثقافة‌ في‌ تجلياتها الابداعية‌ في‌ مجال‌ العلوم‌ و الأدب‌، شعره‌ و نثره‌، و في‌ مجال‌ العمارة‌ و النحت‌ و التصوير و الصناعات‌ الحرفية‌ امتيازات‌ اختصت‌ بها، و عبرت‌ عن‌ رؤية‌ متكاملة‌ إنسانية‌ الطابع‌.

و تصطبغ‌ الثقافة‌ الايرانية‌ في‌ أغلب‌ عصورها بمدخل‌ فلسفي‌ إيجابي‌ ، سعى‌ دوماً إلى‌ تكريس‌ مفاهيم‌ الخير و العدالة‌ و المحبة‌، إلا أن‌ انعطافها الأكبر في‌ هذا الاتجاه‌ ، حصل‌ مع‌ دخول‌ الاسلام‌ ، الذي‌ دعم‌ تلك‌ الاتجاهات‌ البنّاءة‌ و الانسانية‌ في‌ مجال‌ الثقافة‌ عموماً، و رفدها بروح‌ جديدة‌ مستمدة‌ من‌ روح‌ العقيدة‌ ، التي‌ تتمثل‌ أهم‌ خصائصها بالتوحيد.

إننا نستطيع‌ تتبع‌ صفحات‌ متلاحقة‌ من‌ تطور الثقافة‌ الايرانية‌ منذ ظهور الدولة‌ الفارسية‌ في‌ منتصف‌ القرن‌ السادس‌ قبل‌ الميلاد و حتى هذا التاريخ ‌، مروراً بالاخمينيين‌ و الأشكانيين‌ و الساسانيين‌ و الصفويين‌ و غيرهم‌، و قد تفاعلت‌ إيران‌ عبر تاريخها مع‌ شعوب‌ الأمم‌ المجاورة ‌، و استطاعت‌ في‌ النهاية‌ ، أن‌ تخرج‌ من‌ هذه‌ التجارب‌ الطويلة‌ و المعقدة‌ بفن‌ ، يتمتع‌ بميزات‌ خاصة ‌، إلا أن‌ أهم‌ أحقاب‌ الفن‌ الايراني‌ تتمثل‌ في‌ الحقبة‌ الاسلامية‌.

يتميز التصوير الاسلامي‌ ، الذي‌ عرف‌ باسم‌ "المنمنمات‌" بخصائص‌ مميزة‌ ، تشمل‌ الجوانب‌ التقنية‌ و الأسلوبية‌ و الوظيفية ، ‌ التي‌ يطمح‌ إليها هذا التصوير، و  ينطلق‌ هذا كلّه‌ من‌ فلسفة‌ ، تتناول‌ الانسان‌ و الكون‌ و الدين‌ في‌ إطار عرفاني‌،
المنمنمات‌ الإيرانية‌

و تربط‌ فلسفة‌ التصوير في‌ الاسلام‌ بين‌ العام‌ المادي‌ ، و بين‌ العالم‌ الروحي‌ ربطاً محكماً ، ينزع‌ إلى‌ الكمال‌ ، و يجعل‌ من‌ أعمال‌ الفن‌ نمطاً فريداً في‌ مزاياه‌، تقربه‌ من‌ أن‌ يكون‌ نوعاً من‌ ممارسة‌ طقس‌ ديني‌ ، و قد ارتبط‌ هذا النوع‌ من‌ التصوير بتطور المخطوطات‌ ، التي‌ تناولت‌ شتى‌ المعارف‌ العلمية‌ منها و الادبية‌، و ترقى‌ أقدم‌ المخطوطات‌ إلى‌ القرن‌ الثاني‌ عشر الميلادي‌، و إن‌ كانت‌ أعداد قليلة‌ منها معروفة‌ في‌ مصر و إيران‌ منذ القرن‌ التاسع‌ الميلادي ‌، و لقد عرف‌ الرسم‌ اهتماماً واسعاً في‌ إيران‌ منذ القرن‌ السابع‌ الميلادي‌، حيث‌ تفاعل‌ الرسم‌ الايراني‌ مع‌ الرسم‌ الصيني‌.

تلتقي‌ في‌ تصوير المنمنمات‌ الاسلامية‌ تأثيرات‌ عدة‌ ، عربية‌ و إيرانية‌ و صينية‌ و مغولية‌ و سلجوقية‌ و هندية‌ و تركية‌ و عثمانية. كما تظهر بعض‌ التأثيرات‌ البيزنطية‌ في‌ فترات‌ محددة ‌، و خاصة‌ حول‌ القوس‌ المتوسطي ‌، و يمكن‌ أن‌ نلحظ‌ تأثيراً باهتاً لها يفي ‌المنمنمات‌ المعاصرة‌.

و لفن‌ المنمنمات‌ عدة‌ مدارس ‌، فهناك‌ المدرسة‌ البغدادية‌ و المدرسة‌ المغولية‌ و المدرسة‌ التيمورية‌ ، ثم‌ المدرسة‌ الصفوية‌ و المدرسة‌ المملوكية‌ و المدرسة‌ التركية‌ و المدرسة‌ الهندية ‌، ثم‌ المدرسة‌ المعاصرة‌.

لقد تميزت‌ كل‌ من‌ هذه‌ المدارس‌ بميزات‌ خاصة‌ ، و يشكل‌ نشاطها مجتمعاً المسيرة‌ الرئيسية‌ لتطور فن‌ المنمنمات‌ في‌ العالم‌ الاسلامي‌. و لقد عملت‌ شعوب‌ العالم‌ الاسلامي‌ جميعها بدأب‌ إليى هذه‌ الدرجة‌ أو تلك‌ في‌ تطوير هذا الفن‌ ، الذي‌ يعتقد البعض‌ بأنه‌ " مولود الرسوم‌ الصينية " ، نظراً لغلبة‌ العرق‌ الأصفر على‌ الرسوم‌ بسماته‌ المميزة ،‌ و غزارة‌ التفاصيل‌ المرتبطة‌ بأسلحة‌ المغول‌ و عاداتهم‌ و تقاليدهم‌ و بيئتهم ، و هي‌ تأثيرات‌ بقيت‌ ملحوظة‌ لفترة‌ من‌ الزمن‌، ثم‌ تضاءل‌ ظهورها تدريجياً تحت‌ ضغط‌ التأثيرات‌ المحلية‌، و ينطبق‌ هذا على‌ منمنمات‌ أغلب‌ المدارس‌ في‌ فتراتها المبكرة‌.

و الواقع‌ ، أن‌ عبارة‌ منمنمة‌ تتصف‌ بسعة‌ دلالتها ، فهي‌ إنتاج‌ فني‌ صغير الابعاد، يتميز بدقة‌ في‌ الرسم‌ و التلوين‌، و هو اسم‌ يطلق‌ عادة‌ على‌ الاعمال‌ الملونة‌ و غيرها من‌ الوثائق‌ المكتوبة‌ المزينة‌ بالصور أو الخط‌ أو الهوامش‌ المزخرفة ‌، و قد حقق‌ فن‌ المنمنمات‌ المرتبط‌ بالمخطوطات‌ كمالاً رفيعاً خلال‌ القرون‌ الوسطى في‌ الشرقين‌ الأوسط‌ و الأدنى‌ ، و حتى في‌ أوروبا ، و قد استخدم‌ لفظ‌ المنمنمات‌ للتعبير عن‌ أعمال‌ التصوير ، و خاصة‌ الصور الشخصية‌ الصغيرة‌ الحجم ‌، التي‌ كان‌ يجري‌ رسمها ، و تلوينها على‌ الخشب‌ و العاج‌ و العظام‌ و الجلود و الكارتون‌ و الورق‌ و المعدن‌ و غيرها من‌ المواد.

المنمنمات‌ الإيرانية‌

لعب‌ الفنانون‌ الايرانيون‌ دوراً مهماً في‌ أكثر المدارس‌ الفنية‌ للمنمنمات ‌، فقد تفاعلت‌ خبراتهم‌ في‌ كل‌ من‌ المدرسة‌ العباسية‌ في‌ بغداد، و خاصة‌ لدى‌ وصول‌ البرامكة‌ إلى‌ موقع‌ السلطة‌ ، فقد استجلب‌ هؤلاء العديد من‌ الفنانين‌ الايرانيين‌ إلى‌ بغداد ، فشاركوا في‌ تأسيس‌ مدرسة‌ المنمنمات‌ فيها ، و قد عرف‌ من‌ المدرسة‌ السلجوقية‌ محاولة‌ الحفاظ‌ على‌ أصالة‌ الرسم‌ الايراني‌ ، و سماته‌ المحلية‌ ، و أبعاده‌ عن‌ تأثيرات‌ الفن‌ الصيني ‌، لكن‌ باستيلاء المغول‌ على‌ إيران‌ ، و ظهور المدرسة‌ المغولية‌ ، تغيرت‌ ملامح‌ المنمنمات‌، إذ أوجد المغول‌ مدارس‌ في‌ تبريز و شيراز و مرو ، ارتبطت‌ بالأسلوب‌ الصيني‌، ثم‌ ظهرت‌ المدرسة‌ الهراتية‌ أو التيمورية‌ في‌ سمرقند ، و هي‌ من‌ أبرز مدارس‌ الرسم‌ الايراني‌ على‌ وجه‌ الاطلاق، و عندما تأسست‌ المدرسة‌ الصفوية‌ في‌ العهد الصفوي‌ ، انتقل‌ مركز الفن‌ الايراني‌ من‌ "هراة‌" إلى‌ "تبريز"، و تعتبر رسوم‌ المدرسة‌ الصفوية‌ صفحة‌ جديدة‌ في‌ الرسم‌ الايراني‌.

لقد أسس‌ الفنانون‌ الايرانيون‌

المدرسة‌ التركية‌ ، لفن‌ المنمنمات‌ بعد استقدامهم‌ من‌ قبل‌ السلاطين‌ العثمانيين ‌، كالسلطان‌ سليمان‌ القانوني ‌، كما و أن‌ المدرسة‌ الهندية‌ ، تأثرت‌ هي‌ الاخرى‌ بالفن‌ الايرانية‌ بعد ، أن‌ انتشر الاسلام‌ في‌ الهند على‌ يدي‌ "بابر" ، حفيد تيمورلنك، و هكذا، و بهذه‌ الصورة‌ المكثفة‌ و المختصرة‌ إلى‌ أبعد الحدود ، يمكن‌ استنتاج‌ الدور الريادي‌ البارز ، الذي‌ لعبته‌ إيران‌ في‌ تطور فن‌ المنمنمات‌ عبر التاريخ‌ ، الذي‌ يمتد أكثر من‌ عشرة‌ قرون‌ في‌ بقاع‌ جغرافية‌ مترامية‌ الاطراف‌ ، لقد عكس‌ الفن‌ الايراني‌ عبر تاريخه‌ مراحل‌ تطور الأمة ‌، و عكس‌ أحداثها المهمة‌ و هموم‌ شعبها و تعاقب‌ أطوارها الحضارية ‌، و تفاعلها مع‌ الأمم‌ الأخرى ‌، فكان‌ الفن‌ في‌ إيران‌ مواكباً لمسيرة‌ الانسان‌ دائماً.

الرسوم على الأواني الخزفية الإيرانية

رسوم الخزف الايراني القديم(1)

رسوم الخزف الإيراني القدي م ( 2 )

«لالجين» مدينة الفن وعاصمة صناعة الخزف الايرانية

 

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)