• عدد المراجعات :
  • 1542
  • 8/5/2009
  • تاريخ :

التمثيل السادس و الخمسون : لقمان الحکيم

القرآن

 

(وَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلّذِينَ آمَنُوا امرأتَ فِرْعَون ، إِذْ قالَتْ رَبّ ابنِ لى عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الجَنّةِ ، وَ نَجّني مِنْ فِرْعَونَ وَ عَمَلِهِ وَ نَجّني مِنَ الْقَومِ الظّالِمين* وَ مَرْيم ابْنَتَ عِمْرانَ الّتي أحصَنَت فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقت بِكَلِماتِ رَبّها وَ كُتُبهِ وَ كانَتْ مِنَ الْقانِتين ) ، (1) .

 

تفسير الآيات

"الحصن" : جمعه حصون و هي القلاع ، و يطلق على المرأة العفيفة ، لاَنّها تحصّن نفسها بالعفاف تارة و بالتزويج أُخرى .

" القنوت" : لزوم الطاعة مع الخضوع ، قوله: ( كُلّ لَهُ قانِتُون ) أي خاضعون .

لما مثّل القرآن بنماذج بارزة للفجور من النساء ، أردفه بذكر نماذج أُخرى للتقوى و العفاف من النساء بلغن من التقوى و الاِيمان منزلة عظيمة ، حتى تركن الحياة الدنيوية و لذائذها ، و عزفن عن كل ذلك بغية الحفاظ على إيمانهنّ ، و قد مثل القرآن بآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، فقد بلغت من الاِيمان و التقوى بمكان ، انّها طلبت من الله سبحانه ، أن يبني لها بيتاً في الجنة ، فقد آمنت بموسى لمّا رأت معاجزه الباهرة و دلائله الساطعة ، فأظهرت إيمانها غير خائفة من بطش فرعون ، و قد نقل انّه ، و تدها بأربعة أوتاد ، و استقبل بها الشمس .

هذه هي المرأة الكاملة ، التي ضحّت في سبيل عقيدتها ، و استقبلت الشهادة بصدر رحب ، و لم تعر للدنيا ، و زخارفها أيّة أهمية ، و كان هتافها حينما واجهت الموت قولها : (ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجّني من فرعون و عمله ، و نجّني من القوم الظالمين ) .

فقولها : "عندك " ، يهدف إلى القرب من رحمة الله ، و قولها : " في الجنة " يبين مكان القرب . فقد اختارت جوار ربها و القرب منه ، و آثرت بيتاً يبنيه لها ربها على قصر فرعون الذي كان يبهر العقول ، ولكن زينة الحياة الدنيا عندها نعمة زائلة لاتقاس بالنعمة الدائمة.

ثمّ إنّه سبحانه يضرب مثلاً آخر للموَمنات مريم ابنة عمران ، و يصفها بقوله : (و مريم ابنة عمران ، التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا ، و صدّقت بكلمات ربّها ، و كتبه ، و كانت من القانتين ) .

ترى أنّه سبحانه يصفها بالصفات التالية :

1. ( أحصنت فرجها ) فصارت عفيفة كريمة ، و هذا بإزاء ما افتعله اليهود من البهتان عليها ، كما يعرب عنه قوله سبحانه : ( وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً ) ، (2) ، و في سورة الاَنبياء قوله : ( وَ الّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنَا فِيها مِنْ رُوحِنا ) ، (3) .

2. ( فنفخنا فيه من روحنا ) : أي كونها عفيفة محصّنة صارت مستحقة للثناء و الجزاء ، فأجرى سبحانه روح المسيح فيها ، و إضافة الروح إليه إضافة تشريفية ، فهي امرأة لازوج لها انجبت ولداً صار نبياً من أنبياء الله العظام.

و قد أُشير إلى هذين الوصفين في سورة الاَنبياء، قال سبحانه : ( وَا لّتي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنَا فِيها مِنْ رُوحِنا وَ جَعَلْناها وَ ابْنَها آيَةً لِلْعالَمِين ) .

و هناك اختلاف بين الآيتين، فقد جاء الضمير في سورة الاَنبياء موَنثاً فقال : ( فنَفخنا فيها من روحنا ) و في الوقت نفسه جاء في سورة التحريم مذكراً ( فنفخنا فيه من روحنا ) .

و قد ذكر هنا وجه و هو:

إنّ الضمير في سورة الاَنبياء يرجع إلى مريم ، و أمّا المقام فإنّما يرجع إلى عيسى ، أي فنفخنا فيه حتى أنّ من قرأه " فيها " أرجع الضمير إلى نفس عيسى و النفس موَنثة.

أقول: هذا لايلائم ظاهر الآية ، لاَنّه سبحانه بصدد بيان الجزاء لمريم لاَجل صيانة فرجها ، فيجب أن يعود الجزاء إليها ، فالنفخ في عيسى يكون تكريماً لعيسى ، و لايعد جزاءً لمريم.

3. ( صدَّقت بكلمات ربّها و كتبه ) : و لعل المراد من الكلمات الشرائع المتقدمة ، و الكتب : الكتب النازلة ، كما يحتمل أن يكون المراد الوحي الذي لم يكن على شكل كتاب.

4. ( و كانت من القانتين ) : أي كانت مطيعة لله سبحانه ، و من القوم المطيعين لله الخاضعين له الدائمين عليه ، و قد جيء بصيغة المذكر تغليباً، يقول سبحانه : ( يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبّكِ وَ اسْجُدِي وَ ارْكَعِي مَعَ الرّاكِعين ) ، (4) .

و نختم البحث بذكر ثلاث روايات:

1. روى الطبري، عن أبي موسى، عن النبي (صلى الله عليه و آله وسلم ) قال: " كمل من الرجال كثير ، و لم يكمل من النساء إلاّ أربع : آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، و مريم بنت عمران ، و خديجة بنت خويلد ، و فاطمة بنت محمد  " (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، (5) .

2. أخرج الحاكم، عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم ) : " أفضل نساء أهل الجنة : خديجة بنت خويلد ، و فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه و آله و سلم ) ، و مريم بنت عمران ، و آسية بنت مزاحم امرأة فرعون مع ما قص الله علينا من خبرهما في القرآن (قالت ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنّة" ) ، (6) .

3. أخرج الطبراني، عن سعد بن جنادة ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) : " إنّ الله زوجني في الجنة : مريم بنت عمران ، و امرأة فرعون ، و أُخت موسى ".

-----------------------------------------------------------------------------------------------------

الهوامش

1 ـ التحريم:11ـ12.

2 ـ النساء:156.

3 ـ الاَنبياء:91.

4 ـ آل عمران: 43.

5 ـ مجمع البيان: 5|320.

6 ـ و 4. الدر المنثور :8|229.

سورة الملك


التمثيل الخامس و الخمسون : لقمان الحکيم

التمثيل الرابع و الخمسون : لقمان الحکيم

التمثيل الثالث و الخمسون : لقمان الحکيم

التمثيل الثاني و الخمسون : لقمان الحکيم

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)