• عدد المراجعات :
  • 2043
  • 6/7/2009
  • تاريخ :

المرأة حين تفوق الرجال

تفوق المرأة

لا تزال بعض الأوساط تنظر إلى المرأة ، و كأنها أقلّ قيمةً من الرجل ، و أنها دونه رتبةً و فضلاً ، لذلك يجب أن يكون الرجل دائماً في المقدمة و الأمام ، و صاحب الرأي و الأمر ، و أن تبقى المرأة تابعةً خاضعة ، لمجرد أنها خلقت أنثى ، و كان الرجل ذكراً .

و من قديم الزمان ، كانت هناك تصورات وآراء خاطئة، تميّز بين الرجل والمرأة في القيمة الإنسانية، بل وتشكك في إنسانيتها، و في هدفية وجودها، إن كان لذاتها أو من أجل الرجل.

لكن انبثاق نور الإسلام شكَّل منعطفاً ، و نقلةً تاريخية ، في مسألة النظر إلى المرأة ، و تحديد موقعيتها و مكانتها في المجتمع الإنساني .

 أكد الإسلام على وحدة النوع الإنساني، و تساوي شقيه الذكور و الإناث في القيمة الإنسانية، و في مصدر الخلقة و أصل التكوين.

 يقول تعالى: (يا أيّها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ و خلق منها زوجها ) ، (النساء/1) ، و يقول تعالى: ( و الله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ) ، (النحل/72) ، و الخطاب للإنسان ذكراً و أنثى، بأن الله تعالى قد خلق له من نفس جنسه و نوعه زوجاً تتكامل به حياته. فالرجل زوج المرأة و من ذات جنسها ، و المرأة زوج الرجل و من نفس نوعه، و خالقهما واحد هو الله تعالى ، وقد أنشأهما من مصدر واحد و عبر نظام و طريقة واحدة. يقول تعالى: ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى* ألم يكن نطفةً من منيّ يمنى* ثمّ كان علقةً فخلق فسوّى* فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ) ، (المدثر/36-39). و المرأة كالرجل ، أوجدها الله تعالى لذاتها ، و من أجل أن تحقّق العبودية و الخضوع لله تعالى في حياتها ، تماماً كما هو هدف وجود الرجل. يقول تعالى: ( و ما خلقت الجنّ و الإنس إلاّ ليعبدون ) ، (الذاريات/56). و ورد عنه (صلى الله عليه وآله و سلم) أنه قال: « إنما النساء شقائق الرجال ».

التمايز و التفاضل

و بناءً على أصل المساواة و المشاركة في القيمة الإنسانية بين الرجل و المرأة ، لا تكون الذكورة ميزةً للتفوّق و التميّز، فالرجل باعتباره رجلاً ، ليس أفضل من المرأة لكونها امرأة. ذلك أن الإسلام أقرّ معايير و قيماً للتفاضل و التمايز بين أبناء البشر ، ذكوراً و إناثاً ، فمن كان منهم أقرب إلى تلك المعايير ، و أكثر التزاماً بتلك القيم ، فهو الأفضل ، رجلاً كان أو امرأةً .

و معايير التفاضل و التمايز في الإسلام ثلاثة:

1 - التقوى:

و هي تعني الالتزام بمنهج الله تعالى و أمره ، فالأوفر حظاً منها ، هو الأقرب إلى الله ، و الأعلى شأناً عنده ، من أي عرق كان ، و إلى أي قبيلة انتسب ، ذكراً كان أو أنثى ، يقول تعالى: ( يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكرٍ و أنثى ، و جعلناكم شعوباً و قبائل ، لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ، إنّ الله عليم خبير ) ، (الحجرات/13) ، و ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (  إن ربكم واحد، و إن أباكم واحد، و نبيكم واحد، و لا فضل لعربي على عجمي ، و لا لعجميّ على عربي، و لا لأحمر على أسود ، و لا لأسود على أحمر إلا بالتقوى ) .

2 - العلم:

و الذي هو ميزة الإنسان عمَّن سواه من المخلوقات ، و به يعرف ربه،  ويدرك ذاته ، و يفهم ما حوله ، و كل من كان أكثر نصيباً من العلم ، أصبح أكثر أهليةً و جدارةً. يقول تعالى: ( يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات) ، (المجادلة/11) ، و يقول تعالى: ( قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون ) ، (الزمر/9). و روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله و سلم ) أنه قال: « أكثر الناس قيمة أكثرهم علماً ، و أقل الناس قيمةً أقلّهم علماً ». و ورد عن الإمام (عليه السلام) قوله: « قيمة كل امرىء ما يحسنه ».

3 - العمل:

فحركة الإنسان في الاتجاه الصحيح ، و إنجازه و فاعليته في طريق الخير ، هو الذي يحدِّد موقعيته في الدنيا ، و مكانته في الآخرة، يقول تعالى: ( ولكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا ، و ما ربّك بغافلٍ عمّا يعملون ) ، (الأنعام/132). و يقول تعالى: ( الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ) ، (الملك/2).

و واضح للمتأمّل ، أن هذه المعايير التي أقرها الإسلام للتمايز و التفاضل ، تعبّر عن قيم حقيقية و واقعية ، فالتقوى و العلم و العمل، كل واحدة منها تفرز نتائج و معطيات مؤثّرة لصالح حياة الفرد و المجتمع، بينما قد تسود في بعض المجتمعات معايير و مقاييس لا واقعية لها ، أو تدفع باتجاه مؤثرات سلبية ، كالتفاضل على أساس العرق أو اللّغة أو اللّون، أو لمجرد تسجيل رقم قياسي في موسوعة غينيس للأرقام القياسية ، كتربية أطول شارب ، و صنع أكبر فطيرة أو كعكة .

من ناحية أخرى، فإن مقاييس التفاضل في الإسلام كلها اختيارية كسبية ، يمكن لأي إنسان أن يحصل منها بمقدار سعيه و جهده، و هي ليست كاللون أو العرق أو الشكل ، الذي لا دخل للإنسان فيه ، و ليس هو الذي يختاره ، ولو كانت الذكورة من معايير التفاضل عند الله تعالى ، لكان ذلك خلاف العدل  و الإنصاف ، لأن الإنسان لا يختار ذكورته أو أنوثته ، و إنما هي قدر إلهي ، فكيف يكون مقياساً لتحصيل الفضل أو الحرمان منه؟

فرص التقدم أمام المرأة

و انطلاقاً من  المعايير  والقيم الإسلامية ، فإن الحياة ساحة مفتوحة للسباق و التنافس على الخير ، و الطريق مشرّع أمام الجميع ، و بإمكان المرأة كالرجل ، أن تشمّر عن ساعد جدها ، و تستنهض قدراتها و إمكانياتها ، لتحرز أكبر قدر من التفوّق ، و تحقّق أعلى درجة من التقدم ، في آفاق العلم و العمل ، و الالتزام بتقوى الله تعالى .

 و ليست هناك مساحة في أشواط السباق خاصة بالرجال ، محظورة على النساء ، لذلك تحدث القرآن الكريم في آيات عديدة عن إتاحة فرص التقدم أمام المرأة كالرجل في مختلف المجالات.

يقول تعالى: ( فاستجاب لهم ربّهم أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعضٍ ، فالذين هاجروا و أخرجوا من ديارهم ، و أوذوا في سبيلي ، و قاتلوا ، و قتلوا ، لأكفّرنّ عنهم سيئاتهم ، و لأدخلنّهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله و الله عنده حسن الثواب ) ، ( آل عمران/195).

فكلُّ جهد تبذله المرأة ، وك ل عطاء تقدمه ، يكون موضع الاحترام و التقدير، و على أساسه تتحدَّد موقعيتها و مكانتها. و يقول تعالى: (  من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى و هو مؤمنٌ فلنحيينّه حياةً طيبةً و لنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) ، (النحل/97). فالعمل الصالح المنبثق من الإيمان و التقوى ، هو الذي يمنح درجة التقدّم للإنسان في الدنيا و الآخرة ، و لا تؤثر الذكورة و الأنوثة في تقويم مستوى العمل.

و لتأكيد هذه الحقيقة ، تستعرض الآية الكريمة رقم 35 من سورة الأحزاب، العديد من مجالات الخير، و آفاق التقدم و السموّ، مع ذكر المرأة المتّصفة بذلك جنباً إلى جنب الرجل ، لإثبات حضورها و أهليتها لاقتحام كلِّ الميادين ، و إنجاز مختلف المهام ، و أنها لا تقصر عن الرجل في استعداداتها و قابلياتها. يقول تعالى: (  إنّ المسلمين و المسلمات و المؤمنين و المؤمنات و القانتين و القانتات و الصادقين و الصادقات و الصابرين و الصابرات و الخاشعين و الخاشعات و المتصدِّقين و المتصدّقات و الصائمين وا لصائمات و الحافظين فروجهم و الحافظات و الذاكرين الله كثيراً و الذاكرات ، أعدّ الله لهم مغفرة و أجراً عظيماً ) ، (الأحزاب/35).

الأنوثة لا تمنع التفوّق

التسابق في ميدان القيم الفاضلة يعتمد على أمرين، الإرادة و قابلية المعرفة،  فبالإرادة تتوفر ملكة التقوى ، و تتحقق الإنجازات و المكتسبات ، و بالعقل يُنال العلم و المعرفة. و الإرادة و العقل منحتان إلهيتان للإنسان ، لا تختص بالرجال دون النساء ، و لا تتفاوت درجتهما بين الصنفين ، و إنما يتفاوت أفراد البشر ذكوراً و إناثاً في مدى استفادتهم و استثمارهم لهاتين النعمتين العظيمتين . و على هذا الأساس ، تتحدد رتبة كلِّ فرد و درجة تقدمه و تفوّقه .

و بإمكان المرأة أن تقطع شوطاً أبعد ، و تنال درجةً أكبر من الرجل ، إذا ما تفوَّقت عليه في السعي نحو العلم ، و بذل الجهد في العمل ، و في الالتزام بتقوى الله تعالى . فأنوثتها لا تمنعها من التفوّق ، و لا تعوق حركة تقدمها ، و لا تفرض عليها أن تكون في رتبة لية ، أو في موقع التبعية و الانقياد.

و قد يستشهد البعض بنصوص دينية ، مفادها أفضلية الرجل ذاتاً على المرأة ، و أنها دونه رتبةً ، كقوله تعالى: ( الرجال قوّامون على النساء ، بما فضّل الله بعضهم على بعضٍ ، و بما أنفقوا من أموالهم ) ، (النساء/34) . و الآية الكريمة إنما تتحدث عن العلاقة الزوجية ، و أن الرجل قوّام بحقوق زوجته عليه ، و مسؤول عن رعايتها و حمايتها و الإنفاق عليها ، و أن له عليها حق الطاعة في حياتهما الزوجية ، وفق الضوابط الشرعية ، و لا يستفاد من الآية أن كل رجل قوّام على كل النساء ، و لم يقل أحد من الفقهاء و العلماء بسلطة أي رجل على أي امرأة خارج إطار العلاقة الزوجية ، إلا في ما يرتبط بولاية الأب على أبنائه و بناته ضمن تفصيل في مسائله و أحكامه.

و حتى في الحياة الزوجية ، فقوامة الرجل على المرأة ضمن حدود علاقتهما ، و لا شأن له بآرائها و أفكارها، و لا بتصرفاتها المالية ، أو مواقفها الاجتماعية و ما شابه. يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله: ( والظاهر من الآية الكريمة ، أن المراد فيها قوامية الرجال على النساء في الأسرة فقط ، و باعتبار علاقة الزوجية فقط ، بحيث لا منافاة بين كون الزوج قيّماً على المرأة باعتباره زوجاً ، و تكون قيّمة عليه باعتبار آخ ر، ككونها رئيسة لجمعية خيرية أو سياسية أو نقابية ، هو عضو فيها. اللهم إلا أن يُنفى أهليتها لتولي أي مسؤولية على جماعة فيها رجل ، فلا تصلح لرئاسة جمعية ، بل ينبغي على هذا ألاّ يصح منها ، أن تستأجر رجلاً أو رجالاً للقيام بعمل ، يقتضي أن تأمرهم و تنهاهم بشأنه ، و هذا ما لا يمكن الالتزام به قطعاً ، و لا نظن أن فقيهاً يلتزم به).

كذلك، فإن الروايات التي تتحدث عن نقص عقل المرأة قياساً إلى الرجل ، فإن هناك نقاشاً في سنده ا، و إن بعضها جاءت مرسلة أو بسند ضعيف ، و حتى لو كان سندها صحيحاً فلا يمكن قبولها بظاهرها ، لمنافاتها و مخالفتها لسائر النصوص وا لمبادئ، و لإمكانية تأويلها و فهمها بطريقة أخرى، لا تستوجب الحطّ من قدر المرأة و مكانتها.

نماذج رائدة في التفوق

تقدم المرأة في ميدان العلم و الفضيلة ، و تفوقها على الرجال في ساحة المجد و العظمة، ليس أمراً نظرياً يبحث ضمن دائرة الإمكان و الاحتمال ، و إنما هو أمر حاصل و متكرر على مستوى الواقع التاريخي في أكثر من مجتمع ، و على أكثر من صعيد.

حيث يسجِّل لنا تاريخ البشرية بإكبار و إعظام ، مواقف رائعة لشخصيات نسائية ، برزت في مجتمعاتها ، و تفوَّقت بمواصفاتها النبيلة ، و التزامها الإيماني، و عطائها العلمي و العملي، على معاصريها من الرجال.

1 - امرأة فرعون:

كان فرعون طاغيةً مستبداً ، بل هو رمز و عنوان للطغيان وا لاستبداد ، ادّعى الألوهية ( فقال أنا ربُّكم الأعلى ) ،  (النازعات/24). و خضع له آلاف أو ملايين الرجال و النساء ، رهبةً من بطشه ، أو رغبةً في عطائه، لكن امرأة واحدة تحدّت ذلك الطغيان ، و تمردت على ذلك الجبروت ، إنها زوجته آسيا بنت مزاحم ، و التي كانت تعيش تحت هيمنته ، لكنها استجابت لدعوة الحق ، و آمنت بالله تعالى رباً ، و صدَّقت بموسى نبياً ، و قاومت كل ضغوط فرعون و إغراءاته ، تخلَّت عن موقعها كملكةٍ لمصر ، و عن كلِّ مظاهر السلطة و الترف و الرخاء ، بل تحمَّلت التعذيب و التنكيل ، التزاماً منها بالهدى ، و صموداً على الحق ، حتى فارقت الحياة شهيدة محتسبة.

إنها امرأة ، ولكنها أفضل من كل الرجال الخاضعين و الخانعين للظلم و الاستبداد الفرعوني.. ، لذلك يقدمها الله تعالى نموذجاً للأجيال المؤمنة رجالاً و نساءً على مرِّ العصور ، يقول تعالى: ( و ضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون، إذ قالت ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنة ، و نجني من فرعون و عمله ون جني من القوم الظالمين ) ، (التحريم/11).

2 - بلقيس ملكة سبأ

و يقدِّم القرآن الكريم ملكة سبأ ، ( بلقيس ) نموذجاً للموقف الحكيم ، و التصرف الواعي ، في إدارة السلطة و الحكم ، فحينما تلقَّت كتاب نبي الله سليمان (عليه السلام) ، يدعوها و قومها إلى الله ، لم تتساهل في الأمر ، و لم تستبدّ في اتخاذ القرا ر، بل استدعت أعيان الشعب ، و رجالات الدولة ، لتستشيرهم في الموقف المناسب ،(  قالت يا أيها الملأ إني ألقي إليّ كتابٌ كريمٌ* إنه من سليمان و إنّه بسم الله الرحمن الرحيم * ألاّ تعلو عليّ و أتوني مسلمين *  قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعةً أمراً حتى تشهدون) ، (النمل/ 29-32).

و حينما أظهر أكثر رجالات حكمها ميلهم إلى إظهار القوة و الرفض تجاه دعوة نبي الله سليمان ، على أساس امتلاك القدرة العسكرية الكافية ، ( قالوا نحن أولو قوةٍ و أولو بأسٍ شديدٍ و الأمر إليك فانظري ماذا تأمرين ) ، (النمل/33) . أبدت بلقيس موقفاً أكثر حكمة و تعقّلاً ، بضرورة التعرف أولاً على حقيقة دعوة سليمان ، هل أنها مجرد غطاء لأطماع توسعية ، و مطامح مادية ، أم أن لها مغزى آخر؟ ، ثم و على أساس تشخيص الواقع يتم اتخاذ القرار المناسب ، فاقترحت إرسال هدايا ضخمة إلى سليمان لمعرفة ردود فعله ، ( قالت إنّ الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها و جعلوا أعزَّة أهلها أذلّة و كذلك يفعلون * و إنّي مرسلةٌ إليهم بهدية فناظرةٌ بم يرجع المرسلون ) ، (النمل/34-35) . و كانت النتيجة أن اكتشفت صدق الدعوة الإلهية ، فقادت بلادها و قومها إلى حظيرة الإيمان و الحق: ( قالت ربّ إني ظلمت نفسي و أسلمت مع سليمان لله ربِّ العالمين ) ، (النمل/44).

و لا بأس أن نشير هنا إلى أن القرآن ، لم يورد في سياق قصة ملكة سبأ أيَّ اعتراض أو تنديد ، بتبوّئها لموقع الحكم و السلطة ، و ما ذمّ قومها لخضوعهم لحكم امرأة . كما أن نتيجة موقفها هو فلاح و صلاح قومها بدخولهم في دين الله ، ما يوجب النقاش في معنى الحديث المرويّ عن رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) أنه لمّا بلغه ، أن أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى قال: « لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ». و قد ورد هذا الحديث في بعض المصادر الشيعية ، ككتاب الخلاف للشيخ الطوسي و تحف العقول للحرّاني، ولكن برواية مرسلة ، و بالتالي لا يمكن اعتماده عندهم . أما عند أهل السنّة ، فقد أورده البخاري في صحيحه النسائي و الترمذي، و قال عنه الترمذي: ( هذا حديث صحيح ) ، كما رواه ابن حنبل في مسنده. لكن يمكن المناقشة في معنى الحديث و مدلوله ، بأنه يقصد الإخبار عن مستقبل الانهيار لمملكة الفرس ، كما حصل ذلك بالفعل على أيدي المسلمين ، و لا يفيد حكماً مطلقاً و نهياً و شرعياً.

و للشيخ محمد الغزالي تعليق جميل حول الموضوع نقتطف منه ما يلي: « و قد تأملت في الحديث المرويّ في الموضوع «خاب قوم ولّوا أمرهم امرأة»، مع أنه صحيح سنداً و متناً، ولكن ما معناه ؟ ، عندما كانت فارس تتهاوى تحت مطارق الفتح الإسلامي ، كانت تحكمها ملكية مستبدة مشؤومة ، الدين و ثني ، و الأسرة المالكة لا تعرف شورى ، و كان في الإمكان و قد انهزمت الجيوش الفارسية ، و أخذت مساحة الدولة تتقلص ، أن يتولى الأمر قائد عسكري يوقف سيل الهزائم ، لكن الوثنية السياسية جعلت الأمة و الدولة ميزاناً لفتاة لا تدري شيئاً ، فكان ذلك إيذاناً بأن الدولة كلها إلى ذهاب ، في التعليق على هذا كله،  قال النبي الحكيم كلمته الصادقة ، فكانت وصفاً للأوضاع كلها.

إن النبي (صلَّى الله عليه و آله و سلم) قرأ على الناس في مكة سورة النمل ، و قصَّ عليهم في هذه السورة قصة ملكة سبأ ، التي قادت قومها إلى الإيمان و الفلاح بحكمتها و ذكائها ، و يستحيل أن يرسل حكماً في حديث يناقض ما نزل عليه من وحي.

إن إنجلترا بلغت عصرها الذهبي أيام الملكة ( فكتوريا) ، و هي الآن بقيادة ملكة ، و رئيسة وزراء (تاتشر) ، و تعد في قمة الازدهار الاقتصادي و الاستقرار السياسي ، فأين الخيبة المتوقعة لمن اختار هؤلاء النسوة؟

3 - محدّثات و فقيهات يعلّمن الرجال

بالجدِّ و الاجتهاد و العلم و المعرفة ، فرضت المرأة المسلمة شخصيتها في عصور التاريخ ، و كان المجتمع الإسلامي يعترف للمرأة الكفوءة بكفاءتها ، و ما كان الرجال يتوقفون أو يترددون في الرجوع إلى ذات الكفاءة و العلم ، بل كانوا يحترمون المرأة العالمة ، و يأخذون عنها الحديث و الفقه و الأدب ، و تحتفظ لنا كتب التاريخ و التراجم بسير العديد من العالمات العارفات اللاّتي كنَّ يمثِّلن دوراً مرجعياً في مجتمعاتهن ، و كن يعلِّمن الرجال ، و يفضن عليهم من علومهن و معارفهن.

فقد جاء في ترجمة  السيدة نفيسة بنت الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) صاحبة المقام المشهور الذي يزار في القاهرة ، و المولودة بمكة سنة 145 هـ  ، و نشأت بالمدينة المنورة ، ثم دخلت مصر مع زوجها إسحاق بن جعفر الصادق ، حتى توفيت هناك سنة 208هـ. يقول الأستاذ عبد اللطيف فايد:  ( كانت دارها مزار كبار العلماء في عصرها ، يجلسون إليها ، و يستمعون منها ، و يناقشون مسائل العلم معها.. ، و من العلماء الذين لم ينقطعوا عن زيارتها للتزوّد من علمها ، إسماعيل بن يحيى المزني ، و هو فقيه عالي المعرفة بالدين كثير التلاميذ ، و من العلماء الذين داوموا على التعلم في مجلسها  ثوبان بن إبراهيم ، المعروف بذي النون المصري ، و عثمان بن سعيد المصري ، و عبد الله بن عبد الحكم ، الذي انتهى إليه مجلس الإمام مالك ، و كذلك عبد السلام بن سعيد الفقيه المالكي  ،الذي غلب عليه اسم سحنون ، و منهم يوسف بن يحيى البويطي ، الذي أسند إليه الإمام الشافعي رئاسة حلقته في التدريس ).

و يعتبر الإمام الشافعي أكثر العلماء جلوساً إليها و أخذاً عنها، في الوقت الذي بلغ فيه من الإمامة في الفقه مكاناً عظيماً، فقد كان يعتبر مجلسه في دارها مجلس تعلم عنها ، و مجلسه في مسجد الفسطاط مجلس تعليم الناس . و للإمام أحمد بن حنبل نصيب في الأخذ عن نفيسة رضي الله عنها ، و بهذا تكون نفيسة ذات أثر علمي في فقه عالمين كبيرين من أئمة المسلمين ، و هما الشافعي و أحمد بن حنبل.

و جاء في ترجمة فاطمة بنت محمد بن أحمد السمرقندية ، بنت صاحب تحفة الفقهاء ، و زوجة علاء الدين الكاساني صاحب بدائع الصنائع ، أنها تفقّهت بأبيها ، و أن الفتوى كانت تخرج من البيت و عليها خطها و خط أبيها ، و لما تزوّجت بالكاساني صارت الفتوى تخرج من بيتها ، و عليها خطها ، و خط أبيها ، و خط زوجها ، و أن زوجها ربما كان يهم في الفتوى فتردّه إلى الصواب ، و تعرّفه الخطأ ، فيرجع إلى قولها.

و من أشهر محدّثات المائة الثانية حفصة بنت سيرين ، أخت محمد بن سيرين ، كانت من السيدات التابعيات ، اشتهرت بالعبادة و الفقه و الحديث و قراءة القرآن. كان أخوها إذا أشكل عليه شيء من القرآن قال: (اذهبوا فاسألوا حفصة كيف تقرأ).

روت عن جماعة من الصحابة و كبار التابعين ، و روى عنها أخوها محمد ، و قتادة، و عاصم الأحول و غيرهم. أثنى عليها إياس بن معاوية فقال: (ما أدركت أحداً أفضّله على حفصة).

و من المحدّثات البارزات في القرن الخامس ، كريمة بنت أحمد بن محمد المروزية ، قدمت مكة المكرمة و جاورت بها، و كانت عالمة صالحة، قرأ عليها الأئمة كالسمعاني ، و الخطيب البغدادي ، وسمع منها خلق كثير ، توفيت بمكة سنة 463 هـ.

و جاء في ترجمة ست الوزراء بنت عمر بن أسعد المنحّا (624هـ _ 716هـ) ، و أنها كانت تُسمع الناس الحديث بدمشق ، ثم استقدمت إلى مصر ، و أخذ عنها جمع من محدثي مصر ، و صارت الرحلة إليها من سائر الأقطار للسماع عليها ، و بلغ عدد الذين أخذوا عنها ، و تتلمذوا على يدها أكثر من تسعين عالماً و محدثاً.

هكذا كانت المرأة سبّاقة في ميادين المعرفة و الفضل، و هكذا تثبت المرأة عملياً إمكانية تقدمها وت فوقها على الرجال.


المرأة.. نظير الرجل

من يحدد النشاط السياسي المشروع للمرأة؟

من يجسر على محاربة المرأة وأضطهادها؟

 

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)