لاهوري و الدعوة إلى قيام دولة إسلامية
و لما عاد إقبال إلى وطنه ، اشتغل بالشعر و الفلسفة والسياسة ، و انتخب عضوًا بالمجلس التشريعي بالبنجاب سنة 1345 هـ = 1926م ، و اختير رئيسًا لحزب مسلمي الهند ، ورئيسًا لجمعية حماية الإسلام ، التي كانت تشرف على عدد من المؤسسات الدينية و الاجتماعية، و لبث زمنًا طويلاً يلقي المحاضرات في أرجاء الهند.
و يُعد محمد إقبال أول من نادى بضرورة انفصال المسلمين في الهند عن الهندوس، و تأسيس دولة خاصة بهم يحيون فيها الحياة ، التي تتمشى مع تعاليم الدين الحنيف،
و منذ أن أعلن إقبال هذه الفكرة سنة "1349 هـ = 1930م" حتى أصبحت الهدف الأول ، الذي جاهد المسلمون في الهند لتحقيقه، إلى أن تمّ لهم إنشاء دولة باكستان في سنة 1367 هـ = 1947م بعد نضال متصل و كفاح مستمر، اشترك فيه جميع المسلمين هناك تحت قيادة "محمد علي جناح".
• تجديد الفكر الإسلامي
دعا إقبال إلى تجديد الفكر الإسلامي، و ذلك في سلسلة من المحاضرات ألقاها باللغة الإنجليزية سنة 1347 هـ 1928م ، ثم نشرها سنة 1353 هـ = 1934م بعنوان "تجديد بناء الفكر الديني في الإسلام "، نادى فيه إلى فتح باب الاجتهاد ، للكشف عن الحقائق الأصيلة في الإسلام، مثل الحرية و الاتحاد و المساواة و الاجتماع،
فالاجتهاد هو الوسيلة العملية الملائمة للتوفيق بين أحداث الحياة المتجددة وب ين مبادئ الإسلام، حتى لا تسير الحياة الإنسانية في المجتمع الإسلامي منعزلة عن الدين،
و كان يرى أن إبطال الاجتهاد ، كان من أقوى الأسباب ، التي أدت إلى ضعف المسلمين.
و في حديث إقبال عن الإجماع باعتباره أصلاً من أصول الشرع الإسلامي ، يقول: "و الأصل الثالث من أصول الشرع الإجماع، و هو عندي أعظم السنن الشرعية، و عجيب أن هذه السنة الرشيدة ، نالت كثيرًا من بحث المسلمين وجدالهم، ولكنها لم تعدّ التفكير إلى العمل ، و قلما صارت سنة عملية في بلد إسلامي، و لعل اتخاذها سنة دائمة ، و نظامًا محكمًا ، لم يلائم مطامع المُلك المطلق ، الذي نشأ في الإسلام بعد الخلفاء الراشدين..، و لعل ترك الاجتهاد لأفراد من المجتهدين ، كان أقرب إلى منافع الخلفاء من بني أمية و بني العباس من تأليف جماعة دائمة عسى أن تفوقهم قوة..، و مما يبعث على الرضا و الأمل ، أن سيرة الحوادث في هذا العصر ، و تجارب أمم أوربا ، أشعرت الفكر الإسلامي الحديث بقيمة الإجماع ، و عرفته أنه ممكن، و شيوع النزعة الجمهورية ، و نشوء المجالس التشريعية ، يمهدان السبيل إلى العمل بسنة الإجماع.
و كانت
فلسفة إقبال في جوهرها ذات طابع إسلامي عميق، فهي تدعو إلى تمجيد الإسلام و بعث الحياة و القوة في المسلمين، و تبشرهم بمستقبل زاهر و مجد و فخار ،
إذا ساروا في حياتهم علي هُدى دينهم الحنيف، و كان إقبال ، لايسأم من الدعوة إلى النهوض و التشمير و حث الخطى على مواصلة السير مع القافلة، "فالغاية القصوى للنشاط الإنساني ، هي حياة مجيدة فتية مبتهجة ، و كل فن إنساني، يجب أن يخضع لتلك الغاية، و قيمة كل شيء ،يجب أن تُحدد بالقياس إلى تلك القوة على إيجاد الحياة و ازدهارها، و
أعلى فن ، هو الذي يوقظ قوة الإرادة النائمة فينا،
و يستحثنا على مواجهة الحياة في رجولة، و كل ما يجلب إلينا النعاس، و يجعلنا نغمض عيوننا عن الحقيقة الواقعة فيما حولنا إنما هو إنحلال و موت".
و يرفض إقبال ، أن يكون المسلم المعاصر صورة مكررة من الرجل الأوربي الحديث؛ لأن الأخير قد طغت عليه نتائج نشاطه العقلي الصِّرف، و أعماه ذلك عن توجيه روحه توجيهًا سليمًا إلى حياة ، تشبع أعماق نفسه ، وتحقق له التوازن المطلوب، و أصبح ينكر ما هو غيبي ويراه وهمًا، و يجد نفسه في أغلب الأحيان عاجزًا عن ضبط أنانيته و شهواته، و مأخوذًا بسحر المادة، يتكالب عليها تكالبًا لا يعقبه إلا الحسرة و الشقاء، و
كان إقبال شديد الإيمان ، بأن للدين الأهمية الكبرى و الأثر الفعال في توجيه حياة الفرد و الجماعة علي حد سواء.
و رسالة الإسلام عند إقبال ، رسالة إنسانية ليس لها حدود زمانية أو مكانية، و أن به قوة كامنة تستطيع ، أن تحرر نفوس البشرية من قيود الأجناس، و الألوان و العصبيات، و خلاصة هذه الرسالة، هي إقرار الحرية و تدعيم العدالة، و توطيد المحبة بين البشر.
---------------------------------
المصدر
عثمان أمين: رواد الوعي الإنساني في الشرق الإسلامي – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة – 2001م.
الموسوعة الفلسفية العربية "أعلام الفكر الإنساني" بيروت