• عدد المراجعات :
  • 963
  • 3/4/2009
  • تاريخ :

 

نص کلمه قائد الثوره الاسلاميه للموءتمر الدولي الرابع حول فلسطين

آيت الله خامنه اي

 وجه قائد الثوره الاسلاميه سماحه ايه الله العظمي السيد علي الخامنئي کلمه الي الموتمر الدولي الرابع للدفاع عن فلسطين و الذي يحمل اسم " فلسطين رمز المقاومه , غزه ضحيه الاجرام " الذي افتتح اليوم بطهران , هذه نصها :  

بسم الله الرحمن الرحيم

أرحب بالضيوف الکرام و حضرات العلماء و المفکرين و السياسيين و المجاهدين المشارکين في المؤتمر الرابع للدفاع عن فلسطين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

إن الفترة الزمنية الواقعة بين هذا المؤتمر و المؤتمر السابق الذي انعقد في طهران من 15 حتي 17 شهر ربيع الأول لعام 1427 هـ ، قد شهدت أحداثا هامة و مصيرية تجعل آفاق مستقبل القضية الفلسطينية أکثر وضوحا، کما تلقي مزيدا من الأضواء علي مسؤولياتنا تجاه هذه القضية التي لاتزال تمثل القضية الرئيسية بالنسبة للعالم الإسلامي.

وتأتي ضمن هذه الأحداث المهمة، الهزيمة النکراء التي منيت بها إسرائيل عسکريا و سياسيا أمام المقاومة الإسلامية خلال حربها ضد لبنان عام 1427 هـ ، والتي استمرت 33 يوما ؛ ثم الفشل المخزي الذي باء به الکيان الصهيوني خلال حربه الإجرامية التي شنها لمدة 22يوما ضد الشعب الفلسطيني و الحکومة الفلسطينية الشرعية في غزة. فإن هذا الکيان الغاصب الذي کان قد ظهر طيلة عقود عدة کوجه رهيب و کقوة لاتقهر و ذلک بالاعتماد علي ما لديه من جيش و سلاح و بفعل الدعم الأمريکي السياسي و العسکري؛ نجده قد انهزم مرتين أمام قوي المقاومة التي کانت تقاتل بالاعتماد علي الله و الاستناد إلي جماهير الشعب قبل اعتمادها علي السلاح و العتاد. و رغم التمارين و التحضيرات العسکرية و الاستعانة بالأجهزة الاستخباراتية الضخمة و الدعم السخي المتواصل من قبل أمريکا و بعض الدول الغربية و معاونة بعض المنافقين في العالم الإسلامي، ... رغم کل ذلک ، فقد کشف الکيان الصهيوني عن واقع انهياره و عن المنحدر الحادّ الذي بات يتدحرج منه إلي الهاوية، کما أثبت عجزه أمام تيار الصحوة الإسلامية الجارف.

من جهة أخري، فإن الجرائم التي ارتکبها الصهاينة المجرمون خلال حادث غزة التأريخي ـ متمثلة في قتل المدنيين علي نطاق واسع، و هدم البيوت العزلاء، و شق صدور الأطفال الرّضّع، و قصف المدارس و المساجد، و استخدام القنابل الفوسفورية و بعض الأسلحة المحرمة الأخري، و سد طرق وصول الغذاء و الدواء و الوقود و سائر ما يحتاجه الناس لمدة سنتين تقريبا، و کثير من الجرائم الأخري ـ ... کل تلک الجرائم قد أثبتت أن غريزة الهمجية و الإجرام لدي قادة الدولة الصهيونية المزيفة لم تتغير عما کانت عليه خلال العقود الأولي لمأساة فلسطين؛ و إن نفس السياسة و نفس الطبيعة الهمجية و القسوة التي أوجدت مآسي ديرياسين و صبرا و شاتيلا، لاتزال تحکم بعينها الأذهان و النفوس المظلمة لهؤلاء الطواغيت .

و لاشک أن الاستعانة بالتطور التقني المعاصر قد وسع من نطاق الإجرام و جعله أکثر مأساوية بدرجات.

سواء أولئک الذين کانوا قد توهموا أن الکيان الصهيوني قوة لاتُقهر فرفعوا شعار « الواقعية» و مدّوا يد المساومة و الاستسلام للغاصبين، أو أولئک الذين اعتبروا ـ حسب أوهامهم الباطلة ـ أن الجيل الثاني و الثالث من الساسة الصهاينة براء من جرائم الجيل الأول فعلقوا الآمال علي إمکانية التعايش معهم بسلام ، ... ينبغي لهؤلاء جميعا أن يکونوا قد انتبهوا اليوم إلي خطئهم في التقدير.

فإنه أولا: علي ضوء موجة صحوة الأمة الإسلامية و تنامي شجرة المقاومة الإسلامية سقطت تلک الهيبة الزائفة و ظهرت مؤشرات العجز و الشلل في الکيان الغاصب. و ثانيا: يُلاحظ أن طبيعة العدوان و عدم الخجل من الإجرام لدي قادة هذا الکيان هي هي کما کانت لديهم خلال العقود الأولي. فإنهم لايتورعون عن ارتکاب أي جريمة کلما وجدوا ـ أو ظنّوا ـ أنفسهم قادرين عليها .

لقد مرّ اليوم ستون عاما علي احتلال فلسطين. و طوال هذه المدة ، وُضع جميع ملزومات القوة المادية في خدمة المحتلين، ابتداء من المال و السلاح و التقنية، إلي المساعي السياسية و الدبلوماسية ، إلي شبکة الإمبراطورية الخبرية و الإعلامية الواسعة النطاق. و علي الرغم من هذه الجهود الشيطانية الهائلة و المحيرة، لم يتمکن الغاصبون و لا حماتهم من حل مشکلة مشروعية الکيان الصهيوني، ليس هذا فحسب، و إنما ازدادت هذه المشکلة تعقيدا و صعوبة عليهم مع مرور الوقت. و مما يدل علي هذا التزعزع و التعقيد في موقفهم هو أن الأجهزة الإعلامية الغربية و الصهيونية و الحکومات الداعمة للصهيونية لاتتحمل مجرد طرح سؤال أو إجراء بحث و دراسة حول الهولوکوست الذي اُتُخذ ذريعة لاغتصاب فلسطين . فقد أصبح الکيان الصهيوني اليوم أمام الرأي العام العالمي في حالة هي أسوأ من أي وقت مضي في تأريخه الأسود. کما أصبح التساؤل عن مبرر وجوده أکثر جدية من أي وقت. إن موجة الاحتجاج العالمية العفوية التي انطلقت ضد هذا الکيان بشکل لم يسبق له مثيل و التي اجتاحت العالم من شرق آسيا إلي أمريکا اللاتينية ، و المظاهرات الجماهيرية التي قامت في 120 بلد من بلدان العالم بما في ذلک البلدان الأوروبية التي هي المنبت الرئيسي لهذه الشجرة الخبيثة، و ذلک سواء للدفاع عن المقاومة الإسلامية في غزة أو عن المقاومة الإسلامية اللبنانية خلال حرب الـ 33 يوما ، ... کل ذلک إن دل علي شيء فإنما يدل علي ظهور مقاومة عالمية ضد الصهيونية بما لم يسبق له مثيل بهذا المستوي من الجدية و الشمولية طوال الأعوام الستين الماضية. فيمکن القول إذن بأن المقاومة الإسلامية في لبنان و فلسطين قد نجحت في إيقاظ الضمير العالمي.

و إن هذا لدرسٌ کبير لأعداء الأمة الإسلامية الذين حاولوا أن يصطنعوا دولة و أمة مزيفتين بفعل القمع و الکبت، و أن يحولوا ذلک إلي واقع لايمکن إنکاره، ثم يعملوا علي تطبيع مثل هذا الظلم المفروض علي العالم الإسلامي؛ کما أنه درس کبير للأمة الإسلامية و بخاصة الشباب الغياري و الضمائر الحية فيها، ليعلموا أن الجهاد في سبيل استعادة الحق المسلوب لن يذهب هباءً ، و أن وعد الله حق إذ يقول : « أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا و إن الله علي نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حقّ إلا أن يقولوا ربّنا الله و لو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد يذکر فيها اسم الله کثيرا و لينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز». و يقول تعالي: « إن الله لايخلف الميعاد » و قال عز و جلّ: « و لن يخلف الله وعده » و يقول: « وعد اللهِ لايخلف الله وعده و لکنّ أکثر الناس لايعلمون » و يقول عز من قائل: « فلاتحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذوانتقام » . و أي وعد يکون أکثر صراحة من هذا الوعد الإلهي حيث يقول: « وعد الله الذين آمنوا منکم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض کما استخلف الذين من قبلهم و ليمکنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم و ليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لايشرکون بي شيئا و من کفر بعد ذلک فأولئک هم الفاسقون» .

هناک مغالطة کبيرة قد انتابت أذهان بعض المعنيين فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية و هي أن دولة باسم إسرائيل تمثل واقعا مضي علي عمره ستون عاما، فيجب التصالح و التعايش معه. و أنا لاأدري لماذا لايتلقي هؤلاء الدرس من سائر الوقائع الماثلة أمام أعينهم؟ ألم تستعد دول البلقان و القوقاز و جنوب غرب آسيا هويتها الأصلية مرة أخري رغم أنها عاشت ثمانين عاما في غياب الهوية بعد التحول إلي أجزاء من الاتحاد السوفيتي السابق؟ فلماذا لاتستطيع فلسطين ـ و هي بضعة من جسد العالم الإسلامي ـ أن تستعيد هويتها الإسلامية و العربية مرة أخري؟ و لماذا لايستطيع شباب فلسـطين ـ وهم من أکثر شباب الأمة العــربية ذکاء و صمودا ـ أن يُغلّبوا إرادتهم علي هذا الواقع الظالم؟

و هناک مغالطة أخري أکبــر من المغالطة الأولي، و هي أن يقال بأن الطريق الوحيد لإنقاذ الشعب الفلسطيني هو إجراء المباحثات! مع من يا تري تکون المباحثات؟ أتکون المباحثات مع الکيان الغاصب المتعسف الضالّ الذي لايؤمن بأي مبدأ سوي مبدأ القوة؟ ماذا جني أولئک الذين علقوا الأمل علي هذه الألعوبة و الخديعة؟ أولا : ما أخذه هؤلاء من الصهاينة باعتباره حکما ذاتيا ـ بغض النظر عن طبــيعته المخزية و المهينة ـ قد کلفهم ثمنا باهظا و هو الاعتراف بملکية الکيان الغاصب لکل أرجاء فلسطين تقريبا. ثانيا : إن تلک السلطة الناقصة الزائفة نفسها ظلت تُنتهَک و تُداس تحت أقدام الصهاينة مرات و مرات. فإن محاصرة ياسر عرفات في مبني إدارته في رام الله مع أنواع ممارسات التحقير و الإذلال ليست من الأحداث التي تمحي من الذاکرة. ثالثا: کان تعامل الصهاينة مع مسؤولي السلطة الفلسطينية ـ سواء في عهد عرفات أو بعده ـ علي شکل التعامل مع رؤساء مراکز شرطتهم ممن يتمثل واجبهم في مطاردة و اعتقال المجاهدين الفلسطينيين و تطويقهم استخباراتيا و أمنيا. فکان أن زرعوا بذور العداء بين الفصائل الفلسطينية و حرّضوهم ضد بعضهم. رابعا: و حتي ذلک القدر الضئيل من الإنجاز لم يتحقق إلا بفضل جهاد المجاهدين و مقاومة الغياري من الرجال و النساء الرافضين للاستسلام. فلولا موجات الانتفاضة لما أعطي الصهاينة للقادة الفلسطينيين التقليديين حتي هذا الشيء الضئيل رغم التنازلات المتواصلة التي قدمها هؤلاء للجانب الصهيوني.

هل تکون المباحثات مع أمريکا و بريطانيا اللتين ارتکبتا الذنب الأکبر من خلال إيجادهما هذه الغدة السرطانية و دعمهما لها؟ و اللتين تمثلان طرفا في الدعوي قبل أن تکونا الوسيط فيها؟ فلم تتوقف الإدارة الأمريکية يوما عن دعمها اللامحدود للکيان الصهيوني أو حتي لجرائمه السافرة من قبيل ما ارتکبه في غزة مؤخرا. بل إن الرئيس الأمريکي الجديد الذي جاء إلي سدة الرئاسة رافعا شعار التغيير في سياسات إدارة بوش، نراه يتکلم عن التزامه ـ بلا قيد أو شرط ـ بحماية أمن إسرائيل، أي دفاعه عن إرهاب الدولة و عن الظلم و التعسف، و عن مجازر راح ضحيتها مئات من الرجال و النساء و الأطفال الفلسطينيين خلال 22 يوما. هذا يعني نفس الطريق الخاطئ المسلوک في عهد بوش بالضبط.

کما أن إجراء المباحثات مع الأوساط التابعة للأمم المتحدة هو أيضا توجه عقيم آخر. فقلـّما نجد حالة قد تعرضت الأمم المتحدة فيها لاختبار فاضح مثل تعرضها للاختبار في قضية فلسطين. لقد سارع مجلس الأمن بالأمس إلي الاعتراف رسميا باحتلال فلسطين من قبل الجماعات الإرهابية الفاتکة و قام بدور أساس في تکريس هذا الظلم التاريخي و استمراره. ثم طفق يلتزم صمتا ينم عن الرضا أمام ما ارتکبه الکيان الصهيوني طوال عدة عقود من عمليات إبادة جماعية و تشريد و جرائم حربية و غيرها من أنواع الجرائم. بل إنه لما أعلنت الجمعـــية العامة عنصرية الصهـــيونيــة لم يواکبها مجلس الأمن. ليس هذا فحسب و إنما ابتعد عن موقف الجمعية العامة عمليا بمقدار 180 درجة. إن الدول الجبارة في العالم و المتمتعة بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن تستخدم هذا المحفل العالمي کأداة لها. و نتيجة لذلک ، فإن هذا المجلس لايساعد علي تعزيز الأمن في العالم ، بل يسارع لمساعدة تلک الدول الجبارة کلما يراد أن تکون مواضيع کحقوق الإنسان أو الديمقراطية و ما إلي ذلک وسيلة لفرض مزيد من هيمنة تلک الدول، فيسدل علي أعمالها اللاشرعية ستارا من الخداع و الدجل.

إن إنقاذ فلسطين لن يتحقق من خلال الاستجداء من الأمم المتحدة أو القوي المسيطرة و لا من الکيان الغاصب البتة. إنما السبيل إلي الإنقاذ هو الصمود و المقاومة و ذلک من خلال توحيد کلمة الفلسطينيين و بالاستعانة بکلمة التوحيد التي تشکل رصيدا لاينضب للحرکة الجهادية.

إن رکيزتي هذه المقاومة عبارة عن المجموعات الفلسطينية المجاهدة و أبناء الشعب الفلسطيني المؤمن المقاوم في داخل فلسطين و خارجها من جهة، و الحکومات و الشعوب الإسلامية في أرجاء المعمورة ـ سيما علماء الدين و المثقفون و النخب السياسية و الجامعيون ـ من جهة أخري. فإذا استقرت هاتان الرکيزتان في مکانهما، فلاشک أن الضمائر الحية و القلوب و العقول التي لم تنطلِ عليها الأحابيل الدعائية للإمبراطورية الإعلامية الاستکبارية ـ الصهيونية، ستسارع إلي مناصرة أصحاب الحق و المظلومين في أي مکان من العالم کانوا، و ستجعل الأجهزة الاستکبارية أمام عاصفة هوجاء من الفکر و الإحساس و العمل.

إننا شاهدنا وجها من هذه الحقيقة خلال الأيام الأخيرة من المقاومة الباسلة في غزة. فدموع مدير منظمة خدماتية دولية ينتمي للعالم الغربي أمام کاميرات الإعلاميين، أو التصريحات المتعاطفة التي جرت علي ألسن الناشطين في المنظمات الإنسانية ، أو المظاهرات الضخمة المخلصة الجماهيرية في وسط العواصم الأوروبية و المدن الأمريکية، او الخطوة الشجاعة التي اتخذها بعض رؤساء دول أمريکا اللاتينية ... کل ذلک إن دل علي شيء فإنما يدل علي أن قوي الشر و الفساد ـ التي سمّيت في القرآن بالشياطين ـ لم تهيمن بعد علي کل عالَم غيرالمسلمين بالکامل، و أن الساحة مازالت مفتوحة لجولان الحقيقة.

نعم، إن عامل المقاومة و الصبر لدي المجاهدين الفلسطينيين و مواطنيهم ، و دعم جميع الأقطار الإسلامية لهم بوجه شامل سيستطيع کسر هذا الطلسم الشيطاني المتمثل في اغتصاب فلسطين. و إن الطاقة الهائلة التي تمتلکها الأمة الإسلامية من شأنها أن تحل مشاکل العالم الإسلامي بما في ذلک مشکلة فلسطين المتفاقمة و التي تتطلب معالجة سريعة.

و ها هو کلامي الموجه إليکم أيها الإخوة و الأخوات المسلمون في کل أرجاء المعمورة کما إلي جميع الضمائر الحــية من کل بلد أو شعب کانوا : اشحذوا الهِمم و اکسروا طلسم حصانة المجرمين الصهاينة. اعملوا علي محاکمة کل من لعب دورا في مأساة غزة من القادة السياسيين و العسکريين في الکيان الصهيوني الغاصب، و معاقبتهم وفق ما يحکم به العقل و العدالة. إنها الخطوة الأولي التي يجب اتخاذها. لابد من محاکمة القادة السياسيين و العسکريين في الکيان الغاصب. فعندما يعاقَب المجرم فإن طريق الإجرام سيصبح وعرا و شائکا لمن لديه دافع ارتکاب الجريمة و يعاني من جنون الإجرام. إن ترک مرتکبي الجرائم الکبري و إطلاق أيديهم يشکل بدوره عاملا مشجعا لارتکاب جرائم أخري. فلو أن الأمة الإسلامية ـ بعد حرب الـ 33 يوما في لبنان و ما انطوت عليه من مآسٍ مروعة ـ طالبت مطالبة جادة بمعاقبة الصهاينة المتسببين في تلک المآسي ، لو تمت متابعة هذه المطالبة العادلة کذلک بعد ارتکاب المجازر الدامية في قوافل العرس بأفغانستان، أو بعد ممارسات الجنود الأمريکان المفضوحة في أبوغريب؛ ... لما کنا اليوم أمام مشهد کربلاء في غزة. إننا بصفتنا الحکومات و الشعوب المسلمة لم نقم في تلک الأحداث و القضايا بالواجب الذي يحکم به القانون و العقل و العدالة. و نتيجة ذلک الموقف ما نشهده اليوم عيانا.

و مما يدعو للأسف العميق أن بعض الحکومات و الساسة في العالم يقفون بعيدين کل البعد عن المقولات الأخلاقية و عما يحکم به الضمير الإنساني. حيث أن مجزرةً في غزة تکون حصيلتها خلال 22 يوما، أکثر من 1350 قتيلا و حوالي 5500 جريح من المواطنين العزّل ـ و بينهم عدد کبير من الأطفال ـ لا تثير أي حساسية لدي هؤلاء. و إن القتلة و المجرمين لايعاقبون علي جرائمهم، بل يُمنَحون مکافآت. کما أن أمن هذا الکيان الدموي يُعتبر أمرا مقدسا يجب الدفاع عنه بأي حال، و أن الطرف المظلوم هو الذي يُتّهم و يدان سواء أکان هذا الطرف المظلوم حکومة جاءت إلي الحکم بواسطة أصوات الشعب الحاسمة أو کان أولئک المواطنين الذين جاؤوا بها بأصواتهم. هذا هو موقف محکمة السياسة التي لاتمتّ بصلة إلي الأخلاق و الضمير و الفضيلة ، و لا يمکن لها أن تنسجم مع هذه القيم. و عندما تواجه هذه الحکومات الکراهية العميقة التي يحملها الرأي العام تجاهها، تلجأ مرة أخري إلي اللعبة السياسية دون أن تکترث بالسبب الواضح لذلک. ثم يستمر هذا الدور الباطل دون أن يتوقف.

أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء في أرجاء العالم الإسلامي! لنتلقّ الدرس من التجارب.

إن أمتنا العظيمة تمتلک اليوم قوة هائلة ببرکة الصحوة الإسلامية. و إن مفتاح حل المشاکل العديدة التي تعاني منها الدول الإسلامية بيد هِمَم هذه المجموعة المدهشة، و إن القضية الفلسطينية أهم قضية ملحّة في العالم الإسلامي.

يُسمع في بعض الأحيان أن هناک من يقول: إن قضية فلسطين هي قضية عربية . ماذا يعني هذا الکلام ياتري؟ فإذا کان المقصود منه أن لدي العرب شعورا أقوي بصلة القرابة و إنهم يريدون أن يقدموا خدمة أوفَي و يبذلوا مزيدا من الجهود، فهذا شيء محمود و نحن نبارکهم عليه. لکن إذا کان المقصود من هذا الکلام أن لايکترث قادة بعض الدول العربية بصرخة «يا للمسلمين» المنطلقة من حناجر الفلسطينيين، و أن يتعاونوا مع العدو الغاصب الغاشم في حادث خطير مثل مأساة غزة و يطلقوا صرخة الاحتجاج علي الآخرين الذين يناصرون أهل غزة بسبب أن الشعور بالواجب لايسمح لهم أن يبقوا متفرجين؛ ففي هذه الحالة لايقبل بذلک الکلام أي غيور يملک ضميرا حيا ـ مسلما کان أو عربيا ـ و لايُعفي قائله من اللوم و الشجب. إنه منطق « أخزم » بعينه. إذ کان يضرب أباه و کلما أراد أحد أن يتوسط صرخ بوجهه محتجا، ثم تبعه ابنه فأشبع جده ضربا. فأصبح ذلک مثلا لدي العرب کما ورد في البيت التالي : إن بنيّ رمّلوني بدمي شنشنة أعرفها من أخزم

أيها الحضور الکرام ، إنکم قد شارکتم في هذا المؤتمر بصفتکم أصحاب رأي و خبرة في القضية الفلســــطينـية. و ليس من واجبنا التاريخي ـ اليوم ـ أن نقوم بتکرار المقولات و النظريات العقيمة الماضية. و إنما علينا أن نبحث عن طريقة تؤدي إلي تحرير فلسطين من نير ظلم الکيان الصهيوني. إن ما نقترحه هو طريقة متطابقة تماما مع مبدأ حکم الشعب وهو مبدأ يمکن أن يکون منطقا مشترکا بين کل أنواع التفکير في العالم. و هذا الاقتراح هو أن يشارک جميع أصحاب الحق في أرض فلسطين ـ من المسلمين و المسيحيين و اليهود ـ في اختيار نوع نظامهم المنشود، و ذلک من خلال استفتاء شعبي عام ؛ علي أن يشارک في ذلک الاستفتاء جميع الفلسطينيين الذين تحملوا عناء التشرد طوال سنين .

علي العالم الغربي أن يعلم بأن رفضه لهذا الحل يبرهن علي عدم التزامه بالديمقراطية التي يتبجح بها دوما، و أن ذلک سيکون اختبارا أخر لفضح أمره وکشف وجهه الحقيقي. کما أنه سبق أن تعرض لاختبار آخر في الساحة الفلسطينية عندما رفض الاعتراف بنتيجة الانتخابات في الضفة الغربية و قطاع غزة و التي جاءت بحکومة حماس إلي السلطة. إن الذين لايقبلون بالديمقراطية إلا إذا کانت نتائجها متفقة مع مايريدون، هم طلاب الحرب و المغامرة. و إذا تحدثوا عن السلام فليس ذلک إلا کذبا و خداعا.

إن موضوع إعادة بناء غزة هو من أهم القضايا الملحة بالنسبة لفلسطين في الوقت الحاضر. و إن حکومة حماس المنتخبة من قبل الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين، و التي تشکل ملحمة مقاومتها في إفشال مخطط الکيان الصهيوني أکبر نقطة مشرقة خلال فترة المائة عام الأخيرة من تأريخ فلسطين، يجب أن تکون هي القاعدة و المرکز لجميع الأنشطة الخاصة بعملية إعادة البناء. و إنه من الجدير أن يقوم الإخوة المصريون بفتح الطرق لوصول المساعدات و التبرعات و أن يسمحوا بأن تقوم الدول و الشعوب المسلمة بواجبها في هذا الشأن.

و في الختام، أود أن أذکر بالتکريم و الإجلال ، شهداء حرب الـ 22 يوما، الذين حولوا غزة ـ ببرکة دمائهم ـ إلي معزة للإسلام و العرب؛ سائلا لهم من المولي الرحمة و الغفران. تحية لجميع شهداء فلسطين و لبنان و العراق و أفغانستان و جميع شهداء الإسلام ، و تحية لروح الإمام الراحل العظيم الطاهرة.

أسأل الله تعالي العز و الرفعة للإسلام و المسلمين ، و المزيد من التقارب و التلاحم بين الشعوب المسلمة، و اليقظة المتنامية للعالم الإسلامي.

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)