• عدد المراجعات :
  • 1784
  • 11/11/2008
  • تاريخ :

منافع الحج بنظر المفسِّرين المعاصرين
مکه المکرمه

ركّز بعض المفسّرين المعاصرين على التعليل أو الغاية: }ليشهدوا منافع لهم{ ، ورسموا الأبعاد المتنوّعة والمتعدّدة لهذه المنافع ، التي أراد الله تعالى أن يشهدها موسم الحج في مكّة المكرّمة .

* العلاّمة الطباطبائي في تفسيره (الميزان) نبّه إلى إطلاق تعبير (منافع) ، وعدم تقييده بالدنيوية أو الأخروية ، ممّا يعني شمولهما معاً ، وقد عرّف المنافع الدنيويّة بأنّها تلك آ«التي تتقدّم بها حياة الإنسان الاجتماعية ، ويصفو بها العيش ، وترفع بها الحوائج المتنوعة ، وتكمل بها النواقص المختلفة من أنواع التجارة والسياسة والولاية والتدبير وأقسام الرسوم والآداب والسنن والعادات ، ومختلف التعاندات والتعاضدات الاجتماعية وغيرهاآ» .

ثمّ أعطى العلاّمة مصاديق هذه المنافع الدنيوية مشيراً إلى الأمور التالية:

أولا: التعارف بين المسلمين القادمين من أصقاع الأرض المختلفة .

ثانياً: اتحاد المسلمين على كلمة واحدة هي كلمة الحق .

ثالثاً: التعاون فيما بينهم في سبيل حلّ مشاكلهم .

رابعاً: امتزاج المجتمعات الإسلامية لتكون «مجتمعاً وسيعاً له من القوّة والعدّة ما لا تقوم له الجبال الرواسي ، ولا تقوى عليه أيّ قوّة جبّارة طاحنة ، ولا وسيلة إلى حلّ مشكلات الحياة كالتعاضد ، ولا سبيل إلى التعاضد كالتفاهم ، ولا تفاهم كتفاهم الدِّين»( الميزان 14 : 369 ـ 370) .

* ومن المفسِّرين المعاصرين الذين أعطوا لآية المنافع دلالاتها وأبعادها ، هو صاحب (في ظلال القرآن) سيّد قطب ، حيث يقول:

«والمنافع التي يشهدها الحجّ كثيرة ، فالحجّ موسمٌ ومؤتمر . الحجّ موسم تجارة وموسم عبادة. والحجّ مؤتمر اجتماع وتعارف، ومؤتمر تنسيق وتعاون، وهو الفريضة التي تلتقي فيها الدنيا والآخرة ، كما تلتقي فيها ذكريات العقيدة البعيدة والقريبة.

ثمّ يعدّد هذه المنافع الكثيرة ، ويرسم بريشته الفنّية الأرواح وهي ترفّ حول بيت الله وتستروح الذكريات التي تحوم عليه وترفّ كالأطياف .

طيف إبراهيم الخليل(عليه السلام) وهو يودّع البيت فلذة كبده إسماعيل وأمّه ، ويتوجّه بقلبه الخافق الواجف إلى ربِّه: }ربّنا انّي أسكنت من ذرّيتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرّم . . .{ .

وطيف هاجر ، وهي تستروح الماء لنفسها ولطفلها الرضيع في تلك الحرّة الملتهبة حول البيت ، وهي تهرول بين الصفا والمروة وقد نهكها العطش ، وهدّها الجهد وأضناها الاشفاق على الطفل . . ثمّ ترجع في الجولة السابعة وقد حطّمها اليأس لتجد النبع  يتدفّق بين يدي الرضيع الوضيء . وإذا هي زمزم ينبوع الرحمة في صحراء اليأس والجدب .

وطيف إبراهيم(عليه السلام) وهو يرى الرؤيا ، فلا يتردّد في التضحية بفلذّة كبده . . .

وطيف إبراهيم وإسماعيل(عليهما السلام) يرفعان القواعد من البيت، في إنابة وخشوع... »( في ظلال القرآن 4 : 2419) .

ويستمرّ (سيِّد) في رسم تلك الأطياف . . إلى أن يقول:

«والحجّ بعد ذلك كلّه مؤتمر جامع للمسلمين قاطبة . مؤتمرٌ يجدون فيه أصلهم العريق الضارب في أعماق الزمن منذ أبيهم إبراهيم الخليل: }ملّة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا{ . . ويجدون محورهم الذي يشدّهم جميعاً إليه: هذه القبلة التي يتوجّهون إليها جميعاً ، ويلتقون عليها جميعاً . . ويجدون قوّتهم التي قد ينسونها حيناً . قوّة التجمّع والتوحّد والترابط الذي يضمّ الملايين . الملايين التي لا يقف لها أحد لو فاءت إلى رايتها الواحدة التي لا تتعدّد . . راية العقيدة والتوحيد» .

«وهو مؤتمر للتعارف والتشاور وتنسيق الخطط وتوحيد القوى ، وتبادل المنافع والسلع والمعارف والتجارب ، وتنظيم ذلك العالم الإسلامي الواحد الكامل المتكامل مرّة في كلّ عام . . . » .

ويرى صاحب (في ظلال القرآن) أنّ كلّ ذلك يمثِّل «بعض ما أراده الله بالحجّ يوم فرضه على المسلمين ، وأمر إبراهيم(عليه السلام) أن يؤذن به في الناس» }ليشهدوا منافع لهم{ . . فإنّ كلّ جيل يشهد تلك المنافع «بحسب ظروفه وحاجاته وتجاربه ومقتضياته»!


الحجّ في نهج البلاغة

الحجّ الإبراهيمي والحجّ الجاهلي

الحجّ في السنّة

الأهداف الاجتماعيّة للحجّ الإبراهيمي

الإخلاص في الحج

أضواء، من أسرار الحج

عظمة الحج  و منافعه

الحجُّ عبادة وحركة وسياسة

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)