• عدد المراجعات :
  • 4438
  • 9/28/2008
  • تاريخ :

حقوق الإنسان في نظر أهل البيت ( عليهم السلام )
اهل البيت

هناك مجموعة من الحقوق العامة تتعلق بحق الفرد كإنسان يؤكد الإسلام على مراعاتها ، ما لم تتصادم بحق أو حقوق أخرى ، وهي على أنواع ، نذكر أهمها :

أولاً : حق الحياة :

وهو من أكثر الحقوق طبيعية وأولوية ، قال تعالى : ( وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) النساء : 29 .

وقال تعالى : ( مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ) المائدة : 32 .

والإسلام يراعي حق الحياة منذ بدء ظهور النطفة وهي مادة الخلقة ، فلا يبيح الشرع المقدس قتلها ، ومن فعل ذلك ترتب عليه جزاء مادي ، فعن إسحاق بن عمار ، قال : قلت لأبي الحسن ( عليه السلام ) : المرأة تخاف الحبل ، فتشرب الدواء فتلقي ما في بطنها ؟

قال ( عليه السلام ) : ( لا ) ، فقلت : إنَّما هو نطفة !! فقال ( عليه السلام ) : ( إن أوَّل ما يُخلق نطفة ) .

وعليه ، فقد احتل هذا الحق مكانةً مهمة في مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ويبدو ذلك جلياً لمن يطَّلع على الروايات الواردة في باب ( القصاص ) في المجاميع الحديثية .

وسوف يجد نظرة أرحب وأعمق لهذا الحق ، معتبرةً أن كل تسبيب أو مباشرة في قتل نطفة ، أو إزهاق نفس محترمة ، أو إراقة الدماء ، يُعد انتهاكاً لحق الإنسان في الحياة ، ويستلزم ذلك عقوبة في الدنيا ، وعاقبة وخيمة يوم الجزاء .

ثانياً : حق الكرامة :

اهتم الإسلام بحق آخر لا يقِلّ أهمية عن حق الحياة ، ألا وهو حق الكرامة ، ويراد بالكرامة : امتلاك الإنسان بما هو إنسان للشرف والعِزَّة والتوقير ، فلا يجوز انتهاك حرمته وامتهان كرامته .

فالإنسان مخلوق مُكرَّم ، وقد فضله الله تعالى على كثير من خلقه ، فقد قال تعالى : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) الإسراء : 70 ، وهي كرامة طبيعية متَّع الله تعالى كل أفراد الإنسان بها .

وهناك كرامة إلهية تختص بمن اتَّقى الله تعالى حق تُقَاتِه ، فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الحجرات : 13 .

وكان أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) يراعون كرامة الناس من أن تُمَس ، حتى أنهم ( عليهم السلام ) طلبوا من أرباب الحوائج أن يكتبوا حوائجهم ، حرصاً على صَون ماء وجوههم .

ثالثاً : حق التعليم :

إنَّ العلم حياة للنفس الإنسانية ، وحرمانها منه يعني انتقاص وامتهان كرامتها ، ومما يؤكد حقَّ التعلم والتعليم في الإسلام ما فعله النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأَسرَى بدر ، إذ جعل فدية الأسير تعليم عشرة من أبناء المسلمين .

وقد أشار الإمام علي ( عليه السلام ) إلى حق التعلُّم والتعليم ، في معرض تفسيره لقوله تعالى : ( وَإِذَ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ) آل عمران : 187 .

فقال ( عليه السلام ) : ( ما أخذَ اللهُ ميثاقاً من أهل الجهل بطلب تِبيان العلم ، حتَّى أخذ ميثاقاً من أهل العلم ببيان العلم لِلجُهَّال ) .

ويمكن القول أن الأئمة ( عليهم السلام ) يرفضون مبدئياً احتكار العلم ، ويؤكدون ضرورة بذله لطالبيه .

أما في وقتنا الحاضر ، فتقوم مجموعة تدَّعي التحضر باحتكار العلم ، وحَجبِه عن الآخرين ، أو المتاجرة ببيعه بأغلى الأثمان ، أو استخدامه كسلاح لتحقيق مآرب خاصة ، والحال أن العلم هِبَة إلهية ، ونعمة شرَّف الله تعالى بها الإنسان على باقي المخلوقات .

وقد أوجب اللهُ تعالى على العلم زكاةً ، وزكاته نشره .

وقد بيّن الإمام السجاد ( عليه السلام ) في رسالة الحقوق ، حقَّ المتعلِّم على المعلِّم بقوله : ( أمَّا حق رعيَّتِك بالعلم ، فأنْ تَعلَمَ أنَّ الله عزَّ وجلَّ إنَّما جعلك قَيِّماً لهم فيما آتاك الله من العلم ، وفَتَح لك من خزائنه ، فإن أحسنتَ في تعليم الناس ، ولم تخرق بهم ، ولم تضجر عليهم ، زادك الله من فضله .

وإن أنت منعت الناس عِلمَك ، وخرقت بهم عند طلبهم العلم ، كان حقاً على الله عزَّ وجلَّ أن يسلبك العلم وبهاءه ، ويسقط من القلوب محلَّك ) .

وبالمقابل حدَّد ( عليه السلام ) حق المعلِّم على المتعلِّم بقوله : ( حَقُّ سائِسِك بالعلم التَّعظيمُ له ، والتوقيرُ لِمَجلسه ، وحُسنِ الاستماع إليه ، والإقبال عليه .

وأن لا ترفع عليه صوتك ، ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يُجيب ، ولا تُحدِّث في مجلسه أحداً ، ولا تغتاب عنده أحداً ، وأن تدفع عنه إذا ذُكر بسوء ، وأن تستر عيوبه ، وتظهر مناقبه ، ولا تجالس له عدوّاً ، ولا تعادي له وليّاً ، فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله بأنّك قصدته ، وتعلَّمت علمه لله جلّ اسمه ، لا للناس ) .

رابعاً : حق التفكير والتعبير :

لا يخفى بأن الإسلام جعل التفكير فريضة إسلامية ، ومن يتدبر القرآن الكريم يجد عشرات الآيات تأمر بالتفكر ، والتعقل في الأنفُس والآفاق ، فلم يضع الإسلام القيود أمام حركة الفكر السليم الذي ينشد الحقيقة ، ويُثير الشك كمقدمة للوصول إلى اليقين .

وقد أطلق النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) الفكر من عُقَّال الجاهلية ، وجعله يتجاوز المحسوس بانطلاقه إلى عوالم الغيب ، إلى مَا لا عَين رَأَتْ ، ولا خَطَر على قلبِ بَشَر .

ولقد آمنت مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) بحرية التفكير والتعبير ، لغرض الوصول إلى الحق والحقيقة ، حيث عقدوا ( عليهم السلام ) المناظرات مع الخصوم ، وشكَّلوا الحلقات التي أبرزت آراءهم في شَتَّى المجالات .

فعلى سبيل المثال قام الإمامان الباقر و الصادق ( عليهما السلام ) بدور فكري بارز ، في النصف الأول من القرن الثاني الهجري ، وكانت فترة استقرار نسبي وانفتاح ثقافي ، فعقدوا ( عليهما السلام ) المناظرات مع العلمانيِّين من مَلاحدة ، وزنادقة ، وكذلك مع علماء المذاهب الإسلامية .

خامساً : حق التمتع بالأمن :

لكلِّ إنسان سوي حق طبيعي في التمتع بالأمن ، فلا يجوز لأي كان تعكير صفو حياته ، وجعله أسير الحزن والأسى من خلال التهديد والوعيد بالاعتداء على حياته أو عرضه أو ماله .

ويتأكد حق الأمان إذا أمَّن الإنسان إنساناً آخر بموجب ميثاق أو عهد ، وقد أوجب القرآن الكريم على المسلمين احترام مواثيق الأمان حتى مع الكافرين كما في قوله تعالى : ( .. فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا * إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ .. ) النساء : 89 - 90 .

والنبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) دعا إلى رعاية هذا الحق الإنساني العام ، وقال في هذا السياق : ( مَن قَتلَ معاهداً لم يَرَ رائحة الجنَّة ، وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً ) .

وفي حديث آخر قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( المسلمون أُخوة ، تَتَكافَأُ دماؤهم ، يسعى بِذمَّتهم أدناهم ، وهم يد على سواهم ) .

وقد أكد الإمام علي ( عليه السلام ) هذا التوجه النبوي ، وضمنه عهده المعروف لمالك الأشتر ، الذي جاء فيه : ( وإن عقدتَ بينَك وبين عدوِّك عقدة ، أو ألبسته منك ذِمَّة ، فَحُط عَهدَكَ بالوفاءِ ، وارعَ ذِمَّتكَ بالأمانةِ ) .

سادساً : حق الاعتقاد :

ونقصد من ذلك أنَّ الإسلام لا يجبر أحداً على اعتناقه ، فلا توجد في القرآن الكريم آية ، ولا في السُنَّة النبوية روايةً ، تدل على جواز حمل أصحاب الأديان الأخرى على تركها ، والدخول في دين الإسلام بالجبر والقهر ، وفرض العقيدة الحَقَّة بالقوة .

بل إنَّ قوله تعالى : ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) البقرة : 256 ، دليل واضح على المنع من ذلك .

ومن هنا يظهر وَهن الشبهة الغربية القائلة : إن الإسلام دين انتشر بالسيف .

كيف ، ولم يجبر المسلمون أحداً من أهل الكتاب على اعتناق عقيدتهم ؟! كما أن القرآن يدعو المسلمين إلى محاورتهم بالتي هي أحسن .

وقد سلك الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) هذا المسلك ، وفتحوا حواراً مع الزنادقة ، والمُلحِدين ، وأهل الكتاب ، ودافعوا ( عليهم السلام ) عن العقيدة ، وأصول الإسلام بالحجة الدامغة ، والمنطق الرصين .

سابعاً : حق المساواة وحق التمتع بالعدل :

لقد أعلن القرآن الكريم أن الناس متساوون جميعاً في أصل الخلقة ، فقد قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الحجرات : 13 .

فقضى الإسلام بذلك على عبودية البشر للبشر ، واعتبرهم جميعاً مخلوقات لله تعالى ، وبذلك وضع صمَّام الأمان على كل نزعةٍ نحو الطغيان ، على أساس العِرق ، أو اللَّون ، أو اللِّسان .

وأوجد شعوراً بالمساواة بين الحاكم والمحكوم ، والغني والفقير ، وبين القوي والضعيف ، وأصبح المقياس في الكرامة والفضل ، هو التقوى ، والعمل الصالح .

إن الاعتقاد بمساواة البشر شرط لا بُدَّ منه لقيام العدل الذي جعله القرآن الكريم غاية النبوات ، فقال تعالى : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) الحديد : 25 .

فكيف يقام العدل بين الجماعات إذا كانوا يعتقدون أنهم طبقات متمايزة ، أو أُسَر متفاضلة ؟ وقد سار الإمام علي ( عليه السلام ) عندما استلم دَفَّة الخلافة على خُطَى المنهج النبوي ، فساوى بين الناس في التعامل وفي العطاء ، وكان ( عليهم السلام ) يَأخذ كأحدهم .

وقصته ( عليه السلام ) مع أخيه عقيل ( رضوان الله عليه ) مشهورة ، حين طلب منه زيادة في عطائه ، فقال ( عليه السلام ) له : ( اِصبر حَتَّى يخرج عطائي ) ، فلم يقبل ، فأبى ( عليه السلام ) أن يعطيه أكثر من عطائه .

وبلغ من تمسكه ( عليه السلام ) بهذا الحق حَدّاً ، بحيث أنه وجد في مالٍ جاءه من ( إصفهان ) رغيفاً ، فقسمه سبعة أجزاء ، كما قسم بيت المال ، وجعل على كل جزء جزءاً .


منهج اهل البيت(عليهم السلام) في بناء الانسان الكامل

إنهم يسرقون حِكَم أهل البيت

قول أهل الذكر بخصوص أهل البيت

موقف أهل البيت العملي من القرآن

التطور والإبداع عن الشيعة الإمامية

متى بدأ التشيع ؟

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)