• عدد المراجعات :
  • 6245
  • 5/12/2008
  • تاريخ :

الإسلام السياسي والغرب

الإسلام السياسي

الإسلام والسياسة---1--- Islam and Politics

الإسلام والسياسة----2---- Islam and Politics

ما الإسلام السياسي:

إشكالية المصطلح:

إن عملية تعريف الإسلام السياسي وما يتعلق به من مصطلحات أخرى كالأصولية والصحوة الإسلامية والتطرف الإسلامي والإرهاب والإرهاب الإسلامي أو الإسلاموفوبيا تنطوي على إشكال مفهومي يعزى للتشابك, والتداخل بين هذه المفاهيم, والاختلاف بين الباحثين والأكاديميين في مقاربتها, رغم الخطوط العريضة التي تجمع ما بين جميع التعريفات.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد.”فأي إسلام نعنى, وأي إسلاميين؟ هل هو إسلام الأمة أم إسلام الخاصة؟ هل هو الإسلام الشعبي أم الإسلام الرسمي؟ هل هو إسلام الحكومات أم إسلام الحركات السياسية؟ وإذا كان إسلام الحكومات فهل هو إسلام السعودية أم إيران أم طالبان ...؟ وإذا كان إسلام الحركات السياسية؟ فهل هو إسلام الإخوان المسلمين أم حزب التحرير أم الجماعة الإسلامية والجهاد الإسلامي؟

وإذا كان إسلام النخبة المثقفة, فهل هو إسلام سيد قطب أم أبى الأعلى المودودى أم هو إسلام حسن الهضيبى والقرضاوي...»1

ويرى المشاركون في ندوة التوجهات الغربية نحو الإسلام السياسي, التي عقدت في الجامعة الأردنية في نوفمبر عام 1998 بأنه نظراً للتعددية في الرؤى والتصورات والاستراتيجيات لدى الإسلاميين السياسيين فإنه من الأولى أن نطلق عليها حركات الإسلام السياسي بدلا من إفرادها بحركة واحدة للإسلام السياسي أو المسلمين. بل يذهبون إلى أبعد من ذلك ويقولون إن إضفاء صبغة السياسي على الإسلام تحدث خلطاً  وتشويشاً يتعلق أساساً بأن مصطلح  الإسلام  السياسي هو مصطلح يجزئ الإسلام كدين, وهو أمر يرفضه أتباعه ومعتنقوه2. بل حتى إن مصطلح  الشرق الأوسط نفسه فيه إشكالية, فنحن  شرق أوسط كما تسمينا الولايات المتحدة والغرب, أما فيما يتعلق بهدف ومضمون هذا البحث فإن الشرق الأوسط يشمل العديد من تجارب الإسلام السياسي ,إضافة إلى وجود إسرائيل كجزء من المنطقة وفيها حركة إسلامية ذات خصوصية3.

الإسلام السياسي:

يرى الدكتور إبراهيم أبو عرقوب بأن الإسلام السياسي هو الإسلام الذي يدعو إلى المزج بين الدين والسياسة في الشؤون المحلية والعالمية, ويرى في مبدأ«دع ما لله لله”, وما لقيصر لقيصر» شذوذا عن طبيعة الإسلام كدين شامل للدين والدنيا. فالإسلام السياسي, أو دعنا نقول حركات  الإسلام السياسي بمجملها لا تؤمن بفصل الدين عن الدولة وتسعى في استراتيجيتها وبرامجها إلى إقامة دولة إسلامية تطبق الإسلام كدين ودولة ونظام حياة4.

ولنا تعليق هنا وهو تحفظ على كلمة «مزج» والمزج بالمفهوم  المألوف يتم ما بين عنصرين غريبين ,فيما ينظر الإسلاميون على أن نظام الدولة هو جزء لا يتجزأ من الإسلام.

يقول عبد القادر عودة, في«كتاب الإسلام وأوضاعنا السياسة» و”الإسلام ليس دينا» فحسب ,وإنما هو دين ودولة. وفي طبيعة الإسلام أن تكون له دولة, فكل أمر في القرآن والسنة يقتضي تنفيذه قيام حكم إسلامي ودولة إسلامية, لأن تنفيذه كما يجب غير مأمون إلا في ظل حكم إسلامي خالص ودولة إسلامية تقوم على أمر الله . وقيام الإسلام نفسه في الحدود التي رسمها الله وبينها الرسول يقتضي قيام دوله إسلامية تقيم الإسلام في حدوده المرسومة, وذلك منطق لا يجحده إلا مكابر.”5.

وأكثر ما جاء به الإسلام  لا يدخل تنفيذه في اختصاص الأفراد وإنما هو من اختصاص الحكومات, وهذا وحده يقطع بأن الحكم من طبيعة الإسلام ومقتضياته وأن الإسلام دين ودولة6. ويؤكد على هذه النظرة التكاملية لتعاليم الإسلام بشأن الحكم والسياحة سيد قطب في تفسيره لآية«إنْ الحكم إلا الله, أَمَر إلا تعبدوا إلا إياه”7, فالآية من وجهة نظر قطب تربط ما بين الحكم والعبادة باعتبارها جزءاً منه, لا عنصرا خارجيا يتم مزجه بها.

“إن الحكم إلا لله» فهو مقصور عليه سبحانه بحكم الوصية, إذا الحاكمية من خصائص الألوهية, من ادّعى الحق فيها فقد نازع الله سبحانه وتعالى الوصية, سواء ادّعى هذا الحق فرد أو طبقة أو حزب أو هيئة أو أمة أو الناس جميعاً في هيئة صورة منظمة عالمية. وادّعاء هذا الحق لا يكون بصورة واحد... ولكنه يدعى هذا الحق وينازع الله فيه بمجرد أن ينحي شريعة الله عن الحاكمية, ويستمد القوانين من مصدر أخر... والأمة في النظام الإسلامي هي التي تختار الحاكم فتعطيه شرعية مزاولة الحكم  بشريعة الله, ولكنها ليست مصدر الحاكمية التي تعطى القانون شرعيته, إنما مصدر الحاكمية هو الله8.

فالإسلام السياسي عموما يركز على أن السياسة جزء من الدين وأن الممارسات الإنسانية وكافة جوانبها يجب أن تخضع للمعايير العقيدية, وتطبيق  المفهوم الجهادي للوصول إلى الأهداف المنشودة9.

كما يدعو الإسلام السياسي إلى إعادة البناء الأيديولوجي- الدنيوي للإسلام, بما يتلاءم مع التشريعات العقائدية بالإضافة إلى تفعيل سيادة العدالة واعتماد قواعد التعامل في النطاق الداخلي والممارسات الخارجية على النص القرآني10.

والإسلام السياسي  الذي يرى في الإسلام ديناً ودولة  يرى أن تراجع الدور الحضاري للمسلمين هو نتيجة حتمية ومنطقية لعدم تطبيقهم لجزئيات وتفاصيل الشريعة الإسلامية واستبدال هذه الشريعة بالقيم والمبادئ الغربية, وبالتالي فان أي دور مستقبلي للإسلام والمسلمين يجب أن يرتكز على تطبيق كامل للشريعة في المجتمع الإسلامي بكل مظاهرة بما في ذلك نظام الحكم11.

ومن هنا نخلص إلى أن الإسلام السياسي هو فهم للإسلام كدين شامل متكامل يحتوى على ما يصلح البناء عليه لإقامة مجتمع إسلامي متميز بهويته الإسلامية, حيث تطبق المعايير العقيدية والدينية على كل مناحي الحياة.

وبالمجمل فان حركات الإسلام السياسي هي تلك الحركات التي تصرح بهدف معلن هو السعي بشتى  الوسائل لإقامة هذه الدولة الإسلامية والتي تمتلك بنية تنظيمية علنية أو سرية وتحظى بدعم جماهيري يختلف من قطر لقطر وآخر من ناحية لأخرى من حيث الحجم والفاعلية لكنه صالح لان يتخذ أساسا لإقامة النظام الإسلامي المنشود12.

إنّ وراء تنامي حركات الإسلام السياسي أسباب تعود في أساسها  إلى أزمة السلطة وأزمات المجتمع في الوطن العربي في ما بين عامي 1964و1974 إذ تطورت أزمة السلطة في الوطن العربي  الذي فشلت فيه تجارب الوحدوية، والتجارب التنموية والمناهج السياسية، وبالإضافة إلى الحروب التي خسرتها الأمة في مواجهة الكيان الصهيوني. لقد تطورت تلك الأزمة من أزمة السلطة إلى بدايات أزمة مجتمع وتفاقمت في الثمانينيات13. والرؤية الأيدلوجية للحركات الإسلامية  تتنوع وتتعدد  ولكن الشيء المشترك فيما بينها هو ما يلي:

اعتبار الإسلام طبقة شاملة للحياة والدولة والمجتمع.

اعتبار التغريب وتبني العلمانية الغربية سببا للأزمات العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمع المسلم .

إن سعادة السلطة تتطلب العودة إلى الصراط الإسلامي  المستقيم، وهو البديل لكل من الرأس مالية والماركسية. 

إن إعادة تطبيق الشريعة الإسلامية سوف يؤدى إلى نشوء مجتمع أطر أخلاقية وعدالة.

من واجب جميع المسلمين التضحية والجهاد في سبيل الله14.

ويرى عموس بيرلومبتر أن ما يجمع الأصوليين من وجهة نظره هو وجود برنامج سياسي رغم تنوع وجهات النظر الأيدلوجية لديه, بحيث يكون الهدف الأسمى الذي يسعون إلى تحقيقه من هذا البرنامج إقامة دولة إسلامية  بشكل أو بآخر15.

وسواء كانت تلك الجامعات الإسلامية في مصر أو الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر أو حزب الله في لبنان أو حماس وإلى حد ما الجهاد في فلسطين والدعوة في العراق، والإخوان المسلمين والنفير الإسلامي أو جيش محمد في الأردن والإخوان المسلمين الذين أخلدوا إلى السكون في سوريا، فانهم يريدون نظاماً سياسيا تقليديا, يريدون جمهوريات إسلامية. إنهم واضحون كل الوضوح في هذا الصدد16.

الإسلام السياسي  وعلاقته بالصحوة الإسلامية:

يبرز  لدى التطرق لمفهوم الصحوة الإسلامية مشكلة أخرى. فعلى المستوى السطحي ينظر للصحوة الإسلامية على أنها عودة جماهيرية للدين في ظل  ظروف من القنوط واليأس من كل البدائل الأخرى. وأحيانا تتداخل الصحوة الإسلامية مع الإسلام السياسي بحيث يشير المصطلحان إلى مفهوم واحد، وهذه وجهة نظر يرفضها  العديد من الباحثين الذين يؤكدون أن الصحوة الإسلامية لا تعني الإسلام السياسي بشكل مطلق. بل أن الصحوة الدينية ظاهرة عامة أصابت المسلمين  والمسيحيين واليهود والبوذيين  والوثنين ...وبالتالي  فهي لا تقتصر على المسلمين وحدهم17.

ويرى فهمي هويدي  أن الحركات الإسلامية السياسية التي يقودها النخبة ليست هي الصحوة الإسلامية  التي وصلت إلى كافة شرائح المجتمع الإسلامي  بل وأدت إلى دخول العديد من غير المسلمين دين الإسلام , ومع ذلك فإن الظاهرتين تلازمتا وكانت الصحوة، هي الأعم، الذي نشأت من خلاله الظاهرة السياسية .

وترتبط الصحوة بالإرادة الذاتية الإنسانية، فهي تعنى معالجة الخلل العقيدي عند الإنسان المسلم  فيرأب الصدع  ويعدل السلوك بما يتواءم  والمعايير العقيدية, وليس شرطا أن يلج جوانب السياسة، وان كانت الصحوة تبدأ بالفرد وعلاج أحواله فإنها تمتد للأسرة والمجتمع الذي يبدأ بالبحث عن ذاته وينفض عن حضارته غبار الاستلاب الحضاري والعقيدي  ثم يخرج من هذا الخضم الإسلامي السياسي بتعدديته  واختلاف استراتيجيته ورؤاه18.

ورغم أن الاهتمام بالإسلام السياسي على المستوى العالمي لم يبدأ بشكل بارز إلا في العقدين الأخيرين من القرن العشرين إلا أن الصحوة الإسلامية الحديثة تعود إلى أيام جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا الذين لم يخوضوا في السياسة والأحزاب حتى جاءت حركة الإخوان المسلمين عام 1928 ونظمت الطروحات الإسلامية في حركة سياسية19.

ومن أبرز الأدلة على تجاوز الصحوة للمستوى الفردي للإصلاح وصولاً إلى مستوى المشروع الحضاري النهضوي إنها ارتبطت وإلى حد بعيد بحركات التحرر من الاستعمار, خاصة في المغرب العربي.

وبالمجمل فان ظاهرة الصحوة الإسلامية أقدم من الإسلام السياسي وهى عامة امتدت في شرائح المجتمع العربي والإسلامي لينبثق عنها فيما بعد الإسلام السياسي وما لحق به من اتهامات بمعاداة السلم العالمي والتقدم الحضاري.

العامل الاقتصادي ودوره في ظهور الصحوة الإسلامية :

يميل  علماء الاجتماع الغربيون إلى ربط زيادة الالتزام الديني عند الشعوب بالإحباط الاجتماعي والأزمات الاقتصادية الخانقة, فكأن الجماهير لا تجد ملجأ أمام عجزها المطلق عن حل هذه الأزمات إلا بالرجوع إلى دينها. ومن العلماء الذين يؤيدون هذا الطرح كارل ماركس وكاترل فيبر ودوركهايم20.

ومن الواضح أن الأمريكيين يميلون لهذا  التفسير للصحوة الإسلامية باعتبارها مهد الحركات الإسلامية التي تلقى قبولا متزايدا في الشارع العربي.

ويقول إدوارد دجرجيان في شهادة له أمام الكونجرس الأمريكي حول الشرق الأوسط عام 1993:

“وفي التحليل الأخير يجب أن نشير إلى أن  الحيف الاجتماعي وفقدان الفرص الاقتصادية والتعليمية والسياسية هو الذي يوفر للمتطرفين مساندين في كل بلد”21.

وفي خطاب الرئيس الأمريكي بل كلينتون أمام البرلمان الأردني عام 1994 أشار إلى أن الحركات المتطرفة تقتات على اليأس والفقر والإحباط باعتبارها عوامل وراء ظاهرة الصحوة الإسلامية.

“هذا هو النزاع الذي يكتنف الشرق الأوسط حاليا, فعلى طرف تقف قوى الإرهاب والتطرف التي تحيط نفسها بالكلام البليغ حول الدين والقومية, فيما تناقض في نفس الوقت تعاليم دينها وتخسر من محبة وطنها. قوى الرجعية هذه تقتات على الإحباط والفقر واليأس , وهى تؤجج نيران العنف وتسعى لتدمير التقدم في هذا المكان22.

ويؤكد فيصل الرفوع23 ذلك بقوله: إن للمتغيرات الاقتصادية الدولية دورا في تعميق الحس الإسلامي المعادي للغرب في ظل النظام الجديد والهيمنة الاقتصادية الأمريكية على وجه الخصوص. ويرى أن سلبيات هذا النظام قد انعكست بشكل كبير على الشعوب الإسلامية التي عانت الكثير من نتائج المعطيات الاقتصادية والاجتماعية. مما دفع بالإسلام السياسي إلى الواجهة متنطحا لهذه الحالة  والتي هي في نظر الإسلاميين تستهدف المسلمين أكثر من غيرهم. وبالمقابل أدى هذا الموقف إلى رد فعل غير عادل وغير حيادي من ناحية الغرب تجاه الإسلام السياسي.

ويرفض أبو عرقوب24 من جهته أية تفسيرات غربية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية لظاهرة الصحوة الإسلامية ويصفها بأنها«خاطئة لأنها تنطلق من عقلية غربية محضة ترى بأن العودة للدين والتمسك به هي مرحلة لمواجهة الأزمات التي تتعرض لها الشعوب، فإذا ما انفجرت هذه الأزمات عادوا كما كانوا عليه. إن عودة المسلمين للإسلام هذه الأيام هو لتحرير أنفسهم من الذل والظلم الذي عانوا منه على مدى سنين طويلة في ظل القومية والشيوعية والعلمانية والرأسمالية . لقد وجدوا  بان الإسلام هوا الحل لمعاناتهم”.

تعريف الأصولية الإسلامية :

الأصولية في الإسلام تعنى التمسك بأصول الدين والأصوليين هم العلماء المختصون بعلم أصول الفقه أو أصول الدين . فالأصولية في الإسلام مصطلح محبب وإيجابي بكل معنى الكلمة ولكنه استخدم في سياق خاطئ من قبل الغرب, فأصبح من أكثر المصطلحات والتعميمات الخاطئة شيوعا في أدبيات الغرب ونقاشاتهم حول  ظاهرة الإسلام السياسي.

ومن وجهة نظر أبو عرقوب فإن هذا الاستخدام السلبي للمصطلح محاولة مقصودة لربط الأصولية الإسلامية بالأصولية البروتستانتية باعتبارهما وجهان لعملة واحدة يجمعهما معاداة العقل والعلم والتقدم العلمي والعلمانية والحرية25.

ويقول تقرير للجنة الأبحاث التابعة لمجلس النواب في الكونغرس الأمريكي حول الإرهاب والحرب غير التقليدية، صدر في 3 أيلول 199226 ردا على اتهام الأصولية الإسلامية بالخطورة تجاه الغرب بأن« الأصولية الإسلامية بمعناها الحقيقي هي الالتزام السلمي وغير المؤذي بحرفية القرآن. إن الأصولية غير موجودة في الحركات الإسلامية المعاصرة التي تحمل أجندات تسعى من خلالها نحو الديمقراطية وتحرير الجماهير من الحكومات الفاسدة التسلطية”.

ولتوضيح وجهة النظر هذه يقتبس التقرير المذكور من مقال آخر في مجلة الشؤون الخارجية بقلم روبين رايت، الخبيرة المختصة في شؤون الشرق الأوسط. تقول:

“إن الحركات الإسلامية المتنوعة غالباً ما تسمى في الغرب أصولية، لكن معظم أتباعها في الحقيقة ما هم إلا أصوليون من ناحية الأجندات التي يتبنونها، فالأصولية عموماً تحث على الالتزام السلمي بالنصوص ولا تسعى لتغيير النظام الاجتماعي، وهي بدلاً من ذلك تركز على إصلاح حياة الفرد والعائلة...”.

فالأصولية إذن هي التمسك بالأصول، والدين الإسلامي في رأي الأكاديميين لا يقبل أن يكون المسلم على الصورة المرسومة في ذهن الغرب، وليس المصطلح رديفاً للتطرف والإيذاء المتعمّد والاعتداء على أرواح وأموال الأبرياء. وعليه فإن أي اقتباس لاحق في هذا البحث يشير إلى الأصولية بمعنى التطرف والإرهاب فإن فيه لبس في فهم المصطلح واستخدام له في غير سياقه.

ما المقصود بالتطرف الإسلامي؟

ربما يكون اصطلاح التطرف أقرب لمفهوم الإرهاب والعنف من مصطلح الأصولية، وإن كان لا يعني نفس الشيء تماماً.

فالتطرف سياسياً يعني الدعوة الفردية والجماعية إلى إجراء تغيير جذري في النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في البلد27. ويرى أبو عرقوب أن المتطرفين في نظر الغرب هم جميع المسلمين بغض النظر عن بلدانهم أو الجماعات التي ينتمون إليها أو لغاتهم أو قضاياهم أو مشاكلهم28، مستشهداً بقول لبورتشارد باوتشر الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية عام 199329.

“إن لدى الولايات المتحدة اعتقاد بأن المتطرفين هم جماعات مثل حماس وحزب الله أو أية جماعات أخرى تحاول أن ترفض عملية السلام وتحاول إعاقتها عن طريق العنف”.

ومما يميز التطرف من وجهة نظر الغربيين هو الجمع ما بين الدين والقضايا الوطنية والسياسية مثل فلسطين أو لبنان، وهو بالتالي يهدد المصالح الأمريكية وموجه بالأساس ضد الغرب وأمريكا وإسرائيل30.

الإرهاب الإسلامي:

إن كان التطرف حسب ما ذكر أعلاه يتعلق بالفكر والنظرة حول التغيير، فإن الإرهاب هو استخدام تكتيكات إرهابية لتنفيذ البرامج المتطرفة، على حد تعبير (تيم ويرث) مستشار وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

نشأت خلال السنوات الأخيرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جماعات جديدة وراديكالية مثل حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني والجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر، وهي جماعات تعتمد أيديولوجية إسلامية ولكنها تستخدم تكتيكات إرهابية لتنفيذ برامجها المتطرفة، وفي نفس مصر قامت الجماعة الإسلامية، وهي جماعة الشيخ عمر عبد الرحمن وهذه الجماعة ذات صلة وثيقة باعتداءات عنيفة على مسؤولين مصريين ومفكرين علمانيين وسياح أجانب بهدف زعزعة حكومة مبارك، إن استغلال هذه الجماعات للجدل السياسي لا ينبغي أن يؤدي بنا إلى الخلط بين الإرهاب والإسلام في أذهاننا. ليس لنا مشكلة بالطبع مع الإسلام أو مع من يمارس تلك العقيدة. إن المشكلة هي مع استخدام أي شخص للعنف والإرهاب..”31.

فالإرهاب هو استخدام العنف بطريقة غير قانونية أو التهديد بالعنف ضد الأشخاص أو الممتلكات من أجل دعم أو تحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو لإكراه الحكومات والأفراد والجماعات لتعديل سلوكهم أو سياساتهم32.

وللموضوعية فإن الموقف الأمريكي المعلن والعديد من الأكاديميين الغربيين يؤكدون أنه لا صلة بين الإرهاب بهذا المعنى والأخوان كديانة عالمية تنبذ العنف والإرهاب والتهديد، وفي كلام ويرث أعلاه دليل على ذلك.

ويؤكد على ذلك (جيمس ويلزي) مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية السابق في شهادة أمام مجلس الشيوخ عام 1993 حيث بقول :« إن استخدام المتطرفين الدينيين للعنف في الشرق الأوسط نزعة مغلقة، وإن غالبية هذه الجماعات لم تستهدف المصالح الأمريكية بشكل مباشر...33.

وعلى نفس المنوال يقول فيليب ولكوكس، المنسق الأمريكي لمكافحة الإرهاب:

“إن مرتكبي هذه الجرائم الوحشية هم أو يعتقد بأنهم متطرفون يسيئون للدين الإسلامي الذي يزعمون أنهم يعملون باسمه، لقد كرسوا جهدهم لتدمير عملية السلام العربية الإسرائيلية ودولة إسرائيل، علاوة على أن هذه الجماعات غارقة في كراهيتها للغرب وثقافته... إن الإرهاب ناتج عن الصراعات في الشرق الأوسط وهو ظاهرة عالمية”34.

ويقول الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون بأن« قليلاً من الأمريكيين يدركون عراقة العالم الإسلامي، إنهم يذكرون فقط بأن سيوف محمد عليه السلام وأتباعه هي السبب في انتشار الدين الإسلامي في آسيا وإفريقيا وحتى أوروبا، لقد تناسى هؤلاء بأن الإسلام لا يقر الإرهاب وإنه لم تمض إلا ثلاثة قرون منذ آخر حرب دينية في أوروبا«35.

ولسنا نرى ضرورة للتوسع هنا في أنواع الإرهاب وأشكاله، ما دامت الدوافع واحدة لاستخدام العنف، مهما تعددت الأساليب.

الخوف من الإسلام ( الإرهاب الإسلامي أو الإسلاموفوبيا ):

يرى الباحثون والمهتمون بالشؤون الإسلامية والشرق أوسطية بأن المشكلة في المفاهيم والفهم المتبادل بالإضافة لدور الدعاية الصهيونية وأعوانها في الغرب قد نجحت في النهاية في ترسيخ نظرة مشوهة للإسلام. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وصل الأمر إلى إرعاب المجتمعات الغربية من كل  ما هو مسلم حتى ظهر في الغرب مصطلح إسلاموفوبيا Islamophobia، أو الخوف من الإسلام، وهو يعني بالنتيجة الخوف والرعب والكره للإسلام والمسلمين36.

ومصطلح فوبيا أو الإرهاب يعرف في علم النفس بأنه الخوف غير المبرر من شيء37.

وبالتالي فإن هذا الخوف غير المنطقي مبني على تاريخ مرضي مزور فالمصطلح بحد ذاته هو دفاع عن الإسلام، لكن الظاهر هو أنه منتشر بين الغربيين.

أهم ملامح ظاهرة الإرهاب الإسلامي فيما يلي:

النظر للإسلام وإلى الثقافات الإسلامية عموماً على أنها عقيدة جامدة تسير على وتيرة واحدة لا تغيير فيها ولا تجديد ولا تنوع ولا تقبل التعدد واختلاف الآراء.

الإدعاء بان الثقافة الإسلامية تختلف كلياً عن الثقافات الأخرى وأن المسلمين متشددون ويتقيدون بحرفية النصوص الدينية.

تصوير الإسلام بأنه خطر يهدد العالم على غرار النازية والشيوعية وأن الأصولية الإسلامية تشكل أكبر خطر يهدد السلام العالمي38.

وفي خطاب لسمو الأمير الحسن بن طلال أمام المؤتمر الثاني حول الأديان المعقود في أسبانيا، تشرين ثاني 1997 يقول:« ليس هناك من دين آخر يشكل ثقافة أي مجتمع آخر قد عانى من الاتهامات وتصويره بصورة شيطانية بقدر ما يعانيه الإسلام والثقافة العربية في عيون العالم، مع العلم الأكيد بأن أعمال الإرهاب والعنف يرفضها الإسلام والمؤمنين من أتباعه”.

يجب أن يلقى الإرهاب نفس المقاومة وبنفس الطاقة التي لقيتها المعاداة للسامية، وآمل أن نستطيع العمل معا لتنفيذ خطوات عملية تساعدنا في فهم الطريقة التي يستطيع من خلالها الدين أن يلعب دورا أكثر ديناميكية وإيجابية في ترويج السلام وإحداث تغيير في حوار العنف، والمساهمة بشكل فعال في الفهم المتبادل والحيلولة دون إساءة الفهم والصراع39

المواجهة

بدأ الاهتمام الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط بدايته الحقيقية بعد الحرب العالمية الثانية، أي منذ بروزها كقوة عظمى في العالم، وليس هذا هو السبب الوحيد. ويتم الجدل حول هذا الموضوع على عدة مستويات مختلفة : معيارية وفلسفية وحضارية وسياسية واقتصادية، وجغرافية سياسية، وفي دوائر اهتمام مختلفة: الصحافة ومراكز البحث وقاعات التدريس الجامعي والسياسة... ويبدو أن السياسة الأمريكية الخارجية وبخاصة تجاه هذا الموضوع تتميز بالأهمية العملية من حيث أثرها، وبالتعقيد من ناحية طبيعتها والعناصر التي تدخل في صياغتها، ووجهات النظر التي تلتزم لفهمها40.

وفي الحقيقة أنه لم يكن من المعهود أن يعبر الرؤساء الأمريكان عن آرائهم وسياساتهم نحو الإسلام في أحاديث علنية وتصريحات عامة حتى جاءت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وبدأ العامة في الولايات المتحدة يتساءلون كنه هذا القادم الجديد و بدءوا يهتمون بفهم الإسلام وبالتالي كان لا بد من تحديد سياسة عامة معلنة نحو كل ما يتعلق بالإسلام.

وتطور الأمر في الثمانينات والتسعينات وصار المسلمون في أكثر من موقف ومناسبة طرفا في قضايا عنف واضطراب، ووجدت الإدارة الأمريكية نفسها أمام ضرورة صياغة سياسة معلنة تجاه الشؤون الإسلامية خصوصا في عهدي جورج بوش وبيل كلينتون، وهذه السياسة تؤكد أن الولايات المتحدة لا تعتبر الإسلام إيديولوجيا موجهة ضد الغرب، بل تحترمه وتعتبره أعظم الأديان ولكنها ترفض العنف والاضطهاد واللا تسامح وخرق حقوق الإنسان بغض النظر عن المظلة التي تتم تحتها سواء دينية أو عرقية أو غير ذلك41.

وهذا الموقف كان واضحاً مثلا في خطاب الرئيس كلينتون أمام البرلمان الأردني عام 1994 حيث قال بأن قوى الإرهاب والتطرف تخالف دينها باعتماد العنف، مضيفاً بأن هذا الحال ضار بالأمة نفسها إذا سارت في الطريق الذي يرسمه لها الرجعيون الذين يمثلون من وجهة نظره مخلفات الماضي42.

يقول إدوارد تجرجيان مساعد الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى في شهادة أمام الكونغرس: «... إننا ننظر باحترام عميق إلى الإسلام بصفته تحضر في التاريخ. فالإسلام قد أثرى حضارتنا نفسها، وهو دين الكثير من المواطنين الأمريكيين. إننا نرفض الفكرة القائلة بأن التأكيد المتجرد على القيم التقليدية في كثير من أنحاء العالم الإسلامي لا بد أن يسفر عن نزاع مع الغرب. إننا لا نعتبر الإسلام العقيدة القادمة التي تحل محل الشيوعية الدولية. وهناك مظاهر معينة لما يسميه البعض الإحياء الإسلامي التي تثير القلق. ولكننا بحاجة إلى الوضوح فيما يتعلق بطبيعة ومصدر تهديدات ممكنة للمصالح الأمريكية، وبدون ذلك نقع ضحايا مخاوف في غير موضعها أو تصورات خاطئة».

لكن يبقى أن المسألة ليست بهذه البساطة، فالوقائع والتصريحات والتطورات السريعة التي تشهدها المنطقة أعقد من أن تبسط نظرة الولايات المتحدة للإسلام السياسي، ونظرة الإسلاميين للولايات المتحدة بالتالي إلى مستوى الأكليشيهات العامة التي تكرر في المواقف الرسمية وعند الضرورة.

الهوامش:

1- إياد البرغوثي، ورقة بحث بعنوان الإسلام والغرب: إشكالية الوحدة والصراع، مقدمة لندوة الاتجاهات الغربية نحو الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، الجامعة الأردنية، نوفمبر 1998.

2- هشام جعفر وأحمد عبد الله: ملامح ومعالم التحول في حركة الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، ورقة بحث مقدمة لندوة الاتجاهات الغربية نحو الإسلام –انظر المرجع السابق، ص1.

3- المرجع السابق، ص 3-4.

4- إبراهيم أبو عرقوب، الإسلام في نظر الغرب الأمريكي، ندوة الاتجاهات الغربية نحو الإسلام، ص4.

5- عبد القادر عودة، الإسلام وأوضاعنا السياسية، مؤسسة الرسالة ص79-80.

6- عبد القادر عودة، المرجع السابق، ص 80.

7- القرآن الكريم، سورة يوسف، الآية 40.

8- سيد قطب، في ظلال القرآن، دار الشروق، تفسير سورة يوسف،1990.

9- حامد ربيع: «المتغيرات الأساسية للوظيفة الدولية لأسلوب السياسي؟: إعادة البناء الإيديولوجي» قضايا دولية، العدد 310 ديسمبر 1995، معهد الدراسات السياسية. إسلام آباد، باكستان، ص33.

10- John Esposito, The Islamic Role in the Political and Social Development» p.6.

11-حسن جابر، الأمة والتحديات، الانبثاق الجديد، المنطقة، عدد 106، الاتحاد اللبناني للطلبة المسلمين، ص6-7.

12-رضوان السيد، الإسلام السياسي والأنظمة العربية، مجلة شؤون الأوسط، مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، لبنان، العدد 41، 1995.

13-سعد ناجي جواد، دور الصراع العربي-الصهيوني في تشكيل العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي، ورقة بحث مقدمة لندوة التوجهات الغربية نحو الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، انظر (1) ص12.

14-فيني مارو وليم، امتطاء النمر، ترجمة عبد الله جمعة الحاج، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 1996، ص23.

15-Amos Prlmubter, Washington Times, January 22,1993.

16-يارد اونيل، ندوة الحزازات الأثنية والعرقية والدينية التي عقدت في جامعة جورج واشنطن، 1992، وكالة الإعلام الأمريكية، نشرة الأنباء العربية، 27/11/1992.

17-Adel Daher, Philosophy vs. Islamic Fundamentalism, Al-Nadwah, Feb 1990, p.p 1920.

18-فهمي هويدي، حاضر الصحوة الإسلامية ومستقبلها، الندوة، كانون الأول 1988، جمعية لشؤون الدولية، عمان-الأردن، ص7-9.

19-المرجع السابق، ص8-9.

20-راشد الغنوسي وحسن الترابي: الحركة الإسلامية والتحدي، مكتبة دار الفكر، الخرطوم/1980، ص189-191.

21-رتشارد هرير دكمجيان، الأصولية في العالم الغربي، ترجمة عبد الوارث سعيد، دار الوفاء،المنصورة –مصر، ص26-27.

22-وكالة الإعلام الأمريكية، نشرة الأنباء العربية، 27/7/1993.

23-United States Information Agency, October 27,1994.

24-فيصل الرفوع، مرجع سابق، ص14.

25-أبو عرقوب، مرجع سابق، ص12.

26-المرجع السابق، ص4.

27-The Link, Vol. 26, No. 1,Feb-March 1993.

28-Encycolpedia of Sociology, Dusking Publishing Group.Connecticut, 1974.

29-أبو عرقوب، مرجع سابق، ص81.

30-وكالة الإعلام الأمريكية، نشرة الأنباء العربية، 3/7/1993.

31-جوديث ميلر: تحدي الإسلام الراديكالي، مجلة لشؤون الخارجية، 1993، مقتبسة في وكالة الإعلام الأمريكية ، نشرة الأنباء العربية، تاريخ 27/2/1994.

32-وكالة الإعلام الأمريكية، نشرة الأنباء العربية، 5/2/1993.

33-المرجع السابق، 28/9/1995.

34-المرجع السابق، 22/4/1993.

35-المرجع السابق، 18/7/1995.

36-ريتشارد نيكسون، الفرصة السانحة، ص138.

37-المنتدى، منتدى الفكر العربي، متابعات فكرية، العدد 140، ص8.

38- Clifford T. Morgan,A Brief Introduction to Psychology, Tata McGraw-Hill Publishing Co. Ltd. New Delhi, 1987, p.351.

39- المنتدى، مرجع سابق، ص9.

40- المرجع السابق،المجلد الثامن، العدد 4 ، تشرين الثاني 1997 ، ص4-5.

41-MugtaderKhan, Policy Entrepreneurs: The Third Dimension in American Foreign Policy Culture, Middle East policy,5(3) 140- 154.

42-فتحي ملكاوي، دور الأكاديميين في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الإسلام السياسي، ندوة الاتجاهات الغربية نحو الإسلام، الجامعة الأردنية، تشرين ثاني 1998، ص13.

تجارب دول المغرب العربي مع الأحزاب الإسلاموية:

 

المصدر: أمجد حداد/ موقع امين

المسلمون وتحديات الإندماج في المجتمعات الغريبة

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)