• عدد المراجعات :
  • 846
  • 2/17/2008
  • تاريخ :

الإرهابيون وفتاواهم التكفيرية... !!

الارهاب

 

 الإسلام هذا الدين الإنساني العظيم، الذي فتح آفاقاً جديدة أمام البشرية جمعاء، وكان مثالاً للبساطة والتسامح، وحسن الخلق، إلى درجة أنه إنتشر في العديد من بلدان آسيا تحديداً، كالفلبين وماليزيا وإندونيسيا، على يد التجار العرب القادمين من اليمن وسواحل الخليج، لما لمس أبناء تلك البلاد من حسن المعاملة والوفاء والصدق والسلام، لدى أولئك التجار.. هذا الإسلام العظيم، منذ حوالي عقدين من الزمن، تم خطفه من قبل الإرهابيين الذي سخروه لخدمة أغراض سياسية واقتصادية وشخصية.

       وقد تنامت عملية الخطف هذه، ليتحول الإسلام إلى ما يشبه رهينة، منذ أيام الاحتلال الشيوعي لأفغانستان، ومن خلال صراع القطبين الأوحدين  آنذاك، دخلت المخابرات الأمريكية على الخط فدربت وموّلت وسلحت آلافاً من المسلمين، ممن أطلقوا على أنفسهم (المجاهدين)، وقاتلوا الاحتلال السوفيتي الشيوعي لأفغانستان، بدعم كامل وصريح من الولايات المتحدة، ولكنهم إلى جانب ذلك، تعدوا حدودهم المرسومة لهم، فاشتغلوا في أمور (التشريع) و (الفتوى)، وهم شباب، أغلبهم آنذاك دون الثلاثين من أعمارهم، لا دراسة ولاعلم ولا تخصص ولا اختلاط  بالشيوخ والعلماء والفقهاء الحقيقيين، ومن هؤلاء الشباب غير المتعلمين، من اشتهر كنجوم هوليود: أسامة بن لادن والملا محمد عمر والزرقاوي الأردني أبو مصعب، وفي لندن شاغل الدنيا والشرطة البريطانية المدعو (أبو حمزة)، وأخيراً أيمن الظواهري!.

 

هذه الأسماء وأمثالها كثيرون في أغلب الأقطار الإسلامية والأوربية والأمريكية، تعدوا حدودهم، واستغلوا الحريات الديمقراطية السائدة في أوروبا وأمريكا، وحدود اللجوء والإقامة التي منحتها لهم تلك الدول، والأموال الشهرية التي يتلقونها، كمعاشات ثابتة من الضمان الاجتماعي للدول التي استضافتهم بكرامة، بعد أن كانوا أذلاء مضطهدين في بلادهم.. ومن خلال هذه المجموعات من الشباب، الخاطفين المدعين للإسلام.

  ومن بين هؤلاء الخاطفين للإسلام، من يضع نفسه فوق كل علماء الأمة الإسلامية وفقهائها، فيصدر تعليماته وفتاويه الجهادية، كما يشاء ويرغب... ومثال ذلك (أسامة بن لادن).. الذي يخاطب الأمة الإسلامية وهي تزيد عن مليار مسلم.. ويصدر لها الفتاوي والتعليمات لحرب الكفار والملحدين، وهو من تدرب وتمّول هو وجماعته منهم، ومن المخابرات المركزية تحديداً، كما كشف ذلك بالمعلومات والأدلة والوقائع، الكاتب المشهور محمد حسنين هيكل، في دراسته المهمة(واشنطن تؤذن للجهاد من كابل).. أسامة بن لادن هذا، ينسى (أنه من أفتى بغير علم فليتبوأ مكانه في النار)... والأدهى من ذلك، أنه نصب نفسه المتحدث بإسم الإسلام والمسلمين فهو يرسل كلما ألحت عليه سطوة الشهرة وتسليط الأضواء، رسالة يضّمنها كلمات عاطفية ومنها على سبيل المثال القضية الفلسطينية، بشكل أضرّ هذا الإرهابي بهذا الشعب ونضاله وقضيته العادلة.

      ومن بين هؤلاء الخاطفين للإسلام، الذين أساءوا له، أكثر من كتيبة من المشركين والمرتدين، يمكن اعتبارها وصفة طبية لرفع الضغط أو الإصابة بالجلطة القلبية... إنه من يعتبر نفسه من الدعاة المسلمين، بإسم(أبو حمزة)، خطيب مسجد (فنسبري بارك) في لندن.. هذا الشخص أصبح مصدراً للإثارة والقلق والإزعاج والكراهية والحقد في عموم بريطانيا، بخطبه التي تساعد على إشعال الفتنة، وتحرض الشباب المسلم المغرر به على تحدي الشرطة البريطانية، وعدم سماع تعليماتها، أبو حمزة المصري هذا، لا يحترم الحرية التي منحها له نظام اللجوء في بريطانيا، وهو دائم التهجم على حرية بريطانيا وديمقراطيتها... لماذا لم يعد إلى مصر يا أبو حمزة.. هل طلبت منك ملكة بريطانيا التكرم والقدوم للعيش في بلادها، علّ بركاتك تساعد في خفض نسبة البطالة وترفع أجور العمال... ففي بريطانيا، تُرعد وتزبد وتهدد بالويل والثبور، إن منعوك عن إلقاء خطبك في المسجد، كلهم... وخاصة أسامة بن لادن وشريكه أيمن الظواهري، اللذين دأبا على مساندة ديكتاتور العراق البائد... حتى شهور بعد سقوطه، لم نسمع منهم كلمة ضد جرائمه التي زكمت رائحتها كافة الفضائيات... و يدعون للجهاد ضد القوات الأمريكية التي خلصت العراق من هذا الديكتاتور... أما الجهاد ضد الديكتاتور الظالم فقد تناسوه...  إن هذه العصابة من مدّعي الإسلام لا يخدمون سوى مصالح أعداء الإسلام، بتصوير المسلمين شعوباً من الإرهابيين.. ولا أعتقد أن بعضهم لا يعمل لخدمة أعداء الإسلام... إن فضح هذه العصابة الجاهلة من مسؤولية علماء الدين المتنورين... فنحن كمسلمين، ما عدنا نعرف من نتبع... سادتنا العلماء... أم هذه العصابة التكفيرية !.

الارهاب

       ويطالعنا الإرهابي بن لادن بين الحين والآخر بشريط صوتي هو أو الظواهري، تتسابق العديد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية لعرضه، وهذه الأشرطة الصوتية أو الصورية تحتاج إلى دراسة هادئة بمنطق التحليل والعقل، وليس بأسلوب العواطف والشعارات الغوغائية المضللة، فهذا الأسلوب السائد في مخاطبة الشوارع العربية، هو الذي قادنا إلى انتصارات وهمية – مثل انتصارات صدام حسين -، وهو في الأساس نكسات وهزائم مريرة.. ويمكن للمتتبع لهذه الأشرطة من ملاحظة الآتي:-

1- على أن الإرهابيين يفرضون أنفسهم ممثلين عن المسلمين، يشنون حرباً ضد الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والغرب عموماً... بدليل الاستنفار العالي في أغلب هذه الدول... ولمصلحة من العودة من حين إلى آخر، إلى تمجيد أعمال (11 أيلول)، التي أجمع غالبية علماء الأمة الإسلامية وفقهائها على أنها أعمال إرهابية، لا يقرها الإسلام الصحيح.. ولكنه أقره إرهابهم الأعمى.

2- جميع الأشرطة تعتمد الدجل والكذب، وهو يتحدث عن الانتصارات، فأية يتحدث عنها الإرهابي بن لادن ؟!. وهذا الكذب وتزييف الحقائق التي يعرفها القاصي والداني، لا تنسجم مع شخصية(الداعية المسلم) التي يقدم بها ابن لادن نفسه !. أين هذه الانتصارات وذلك الصمود، وكافة المسلمين لم يسمعوا ولم يشاهدوا معركة واحدة في مواجهة القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها ؟... غير استباحة دماء الأبرياء من المسلمين !!.. فهل هذه انتصاراتكم ؟. وهل يمكن أن ننسى شكاوى المقاتلين الأفغان الذين كانوا (يجاهدون!) مع بن لادن وشريكه الملا محمد عمر… فكما يعلم القاصي والداني، بأنهما هربا منذ الساعات الأولى للمواجهة، أم أن ذلك هو انسحاب تكتيكي مثل الإنسحاب التكتيكي للطاغية عندما كان يقاتل في الحفر مع طعامه.. وهل هروب القائد وترك جنوده من صفات المسلم الحقيقي الملتزم ؟!.

3- لمصلحة من ؟ ومن المستفيد من دعوة بن لادن المستمرة إلى ضرب جميع دول العالم.. ومنها الشعب العراقي بسياراته المفخخة وإنتحارييه الذي يوعدهم بالجنة.. فأي جنة تلك المبنية على قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق ؟؟، كما ذكر بن لادن، أطال الله عمره وجهاده!... هل هذا يخدم الشعب العراقي؟!. هل هذا يخدم وضع العراق و إقتصاده في هذه المرحلة تحديداً ؟... وهو يأمر رجاله بضرب خطوط الكهرباء وزرع الخوف في نفوس المواطنين الأبرياء. أم أنه جاهز للهرب وهذا حال الطغاة - كما فعل الطاغية المقبور -، وهو يعلم أن الله نهى عن الفرار من المواجهة ؟!.

4- وأود أن أطرح سولاً، جديرة بالمناقشة من العلماء والفقهاء المتخصصين، وهو: هل من حق أسامة بن لادن، الإفتاء والتوجه بالتعليمات والأوامر إلى مليار مسلم ؟. هل هو مؤهل للإفتاء، وكلنا نعرف، وهو يعرف، وأسرته تعرف، أنه كان في الثلاثين من عمره تقريباً، في أوائل الثمانينيات، عندما دربته وجماعته المخابرات الأمريكية وسلحتهم للمشاركة في (الجهاد الأمريكي) ضد النظام الشيوعي في أفغانستان – على الرغم من أنه لم يشارك فعلياً في ذلك -، تمهيداً لعمل أعظم، وهو إسقاط الاتحاد السوفيتي، وقد تم ذلك.. ومن بعدها، تنقل بن لادن من قطر إلى قطر، ومن جبل إلى  مغارة، دون أن يلتحق بأي معهد أو مدرسة دينية، وفي موطنه المملكة السعودية مفرخة هذه الأفكار المتطرفة التكفيرية والتي سحبت منه جنسيتها، و تعترف أسرته أنه لم يتلق أكثر من التعليم الثانوي العام، هذا بن لادن، ومثله كثيرون، ركبوا موجة الصعود الإسلامي، عبر الشعارات المضللة، مستغلين نسبة الأمية التي تربو على الستين في المائة، وتأثير الدين في نفوس العامة من الناس، ليمارسوا هذا التضليل، الذي لا يخدم سوى أعداء الإسلام والمسلمين... ومستغلين في الوقت نفسه العقلية العربية العاطفية لحساباتهم الشخصية لتمرير مخططاتهم التكفيرية المبنية على القتل..

       

و... فعلاً... أيها الدين الإسلامي العظيم، كم من الجرائم ترتكب باسمك، وهذه القلة القليلة من مدعي الإفتاء وإصدار التعليمات، خاصة في لندن، لماذا تعيشون آمنين مطمئنين في ظل صاحبة الجلالة البريطانية وتعيشون على حساب دافع الضرائب البريطاني، وقد هربتم من بلادكم التي ما كانت وما زالت لا تسمح لكم بقول كلمة... هل هذا أيضاً يشبه هروب شيخكم (إبن لادن) من (تورا بورا).. لقد طفح الكيل، وللأسف أصبح بعض الشباب يسير على فتاوى إبن لادن وأبو مصعب الزرقاوي وأبو حمزة المصري وغيرهم – وهم غير مؤهلين لإصدار مثل هذه الفتاوى المبنية على نشر أفكارهم بلغة العنف والقوة -.... كفانا الله والمسلمين شرهم، فهم أحسن وسيلة للإساءة للإسلام والمسلمين !.

القاعدة التي خرجت عن كل القواعد

يمكننا القول هنا: (أيها الإسلام العظيم كم من الخطايا ترتكب باسمك)!.

ومن رحمة الفكر الوهابي التكفيري الذي يتبع تعاليم بن تيمية التي تأخذ بسطحية الأمور وليس جوهرها، جاءت جماعة أو تنظيم القاعدة لصاحبه ومؤسسه أسامة بن لادن، وكان أول عمل قامت به هذه الجماعة هو العمل المباشر والعلني ضد الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، بدعم وتدريب وتمويل الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب التقاء المصالح ضد الشيوعية التي كان يمثلها الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، وفجأة تضاربت المصالح والأهداف، فكان العمل الإرهابي الكبير والمدوي ضد برجي نيويورك في الحادي عشر من أيلول لعام (2001)، الذي راح ضحيته ما لا يقل عن ثلاثة آلاف وخمسمائة إنسان من مختلف الجنسيات والأعراق، أغلبهم من الأمريكيين، لكن من بينهم عشرات العرب والمسلمين، وتبنت القاعدة رسمياً هذا العمل، بالصوت والصورة، صوت وصورة صاحبها ومؤسسها أسامة بن لادن، وتوالت بعد ذلك عمليات شبيهة، واعترفت بها كلها هذه القاعدة، تفجير المدمرة الأمريكية كول في اليمن.. تفجير ناقلة النفط ليمبورج في عرض البحر اليمني كذلك.. تفجيرات بالي.. اعتداءات في الكويت، وما تقوم به جماعات القاعدة التكفيرية من استباحة الدماء في العراق وبقاع عديدة من العالم، وكلها يربطها أسامة بن لادن، بقاعدته وبالإسلام... ورغم إدانة العديد من علماء المسلمين وفقهائهم لهذه العمليات ضد المدنيين الأبرياء البعيدين عن كل ساحات الحروب والصراع، إلا أن صوت أسامة بن لادن هو المسيطر أرضياً وفضائياً، ومن بين الأمور التي استغلتها معاناة الشعب الفلسطيني تحت الإحتلال الإسرائيلي، متناسياً أن عملياته هذه أضرت بالنضال الفلسطيني المشروع، وضمن المعادلات الجديدة لما بعد الحادي عشر من أيلول، أصبح هذا النضال يصنف (إرهاباً) في العديد من الدول والمحافل الدولية.

       وهكذا يستمر مسلسل الخارجين عن القانون وعن الإسلام، الساعين إلى فرض رؤاهم مهما كانت خاطئة وضد الإسلام الصحيح، مستغلين الدين الإسلامي، لتبرير كل هذه الأعمال..

        فإذا كان المعلم الأول أسامة بن لادن، قد تبنى  كل تلك العمليات باسم الإسلام، فلا نستغرب أن تكون البقية على هذا المستوى من التفكير , ويدعو لمناصرة الخارجين عن القانون والمستهترين بأمن الشعوب، إن هذا النوع من التفكير وما يصاحبه من أعمال مسيئة، وتلصق  بالإسلام، ويجري تبريرها بآيات قرآنية، وأحاديث نبوية يعني بوضوح وصراحة، أن مواجهتها أيضاً تقع على عاتق علماء الأمة وفقهائها..  فنحن جمهور المسلمين، ما عدنا نعرف فعلاً الرأي الحقيقي للإسلام في العديد من الأمور، التي تجري وتحدث بيننا.. وذلك بسبب انشغال فقهاء الأمة الإسلامية بفتاوي وفتاوي مضادة، حول أمور هامشية بعيداً عن أمور وأحداث، لها علاقة بمصير البلاد الإسلامية وإستقرارها..

       وكان من بين سياسات هذه الجماعات التكفيرية للقتل كما حصل في العراق باختطاف سائقي شاحنات البضائع والوقود والدبلوماسيين من المسلمين وغيرهم، وتخريب أماكن العبادة كالمساجد والكنائس، والقتل والتهديد لكل من يخالفهم في العراق، سواء كانوا من أهلها أو من غيرهم، وإنما فعلوا ذلك بهؤلاء بحجة أنهم محاربون يعينون العدو المحتل مهما اختلفت درجة إعانتهم له، وقبل أن نعرض هذه الأفعال على النصوص الشرعية من الكتاب والسنة يتعين بيان وتقرير شرعية ذلك العمل الجبان، فقتل غير المقاتلين من الأطفال والضعفاء كالنساء والشيوخ والرهبان فحرام دلت عليه النصوص الشرعية، كحديث عبد الله بن عباس في صحيح مسلم " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه قال: أخرجوا باسم الله قاتلوا من كفر بالله لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع"، وعن أنس بن مالك في سنن أبي داود " انطلقوا باسم الله وعلى ملة رسول الله ولا تقتلوا شيخًا فانيًا ولا طفلاً ولا امرأة ولا تغلوا.."، وإذا كان هذا التحريم في حق الكفار غير المقاتلين فتحريم قتل المسلمين من هؤلاء الأصناف أشد تحريمًا وأعظم جرمًا في الدنيا والآخرة { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلومًا فقد جعلنا لوليه سلطانًا فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً } { ومن يقتل مؤمنًا متعمداً فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا } وثبت في المسند والسنن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل (العسيف) وهو الأجير. وعلى ضوء هذه النصوص يحرم قتل هؤلاء الضعفاء، أما سائقوا هذه الشاحنات فهم أجراء غير مقاتلين فلا يجوز اختطافهم أو قتلهم سواء كانوا كفارًا أو مسلمين. أما الدبلوماسيون فهم في كل عصر يمثلون حكوماتهم، ففي السلم هم رسل سلام وفي الحرب رسل حرب، والرسل في شرع الله لا تقتل ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لرسولي مسيلمة الكذاب لما أبلغاه برسالة منه " أما والله لو لا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما ". أما الرهبان من أهل الكتاب ومن يلحق بهم في الحكم كالمجوس فلا يجوز أن يتعرض لهم أحد في صوامعهم ومعابدهم قال تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون}، وقد كان الخليفة أبو بكر الصديق -رضي الله عنه -، ((كما في الموطأ)) يوصي قادة جيشه في غزوهم الشام والعراق فيقول: "... وإنكم ستجدون قومًا زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذروهم وما زعموا ". ولا يغيبن عن بال طالب العلم الحصيف الفرق بين حروب الأمس وحروب اليوم، حيث كانت الحروب القديمة تعتمد على السلاح التقليدي كالسيف والرمح والبندقية الذي لا يكاد يتجاوز أثره أرض المعركة على صغرها ومحدوديتها حين يتقابل فيها الجيشان، أما الحرب الحديثة اليوم فأسلحتها فتاكة تقتل المحارب منهم وغير المحارب بقصد وبغير قصد، كالمدفع والقنبلة والصاروخ عابر القارات علاوة على الأسلحة الكيماوية والنووية، وميدان الحرب اليوم هو البر والبحر والفضاء، وإن أمكن التحكم في توجيه اتجاه السلاح فإنه لا يمكن التحكم في قصر آثاره على العدو فقط، بل سيتجاوز إلى غيره من الأبرياء ممن لا ناقة فيها ولا جمل، مع أن الله أمر بالتبّين { فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}.

وليس كل من أفاد العدو أو استفاد منه العدو فائدة ما حل اختطافه أو قتله، فقد يكون ما فعله هذا المعين للعدو هو من قبيل الجهل أو لشبهة وتأول، وقد كان من حاطب بن أبي بلتعة الصحابي الجليل أن كتب رسالة إلى مشركي قريش يخبرهم بعزم الرسول صلى الله عليه وسلم على غزوهم، فنـزل الوحي مخبراً بذلك، وهو سبب نزول قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادًا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل}، فدعاه رسول الله وقال: " ما حملك على هذا يا حاطب ؟ فقال: لا تعجل عليّ يا رسول الله، إني كنت امرأ ملصقًا في قريش ولم أكن من أنفسهم، وكان المهاجرون لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة، فأحببت إذا فاتني النسب أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي ومالي والله ما فعلت ذلك كفرًا ولا ارتداداً عن ديني، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: إنه صدقكم، فقام عمر بن الخطاب يستأذن في قتله، فمنعه وقال: إنه قد شهد بدراً وما يدريك أن الله قد اطلع على أهل بدر وقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم "، فقبل رسول الله عذر حاطب ومصانعته لقريش لأجل ما كان عندهم له من الأموال والأولاد، فإذا قبل الرسول عذر هذا الصحابي الجليل فيما ارتكبه من جرم كبير وعظيم فإن التريث والسؤال عن قصد من فعل مثل فعله أو أكثر ممن هو أضعف منه إيماناً وأعظم ذنباً وجرماً أولى وأحرى، حتى لا نصيب قومًا بجهالة. وتدل الآية السابقة على أن المودة إذا حصلت تبعتها النصرة والمظاهرة غالباً، وإذا اجتمعت المودة والنصرة تحققت الموالاة المنهي عنها جملة، وهذه المودة لا يكون صاحبها كافرًا مرتدًا ومن هذه حاله لا يجوز قتله إلا إذا استيقن بها ضميره وهي التي نفاها الله عن المؤمنين في آية المجادلة " لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم..." أما المودة المذكورة في آية الممتحنة السابقة فهي المودة الظاهرة لمجرد مصانعة العدو طلبًا لجلب أو دفع منفعة أو مضرة دنيوية، ولعل هذا سر التعبير بـ (تلقون إليهم بالمودة)، فكأن الموالي للعدو في هذه الحال يطرح موالاته ونصرته لهم على استحياء وخجل ويولي هاربًا من قربهم ومعاشرتهم بخلاف المؤمن كامل الإيمان كما في سورة المجادلة، فلا تلتقي مودة الكافر ولو كان أقرب قريب مع الإيمان بالله وهذا كله في حال الاختيار، أما في حال الخوف والتقية فتجوز الموالاة للعدو حينئذ بقدر المداراة التي يتقي بها الشر بشرط سلامة الباطن باستقرار الإيمان فيه.

وأخيراً فإن عامة من لم يحمل السلاح ممن نهي عن قتلهم كالأطفال والنساء والشيوخ والأجير (العسيف) والرهبان قد يحصل منهم إعانة لقومهم كسقي الماء وطهي الطعام وتضميد الجرحى ونقل المتاع ومع ذلك نهى الإسلام عن قتلهم ؛ لأنهم لا يحملون سلاحاً في وجه العدو.

فأين من يكفرون حتى المسلمين كل هذا وهم يدعون الإسلام.. والسبب في ذلك هو مسؤولية الخطاب الديني، الذي يجب أن يكون خطاباً شجاعاً في مواجهة الواقع، عارفاً بأحواله، جريئاً في تشخيصه وإصلاحه، شجاعاً في النقد، سواءً في نقد هؤلاء الشباب وهذه الظاهرة، أو نقد الأطراف الأخرى بشكل معتدل. والأهم: نقد نفسه، بحيث يؤدي هذا الخطاب دوره بشكل صحي، ولا يكون صدى لما تريده السياسة، أو لما تريده فئة من الشباب، أو فئة من الناس، بل يجب أن يكون خطاباً مستقلاً.

وهناك من يدعي الإسلام ويتحدث بالحديث والسنة.. ولكنه في حقيقة الأمر يشجع على القتل والتدمير وكل الأفعال الشنيعة التي نهى الله عنها.. ومن الأمثلة على ذلك الإرهابي حارث الضاري، والذي أشار في إحدى تصريحات بدعم الفكر التكفيري للقاعدة بقوله: ((القاعدة هي منا ونحن منهم اتو لإعانة أخوتهم في العراق ولن نتبرئ منهم وليعلم الجميع أن غالبيتهم في العراق هم عراقيين مجاهدين يرفضون الاحتلال حسب قوله ويتشرفون بالانتماء للقاعدة , ولا يجوز محاربتهم من أي طرف كان سواء الأمريكان أو حكومة العملاء كما وصفها. وأضاف الإرهابي الضاري إلا أن الكثير ممن يقاتل في صفوف القاعدة اليوم هم من أبناء العراق حسب وصفه وان من يفكر في هزيمتهم فهو واهم)).

       وبهذا يعترف الإرهابي الضاري بدعم قاعدة الإرهاب... فأين الدول التي تدعي فيه أنها تحارب القاعدة الإرهابية، وتلاحق من يساندها، أم أن هذه الدولة هي مشاركة في قتل الإنسان العراقي ومنها مفرخة الإرهاب السعودية..

       ما يحدث هذه الأيام في العراق بشكل خاص، والعالم بشكل عام  من هجمات وتفجيرات انتحارية لا يمكن بحال من الأحوال تجاهله والصمت إزاءه، وكان أخرها العملية الإرهابية التي استهدفت الجيش العراقي في عيده التي أرتكبها رعاع القاعدة ومعهم البعثيين المجرمين، كانت تستهدف أساسا إلى تحويل العراق إلى ساحة واسعة للصراع تسفك فيها دماء الأبرياء إرضاء لشهوات أمراء الانتقام من (اللا- إسلاميين) المتطرفين. فما يعيشه العراق بصورة يومية من عمليات ذبح وقتل وتفجير، هو يستهدف أمن المواطنين الأبرياء العزل الذين لا حول لهم ولا قوة تجاه ما حدث ولا ذنب اقترفوه لينالوا جزاؤه هذا العقاب الجماعي البربري الهمجي اللاإنسانى الذي لا يعبر إلا عن خسة وحقارة وقسوة تلك الذئاب البشرية المتمترسة الذين يدعون الإسلام، والتي تظن أن أعمالها القذرة تلك سوف تساعدها على توحيد العالم وحكمه بالحديد والنار والشريعة الهمجية البربرية التي يستندون إليها لتبرير أفعالهم الوحشية والتي لا تجد لها سندا من العقل ولا مبررا من المنطق ولا وازعا من الأخلاق.

 إن الهجوم الوحشي الذي تعرض له جنودنا الأبطال في عيدهم له خير دليل على عنجهية القتلة من رعاع القاعدة ومدرسة الدماء البعثية، لهو أكبر دليل على هذه القسوة والوحشية والدم البارد الذي يتمتع به هؤلاء الهمج الرعاع الذين يتمنون من أعماقهم أن ترتد البشرية القهقرى أربعة عشر قرنا من الزمان لتعيش في العصور الجاهلي الهمجي المظلم وتتحول الدنيا على أياديهم القذرة النجسة إلى غابة يسيطر فيها الأقوياء ويخضع فيها الضعفاء وتصبح القوة العضلية هي المرجع الذي يحتكم إليه في الخلافات التي تنشب بين الناس بدلا من العقل الذي يفترض أن يكون هو المرجع الأساسي للفكر الإنساني الراقي المستنير. إن كل مصيبة وكارثة إرهابية تحدث في أي بقعة من بقاع العالم نجد القاعدة على الفور تقف ورائها في تحد صريح لكافة القيم والمعايير الإنسانية، فما يحدث يوميا بالعراق من جرائم بشعة كعمليات الإعدام والسيارات المفخخة، التي تنفذ بحق الشعب العراقي، كل هذا يدل على الوجه العفن الذي يبديه لنا أقطاب هذا التنظيم الإرهابي ومعهم البعثيين.

 فما يحدث الآن لا يمكن الصمت حياله لأن الصمت لا يعنى سوى موافقة ضمنية على هذه الأعمال البربرية الهمجية، فالصراع هو صراع من أجل أن نكون أو لا نكون، من أجل أن نختار ما يمكن أن نكون عليه غدا ؟؟، لا توجد خيارات أخرى. إن زمن التهاون مع الإرهاب قد ولى إلى غير رجعة وما حدث بالأمس أثبت أن الحرب على الإرهاب قد أضحت حربا ضد جميع مكونات الشعب العراقي، فالمصائب والكوارث الإرهابية المتلاحقة سوف تطول الجميع بلا استثناء إذا لم يتحرك العالم المتحضر ويتصدى بقوة وحسم لهذه العصابات الإجرامية الهمجية. إننا يجب أن نعترف أن الحرب على الإرهاب ليست معركة يسيرة لأن العدو هنا ليس عدوا تقليديا يمكن القضاء عليه بسهولة وإنما هو عدو غير عادى يستخدم أساليب غير تقليدية ليحقق من خلالها مكاسب معنوية، وبالطبع فإنه لا يمكن أن يواجه بذات الأساليب الهمجية التي يواجهنا بها وإنما الحل يكمن في أن نحاول إدراك أبعاد المشكلة جيدا ونحاول منع انتشار المد الإرهابي بالحجر على هذه الأفكار الرجعية ومنعها من التغلغل إلى عقول الشباب وإعطاء الفرصة للكتاب والمفكرين المتنورين لكي يستعيدوا دورهم البناء الذي افتقدوه منذ أن غزت الأفكار الإرهابية المصحوبة بعوائد النفط عقول شبابنا وحولتهم إلى قنابل موقوتة تنتظر ضغطة زر لكي تنفجر وتدمر كل مكاسب الحضارة الإنسانية الحديثة.

لقد آن الأوان لنا لكي نعرف عدونا الحقيقي، العدو الذي يتربص بنا ويحيك لنا المؤامرات ويدبر لنا المكائد، ويتصيد الفرص للانقضاض علينا والنيل منا وتدميرنا فكريا وماديا. إن القاعدة ليست مجرد تنظيم إرهابي أنشأه التكفيري السعودي أسامة بن لادن قبل عدة سنوات. إن القاعدة ليست وليدة اليوم، وإنما تعود أفكارها إلى اليوم الذي نفى فيه الخليفة عثمان بن عفان أبى ذر الغفاري إلى الربذة. إن القاعدة ليست وليدة اليوم، إلى إستشهاد الإمام الحسين وأهل بيته الأطهار على يد زمن الفتنة والقتل. فالقاعدة ليست مجرد تنظيم نشأ على يد أحد المتطرفين في العصر الحاضر وإنما هي مجموعة أفكار إجرامية متطرفة أخذت في التطور والتجدد حتى تشكلت بهذا المظهر القبيح الذي بدت به في أيامنا تلك على أبشع صورة وأقذر هيئة عرفتها البشرية. علينا أن نفتش جيدا عن القاعدة وسوف نجدها وراء كل المصائب والجرائم التي ارتكبت بحق الإنسانية في دولة الخلافة الإسلامية البائدة، والتي يريد أنصارها الآن إعادتها إلى الحياة مرة أخرى بهذه الأفكار العفنة و المبادىء الخربة التي تترجم على أرض الواقع إلى قنابل بشرية وعمليات إجرامية ..

بقلم :منشد مطلق المنشداوي

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)