• عدد المراجعات :
  • 1822
  • 11/24/2007
  • تاريخ :

 الحج في النثر الإسلامي في العصر الأُموي

الحج

كان الولاة والخلفاء يقومون بالخطبة يوم التروية ويوم عرفة في العصر الأموي (41 ـ 132 هـ) . فعندما حجّ عتبة بن أبي سفيان بالناس سنة 41 هـ ، خطب بعرفة فقال :

« أمّا بعد ، أيُّها الناس فقد ولّيت هذا الأمر الذي يُضاعف الله فيه للمُحسن الأجر ، وعلى المسيء فيه الوزر ، ونحن على طريقة قصدنا ، فأقبلوا العافية فينا ما قبلناها منكم ، وأنا أسأل الله ـ تعالى ـ أن يعين كُلاّ على كلّ »، (1) .

و عندما سيطر عبدالله بن الزبير على مكّة المُكرّمة (64 ـ 73 هـ) ، كان يخطب في الناس يوم السابع من ذي الحجّة يعلّمهم المناسك،(2) .يروي أبو نعيم الأصبهاني في كتابه حلية الأولياء عن محمّد بن عبدالله الثقفي قوله :

« شهدت خطبة ابن الزبير بالموسم ، خرج علينا قبل التروية بيوم وهو محرم ، فلبّى بأحسن تلبية سمعتها قط ، ثمّ حمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أمّا بعد فإنّكم جئتم من آفاق شتّى وفوداً إلى الله عزّوجل ، فحقّ على الله أن يكرم وفده . فمن كان جاء يطلب ما عند الله فإنّ طالب الله لا يخيب ، فصدقوا قولكم بفعل ، فإنّ ملاك القول الفعل ، والنيّة النيّة القلوب القلوب ، الله الله في أيامكم هذه ، فإنّها أيام تُغفر فيها الذنوب . جئتم من آفاق شتّى في غير تجارة ولا طلب مال ولا دنيا ، ترجون ما هنا . ثمّ لبّى ولبّى الناس ، فما رأيت يوماً قط كان أكثر باكياً من يومئذ»، (3) .

وكان الخلفاء الأُمويون يحجّون ، فيخطبون يوم السابع من ذي الحجّة ، ففي أول حجّة حجّها الخليفة عبدالملك بن مروان (65 ـ 85 هـ) في خلافته سنة 75 هـ خطب في المسلمين في اليوم السابع من ذي الحجّة ، وكان المسلمون قد أشكل عليهم الهلال لشهر ذي الحجة . يروي الفاكهي في أخبار مكّة ، أنّ الخليفة عبدالملك خطب فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثمّ قال :

« أيُّها الناس ، إنّ الله ـ عزّوجل ـ جعل أمر الأُمم من غيركم إلى أنفسهم يدبرون الأوان ، ويقيمون الزمان ، فيصرفون أعيادهم أنى شاءوا بظن وحسبان ، ألا وإنَّ الله ـ عزّوجل ـ ملك عليكم أمركم ، فجعل الأهلّة مواقيت الناس ، ألا وإنَّ الله ـ عزّوجل ـ أخفى عليكم هذا ليبتليكم .. » ،(4) .

وكان الولاة الأُمويون عندما يحجّون يخطبون في أهل مكّة ، يقسمون المال عليهم وقت الضيق والحاجة ، وإن لم يجدوا مالا يستدينون من الحُجّاج . يروي الفاكهي ، أنّ الحجّاج بن يوسف الثقفي ـ عامل بني أُمية ـ خطب عندما قدم إلى مكّة المُكرّمة وهو والي الحج فقال في خطبته : « يا أهل مكّة ، إنّا قد أرملنا ، ولكني سأبعث إليكم ـ إن شاء الله ـ فأنظرونا . فقام رجل فقال : لا أنظر الله من أنظرك ، ولا عذر من عذرك ، أمير العراقيين ، وابن عظيم القريتين ، ويقول : انظروني!! قال : فقال الحجّاج : صدقت ، لا عَذَرَ الله من عذرني ، وما أنظر من نظرني ، ثمّ نزل ، فتسلّف من وجوه اهل العراق ممن وافى الحجّ أربعين منهم ، فجمع مالا فقسّمه على أهل مكّة» ،(5) .

وشهد العصر الأُموي ازدهار النثر الديني في مواسم الحجّ ، والقائم على تفسير القرآن الكريم ، وتوضيح السنّة النبويّة والفتوى في مناسك الحجّ والعُمرة ، حيث انتعشت في مواسم الحجّ في العصر الأُموي العلوم الإسلامية كالتفسير والسنّة والفتوى، (6) . وتحتوي المصادر التاريخية على الكثير من أدب الحجّ المُتعلّق بهذه العلوم ، وهو أدب نثري يتناول كلّ علم من هذه العلوم . ولا يتّسع المجال هنا ، للتوسّع في هذه العلوم وأبرز علمائها ، ولكن ستُعطى أمثلة على كل علم من العلوم الدينية في مواسم الحجّ في العصر الأُموي ، وأبرز من اشتهر فيه من الصحابة والتابعين . ففي علم تفسير القرآن الكريم كان الصحابة والتابعون في مكّة المكرّمة مقصداً للحُجاج لأخذ التفسير ومن هؤلاء عبدالله بن العباس (ت 68 هـ) ، وعبدالله ابن الزبير (ت 73 هـ) ، وعبدالله بن عمر بن الخطاب ، (ت 74 هـ) .

وبرز من هؤلاء الصحابة في تفسير القرآن الكريم في مواسم الحجّ في العصر الأُموي الصحابي الجليل عبدالله بن عباس (ت 68 هـ) . حيث كان يخطب خلال المواسم في الحُجاج ويقرأ عليهم القرآن ويفسّره ، يروي ابن سعد عن أبي وائل أنّه قال : «خطبنا ابن عباس وهو على الموسم فافتتح سورة البقرة فجعل يقرأ ويفسّر ، فجعلت أقول : ما رأيت ولا سمعت كلام رجل مثله ، لو سمعته فارس والروم لأسلمت» ،(7) .

وكان الحُجّاج وطلبة العلم يقدمون لمكّة المُكرّمة لأخذ التفسير من عبدالله ابن العباس ، كما كان عبدالله بن العباس أيضاً مقصداً لعلماء المسلمين من اليمن وأنحاء الجزيرة والعراق ، حيث يقدمون للحجّ ويستفيدون من علم ابن عباس بالسماع والمحاورة ، ومن هؤلاء عالم اليمن طاوس بن كيسان (ت 106 هـ)(8) . وعندما سُئل بأنّه ترك أكابر الصحابة ولزم ابن عباس قال : «إنّي رأيت سبعين من أصحاب رسول اللهـ (صلى الله عليه وآله) إذا تدارؤوا ]اختلفوا[ في أمر صاروا إلى قول ابن عباس» ،(9) .

و من التابعين الذين برزوا في تفسير القرآن الكريم مجاهد بن جبر المكّي (ت104 هـ) وهو مقرئ ومفسّر ، وقد استفاد من ابن عباس وأخذ عنه تفسير القرآن . يقول مجاهد : «عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات ، من فاتحته إلى خاتمته ، أوقفه عند كلّ آية منه وأسأله عنها» ،(10) .

وكانت السُنّة النبويّة من العلوم الدينية المزدهرة في مواسم الحجّ في العصر الأُموي . وقد استحوذت السُنّة النبويّة على اهتمام المسلمين في العصر الأُموي . وكانت مواسم الحج فرصة لدراسة السُنّة النبويّة وفهمها حيث يلتقي المسلمون ، علماء وطلبةً بأصحاب الرسولـ (صلى الله عليه وآله) ـ والتابعين في مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة; لسؤالهم والأخذ منهم عن سُنّة رسول اللهـ (صلى الله عليه وآله) ـ عن الحجّ ومناسكه وسُننه . و اشتهر في مواسم الحجّ في العصر الأُموي عدد من أصحاب الرسول(صلى الله عليه وآله)والتابعين بفهم السنّة النبويّة وحفظها ، ومن هؤلاء عبدالله بن العباس ، وعبدالله بن عمرو بن العاص (ت65 هـ) ، وعبدالله بن الزبير (ت 73 هـ) وغيرهم . وكان يحدّثون في الحج ويجيبون عن أسئلة الحُجّاح اعتماداً على سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) .

وتحتوي كُتب الحديث والتاريخ والطبقات على الكثير من النثر الديني المتعلّق بسُنن الحجّ وأحكامه ، الذي احتوته صدور الصحابة أخذاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) .وعلى سبيل المثال لا الحصر ، كان عبدالله بن عمرو بن العاص ، مقصداً للحُجاج خلال مواسم الحج . حيث يقدمون للحج ، وفي نفس الوقت يستمعون إليه يحدث عن رسول اللهـ (صلى الله عليه وآله) ـ . يقول عروة بن الزبير (ت 94 هـ) : إنّه جلس إلى عبدالله بن عمرو بن العاص ـ عن حجّـ  وسمعه يحدّث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، (11) . وقد كتب عبدالله بن عمرو بن العاص الكثير من أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله) في صحيفة كان يسميها آ«الصادقة»، (12) .

ومن تابعي المدينة الذين برزوا في فهم سُنّة الرسول (صلى الله عليه وآله) وحدّثوا بها في مواسم الحجّ في العصر الأُموي ، سعيد بن المسيب (ت94 هـ) ، وأبان بن عثمان بن عفان (ت105 هـ) ، والقاسم بن محمّد بن أبي بكر (108 هـ) .ومن تابعي مكّة المكرّمة الذين برزوا في فهم السنّة النبويّة ، وكانوا مقصداً للحُجاج عمرو بن دينار (ت 126 هـ) ،(13) . كما نصح عالم اليمن طاوس بن كيسان (ت 106 هـ) ابنه إذا قدم لمكّة أن يلزم عمرو بن دينار حيث قال له : آ«إذا قدمت مكّة فعليك بعمرو بن دينار . . .» ،(14) .

وفي الفتوى في مواسم الحجّ في العصر الأُموي ، اشتهر بعض الصحابة والتابعين في مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة بالفتوى ، وكانوا مقصداً للحجّاج حيث يفتوهم ويبينون لهم مناسك الحجّ والعُمرة .

ومن الصحابة الذين اشتهروا بالفتوى عبدالله بن العباس ، وعبدالله بن الزبير وعبدالله بن عمر بن الخطاب . وعلى سبيل المثال لا الحصر ، كان عبدالله بن الزبير يفتي المسلمين خلال مواسم الحج ، فعندما صُرع معبد بن حزابة المخزومي وهو في طريقه إلى الحجّ ، أفتاه عبدالله بن الزبير : «أن يبدأ بما لابدّ منه ويفتدي ، ثمّ يجعلها عُمرة ، ويحجّ عاماً قابلا ويهدي».

و اشتهر من تابعي الصحابة في الفتوى عطاء بن أبي رباح (ت 115 هـ) وإليه انتهت فتوى أهل مكّة المكرّمة في زمانه. ولقد وصلت شهرة عطاء بن أبي رباح الآفاق حتى أنّه ما قال شيئاً بالحجاز إلاّ وقبل منه. وترتّب على شهرته المبنية على معرفته بأحكام الحجّ ومناسكه ، أن قدر الخلفاء الأُمويون له ذلك . فقد كان الخُلفاء الأُمويون في تلك الفترة يأمرون في الحاجّ صائحاً يصيح بأن لا يفتي الناس إلاّ عطاء بن أبي رباح.

----------------------------------------------------------------------------------

الهوامش

(1) الفاكهي ، أخبار مكّة 3 : .136.137

(2) المصدر نفسه 3 : 133 .

(3) أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني ، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ، ط 5 ، بيروت : دار الكتاب العربي ، 1407 هـ / 1987 م ، 1 : 335 ـ 336 .

(4) الفاكهي ، أخبار مكّة 3 : 132 ـ 133 .

(5) المصدر نفسه 3 : 137 ـ 138 .

(6) اُنظر : إبراهيم بن عبد العزيز الجميح ، الحياة العلمية في مواسم الحج في العصر الأُموي (41 ـ 132 هـ / 661 ـ 750 ) ، دراسة قُدمت إلى مجلس البحث العلمي ومُعدّة للنشر ، جدة : جامعة الملك عبد العزيز ، 1422 هـ / 2002 م : 1 ـ 111 .

(7) الأصبهاني ، حلية الأولياء 1 : 324 ، واُنظر أيضاً : يوسف بن عبدالله النمري القرطبي ، جامع بيان العلم وفضله ، بيروت : دار الكتب العلمية ، د .ت 1 : 115 .

(8) اُنظر : محمّد بن سعد بن منيع البصري ، الطبقات الكُبرى ، بيروت : دار صادر ، د .ت 2 : 366 ـ 367 .

و5 : 540 .

(9) ابن سعد ، الطبقات 2 : 366 ـ 367 .

(10) الأصبهاني ، حلية 3 : 379 ـ 380 .

(11) القرطبي ، جامع 2 : 133 .

(12) ابن سعد ، الطبقات 4 : 262 .

(13) محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، تاريخ الإسلام و وفيات المشاهير والأعلام (121 ـ 140 هـ) ، ت . عمر عبد السلام التدمري ، ط 1 ، بيروت : دار الكتاب العربي ، 1411 هـ / 1990 م . : 188 .

(14) ابن سعد ، الطبقات 5 : 479 .


الحجّ في اللغة و الدين

الحجّ في الأدب الجاهلي في الحجاز و الجزيرة العربية

نبذة تاريخيّة عن القبلة في المسجد النّبويّ الشّريف

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)