• عدد المراجعات :
  • 5815
  • 10/27/2007
  • تاريخ :

تأثير الصلاة على الفرد والمجتمع

الصلاة

على رغم أنّ فلسفة الصلاة لا تخفى على أحد ، إلاّ أنّ التدقيق في نصوص الآيات والروايات الإسلامية يرشدنا إلى نكات أكثر في هذا المجال :

روح ، أساس ، هدف ، أصل ، مقدّمة ، نتيجة ، وأخيراً فلسفة الصلاة ذكر الله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) العنكبوت : 45 ، وعرّف على أنّه أفضل نتيجة .

الصلاة وسيلة لغسل الذنوب والمغفرة والرحمة الإلهية ، لأنّها تدعو الإنسان شاء أم أبى نحو التوبة وإصلاح الماضي ، لذا جاء في حديث عن النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) أنّه سأل أصحابه : ( إذا كَانَ فِي بابِ أَحَدُكُم نَهر مِنْ ماء صاف ، وَكَانَ يَغسِلُ نَفسَهُ فِيهِ خَمسَ مرَّات كُلَّ يَوم ، فَهَلْ يَبقى عَلى بَدَنِهِ أَوساخ وَقَذارَة ) ؟

فأجابُوا : كلاّ .

قَالَ : ( الصَّلاةُ كَالمَاءِ الجاري ، فَكَلَّما صَلّى الإنسانُ مُحِيتْ الذُّنُوبُ التي ارتَكَبَها بَينَ الصَّلاتَينِ ) .

وعلى هذا تلتئم الجروح الواردة على روح الإنسان من أثر الذنوب ببلسم الصلاة ويزول الصدأ الجاثم على القلب .

الصلاة سدّ أمام الذنوب المستقبلية ، لأنّها تقوّي روح الإيمان في الإنسان ، وتنصّي فرسة التقوى في القلب ، ونعلم أنّ الإيمان والتقوى أقوى شدّ أمام الذنوب ، وهذا هو الذي ذكر في القرآن الكريم بعنوان النهي عن الفحشاء والمنكر ، وكما نقرأ في أحاديث متعدّدة عندما يؤتى إلى الأئمّة للسؤال عن المذنبين فيقولون : ( لا تهتمّوا فإنّ الصلاة تصلحهم ) ، وفعلاً حصل ذلك .

الصلاة تزيل الغفلة ، فمن أكبر مصائب السائرين على طريق الحق نسيانهم هذه الخلقة في الحياة المادّية ولذائذها العابرة ، ولكنّ الصلاة تنبّههم وتحذرهم باستمرار ، وتذكّرهم بهدف الخلقة والإبداع ، وتلفت انتباههم إلى مكانتهم في العالم ، وهذه نعمة عظيمة أن يملك الإنسان وسيلة تنبّهه مراراً في اليوم والليلة .

الصلاة تحبط التكبّر لأنّ الإنسان يضع جبهته على التراب وينحني لله في سبع عشرة ركعة في اليوم والليلة وفي كل ركعة مرّتين ، فيرى نفسه صغيراً جدّاً أمام عظمة الله تعالى ، بل صفراً أمام عدم نهايته .

يضع حجب الغرور جانباً ويقمع التكبّر ، لهذا السبب قال الإمام علي ( عليه السلام ) في الحديث المعروف الذي أوضح فيه فلسفة العبادات الإسلامية ، وبيّن أنّ أولى العبادات بعد الإيمان الصلاة : ( أَوجَبَ اللهُ الإِيمانَ لِتَطهِيرِ النّاسَ مِنَ الشِّركِ والصّلاةَ لِتطهِيرهم مِنَ الكِبرِ ) .

الصلاة وسيلة لتهذيب الفضائل الأخلاقية والتكامل للإنسان ، لأنّها تخرج الإنسان من العالم المادّي المحدود والجدران الأربعة للطبيعة ، وتدعوه إلى الملكوت السماوي ، وتجعله متناغماً مع الملائكة وصاحب سرّهم ، ويرى نفسه أمام الله تعالى بلا حاجة إلى واسطة ويتكلّم معه .

تكرار هذا العمل في الليل والنهار وبالاعتماد على صفات الله الرحمانية والرحيمية وعظمته ، خصوصاً مع الاستعانة بسور القرآن بعد الحمد التي أفضل دعوة للخير والنقاء ، له الأثر الملحوظ في التهذيب الفضائل الأخلاقية في وجود الإنسان ، لذا نقرأ في حديث عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في فلسفة الصلاة : ( الصّلاةُ قُربان كلِّ تقي ) .

تهب الصلاة القيمة لسائر أعمال الإنسان ، لأنّها تحيي روح الأخلاق ، فهي عبارة عن مجموعة من النية الخالصة ، والقول الطاهر ، والأعمال النقية ، تكرار هذا المجموع في اليوم والليلة يغرس بذور سائر الأعمال الحسنة في روح الإنسان ، ويقوّي روح الإخلاص لديه ، لذا نقرأ في حديث معروف عن الإمام علي ( عليه السلام ) ضمن وصاياه ـ بعد ما شقّ ابن ملجم الكافر رأسه الشريف بالسيف ـ : ( اللهَ اللهَ فِي الصّلاةِ فإنّها عَمُودُ دِينِكُم ) .

نعلم أنّه عندما يتكسّر عمود الخيمة أو يسقط لا أثر للحبال والأوتاد مهما كانت متينة ، كذلك عندما يزول ارتباط الصلاة بين الله وعبده يفقد العبد أعماله الأُخرى .

وجاء في حديث عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال : ( أَوّلُ ما يُسألُ العَبدُ يَومَ القِيامَةِ فِي الصّلاةُ ، إنْ قُبِلتْ قُبِلَ ما سِواها ، وإنْ رُدَّتْ رُدَّ ما سِواها ) .

يمكن أن يكون سبب هذا الحديث أنّ الصلاة رمز الارتباط بين الخلق والخالق ، فإذا أُنجزت بصورة صحيحة يُحيى فيه قصد القربة والإخلاص التي تعتبر وسيلة لقبول سائر الأعمال ، وإلاّ تصبح باقي أعماله ملوّثة ومشوبة ، وتسقط عن درجة الاعتبار .

الصلاة تدعو إلى تطهير الحياة بغضّ النظر عن محتواها ، وبالالتفات إلى شروط صحّتها ، لأنّنا نعلم أنّ مكان المصلي ولباسه والفراش الذي يصلّي عليه ، والماء الذي يتوضّأ أو يغتسل منه ، والمحل الذي يؤدّي الوضوء أو الغسل فيه ، يجب أن تكون طاهرة من كلّ ألوان الغصب والتعدّي على حقوق الآخرين ، كيف يمكن للشخص المتجاوز الظالم ، الربوي ، الغاصب ، المطفّف ، المرتشي والكاسب للأموال الحرام أن يهيأ مقدّمات الصلاة ؟

بناءً على ذلك يعتبر تكرار الصلاة خمس مرّات في اليوم والليلة دعوة لرعاية حقوق الآخرين .

للصلاة بالإضافة إلى شروط الصحّة شروط القبول ، وبتعبير آخر شروط الكمال ، وتعتبر رعاية تلك الشروط أيضاً عامل مؤثّر آخر لترك الكثير من الذنوب .

ذكرت في الكتب الفقهية ومصادر الحديث أُموراً كثيرة بعنوان موانع قبول الصلاة ، ومن جملة ذلك مسألة شرب الخمر ، فقد جاء في الروايات : ( لا تُقبَلُ صلاةَ شاربِ الخَمرِ إلى أَربَعِينَ يَوماً إلاّ أنْ يَتُوبَ ) .

وصُرّح في روايات أخرى بعدم قبول صلاة من لا يدفع الزكاة ، وتقول روايات أُخرى كذلك : أكل مال الحرام أو العجب والتكبّر من موانع قبول الصلاة ، وواضح أن توفير شروط القبول كم هو بنّاء ؟10ـ تقوّي الصلاة روح الانضباط في الإنسان ، فإنّها يجب أن تؤدّى في أوقات معيّنة ودقيقة ، والتقديم والتأخير يوجبان بطلانها ، كذلك هناك آداب وأحكام أخرى في مورد النية والقيام والقعود والركوع والسجود وأمثالها ، تؤدّي رعايتها إلى تسهيل قبول الانضباط الكامل في برامج الحياة .

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)