• عدد المراجعات :
  • 4637
  • 4/10/2007
  • تاريخ :

الموت في المفهوم القرآني

الموت في المفهوم القرآني

( و أنه هو أمات و أحيا ) ،(النجم/ 44)

أ) لا شفاء من الموت:

يعتقد أكثر الناس في أعماق شعورهم ولا شعورهم وإن أنكروا ذلك بألسنتهم أن العلم سيجد يوماً ما علاجاً شافياً من الموت، وهناك قلة من العلماء المهووسين يفتشون ويصرحون علناً بأنهم سيجدون يوماً ما العلاج الشافي من الموت، وما بدعة حفظ الأموات في الثلاجات بحرارة 280 درجة تحت الصفر حتى إذا وجد العلم يوماً سر الحياة حقنوها بهذه المادة التي يفكرون باكتشافها، إلا تفتيش عن سراب، وسينتظرون كثيراً وكثيراً جداً فلقد انتظرت مومياء الفراعنة عودة الحياة إليها منذ خمسة آلاف سنة ولا تزال تنتظر وستظل تنتظر إلى يوم البعث!

العلم لم ولن يصل يوماً ما إلى إعادة الروح والحياة إلى الأموات: هذا أول تحدٍّ قرآني، ونحن نقول ذلك بكل ثقة ويقين استناداً إلى عشرات الآيات الكريمة والتي نسميها بالتحديات القرآنية. فالله وحده جلت قدرته هو يحيي ويميت ( إنّا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير)، (فلولا إن كنتم غير مدينين. ترجعونها إن كنتم صادقين).

العلم لم ولن يخلق شيئاً من العدم فـ(الله خالق كل شيء)، (قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات) ، (الأحقاف/ 4)، وهذا ثاني تحدٍّ قرآني.

العلم وكل علماء الدنيا مجتمعين لم و(لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له) وهذا تحدٍّ قرآني ثالث قائم إلى يوم الدين.

والعقلاء من علماء الأحياء يقرون اليوم بأن العلم عاجز عن خلق خلية حية واحدة، فكيف بذبابة مؤلفة من آلاف الخلايا المختلفة؟

العلم وجميع القوانين الوضعية التي تتعارض مع القوانين السماوية الحقة لم ولن تؤمن السعادة للأفراد والمجتمعات، وهذا تحدٍّ قرآني رابع قائم حتى يوم الدين: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى؛ ومَن أعرض عن ذكري فإن له معيشة صنكاً) ، (طه/ 123 – 124).

وما دام العلم، في مختلف فروعه، عاجزاً، كما تبين للجميع، عن الوقوف أمام هذه التحديات والمسلّمات القرآنية، فهو لم يستطع شفاء الموت، ولم ولن يرجع الحياة إلى الميت، فلماذا لا يأخذ الناس من باب المنطق بالمعاني القرآنية للموت، وفيها سبيل الشفاء من القلق النفسي الذي يلف كل المجتمعات والأفراد من غير المؤمنين إيماناً صحيحاً، إذ لا إيمان من دون اليقين بعقيدة البعث والحياة بعد الموت.

فالمولى سبحانه وتعالى الذي قال باستحالة وقوف الانسان أمام الموت، أو إعادة الحياة إلى الأموات، وتبين للعلم حقيقة ذلك، قال بوجود حياة روحية بعد الموت وقبل البعث، وبنشأة أخرى يوم البعث، ومن باب المنطق والقياس أن نأخذ بما قاله المولى عز من قائل، وقوله كما تبين للعلم هو دائماً الحق.

الاسلام يعطي للحياة معنى جميلاً مشعاً بالأمل بحياة أفضل من خلال فكرة البعث والحساب والعقاب، ويمحو من شعور الانسان الصورة المرعبة للموت. أما في منظار العلم المادي فللحياة معنى تعيس مُتعس بائس فهي تنتهي عاجلاً أو آجلاً إلى الفناء والعدم، هي لا تستحق أن نعيشها كما قال أكثر الذين كتبوا في معنى الحياة ورأوا أن في الموت خلاصاً من أعباء آلامهم وتعاستهم، لأنهم لا يعتقدون بحياة النشأة الأخرى، لذلك نجد أن أكثر الذين لا يعتقدون بالبعث يقضون آخر سني حياتهم مرضى الإحباط النفسي. ومن هنا نفهم نسبة الانتحار العالية خلال العقد الثالث من العمر عند هؤلاء لأن لا معنى للحياة عندهم خاصة في مرحلة الشيخوخة.

ذلك أن للموت في المفهوم الاسلامي معنى مشرقاً، مفعماً بالأمل والرجاء، معنى حياة أفضل واستمرارية خالدة سعيدة، في حين أن للموت في المنظار العلمي المادي معنى تعيساً مظلماً معنى الفناء والعدم، وكل حي يكره الفناء ويخافه ويهرب منه.

ب) الموتة الصغرى والنومة الكبرى:

(الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها، فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) ، (الزمر/ 42).

فالموت في المفهوم القرآني  هو إما موتة صغرى (نومنا العادي اليومي) أو نومة كبرى (

الموت المتعارف عليه عند الناس) تنتقل خلالها الروح إلى حياة روحية فقط، هي حياة البرزخ بدون الجسد والنفس.

هذا المفهوم القرآني لأحد معاني الموت نحن نشدد عليه جداً، فبه نمحو الصورة المرعبة عن الموت في أذهان أكثر الناس، ما دام الموت في هذه الدنيا هو في المفهوم القرآني انتقال الروح من حياة النشأة الأولى إلى حياة جديدة هي حياة البرزخ، وحياة البرزخ قلما توقف عندها من تناول معاني الموت والحياة من الوجهة القرآنية.

فما هي حياة البرزخ؟

خلال النومة الكبرى (أي الموت بمعناه العادي) تموت النفس ووعاؤها الجسد، (كلُّ نفس ذائقة الموت) أما الروح علة الحياة في النفس والجسد فيجعل المولى بينها وبين الجسد برزخاً أي حاجزاً غير منظور (حتى إذا جاء أحدهم المخوت قال رب ارجعون. لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون) ، (المؤمنون/ 99 – 100)، إن روح الكافر هي التي تقول في هذه الآية الكريمة (رب ارجعون) فلقد أصبح يقيناً بعد الموت بالنسبة للكافر كل غيب كان ينكره، والمولى سبحانه وتعالى يقول: كلا، معللاً السبب بقوله (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون).

ولقد صدر منذ سنوات، كتاب عنوانه الحياة بعد الموت، للدكتور مودي، يتكلم عن مئة وعشرين حالة وفاة طبية وقتية، توقف خلالها قلب المريض، أقل من ثلاث دقائق، وعاد بعدها للخفقان. وتحدث أصحاب هذه الحالات، الذين مروا بموت طبي مؤقت (أي توقف القلب لمدة تقل عن ثلاث دقائق ثم عودته إلى الخفقان) عن تجربة روحية قريبة من حياة البرزخ، وهو كتاب نجد فيه بعضاً من الحقائق التي تؤيد حياة البرزخ.

ج : (ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين)

(قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين، فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل) ، (غافر/ 11).

المولى سبحانه وتعالى أحيانا اثنتين: حياة النشأة الأولى، أي الحياة الدنيا الفانية، حياة الجسم والنفس والروح، ثم الحياة البرزخية الروحية بعد موت النفس في الحياة الدنيا وقبل النفخة الأولى في الصور. والحياة الثانية هي حياة النشأة الأخرى، الحياة الخالدة، حين البعث وهي حياة بالجسم والنفس والروح أيضاً. وهناك خطأ كبير يجب أن لا يقع فيه كل مؤمن، إذ يعتقد بعض الناس أن حياة النشأة الأخرى هي حياة روحية فقط، وعشرات الآيات الكريمة تؤكد بأنها حياة روح وجسد ونفس: (

على سرر موضونة. متكئين عليها متقابلين. يطوف عليهم ولدان مخلدون. بأكواب وأباريق وكأس من معين. لا يصدّعون عنها ولا ينزفون. وفاكهة مما يتخيرون. ولحم طير مما يشتهون. وحور عين. كأمثال اللؤلؤ المكنون) ، (الواقعة/ 15 – 23). هل هذه صورة مادية أم لا؟ وهل الروح تأكل وتشرب وتتزوج إذا كانت حياة النشأة الأخرى هي حياة بالروح فقط، كما يفهم البعض؟

والمولى أماتنا اثنتين ، الموتة الأولى: وهي موتة النفس والجسد، أي موتتنا في الحياة الدنيا، عند انقضاء الأجل المحتوم (

كل نفس ذائقة الموت) وموتة أخرى أي موتة الروح بعد انقضاء حياتنا الروحية البرزخية. وعند النفخة الأولى في الصور (ونفخ في الصور فصعق مَن في السماوات ومَن في الأرض إلا مَن شاء الله ثم نفخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون) ، (الزمر/ 68)، ويختصر كل ذلك قوله تعالى في الآية الكريمة التالية: (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً (أي عدماً) فأحياكم (الحياة الأولى الفانية) ثم يميتكم (موتة الجسد والنفس ثم الروح) ثم يحييكم (الحياة الأخرى الخالدة) ثم إليه ترجعون) (البقرة/ 28) وهي من مثاني قوله تعالى: (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأ؛ييتنا اثنتين).


معاني الموت البيولوجية في القرآن

الآليات و المسببات البيولوجية للخوف

النوم في المنظار العلمي والمفهوم القرآني

الموت في المفهوم القرآني

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)