• عدد المراجعات :
  • 5071
  • 2/25/2007
  • تاريخ :

اتخذ قرارك بنفسك

لا أحد يتخذ قراراً لغيره إلاّ بخلاف مصلحته، وبذلك كان لابد من أن يتخذ كل واحد منّا ما يرتبط بنفسه من قرارات من دون أن يتواكل فيها..

فلا يجوز أن تدع سواك يقرر عنك، بل يجب أن تفكر لنفسك وأن تكون ذاتك. وإذا لم يؤدِّ قرارك إلى نتيجة، فإن مجرد القيام بعمل يفتح آفاقاً للقيام بأعمال أخرى. أما التقاعس عن العمل فيزيد إمكان الانسياق مع التيار السائد لدى اتخاذ قرار في المستقبل.

صحيح أن الاستشارة مطلوبة، وربما تكون ضرورية إلاّ أن اتخاذ القرار هو واجبك دون الآخرين.

يقول تعالى وهو يرشد نبيه الكريم إلى الطريقة المثلي في اتخاذ القرار: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِى ألْأَمْرِۚ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِۚ  إِنَّ اللهَ يُحِبُّ ألمُتِوَكِّلِينَ﴾(أل عمران، ١۵۹).

وبهذا بيّن ربنا مراحل اتخاذ القرار، وهي:

أولاً-مشاورة الآخرين.

ثانياً-اتخاذ القرار شخصياً.

ثالثاً-البدء فوراً بتنفيذ القرار بالتوكل على الله، وعم التواني فيه.

وفي الحقيقة فلا يمكن تصوّر قوّة الشخصية من دون القدرة على اتخاذ القرار.

 فمن لا يملك القرار، لا يملك حياته ولذلك فإن عليك ان تكون لديك إرادة خاصة بك تتخذ بها قراراتك من دون أن تكون تحت رحمة الحظ العاثر، أو تحت رحمة أشخاص آخرين.

والسؤال الآن هو: كيف نتخذ القرار الصائب، فالمشكلة لا تكمن أحياناً في عدم اتخاذ القرار، بل تكمن في العجز عن اتخاذ القرار الصائب..

والجواب: مع الأخذ بعين الاعتبار أنه من غير الممكن انتقاء قرارات صائبة دائماً،

فإن المطلوب ليس هو الحصول على العصمة في ذلك، بل تحسين احتمالات التوفيق.

في ما يلي مجموعة من خطوات رئيسية يجدر بك اتباعها لاتخاذ قرارك أفضل:

أولاً-ضع المسألة ضمن إطارها الصحيح.

يتوقف مشهد الصورة على ما التقطته أنت من المناظر فيها أو استثنيته منها، أي على الإطار الذي وضعتها ضمنه. وعلى هذا النحو، من المهم والأجدى لك أن تجرِّب قراراتك في  «أُطر مختلفة».

ثانيا-استقص الحقائق.

ليس مهماً أن تسأل نفسك كل صباح ماذا أختار لفطور الصباح، هل آكل بيضاً مقلياً مسلوقاً؟ فإن خيارات كهذه لا تحتاج إلى تردد. لكن انتقاء منزل جديد يقتضي دراسة عميقة تشمل طرح أسئلة من نوع: ما معدل الجرائم في الجوار؟ كم يبعد المنزل عن المتاجر والمدارس؟ هل أسعار العقارات هناك في ارتفاع أم انخفاض؟ ما درجة فاعلية  المواد العازلة في السقف والجدران؟

البحث والاستقصاء قد يقرران نجاح قرار مهم أو فشلة. ويرى «باروتش فيشهوف» أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة ميلون: «إن بعض أفدح الأخطاء في أخذ القرارات يعود إلى إهمال أجزاء تفصيلية في القضية المطروحة».

فقبل أخذ قرار رئيسي قم بواجبك، واجمع كل ما تحتاج إليه من معلومات. إذ إننا غالباً ما نتسرّع فنبني أحكامنا على ما تيسر لنا من معلومات متوافرة، وقد نتجاهل الحقائق الأساسية.

إن المعلومات اللازمة، قد تؤدي إلى إلغاء القرار، ولذلك فإن كثيرين يتحاشون جمعها لأنها تؤدي بهم إلى إجهاض فكرة ما، أو رغبة ما. غير أن تأجيل القرار المهم أفضل من اتخاذه بشكل خاطئ.

ثالثاً- ابحث عن مختلف الحلول.

هناك غالباً عدة حلول محتملة للمشكلة. وهي قد لا تظهر على الفور. فإذا أطلقت العنان لخيالك فلربما جاء لك بالحل الأفضل..

فعلى سبيل المثال، بعد دفع الفواتير الطبية، ونفقات إصلاح المنزل ترى نفسك مدعواً لأخذ قرار: «أنسافر في عطلة هذه السنة؟».

إن الجواب عن هذا السؤال واضح، فإما نعم وإما لا.

ولكن ثمة خيارات أخرى بديلة: رحلات قصيرة يومية مثلاً، فهي ممتعة ولا تكلف كثيراً. فلماذا القيام بسفر مكلف؟

رابعاً-استنجد بالحدس.

يعتبر الحدس هو اليقين الذي لم نتحقق منه بعد. وهو وإن لم يكن حقاً بالمطلق، إلاّ أنه يأتي في كثير من الأحيان صادقاً، بشرط أن نميّز بينه وبين الأمل الكاذب، أو اليأس السابق..

وبالطبع لايجوز أن نبني قراراتنا على الحدس وحده، ففي إمكانك إعادة ترتيب المعلومات لتناسب حاجاتك، إنما المهم أن تثق بحدسك كإشارة أولية، تبحث بعدها عمّا يؤكده، أو ينفيه.

خامساً-لا تخشَ اتخاذ القرار الصعب.

إنّ الرجل القوي في شخصيته قد يوصف بأنه رجل القرارات الصعبة. ذلك أن قوة الشخصية تظهر في الأزمات أو عندما يكون القرار الصعب مطلوباً على كل حال..

أمّا كيف تتخذ القرار الصعب، فبأن تستجلي مع نفسك أسوأ الاحتمالات المترتبة على  قرارك، وتتقبل النتائج الممكنة.

ترى ما الذي يفعله الأشخاص الناجحون في الحياة؟

والجواب أنهم أولئك الذين يتخذون قرارات محفوفة بالأخطار، ويتمسكون بها؟

فهم يسألون أنفسهم: ما أسوء الذي يمكن أن يحدث؟

لدى سؤالي أحدهم كيف ترك العمل المضمون في شركة كبرى في مدينته سعياً إلى إدارة عمل متواضع خاص في الريف، أجاب بهذه التساؤلات المتتالية:  «أود أن أباشر عملاً خاصاً بي. فما أسوأ الذي يمكن أن يحدث؟ أن أخفق وأخسر كل مالي. وإذ خسرت مالي كله، فما أسوأ ما يمكن أن يحدث؟ ألتحق بأي عمل احصل عليه. ثم ما هو الأسوأ؟ أن أكره هذا العمل أيضاً لأني لا أحب أن أعمل في أمرة شخص آخر، ثم سأجد وسيلة لأنطلق مرة أخرى. وبعد؟ سيحالفني الحظ في المرة المقبلة لاني أعرف الأخطاء التي ينبغي اجتنابها».

وهذا ما حصل فعلاً. فالرجل خسر بعض الشيء، ولكنه في النهاية بنى نفسه، وحقق نجاحاً باهراً.

صحيح أن الانجراف مع التيار سهل وقد يكون مغرياً عندما يلوح أن البديل هو الموقوف والتجديف في الاتجاه المعاكس. إلاّ أنه كثيراً ما يكون خاطئاً. وحسب ما يقول أحدهم «إنك لا تستطيع التجديف ثمانين كيلومتراً عكس التيار في يوم واحد، ولكن في وسعك أن تجدف ثمانية كيلومترات يومياً لمدة عشرة أيام».

فعندما يكون الاختيار بين الصعب والسهل، بين الاستسلام أو الاستمرار، تذكر أن ثمانية كيلومترات يومياً قد تعني جهداً شاقاً لكنه ممكن.

ثم إنك إذا كنت على وشك أن تتخذ قراراً صعباً، ولم يكن بإمكانك اتخاذه مرة واحدة، فيمكنك اتخاذه على مراحل. ذلك لأن الكثيرين يحجمون عن اتخاذ القرارات الصعبة، لأنها تبدد آمالهم بكل تداعياتها، ومتطلباتها وأخطارها أو صعوباتها.. ومع تفتيت القرار الصعب يمكن اتخاذه بسهولة..

سادساً-نفّذ القرارات الكبرى خطوة فخطوة.

كما تصلح سياسة التقسيم في اتخاذ القرار الصعب، كذلك تصلح تلك السياسة في تنفيذه بعد اتخاذه..

وفي الحقيقة فإن التنفيذ على مراحل، يكون نافعاً جداً أيضاً في تقليل الخسائر إذا كان القرار خاطئاً، ذلك أن القرار لا يكون صعباً، إلاّ لأنه ينطوي على بعض الأخطار وبعض الصعوبات أيضاً. وهذا يعني أنك عندما تبدأ بتنفيذ القرار على دفعات فإنه يتسنى لك  التخلي عنه بأقل الخسائر إذا استجدت لديك معلومات تحملك على التشكيك في صوابية قرارك.

وهذا ما فعله زوجان أقفلا مكتبهما العقاري في دولتهما وافتتحا مكتباً آخر في مدينة صغيرة تبعد عنها مئات الكيلومترات. لكنهما قررا استئجار منزل بدلاً من شرائه. وهكذا أتيح لهما وقت كاف ليعرفا مدى تقبلهما للتغيير الذي طرأ على حياتهما وللتفكير ملياً في خِيارات عدةتتأرجح بين شراء شقة في مجمع سكني وشراء منزل كبير تم تجديده.

حافظ على مرونتك، لأن نقض قرارك لا يعني أن شخصيتك ضعيفة، بل يدل على أن لك إحساساً مرهفاً.

ويحذّرنا أحد الخبراء بقوله: «لا تؤاخذ بالمثل الخادع الذي يقول: إن المال الذي دفع قد دفن. بل ابنوا قراراتكم على أساس الأرباح والخسائر المرتقبة في المستقبل».

سابعاً-لا تبالغ في نتائج القرارات.

أحياناً نتخذ قراراً نبالغ في توقع النتيجة التي نرغب فيها حتى أننا نخفق في اعتبار ما يؤدي إلى تلك النتيجة. فلدى بعض الناس مثلاً حنين إلى حياة الريف البسيطة، من غير أن يتخيلوا العمل الشاق الذي يرافقها. وهناك آخرون يسعون لاهثين إلى الشهرة والثروة من غير اعتبار التضحيات الواجب بذلها. فلدى اتخاذك قراراً، لابدّ أن توازن بين ما تكسبه وما تفقده.

ثامناً-لا تكن ممن يرتاح إلى القرارات السهلة دائماً.

بالرغم من أنه قليلاً ما نواجه خيارات صعبة، إلاّ أنه عندما نواجه مثل ذلك فلا يجوز أن نميل دائماً إلى القرار السهل. فالقرار السهل يريح الدماغ، ولكنه لا يحل مشكلة حقيقية..

فلا تدع وعورة الطريق نثبط عزيمتك، فالصعوبات تتقلص كلما ازددت منها اقتراباً، والقرار السهل ليس القرار الحسن في كل الأحوال، كما أن القرار العسير هو كالتمرين الصعب يزيدك قوة واحتمالاً.

وفي كل الأحوال لا تدع الحياة تفلت منك بسبب ميلك إلى اتخاذ القرار السهل. وتذكَّر أن سنوات عمرك ستذهب على كل حال، وباتخاذ القرارات الصعبة يمكنك -بعد مضى الزمن- أن تنظر إلى الوراء وتقول: كان صائباً ما فعلت وتتباهي بصعوباتها.

تاسعاً-حدد موعداً حاسماً.

إذا أهملت تحديد موعد أخيرلأخذ قرارك، فمن المحتمل أن تتردد فيه وترجئه إلى ما لا نهاية.

ولا بأس أحياناً في أخذ قرار مؤقت ريثما تجمع معلومات إضافية تتيح لك اعتماد قرار بديل، وقد تبقى على قرارك المؤقت فتجعله نهائياً.

ومن الناس من لا يعتبر ذلك قراراً على الإطلاق، بينما هو قرار.

إننا في أحيان كثيرة نعجز عن التوصل إلى قرار لمجرد خوفنا من ارتكاب خطأ، إلاّ أن عذاب القلق الناجم عن التردد هو في الاغلب أشد إيلاماً من ثمن خطأ نرتكبه.

عاشراً-اختبر طريقة جديدة عندما تشعر أن لا خيارات لديك.

أحياناً يشعر الآنسان أن الطريق أمامه مغلق تماماً، في هذا الوقت بالذات يكون الأفق مهيئاً لاختبار أمر جديد..

فإذا شعرت أنك فعلاً في مأزق، فازرع بذرة في أرض بكر. واتخذ قراراً جديداً بعمل جديد.

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)