• عدد المراجعات :
  • 11192
  • 1/2/2007
  • تاريخ :

المدرسه الايرانيه للتصوير


المعالم الفنيه للرسوم الايرانيه القديمه

هاشم البكاء

امتازت العصور الثلاثه الكبري في تاريخ ايران بثلاث مدارس كبري في التصوير، هي المدرسه الايرانيه المغوليه (القرن 13 ـ 14 ميلادي)، و المدرسه التيموريه «هراه» (القرن 14 ـ 15 ميلادي) و المدرسه الصفويه (القرن 16 ـ 17).


المدرسه الايرانيه المغوليه (القرن 13 ـ 14 م)

و هي اولي مدارس التصوير الايرانيه، و قد مثلت كل من مدينه تبريز و سلطانيه و بغداد، اهم المراكز الفنيه التي نمت فيها هذه المدرسه و ازدهرت. و يعود سبب اشتهار هذه المدن الثلاث علي الرغم من وجود مراكز اخري كبخاري و سمرقند، الي ان تبريز كانت عاصمه امراء المغول الصيفيه، و كانت بغداد عاصمتهم الشتويه. اما سلطانيه فانها كانت مدينه محببه للكثير من الامراء المغوليين.

أمتازت المدرسه المغوليه بظهور الاساليب الفنيه الصينيه التي تتجلي في سحنه الاشخاص، و في صدق تمثيل الطبيعه، و رسم النباتات بدقه تبعد عن الاصطلاحات التي عرفت النسب و دقه رسوم الاعضاء في صور الحيوانات و فضلاً عن ذلك فقد استعاد الفنانون الايرانيون من فنون الشرق الاقصي بعض الموضوعات الزخرفيه، و لاسيما رسوم السحب (تشي) و رسوم بعض الحيوانات الخرافيه التي امتاز الفن الصيني بها.

و بسبب فقر العصر المغولي و الحروب الكثيره التي تخللته، كان نتاجه الفني قليل، و لم يصل الينا منه الا النزر اليسير، فضلاً عن انطباعه بطابع العنف و الخشونه، علي عكس مانراه في رسوم العصر التيموري و العصر الصفوي الايراني، اذ كانت الحرب تشكل معظم موضوعاته. ان ما يلفت النظر في رسوم المدرسه المغوليه، تنوع غطاء الرأس للمحاربين و اكثر صور هذه المدرسه موجوده في مخطوطات (الشاهنامه) للفردوسي و كتاب (جامع التواريخ) للوزير رشيد الدين (718 هـ 1318 م)، و هو الآن موزع ما بين جامعه (أدنبره) و الجزء الآخر في الجمعيه الآسيويه الملكيه في لندن. و تضم هذه المخطوطه مجموعه كبيره من الرسوم في موضوعات من قبيل السيره النبويه و التأريخ الاسلامي و الانجيل و تاريخ الهند و الديانه البوذيه، كما يلاحظ عليها فنياً ان رسومها متأثره بأساليب المدرسه السلجوقيه لاسيما في سحن الاشخاص و رسم الخيول، اما الجانب الآخر هو تأثير اساليب الشرق الاقصي علي بعض رسم الزهور و الاشجار.

اما النسخه الخطيه للشاهنامه فهي تعكس التطور الذي حصل في هذه المدرسه، حيث تحولت تماماً الي المدرسه الايرانيه، اي انها خلت تقريباً من التأثيرات الاخري للمدارس السابقه، و هي تتكون من ثلاثين صفحه و ايضاً متفرقه بين اللوفر و المجموعات الاثريه في اوروبا و اميركا. و قد عمل في هذه المخطوطه اكثر من فنان، و ذلك لتنوع الخطوط بين لوحه و اخري، غير ان هناك بعض الرسوم لبعض الفنانين كانوا لا يزالون تحت التأثير الصيني، و يلاحظ ذلك في ارضيه الصور حيث طليت باللون الذهبي، و هذا لم يكن موجوداً في المدرسه الايرانيه. و هناك مخطوطه اخري للشاهنامه في اسطنبول في متحف (طوبقا بوسراي) مؤرخه عام (1331 م)، و هي اقدم من الاولي و يبدو عليها التأثير السلجوقي، و ذلك من خلال الارضيه الحمراء و رسوم الاشخاص التي يغلب عليها مسحه من البساطه و السذاجه.

و يظل من اروع الصور للمدرسه الايرانيه المغوليه هي مجموعه الرسوم التي اعدت لنسخه من كتاب (كليله و دمنه) في القرن الثامن الهجري (14 م)، و جمعت في مرقعه (البوم) للملك طهماسب، و توجد ايضاً في مكتبه الجامعه بأسطنبول. و في هذه المخطوطه يظهران الفنان الايراني قد هضم ما اقتبسه من العناصر الطبيعيه، و انه قد اصاب حظاً كبيراً من التوفيق في ملاحظه الطبيعه في اكساب صوره شيئاً من الحركه، كما في اتقان الرسول الآدميه و الحيوانيه اتقاناً لم يوفق اليه الفنانون في تبريز. مما دعا البعض الي ان يرميها في احضان الاسلوب الايراني لمدرسه هراه في القرن الرابع عشر.

و قد تطورت هذه المدرسه اكثر بعد سقوط الاسره الايلخانيه و تسلم الاسره الجلائريه الحكم، فكان السلطان غياث الدين احمد بهاد الجلائري (1410 م) من اكبر هواه المخطوطات الثمينه، فشمل برعايته فنون الكتاب. و بعد ان تطورت هذه المدرسه تحت حكم الجلائريين، أدخلت عليها بعض التحسينات في الشكل و اللون و الاخراج العام، مما جعل بعض رجال التاريخ الاسلامي ان ينعتها بمدرسه مستقله، فمنهم من سماها بالمدرسه الجلائريه، و منهم من قال انها حاله وسط بين المدرسه الايرانيه المغوليه و الايرانيه التيموريه.

و من المخطوطات التي خلفتها لنا أنامل الفنان في هذه الحقبه، صور كتاب عجائب المخلوقات للقزويني، و هي مخطوطه محفوظه في المكتبه الاهليه بباريس و قد ظهر الخط فيها بأسلوب (نستعليق). و لكن المخطوطه الابدع التي خلفتها هذه المدرسه هي مخطوط جميل من قصائد (خواجوي كرماني) في شرح غرام الامير الايراني (هماي بهمايون) أبنه عاهل الصين. و هي محفوظه الآن بالمتحف البريطاني، و قد كتبت حواشيها الخطاط المشهور آنذاك (مير علي التبريزي) في بغداد (1396 م). اما الرسام فكان الفنان (جنيد الرسام) السلطاني، نسبه الي السلطان احمد الجلائري، و يظهر علي هذه المخطوطه الابداع في رسم الاشجار و الزهور، كما يظهر روعه الاتقان في رسوم الاشخاص من خلال ضبط النسب.


مدرسه هراه او مدرسه العصر التيموري

ازدهرت هذه المدرسه في القرنين (8 ـ 9 بعد الهجره) نهايه القرن 14 و بدايه القرن 15 م، و كان من اعظم مراكزها في التصوير في عهد تيمور هي مدينه سمرقند، التي كانت مركزاً للحكم عام (1370 م)، لكن هذا لك يمنع في ان تظل مدينه تبريز و بغداد و شيراز مراكز فنيه كبيره، بل العكس فقد ظهرت في تلك المدن مدارس فنيه عظيمه، ثم ان سمرقند لم تخلف لنا الشيء الكثير عدا بعض الرسوم المنقوله عن نماذج صينيه مرسومه في معظم الاحيان بالحبر الصيني، و منها بعض المخطوطات لمواضيع فلكيه. أما اسلوب مدرسه هراه في عهد شاهرخ، فقد اصبحت محط انظار رجال الفن، و مركزاً لميدان نشاطهم، فقد كان الملك تيمور محباً للفن و الادب، بينما كان ابنه شاهرخ من اشد ملوك الفرس عطفاً علي الفن و رجاله، لذا اجتاز الفن الايراني في عصره مراحل الاقتباس و الاختيار من الفنون الاجنبيه و التأثير بها، و وصل عنفوان شبابه و اصبح ما نقله عن غيره من الفنون جزءاً لا يتجزأ منه.

اما الصور التي رسمت في نهايه القرن (14 م) تحمل اهم الزخارف و الاساليب الفنيه التي صارت في القرن (15) من اخص مميزات التصوير الايراني في مدرسه هراه، و اهم هذه الاساليب الفنيه مناظر الزهور و الحدائق و آثار فصل الربيع، اضافه الي الالوان الزاهيه التي لا يكسر من حدتها اي تدرج، اضافه الي اسلوب التلوين الذي يشبه شكل الاسفنج، فضلاً عن ذلك فقد استطاع الفنان الايراني في هذه المدرسه ان يجد نسباً معقوله بين الاشخاص في الصوره و ما يحيط بها من عمائر و مناظر.

و تظل مدرسه هراه هي الاكثر قرباً من استقلاليه الفنان الايراني من غيرها، و من ابرز المخطوطات التي تنسب لهذه المدرسه شاهنامه في اسطنبول (1370 م)، و اخري في دار الكتب المصريه (1393 م). تمتاز هذين المخطوطتين بصور تتنوع فيها المناظر الطبيعيه، و لكن الالوان فاتحه و غير منسجمه.

و هناك مجاميع اخري من المخطوطات امثال مجموعه (جلينكيان) الشعريه كتبت عام (1810 م) لاسكندر سلطان حاكم شيراز و ابن شاهرخ، و هناك مجموعه شعريه محفوظه الآن في القسم الاسلامي من متاحف الدوله في برلين. تظل هذه المدرسه تمثل العصر الذهبي للتصوير الايراني اذا ما استثنينا (المدرسه الصفويه) حيث اصبح للصوره الايرانيه في عهد تيمور الفن الايراني، بعد ان هضم كل ما استعاره من اساليب الفنون في الشرق الاقصي. اما السبب الذي جعل من هذه المدرسه ان تكون صرحاً بارزاً للتصوير الايراني، هو كثره الانتاج و اتقان الصور في عصر خلفاء تيمور، كما ان ايران كانت مقسمه الي مقاطعات مختلفه، يحكمها امراء لهم نصيب وافر من الاستقلال، و لهم حاشيه و بلاط، و لذا فقد نشأت مراكز فنيه عديده كانت تتنافس في سبيل النهضه بالفنون و لاسيما التصوير. اما السبب الاكثر قرباً من الواقع في تطور هذه المدرسه؛ هو الطموح المتزايد لدي الفنان الايراني في التطور و التجديد، و بظهور بعض المصورين من ذوي الذاتيه الفنيه و العبقريه الخاصه، و بالميل الي دقه تصوير التفاصيل في الرسم، اضافه الي غني الالوان و انسجامها و اتزانها و كثره استعمال اللون الذهبي، و بتغطيه الارضيه بالحشائش و الزهور و الشجيرات.

و هذا ما نشاهده في اقدم مخطوطه تنسب الي هذه المدرسه (كليله و دمنه) محفوظه الآن في مكتبه قصر جلستان بطهران، و هذه المخطوطه تشابه مخطوطه كليله و دمنه المحفوظه في مكتبه الجامعه باسطنبول و الذي تحدثنا عنها آنفاً، و لا تختلفان الا في الصور الآدميه و هناك مخطوطه (السعدي) كتبت عام (1426 م) للامير يايسنقر، كتبها الخطاط جعفر البايسنقري، و في هذه المخطوطه ثماني صور بديعه، اما المخطوطه الاكثر ابداعاً، هي المخطوطه التي تحتفظ بها زوجه شاه ايران السابق، و هي نسخه من الشاهنامه سنه (1430 م) و يجمع عليها المؤرخون في انها ابدع ما يعرفونه من مخطوطات الشاهنامه المصوره، و ذلك لاتقان صورها، و ابداه زخارفها، و المهاره في تصوير الحوادث تصويراً تظهر فيه الحياه و الحركه و التماسك و وحده التأليف، و للتنويع الذي يبعد الملل الذي تسببه المناظر المكرره في مخطوطات مدرسه تبريز و مدرسه شيراز، و مراعاه الدقه في رسم الخيل، و الشجيرات و الزهور و الطيور و زخارف الملابس، فضلاً عن العنايه التامه برسم التفاصيل و بعض انواع التحف كالسجاجيد و الاواني و ما الي ذلك. و تظل الصوره الابدع لهذه المدرسه (مدرسه هراه) و هي صوره تمثل لقاء (هماي و همايون) في حدائق القصر الملكي بمدينه بكين محفوظه الان في متحف باريس، هذه الصوره تمثل اروع ما ابتدعته يد الفنان الايراني في تصوير ساعات الغرام بين حبيبين، حيث وفق في تصوير حالتين في آن واحد، و هي الحياه الارستقراطيه و الحيه الغراميه مع انسجام الوان الطبيعه الزاهيه.

اخيراً بقي ان نقول ان ايران عرفت التصوير كفن جمالي قبل الاسلام باكثر من قرون من خلال احتكاكها مع الهند و الصين، صاحبتا الرياده في الفن في الشرق الاقصي، اضافه الي انهم اخذوا مهنه التصوير من (ماني) مؤسس مذاهب المانيه و الذي كان التصوير اداه لنشر تعاليمه كما استخدمه في توضيح كتبه.

كما ان الايرانيين شعب مغرم بالشعر الي حد كبير، و لحبهم هذا و خاصه كل ما يمت الي تاريخهم المجيد بصله. كانوا يوضحون هذه المخطوطات الشعريه بالصور ليتحقق الغرض منها و يلائم مزاجهم الفني، و لكن رغم هذه العظمه في فن التصوير الا ان ايران و بغداد و حتي الهند السباقه في فن التصوير، لم تستطع اي منها النهوض بالتصوير الاسلامي لتصبح مدرسه كباقي المدارس الفنيه الاوروبيه، فالبعض يري السبب في نقطتين:

الاولي: البيئه التي كان يعيش فيها الفنانون، و الاساليب الفنيه التي ورثوها عن اسلافهم من سكان الهضبه الايرانيه و الشرق الادني عامه، فان اولئك لم يكن لديهم، من الحفلات و الالعاب الرياضيه و العنايه بالتربيه البدنيه و تقويه الاجسام، ما يمكن ان يدفعهم كالاغريق مثلا الي دراسه جسم الانسان دراسه متقنه، و العمل علي تصويره او صناعه التماثيل له بدقه يراعي فيها صدق تمثيل المدرسه الايرانيه من خير الامثله لتوضيح نظريه (تين) في تأثير البيئه علي طبيعه الفنان.

اما النقطه الثانيهة فهي ان الايرانيين لم يتخذوا التصوير وسيله لشرح عقائد الدين الاسلامي كما فعل الفنان المسيحي، عندما استخدمت الكنيسه بعض الفنانين لتوضيح تعاليم السيد المسيح من خلال تطوير قصصه علي جدران الكنيسه.


المصادر

1. فن الاسلام، زكي محمد حسن ج 5.

2. التصوير في الاسلام لنفس الكاتب.

3. التصوير الاسلامي لثلاثه قرون ـ شاكر حسن آل سعيد/ مجله المورد، العدد 317.

     4. المدرسه البغداديه للتصوير الاسلامي ـ المؤسسه العامه للثقافه و الفنون، بغداد.

5. المنجد.

6. آفاق عربيه العدد ـ 12 ـ منمنمات محمد قادر السمرقندي.

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)