و كـان تـعامل المختار مع الناس خلال تلك الفترة مقبولا للغاية و في ضؤ ما نقل فقد((كان المختار اول مـا ظـهر احسن شي سيرة و تالفا للناس ((297)) )) و لذلك استطاع ان يملك قلوب الناس الى
حـد مـا و كـان الاتجاه الشيعي لحركته باعثا آخر على وجاهته بين الناس ,اذ وفى وعده المتمثل
بـالـثـار مـن قـتلة الحسين ـ عليه السلام و ابادهم ما استطاع الى ذلك سبيلا و في ضؤ ما قاله ابن
الاعـثـم , و مـا نقل عن محمد بن الاشعث , فانه قتل زها ثلاثة آلاف شخص من المتهمين بقتل الامام
الحسين ـ عليه السلام ـ (حتى الفترة التي سبقت فرار ابن الاشعث الى البصرة ((298))).و مـن الـمؤسف ان الموالي قد ابيدوا بعد قمع ثورة المختار بيد ان المجتمع لم يسعه الاستغنا عنهم
وقتذاك فهم لم ينشطوا في القيام بالاعمال الصعبة العسيرة في المجتمع فحسب , و انما فاقوا العرب
فـي الاعـمـال الـعـلمية ايضا, بحيث ان عامة العلما المعروفين في الحواضر الاسلامية المهمة في
اواخـر الـقرن الاول كانوا من الموالي ((299)) و هذا مااقض مضجع الحجاج , فامر بالتشدد في
معاملتهم و منعهم من امامة الجماعة والقضا,كما مر بنا سابقا.عـلـى اي حـال , لـم يتوقف دعم الموالي لبني هاشم عند حد, فقد كان لهم دور ايضا في الانتفاضات
الـشـيـعـيـة التي قامت في القرن الثاني و انصار اهل البيت ـ عليهم السلام ـ ليسوامن بعض القبائل
الـعـربية فحسب , بل كانوا من الموالي الفرس و غيرالفرس ايضا و عندمااستولى الزبيريون على
مـكـة والـعراق , كانوا يرون ان بني هاشم اعداؤهم , فسجنوا عددامنهم في مكة , منهم : محمد بن
الحنفية .و فـي ضـؤ ما نقله البلاذري , فان الموالي السودانيين دافعوا عن محمد بن الحنفية ضدعبداللّه بن
الزبير ((300)) .الموالي و دورهم في الحركات الاخرى .
الموالي و دورهم في الحركات
الاخرى .
كـان لـلـمـوالـي دور في الحركات الاخرى التي اتسمت بطابع مضاد للامويين نوعا ما,مضافا الى دورهـم في دعم الهاشميين و من هذه الحركات حركة الخوارج التي نالت حظهامن ذلك الدعم كما
ان عـبـدالـرحـمـن بـن محمد بن الاشعث بن قيس كان من الذين استعان بهم , بل و بغيرهم من اهل
فارس ((301)) و لم تكن حركته ذات طابع شيعي , غير ا نهاانطوت على مصالح للشيعة لذلك انضم
اليها بعض الشخصيات مثل كميل بن زياد الذي عرف بتشيعه الصلب لامير المؤمنين ـ عليه السلام , و
سعيد بن جبير الذي كان متهمابنزعته الشيعية .و كـان عـبـدالـرحمن يزعم ا نه لابد له من الثورة على الحجاج والامويين و لذلك عندمااشخصه
الحجاج الى سجستان من اجل الفتوحات , عاد من هناك الى العراق مع افرادجيشه ليحارب الحجاج و
كان في جيشه من يستشهد بكلام علي بن ابي طالب ـ عليه السلام ـ في قتال الامويين ((302)) .و هـذا دلـيل على ان للاتجاه الشيعي دورا في ذلك التحرك يقول ابن الاثير في الحوافزالتي دفعت
جـماعة كثيرة الى الالتحاق السريع بعبدالرحمن : ان عمال الحجاج (في الشرق طبعا) كتبوا اليه ان
الـخـراج قـد انكسر و سبب ذلك اسلام اهل الذمة و التحاقهم بالامصارفكتب الحجاج ان من كان له
اصـل مـن قـريـة فليخرج اليها, اخرجوهم و خذوامنهم الجزية و كان هذا هو السبب في سرعة
اجابتهم الى بيعة عبدالرحمن ((303)) .و بعد ان هزم عبدالرحمن في ((دير الجماجم )) سنة 83 ه , ذهب الى سابور في فارس ,فاجتمع
اليه الاكراد هناك , و نصروه ضد الحجاج ((304)) و لذلك قام جندالشام بقتلهم عن بكرة ابيهم .و نقل عن ابن عبد ربه ان الموالي كانوا من جملة انصار ابن الاشعث ((305)) .و ذكـر احدالمؤلفين ان بيعة ابن الاشعث الحسن المثنى حفيد اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب ضاعفت
اقبال الشيعة والموالي على انتفاضته ((306)) .و تـوجه ابن الاشعث تلقا سجستان بعد اندحاره في فارس و فضل له اتباعه الذهاب الى خراسان , و
كـانوا يقولون : من يتبعنا في تلك المدينة اكثر ممن يقاتلنا ((307)) و ثمة شكوك تحوم حول بيعته
الحسن المثنى .تاثير التشيع في العراق على الموالي .
تاثير التشيع في العراق على
الموالي .
دلت حركة المختار و التوابين في العراق ـ بعامة ـ على ان ارضية التشيع في الكوفة كانت كبيرة , و ان الـعـناصر التي تعيش في ذلك الوسط مستعدة استعدادا تاما للترحيب بحكومة ذات هوية شيعية و
كـان هـذا الـضـرب مـن الـتـشـيع علويا, و ليس للعباسيين امل فيه ,كما عبرت عن ذلك تعليمات
مـحـمـدبن علي بن عبداللّه بن عباس الى دعاته , اذ تحدث لهم عن الميول والاتجاهات الدينية لشتى
الامـصـار, فـقـال عن الكوفة : ((اماالكوفة و سوادهافشيعة علي و ولده ((308)) )) بيد ان هذا
الـتشيع لا يتسم بطابع التشيع الاثني عشري , على الرغم من وجود شي من عقائده فيه كما نقرا ان
الـغـلاة نـشاوا بالكوفة في اواخر القرن الاول , الا ان المهم فيه هو ا ننا يمكن ان نعتبره نوعا من
التشيع السياسي كان سائدا بين سكان الكوفة وهو ذلك التشيع الذي يترافق طابعه السياسي (دعوته
الـى حـكـومـة العلويين ) مع رؤيته في تفضيل الامام علي ـ عليه السلام ـ ليس على عثمان فحسب ,
بل على سائر الخلفا ايضا و كان يهمه الاخذ برائه الفقهية و لعل هذا التوجه هو الذي دعاسائر الفقها
في الحجاز والشام الى عدم الاهتمام باحاديث اهل العراق .و كان يقال ان العراقي اذا نقل لك مائة حديث , فاقبل منه سبعة و سبعين حديثافحسب ((309)) .و كان الزهري ـ و هو احد المحدثين الامويين ـ يضعف حديث اهل العراق ايضا ((310)) .و يقول الجوزجاني : كان من اهل الكوفة قوم لا يحمد الناس مذاهبهم هم رؤوس محدثي الكوفة مثل :
((ابن اسحاق , منصور, زبيد اليامي , والاعمش ((311)) )) و كان بعض هؤلا متهما بنزعة شيعية .و شاع آنذاك ان الحجاج يعمل براي عثمان , و زيد بن ثابت , و ذلك لمخالفته راي علي ـ عليه السلام ,
بينما كان يعمل اهل العراق براي اميرالمؤمنين ـ عليه السلام ((312)) .و عـندما يذكر الذهبي محمد بن عبيداللّه , وهو من الكوفة , يقول : كان ممن يقدم عثمان على علي ـ
عـلـيـه الـسلام ـ عثمان , او يتوقفون في ذلك على الاقل ((313)) .و مـن نـمـاذج هذه القلة , وجود فقها كانوا يعادون اهل البيت ـ عليهم السلام و نقل مانصه : ((و كان
بـالكوفة من فقهائها اهل عداوة له و بغض , قد خذلوا عنه (علي عليه السلام )و خرجوا من طاعته
مع غلبة التشيع على الكوفة ((314)) )).و يـقـول ابـن كثير في جعفر بن محمد بن قطير وزير العراق : ((و كان ينسب الى التشيع ,و هذا
كثير في تلك البلاد ((315)) )) و هذا معلم على مواصلة هذه النزعة على امتداد القرون التي تلت
القرن الاول .فهذه كلها دلالات على تشيع اهل العراق الذين كانوا الموالي يشكلون نسبة ملحوظة بينهم .و مـن الـطـبـيـعـي ان ينتشر التشيع في اوساطهم و لو بصورة محدودة , و تتمهد الارضية لنشؤ
الـحركات العلوية و على الرغم من ا نهم كانوا شيعة , الا ان تشيعهم كان سياسيا غالباكما مر بنا و
لذلك كان اكثرهم يعمل برا ابي حنيفة في عصر الامام الصادق ـعليه السلام ((316)) بينما كان ابو
حـنـيـفـة نـفـسه شيعيا من الوجهة السياسية , اذ اعلن عن دعم النفس الزكية و اخيه ابراهيم في
ثـورتـهـمـا ((317)) و لـعل عدم وجود تشيع ثقافي كان باعثاعلى عدم استمرار تلك التحركات
السياسية و من هذا المنطلق كان الامل بالكوفيين ضعيفافي دعم العلويين دعما حقيقيا, اذ كلما ظهر
تـيـار شـيـعـي كـانـوا يـسـايـرونـه , و فـي نفس الوقت يغدرون به حتى اصبح غدرهم مضرب
الامـثال ((318)) , مع ا ننا نحتمل وجود نوع من المبالغة والافراط في هذا المجال و بلغت الامثال
في الكوفيين ذروتها بقولهم : الكوفي , لايوفي ((319)) .و من الطبيعي ان يتاثر الموالي بالتشيع لانهم كانوا قد نشاوا بين قبيلتي همدان و ربيعة ,و غيرهما
فـي الـكـوفة و كان الحمرا حلفا قبيلة عبدالقيس الشيعية ((320)) و عززالهمدانيون التشيع في
الـعـراق ـ و هم من قبائل الجنوب ـ اذ سكن قسم منهم في ربوعه بعد الاسلام ((321)) و كانوا
يـالمون كثيرا لما حل باهل البيت ـ عليهم السلام ـ من ظلم وجور, اذ كانوا عاطفيين الى ابعد مدى ,
لـذلك نهضوا لنصرتهم و قال فيهم النبي ـ صلى اللّه عليه و آله : ((هم ارق الناس افئدة و الين قلوبا
الايـمان يماني والحكمة يمانية ((322)) )) علما ان تشيع هؤلا كان قد ارسيت دعائمه منذ عصر
الـنـبي ـ صلى اللّه عليه و آله فعندما بعث النبي ـ صلى اللّه عليه و آله ـ خالدبن الوليد الى اليمن , ظل
بـرهـة لم يجبه احد الى الاسلام فوجه علياـ عليه السلام ـ اليها و اسلم اهل اليمن على يده , و كان
الهمدانيون من قبائلهم المعروفة ((323)) ثم التحقوا به في الكوفة .و كان الامام اميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ يصفهم دائما بانهم انصاره ((324)) حتى انشدفيهم :.لما رايت الموت موتا احمرا ـــــ عبات همدان و عبوا حميرا ((325)) .و عـنـدما ارغم الامام على الصلح من قبل بعض جنده , فان الهمدانيين اعلنوا عن استعدادهم لتطبيق
اوامره ـ عليه السلام ((326)) فاثنى عليهم الامام في بيت آخر قال فيه :.فلو كنت بوابا على باب جنة ـــــ لقلت لهمدان ادخلوا بسلام ((327)) .و مـن الـطـبـيعي ان همدان ليست القبيلة الجنوبية الوحيدة التي كان رؤساؤها ((328)) و كثير
مـن افـرادها يتشيعون , بل اليمن كانت تعد اساسا من مراكز التشيع , بحيث ان معاوية عندمااشخص
الـيها بسر بن ارطاة سنة 39 هـ قال له : ((و اقتل شيعة علي حيث كانوا ((329)) )) و كان مالك
الاشـتـر النخعي , و هو من قبيلة مذحج الجنوبية , احد شيعة اميرالمؤمنين ـعليه السلام ثم جا الى
الكوفة و كان من انصار الامام المقربين .و ذكـر الـقـاضـي نوراللّه الشوشتري ايضا معلومات مفصلة تحوم حول تشيع همدان ,و مذحج , و
ربيعة , و خزاعة , والازد, وطي ((330)) .و قـال الرازي في كتاب النقض : ((و كان شيعة علي من بني همدان , و بني ثقيف ,و بني مراد, و بني
مذحج , و بني خزاعة ((331)) )).و كـان وجـود الـقبائل الشيعية المنحدرة من جنوب الحجاز في العراق باعثا على ان يصبح العراق
مـركـزا لـلشيعة حتى ان البعض كان ينظر الى الكوفيين على ا نهم سبايون (شيعة ), و حروريون
(خـوارج ) ((332)) و هذا الامر يثبت لنا اكثر من السابق حقيقة تتمثل في ان اول من آمن بالتشيع
هم عرب العراق نفسه الذين استظل موالي فارس بافيائهم ,فركنوا الى التشيع بفضلهم .و كانت ربيعة من القبائل العربية الاخرى التي يكثر فيها الشيعة و قد اثنى عليها الامام اميرالمؤمنين
ـ عليه السلام ـ ايضا ((333)) كما قال فيهم :.يا لهف نفسي على ربيعة ـــــ ربيعة السامعة المطيعة ((334)) .و مـن الـطـبـيعي ان نسبة التشيع كله الى عرب الجنوب في العراق غير صحيحة , و ان كان سفر
امـيرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ الى اليمن في السنة التاسعة من الهجرة قد حمل معه بركات كثيرة , اذ
اسـلـم اهـلـهـا, و تشرفوا بصحبة الامام , و كانت معروفة بتشيعها, حتى ان ابن عباس نصح الامام
الحسين بالتوجه اليها لكثرة محبيه فيها ((335)) , بيد ان التاريخ يحدثنا ان عددا من العدنانيين كان
بـيـن شـهدا كربلا و قراة دقيقة في اسما شهداالطف , والوقوف على نسبتهم التي جات في رسالة
مستقلة مطبوعة ((336)) يكشفان لنابدقة ان العدنانيين كانوا كثيرين , لا القحطانيين و ان ما اراد
ان يـثـبـتـه مونتغمري واط وامثاله , بقولهم ان قبائل الجنوب آمنت بالتشيع لانها كانت قبل قرن من
تـشيعها ذات حكم ملكي امتد قرونا من الزمان , مرفوض و لا يعول عليه فالصحيح هو كما مر بنا اذ
قـلـنا: ان ولاهم لاميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ بدا منذ تعرفهم عليه في السنة التاسعة من الهجرة ,
واحبه اشخاص ـ منهم مالك الاشتر ـ منذ تلك الفترة فزعم واط ان القسم الاعظم من الشيعة كانوا
من عرب الجنوب , و ان كان صحيحا الى حد ما, بيد ان استنتاجه غيرصحيح يضاف الى ذلك ان المهم
هـنا هو ا نه كان يكفي لو عبر رؤسا بعض القبائل الجنوبية عن ولائهم للامام ـ عليه السلام ـ بنحو
من الانحا, و حينئذ ينتشر التشيع بين عرب الجنوب فمن المستبعد ـ اذن ـ ان وجود النظام الملكي
في الجنوب قرنا من الزمان افضى الى بقا هذه التوجهات عندهم .و مـن الـطبيعي ان بواعث عديدة كانت ورا تاثر الموالي بشيعة العراق فالباعث السياسي كان احدها
كـما مر بنا سابقا و وجود المصالح المشتركة بين العلويين والشيعة من جهة , و بين الموالي من جهة
اخرى نفخ في الموالي روح التشيع تدريجا, اذ كان العلويون والشيعة يمثلون الملاذ والملجا للموالي
فـي كـفـاحهم ضد الامويين مضافا الى ذلك , ان الظلامة التي نزلت بالشيعة من الامويين و هي تقض
مضجع كل انسان شريف تلقائيا ـحفزت الموالي الى التعاون معهم ضد الحكام الامويين .و كـانوا يشاهدون بام اعينهم صلابة الشيعة و اصرارهم على ولا اميرالمؤمنين ـعليه السلام ـ اذ
لـم يـتنازلوا عن خطه و لم يبراوا منه بل و كانوا يتباهون ا نهم من اتباع مدرسته و ليس عمرو بن
الـحـمق الخزاعي , و حجربن عدي على هذا الخط فحسب , بل كان عليه ايضا ميثم التمار, و قنبر
مولى علي ـ عليه السلام , و كميل .و نـقرا في التاريخ ان زياد بن ابيه قطع ايدي ثمانين شخصا من اهل الكوفة على ان يبراوا من علي ـ
عـلـيه السلام ـ و طلب منهم ذلك وهو يعلم ا نهم لا يفعلون بيد ا نه اراد ان يتخذ من ذلك ذريعة لهدم
بيوتهم ((337)) .و يـنـقـل لنا التاريخ ان كثيرا من الموالي تربوا في بيوت الشيعة , او ا نهم عاشوا في ظلال حكومة
امـيـرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ مباشرة , او تربوا على اصحابه فهذه البواعث بمجملها ساعدت على
نشؤ الميول والاتجاهات الشيعية بين الموالي .و نؤكد هنا مرة اخرى ان الموالي كلهم لم يكونوا على خط اهل البيت ـ عليهم السلام ـكما ان منهم
مـن لـم يـنصر التشيع و يدعمه , ولو سياسيا, بل بالعكس , نقرا ان كثيرا منهم لم يخف عداه للتشيع
بسبب التربية التي تلقاها من اعدائه .الموالي و اعدادهم من قبل الائمة ـ عليهم السلام .
الموالي و اعدادهم من قبل الائمة ـ
عليهم السلام .
كان اعداد الموالي و تربيتهم من الامور الشائعة ابان القرن الاول والثاني الهجريين فهم ,بما اوتوا من مواهب , و ما كانوا عليه من استعداد لطلب العلم , و ما شعروا به من ضعف امام العرب كانوا يطمحون
الـى تلافيه , كانوا مجدين في عملهم , و طفقوا يعملون في حقل الحديث حتى استطاعوا ان يصبحوا
فـي عـداد الـفـقها والمحدثين في الامصار الاسلامية الرئيسة خلال فترة قصيرة و كان هؤلا قد
تربوا في وسط اسر عربية مختلفة , فتسرب اليهم ـ طبيعياـ ما كانت تحمله تلك الاسر من توجهات
دينية و سياسية و لما كانت الكوفة ذات ميول شيعية اقوى من غيرها, فكذلك كان مواليها.و اخذ اهل البيت ـ عليهم السلام ـ هذه المسالة بعين الاعتبار فخططوا لاعداد الموالي و تربيتهم و
كـان اسـلـوب الامام علي بن الحسين ـ عليه السلام ـ في التخطيط لافتا للنظركثيرا, اذ بذل الامام
جـهـوده فـي اعـداد الـموالي كي يمهد الطريق في المدينة للمستقبل وحاول ان يمونهم بالاسلام
الـصحيح والسليم , بخاصة ا نهم كانوا يتمتعون بارضية مناسبة واستطاع ان يؤثر فيهم بما اوتي من
شـخـصية فذة و كان متمكنا تماما من نقل العواطف الشيعية اليهم عبر بعض الممارسات العملية التي
كـانـت تـظهر منه , كالبكا المتواصل على ابيه الحسين ـ عليه السلام و تحدث الاستاذ السيد جعفر
مرتضى عن دور الامام ـعليه السلام ـ المتمثل ببث حياة جديدة في المدرسة الاسلامية ((338))
مـشـيرا الى ما كان يقوم به الامام من شرا العبيد و اعتاقهم و قال سيد الاهل : و عرف العبد ان ذلك
فباعواانفسهم له و اختاروه , و انفلتوا من ايدي السادة ليقعوا في يده و كان الامام يهب الحرية في كل
عـام , و كل شهر, و كل يوم , و عند كل هفوة و خطا يصدر من العبد ((حتى صار في المدينة جيش
مـن الـمـوالـي الاحـرار والجواري الحرائر و كلهم في ولا زين العابدين قد بلغواخمسين الفا او
يزيدون ((339)) )).و قال مؤلف (اعيان الشيعة ) ايضا: و لقد كان يشتري السودان , و ما به اليهم من حاجة ((340)) .و تـطـرق الاستاذ السيد جعفر مرتضى ـ دام ظله ـ الى هذه الامور, و استنتج منها اشياكثيرة , و
قال : ((لقد كان من نتيجة ذلك ان صار الموالي يعتبرون اهل البيت ـ عليهم السلام ـ هم المثل الاعلى
لـلانـسـان والاسـلام , و كـانوا مستعدين للوقوف الى جانبهم في مختلف الظروف , و لانعدم بعض
الـشـواهد التي تظهر ان الموالي كانوا ينتصرون للعلويين اذا راوهم تعرضوا لظلم اولبغي من قبل
الـسـلـطات ((341)) )) و قيل بالنسبة الى احمد بن موسى بن جعفر: (ا نه قد اعتق الف رقبة من
العبيد والاما في سبيل اللّه ) ((342)) .و مـن الـنـتائج الاخرى لهذا التوجه هي ان الموالي عرفوا ان اهل البيت ـ عليهم السلام ـيواصلون
سيرة جدهم اميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ المتمثلة بانقاذ الموالي الاعاجم مماهم فيه , و تحريرهم
ليعيشوا حياة حرة كريمة ((343)) .فـهذا الضرب من الاعداد بامكانه شد الموالي و استمالتهم الى اهل البيت ـعليهم السلام و لم يقتصر
نـطـاقه على المناطق العربية فحسب , بل امتد الى مناطق اخرى ايضا بفضل الموالي الذين كانوا قد
تفاعلوا معه , كما نقرا ان العرب الشيعة الذين هاجروامن اوطانهم و استقروا في حواضر اخرى ـ
كالاشاعرة الذين استوطنوا قم , و بني عبدالقيس الذين قطنوا في المدائن ـ تركوا تاثيرهم على تلك
المناطق , فركنت الى التشيع بفضلهم , و فضل الموالي الاخرين و هذه النزعة الى التشيع لم تكن ذات
طـابـع عـقيدي في ايران ابان القرن الاول , بل كانت في حدود نزعة شيعية شكلية , او نزعة تؤمن
بـعـظمة اهل البيت ـ عليهم السلام ـ فحسب و هذا هو الذي دفع اصحابها الى دعم التيارات الشيعية
ونصرتها, مع ان بعضهم كان ملتزما بالفقه السني .و الـمـحنا سابقا الى اقبال الموالي على التيارات المعارضة بشتى اتجاهاتها و كان الاقبال على التيار
الشيعي احد المفردات في هذا المجال و ينبغي لنا ان نتلمس جذور هذا الاقبال في نهج اميرالمؤمنين
ـ عـلـيه السلام ـ المتمثل في تكريمهم و تطييب خواطرهم طيلة الفترة التي حكم فيها بيد ا نهم لم
يـكـونـوا ذوي نزعة شيعية مستقلة و كبيرة في القرن الاول , وحتى عصر المختار في الاقل , و
يعود ذلك الى التبعية التي كانوا عليها فنزعتهم الشيعية كانت تابعة لنزعة القبائل العربية ذات الميول
الـشـيـعـيـة , التي كانوا مواليها مثل : كندة , وعبدالقيس اما في عصر المختار و ما تلاه , فقد كانت
نـزعـتـهم شبه مستقلة حتى انهم ركنواالى فرق دينية شتى في ظل تلك الظروف فشريحة كبيرة
منهم التحقت باهل السنة الذين كانوا يمثلون القوة الدينية المتفوقة , و شريحة انضمت الى الخوارج و
كـان للشيعة نصيب فيهم اذ اجتذبوا فريقا منهم والتحق عدد كبير من افرادهم بالعباسيين و محصلة
ذلك بقاثلة منهم واصلت مسيرتها مع ائمة اهل البيت ـ عليهم السلام .و ذكـرنا سابقا معلومات مقتضبة تحوم حول تخطيط الامام السجاد ـ عليه السلام ـلكسب الموالي و
رايـنـا ان اعـدادهم كان من الاساليب الاعلامية والسياسية التي انتهجهاالامام ـ عليه السلام ـ على
امـتـداد حـيـاتـه و سـنـعرض فيما ياتي بحثا احصائيا للاصول التي ينحدر منها اصحاب الائمة ـ
عـلـيـهم السلام ـ و هدفنا الرئيس الذي نتوخاه من ورا ذلك هوتحديد النسبة المئوية التي يشكلها
الموالي منهم علما ان القرن الثاني ـ الذي يتناوله بحثنااكثر من غيره ـ شهد عددا كبيرا من الموالي
الذين اشتهروا بوصفهم من علما السنة الكبارفينبغي ـ اذن ـ ان ننتبه على ا ننا عندما نريد ان نقيس
الـنـسبة المئوية للموالي السنة في حكم سابق , فيمكننا ان نجزم بان عددهم يفوق عدد غيرهم ذات
المرار.فـلا يـعد هنا كلام يذكر حول تاثير الموالي على التشيع , لاننا ناقشنا هذا الموضوع فيمامضى الى
حـد مـا و فـي عـقـيدتي انه لا يستحق البحث والدراسة , لوجود الائمة الاطهار ـعليهم السلام ـ
بـوصـفهم محور هذه العقائد و ما نستهدفه من هذا البحث بصورة رئيسة هوالتعرف على الاسلوب
الـذي تغلغل الشيعة بواسطته في الموالي الفرس و هذا هو اول بحث من سلسلة الابحاث التي تحوم
حول تاريخ التشيع في ايران .و مـصـدرنـا في هذه الدراسة الاحصائية ما الفه الشيعة في علم الرجال من كتب , اخترنامنها كتاب
الـشـيـخ الـطوسي , لانه ذكر امام كل اسم هوية صاحبه , اذا كان من الموالي , ممايسر علينا البحث
كـثيرا و استطعنا بذلك ان نعرض النسبة المئوية للموالي بين اصحاب الائمة ـ عليهم السلام بيد ان
من الضروري ان نشير الى ملاحظتين قبل ذكر النتائج التي توصلنا اليها في دراستنا:.الاولـى : الاشخاص المذكورون في هذه الكتب هم رواة الاحاديث غالبا, لذلك اخذوابعين الاعتبار
بوصفهم يمثلون مؤشرا لسائر الموالي .الثانية : هؤلا الموالي ربما كانوا من غير الفرس , غير ان هذا الكتاب لم يشر الى هذاالموضوع علما
ا نه لا يسبب لنا اشكالا كبيرا اذا عرفنا ان اكثر الموالي كانوا من الفرس .فالاهتمام بهاتين الملاحظتين يمكن ان يقلل من دقة النتائج التي نعرضها الى حد ما.و بـغـض الـنظر عن هاتين الملاحظتين , يمكن ان نقول : ربما كان هناك اشخاص آخرون لم تذكر
هويتهم القومية مع الاسف فالمؤلف اما كان غير مطلع على ذلك , او كان هناك سبب آخر لعدم ذكرها.يضاف الى ذلك , ان الاشخاص , المذكورين في هذه الفهارس , نوعا ما هم من ذوي الميول والاتجاهات
الشيعية , و ممن روى الحديث فحسب اما من الوجهة العقيدية ,فيعتبرون من اهل السنة , مع ان عددهم
فـي هـذه الـكتب قليل للغاية و قد حاول المؤلف ان يدل على هذا الموضوع الى حد ما من خلال ذكر
قيود اخرى كما نقرا ا نه اضاف كلمة (عامي ) امام اسم ((محمد بن اسحاق بن يسار)) و ذكر كلمة
(عدو) امام اسم ابن شهاب الزهري الذي يروي عن الامام السجادـ عليه السلام ((344)) .الموالي و الائمة الاثناعشر (عليهم السلام ).
الموالي و الائمة الاثناعشر (عليهم
السلام ).
الائمة ـ عليهم السلام .الامام السجاد عليه السلام .الامام الباقر عليه السلام .الامام الصادق عليه السلام .الامام الكاظم عليه السلام .الامام الرضا عليه السلام .العددالكلي .لصحابتهم .173.466.3223.273.317.عددالموالي .20.25.440.20.46.النسبة المئوية التقريبية .للموالي بين الصحابة .12%.3/5%.6/13%.3/7%.5/14%.لـو امـعـنـا فـي هذا الجدول الاحصائي , فاننا سندرك بسهولة ان العرب يشكلون القسم الاعظم من
اصحاب الائمة ـ عليهم السلام , و ان الموالي يؤلفون نسبة مئوية ضئيلة بينهم ((345)) و يتسنى لنا
ان نـعـرف عـن طـريـق آخـر ايـضا ان شريحة من الفرس كانت في عداد اصحاب الائمة و هذه
الملاحظة يمكن ان تشكل باعثا من البواعث الاولى على تغلغل التشيع الاثني عشري في ايران .و ما يمكن ان يكون دليلا لنا في هذاالمجال هو الالقاب التي تلقب بها اصحاب الائمة ـ عليهم السلام ـ
نـسـبة الى مناطقهم فالالقاب التي تضفى عليهم توضح لنا ما نحن فيه الى حد ما نقول : الى حد ما, لان
هـذه الالـقـاب كانت تضفى احيانا على العرب الذين هاجرواالى تلك المناطق و من الجلا بمكان ان
عـددا كـبـيـرا مـن الـعرب سكنوا في مختلف الحواضر الفارسية , كخراسان مثلا التي استوطنها
خمسون الفا منهم .اذن , لا يمكن الجزم بعجمة هذا العدد من اصحاب الائمة ـ عليهم السلام فمن هذه الالقاب , مثلا, لقب :
الـرازي نـسبة الى مدينة الري و يدل هذا اللقب على ان المتلقبين به اقاموا في تلك المدينة مدة , او ا
نهم انحدروا منها اصلا و ينبغي ان نقول هنا: ان هؤلاحتى لو كانوا عربا, فقد تفرسوا بحكم الالقاب
الـتي تلقبوا بها فوجودهم في تلك المناطق من جهة , و انتسابهم الى الائمة ـ عليهم السلام ـ من جهة
اخرى , يقدمان لنا النتيجة التي نبتغيها في بحثنا هذا, و هي اتساع نطاق التشيع في ايران و فيما ياتي
اسما الذين تلقبوابهذا اللقب .اعين , و هو ابو معاذ الرازي من اصحاب الامام الباقرـ عليه السلام بكر بن صالح الرازي من اصحاب
الامـام الـكـاظـم ـ عليه السلام سهل بن زياد الرازي , من اصحاب الامام الهادي ـعليه السلام الشامي
الـرازي مـن وكـلا الامـام المهدي ـ عليه السلام صالح بن سلمة الرازي من اصحاب الامام الجواد,
والـهـادي , والـعـسكري ـ عليهم السلام عبدالرحيم بن سليمان الرازي من اصحاب الامام الصادق ـ
عـلـيـه السلام عبداللّه بن محمد بن حماد الرازي من اصحاب الامام الجواد ـ عليه السلام عطية بن
نـجيح الرازي من اصحاب الامام الصادق ـعليه السلام محمد بن ابي زيد من اصحاب الامام الجوادـ
عليه السلام محمد بن احمد ابوعبداللّه الرازي , من اصحاب الامام العسكري ـ عليه السلام محمد بن
جـعفر الرازي , ومحمد بن حسان الرازي , و محمد بن خالد من اصحاب الامام الهادي ـ عليه السلام
محمدبن خلف من اصحاب الامام العسكري ـ عليه السلام منصور بن عباس من اصحاب الامام الجواد,
والـهـادي ـ عـلـيهماالسلام نعمان الرازي من اصحاب الامام الصادق ـعليه السلام يحيى بن ابي بكر
الرازي من اصحاب الامام الهادي ـ عليه السلام يحيى بن ابي العلا الرازي من اصحاب الامام الباقر ـ
عليه السلام حسن بن الجهم الرازي من اصحاب الامام الكاظم والرضا عليهماالسلام ((346)) .و صنف كتاب ضيافة الاخوان في اصحاب الائمة الذين هم من اهل قزوين و سائرعلما الشيعة الذين
ينحدرون من تلك المدينة و نقرا فيه ايضا اسما عدد من اصحاب الائمة ـ عليهم السلام ـ الذين تلقبوا
بلقب القزويني , كابي عبداللّه القزويني من اصحاب الامام الباقرـ عليه السلام , و ابي غانم الخادم من
خدام الامام العسكري ـ عليه السلام ,و ابي محمد القزويني من اصحاب الامام الرضاـ عليه السلام , و
احـمـد بـن الحارث القزويني احد الذين زاروا الامام العسكري ـ عليه السلام , و احمد بن حاتم بن
ماهويه القزويني من اصحاب الامام الرضاـ عليه السلام ((347)) و آخرين غيرهم .و هـكـذا الامـر فـي المدن الاخرى , اذ انتسب اليها عدد آخر من اصحاب الائمة ,كقاسم بن عوف
الشيباني الخوازي , احد اصحاب الامام علي بن الحسين ـعليه السلام و ((خواز)) مدينة في اطراف
((استرآباد ((348)) )).ثـمة مفردة اخرى تشعرنا بمنزلة الموالي عند الائمة والشيعة و تتمثل هذه المفردة بمانطالعه من
روايـات تـتـحـدث عن رعاية الائمة لهم فقد جا في الروايات الماثورة ان الائمة ـعليهم السلام ـ
كانوايثنون على الموالي و هذه آية على ركونهم الى الائمة و نقل عن الامام الصادق ـ عليه السلام ـ
قـوله عندما ساله رجل : ايهما اشرف من كان من نفس رسول اللّه ـصلى اللّه عليه و آله ـ او من كان
من نفس اعرابي جلف بوال على عقبيه : ؟: من دخل في الاسلام رغبة خير ممن دخل رهبة , و دخل
المنافقون رهبة والموالي رغبة .و نـقـل علي بن جعفر عن الامام الكاظم ـ عليه السلام ـ قوله : ((انما شيعتنا المعادن والاشراف و
اهـل البيوتات و من مولده طيب ((349)) )) قال علي بن جعفر: فسالنا عن تفسيرذلك فقال الامام :
الـمـعـادن من قريش , و الاشراف من العرب , و اهل البيوتات من الموالي ,و من مولده طيب من اهل
الـسواد(العراق ) و روي ان الامام الحسين ـ عليه السلام ـ سال شخصا عن شباب العرب , والموالي
ثـم قـال ـ عليه السلام : واللّه انهما للصنفان اللذان كنانتحدث ان اللّه ـ تبارك و تعالى ـ ينتصر بهما
لدينه ((350)) و اثر عن الامام الصادق ـعليه السلام ـ قوله في تفسير الاية : ((ثم ياتي اللّه بقوم
يحبهم و يحبونه )): هم الموالي و روي عن عبداللّه بن عباس ايضا ا نه قال في اهل فارس : ((اهل
فارس عصبتنا اهل البيت ((351)) )).الموالي والنزعة الشيعية للغلاة .
الموالي والنزعة الشيعية
للغلاة .
ان الـمـوضوعات التي ذكرناها حول النزعة الشيعية للموالي كشفت لنا ان الموالي ليس لهم اي دور فـي الـتـشـيـع ابان عصره الاول , اي : عصر النبي ـ صلى اللّه عليه و آله ـ و الامام اميرالمؤمنين ـ
عـليه السلام , و ما تلاهما من عصور حتى عصر التوابين و من البديهي ان الموالي لم يتمتعوا بموقع
اجتماعي خاص في تلك الظروف حتى يسجلوا مساهمة في الحركات الفكرية و السياسية يومئذ كما
لا يمكن ان نتصور لهم ذلك بيد ا نهم دخلوا حلبة الصراع السياسي بعد ثورة المختار, المطالبة بثار
الامـام الحسين ـ عليه السلام ـ فنشات الميول الشيعية في اوساطهم تدريجا, و برزوا بين اصحاب
الائمـة الـطاهرين ـ عليهم السلام ـ و بعض الحركات الزيدية و هكذا دخلوا في ميدان الكفاح شيئا
فـشـيـئا مـع سائر العرب الشيعة لذلك لا يخامرنا الشك ان العرب هم الذين وضعوا اللبنات الاولى
لـلـتـشـيع في المدينة والعراق , ثم جا الموالي فساهموا فيه , كما نقرا ان نزعة شيعية مستقيمة و
متزنة قد ظهرت بين العرب الاشاعرة في قم بعد مضي مدة من الزمان و ظلت هذه المدينة شامخة في
ايران بوصفها اهم و اعرق مركز شيعي .و لا بـد ان نـشـيـر هـنا الى قضية سبق ان ذكرناها, و هي ظهور ثلاث نزعات رئيسة في الفكر
الشيعي , علما ا نها لم تظهر في وقت واحد, بل تدرجت في الظهور مع التقلبات السياسية والطائفية و
لا نـنوي هنا التحدث عن الهوية العقيدية والفكرية لتلك النزعات , بل نركز على علاقة الموالي بها
فـحـسب بيد ا ننا سنشير ـ كتمهيد ـ الى هذه النزعات الفكرية في سياق البحث , بوصفها تمثل اهم
الفرق الشيعية .نـطالع في البداية النزعة الشيعية المعتدلة التي تنامت باشراف متواصل من الائمة ,و اخذت عقائدها
من كلام الامام اميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ و توجيهات سائرالائمة و يمثلها الشيعة الذين قال عنهم
ابان بن تغلب : الشيعة الذين اذا اختلف الناس عن رسول اللّه اخذوا بقول علي , و اذا اختلف الناس عن
عـلـي , اخـذوا بـقـول جعفر بن محمد ((352)) و نقرا ان النص على امامة علي و ابنائه من اهم
عـقـائدهم و ان الامامة عندهم ذات صبغة دينية مضافا الى صبغتها السياسية , و ا نها تعرض بوصفها
مـكـمـلـة لـلـديـن و لـهـذاالـسبب اصبح الاعتقاد بالامامة محورا للخلافات الدينية التي تجسدت
فـي الـمناقشات العقيدية و الفقهية , و كذلك محورا للخلافات السياسية و نجمت النزعة المغالية الى
جانب النزعة المذكورة و دعامتها الاعتقاد بالوهية الائمة الطاهرين ـعليهم السلام ـ و على راسهم
اميرالمؤمنين ـ عليه السلام .فالشرائح المعتقدة بهذه النزعة هي من غلاة الشيعة و نقل ان هذا التوجه بدا من عبداللّه بن سبا الذي
كـان يـنحدر من اليمن و كل ما نسب اليه من دور سياسي و ديني نقل عن طريق سيف بن عمر الذي
قـال عـنـه الـبـاحـث الشهير العلا مة العسكري : انه يمثل المصدر الذي نقل عنه جميع المؤرخين
والـمـحـدثـيـن اخـبار عبداللّه بن سبا ((353)) و عبرالشهرستاني عنه قائلا: ((منه انشعبت
الغلاة ((354)) )).و نـسبت الى الغلاة عقائد مختلفة , اهمها: الهية الائمة , و غيرهم من الذين اوجدواهذه النزعات و
من العقائد التي نسبت اليهم ايضا: عقيدة الحلول ((355)) , والتناسخ ,و التشبيه , والغيبة , والرجعة ,
و غـيـرهـا و يـمـكـن ان نقف على كثير من هذه العقائد بالرجوع الى كتب متنوعة مثل : المقالات
والفرق , فرق الشيعة , الملل والنحل .و مـن الـجـدير ذكره هنا هو ان فرق المسلمين الاخرى تؤمن ببعض هذه العقائد فالغيبة ـنظرياـ
عـقـيـدة مشتركة بين اهل السنة و الشيعة الامامية كما ان بعض الشخصيات الشيعة الامامية اقرت
بـمسالة الرجعة ((356)) و نقرا ان عقيدة التشبيه كانت و مازالت موجودة بين بعض اهل السنة و
مثالنا على ذلك ابن تيمية الذي كان يؤمن بعقيدة التشبيه ((357)) و كثيرمن متقدميهم كان يرى هذا
الـراي كما نطالع في صحاح اهل السنة احاديث حول التشبيه ((358)) اما الالوهية , والتناسخ فلم
تـعـتـقـد بهما فرقة من فرق المسلمين و لعل الغلاة هم الفرقة الوحيدة التي تذهب الى ذلك و هناك
فـرقة من فرق الشيعة المشهورة ((359)) , وهي الاسماعيلية تحسب في عداد الغلاة نوعا ما و
برزت الاسماعيلية باشكال مختلفة ذات طابع باطني بمجملها, و يلاحظ شبه كبير بينها و بين الغلاة
بخاصة في تاويل كثير من المفاهيم الدينية اما من الوجهة الظاهرية , فانها تؤمن بالشريعة و تعمل بها
مـع مـا تـختلف به عن الاخرين فقهيا و كتاب دعائم الاسلام نموذج لكتاب حديثي فقهي متماسك من
كتب الاسماعيلية .و سـنتحدث في بحوثنا القادمة عن حركات الاسماعيلية في ايران , و نتطرق الى التقارب الملحوظ
بـيـن عـقـائد الغلاة والباطنية و ذكرت موضوعات كثيرة حول البواعث التي ادت الى ظهور فرق
الـغـلاة , و يـمكن ان تطرح موضوعات اخرى ايضا, بيد ان هذاالمجال لا يناسب الحديث عنها و ما
ينبغي ان نتحدث عنه هنا هو علاقة الموالي الفرس بالغلاة .الـنـزعة الشيعية الثالثة هي النزعة الزيدية التي سبق ان تحدثنا عنها بايجاز, و قلنا انهاكانت ذات
طابع حنفي من الوجهة الفقهية , و اعتزالي من الوجهة العقيدية والمسالة الوحيدة للزيدية هي الامامة
التي تمثل فيها رايا وسطا بين النظرة السنية و الشيعية , مع اقتراب الى النظرة الشيعية .لقد ذكرنا سابقا نبذة يسيرة عن الموالي الفرس , و هل كان لهم دور في ظهور الغلاة او لا و اذا كان
لهم دور, فما هو الدليل ؟ و ما هي طبيعة هذا الدور ؟ من الضروري ان نعرض هذا الموضوع هنا,
و نبين راينا فيه .و بـغـض النظر عن السؤال المثار حول تاثير الموالي في ظهور عقائد الغلاة او عدم تاثيرهم , فان
مـسالة اخرى مطروحة على بساط البحث ايضا, و هي : هل آمن الموالي بالاتجاه الشيعي للغلاة , او
لا ؟ اذن , نلحظ نقطتين ينبغي ان تخضعا للدراسة والتقويم :.الاولى : حجم التاثير الذي كان للموالي في ظهور عقائد الغلاة .الثانية : حجم ركون الموالي الى الغلاة .و هـاتان المسالتان مترابطتان تماما والجواب عن احداهما ـ طبيعيا ـ يمكن ان يوضح الاخرى ايضا
لذلك لا نفرد لكل منهما حديثا, بل نتحدث ـ جملة ـ عن العلاقة بين الغلاة والموالي .قـد ذكـر ان للموالي الفرس دورا رئيسا في ظهور الغلاة , كما جا على لسان احدهم اذقال : و كان
جل الموالي الذين انضموا الى التشيع خلال المراحل الاولى من تاريخه هم من الغلاة ((360)) )) و
قـال هـذا الكاتب ايضا : اما الجماعات الايرانية التي انضمت الى التشيع بشكله الغالي , فقد ورثت من
بـيـئاتها القديمة فكرة عبادة الملوك و اتصافهم بصفات الاله واصبح الائمة في نظر الموالي الغلاة
يحتلون المراكز الروحية التي يحتلها الملوك الايرانيون في عهد الوثنية ((361)) )).و يـرى احمد امين ان الموالي يشكلون احد اركان الغلو والغلاة ((362)) و قد ناقشناسابقا بعض
الـمـسائل التي تحوم حول صلة التشيع بالموالي , و ذلك في كتاب صدر لناتحت عنوان [بحث موجز
حول العلاقة بين التشيع و ايران ] ((363)) بيد ا ننا لم نتحدث عن العلاقة بين عقائد غلاة الشيعة ,
والموالي .دراسة العلاقة بين الغلاة والموالي .
دراسة العلاقة بين الغلاة
والموالي .
كان عبداللّه بن سبا اول مصدر للعقائد الغالية على حد تعبير الشهرستاني و ثمة احتمالان في نسبه : الاول : يقول انه يهودي ينحدر من اليمن و يذهب الاشعري في المقالات والفرق الى ا نه عبداللّه بن
وهـب الراسبي الهمداني ((364)) الثاني : ينسج له محتداعربيا و نلحظ ان الاحتمال الاول لا يدل
على ارومة عربية لو ثبت ا نه احد المهاجرين الفلسطينيين الى اليمن .و اذا سلمنا بهذين الاحتمالين , فلا نستطيع ان نثبت اي علاقة بين الغلاة والموالي ,لعدم وجود صلة
بين الهوية اليهودية و العربية , و بين موضوعنا الذي يحوم حول علاقة الغلاة بالموالي , كما ا نه لا
يبرهن لنا على شي , بل بالعكس لو فرضنا وجود شخص بهذاالاسم والمواصفات ((365)) , فليس
للموالي دور في ظهور هذا التيار.و لـو تـركـنـا عـبـداللّه بن سبا جانبا, فان الفرقة الكيسانية نالت نصيبها من البحث في كتب الفرق
والـمـذاهب بوصفها اول فرقة غالية و ليس هناك اتفاق في الارا حول تسمية هذه الفرقة , فقد قيل :
عرف الكيسانية بهذا الاسم لانهم اصحاب كيسان مولى اميرالمؤمنين ـعليه السلام ((366)) و ثمة
راي آخـر لـلـشهرستاني يري فيه ان كيسان كان تلميذ محمد بن الحنفية , و يصرح بان الكيسانية
يـعـتـقـدون فيه اعتقادا فوق حده و درجته [المقصودكيسان ]و يذهب الى ان كيسان اخذ علمه من
الـسـيـديـن : عـلي ـ عليه السلام , و محمد بن الحنفية و بلغ درجة رفيعة من احاطته بالعلوم كلها و
اقتباسه من السيدين الاسرار بجملتها,من علم التاويل والباطن و علم الافاق والانفس ((367)) .