9 ـ و ذكـرت مـوارد اخرى ايضا و هي تدل على ان سفرا الحاكم العباسي كانوايحرضون سلطان الـمغول منكوقاآن على الاسماعيلية و هذا الشخص هو الذي ارسل اخاه هولاكو الى ايران لتحقيق
انتصارات اكثر في آسيا الغربية و نقل ان قاضي القضاة شمس الدين القزويني ظهر للسلطان المغولي
لابـسـا الـدرع , و اخبره انه يلبسه تحت ثيابه خشية الملاحدة كما سرد له طرفا من اعتدااتهم و
غاراتهم ((1732)) .و مما يذكر ان هولاكو عندما توجه الى ايران , والعراق للغزو, لم يقض على الملاحدة فحسب , بل
قضى على الحاكم العباسي ايضا.و يقول المستوفي ايضا عن ذهاب هولاكو باتجاه الغرب : ((جا هولاكوخان الى ايران سنة 653 ه
بـامـر اخـيـه مـنـكـوقـاآن , و طـلـب الـقـاضـي شـمـس الـديـن احـمد القزويني من اجل صد
الـمـلاحـدة ((1733)) )) و لا جـرم ان هولاكو فكر في نفسه بعد ذلك ان يخطوخطوات نحو
بغداد و لو تغاضينا عن هذا الموضوع , فان موضوعا آخر ياخذ دوره في هذا المجال , و هوان الخطر لما
تـفاقم , و اصبح سقوط العراق و شيكا, لم يقدم الحاكم العباسي اية مساعدة للاشخاص الذين صمدوا
بوجه المغول , و تركهم وحدهم في الميدان .ولعل ذكر عدد من النماذج التاريخية يفيد في هذا الحقل :.1 ـ في ضؤ ما نقله ابن الاثير, فان مظفر الدين حاكم اربل صمم على مقاومة المغول سنة 618 ه من
خـلال استنجاده ببدر الدين حاكم الموصل , و بالحاكم العباسي و بعث اليه بدرالدين عددا من جنوده
الجيدين .و لـمـا اجـتمعوا في دقوقا, التحق بهم جيش قليل من قبل الحاكم العباسي , بينما كان مظفرالدين قد
طلب عشرة آلاف فارس و حكى مظفر الدين قال : لما ارسل الي الخليفة في معنى قصد التتر, قلت له
: ان الـعـدو قـوي , و ليس لي من العسكر ما القاه به فان اجتمع معي عشرة آلاف فارس , استنقذت ما
اخـذ مـن البلاد فلما سرت , لم يحضر عندي غيرثمانمائة طواشي و ما رايت المخاطرة بنفسي و
المسلمين ((1734)) .2 ـ ان جلال الدين خوارزمشاه الذي ورث حكما قلقا مضطربا بعد ابيه استطاع الصمود وحده عدة
سنين بشجاعة عديمة المثيل , بينما كان يخوض صراعا في جبهات متعددة تتمثل في المغول من جهة ,
و اخيه من جهة اخرى , و الحاكم العباسي من جهة ثالثة , والحكام المحليين من جهة رابعة و طلب من
الحاكم العباسي مرتين ان يواجه المغول فلم يجبه الى ذلك , و لم يساعده بل ((اشخص اليه عشرين
الف فارس لمحاربته , وطلب من مظفرالدين كوكبري حاكم اربل ان يرسل عشرة آلاف فارس ايضا
فيحاصرواجلال الدين و يستاصلوا شافته ((1735)) )).3 ـ اسـتـنـجد جلال الدين مرة اخرى بالمستنصر العباسي سنة 627 ه لصدالمغول ,و ارسل اليه
رسالة قال له فيها: ((انا كالسد بينك و بين المغول , و اذا دمر هذا السد, فسوف يتخلخل عملك )) و
لم يغثه الحاكم العباسي ايضا ((1736)) .4 ـ تقدر الفترة الزمنية بين بداية الغارات المغولية على الاقطار الاسلامية , و غزوبغداد (
656 هـ) بـاكـثـر مـن اربـعين سنة و كان الحكام العباسيون في تلك الفترة منهمكين في ترتيب شؤونهم
الـرسـمـية فحسب , و لم يقوموا باي مبادرة جدية و ما تحركوا الا في وقت كان المغول قد وصلوا
خلف بوابات بغداد سنة 634 و 635 ه , و حينئذ افتوا بالجهاد.و لـما كان الخطر لا يهدد بغداد قبل ذلك ـ و ان ابيدت جميع البلدان الاسلامية ـ فلم تعدحاجة الى
الـحـكـم بـالجهاد بيد ان خطر سقوط العباسيين هو الذي افضى الى صدورالحكم بالجهاد, و هيج
الـمـسـتنصر العباسي ((1737)) و هذا العمل ارغم المغول على التقهقر, حتى اذا مضت عشرون
سنة على ذلك , غزيت بغداد في محرم سنة 656 ه ايام المستعصم الذي كان آخر الحكام العباسيين .ان تـهـاون الـحـكـام الـعباسيين و عدم تخطيطهم كانا من البواعث المهمة على هزيمة المسلمين و
انكسارهم و هو ما ينبغي ان نتحدث عنه اكثر من هذا.يـقـول ابـن الـطـقـطقي في المستعصم الذي كان يعيش اوضاعا اكثر تدهورا من غيرها:((و كان
الـمـسـتعصم آخر الخلفا شديد الكلف باللهو و اللعب و سماع الاغاني لا يكادمجلسه يخلو من ذلك
سـاعـة واحـدة و كـان نـدماؤه و حاشيته جميعهم منهمكين معه على التنعم واللذات لا يراعون له
صلاحا)).ثم ذكر ابياتا من الشعر في ذمه , و في الاحوال المتداعية يومئذ, و واصل كلامه قائلا:.((و مما اشتهر عنه ا نه كتب الى بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل يطلب منه جماعة من ذوي الطرب
و فـي تـلـك الـحـال وصل رسول السلطان هولاكو اليه يطلب منه منجنيقات و آلات الحصار فقال
بدرالدين : انظروا الى المطلوبين و ابكوا على الاسلام واهله ((1738)) )).ان تـقـاعـس الـحـاكـم الـعباسي ـ الذي كان يتبجح بالسيادة المعنوية و الرسمية في حفظالثغور
الاسلامية ـ قد طار في الافاق , حتى ان هولاكو نفسه عندما غزا بغداد, نبهه على ذلك .يقول الخواجه نصير في معرض حديثه عن كيفية غزو بغداد: (( لما حضر الخليفة [عندهولاكو]
, امـر بـتـقـديـم الهدايا الى هولاكو و عندما قدمت اليه , وزعها على الخواص والامرا والجنود و
غـيـرهـم من الحاضرين و وضع طبقا من الذهب امام الخليفة لياكل فقال : لا استطيع قال : اذن لماذا
ادخـرتـهـا و لم تعط جنودك منها ؟ و لماذا لم تصنع السلاح من هذه الابواب الحديدية , و تات الى
جـيـحون فتحول دون عبوري ؟ فقال الخليفة : هذا هوتقدير اللّه فقال هولاكو: ان ما يجري عليك
تقديراللّه ايضا ـ و عاد في الليل و ذهبوا الى قصر الخليفة فوجدوا سبعمائة امراة و الفا و ثلاثمائة
خادم , و فرقواالاخرين ((1739)) )).قـال نخجواني (م 724 ه) : ((قال هولاكو للخليفة : قل له [المستعصم ] : اي رجل انت ؟ اين ذهب
عـقـلـك و تـدبـيـرك ؟ فـلا انـت جـمـعـت الـجـيـش لـيـحـاربـوا من اجلك , و لا انت جئتنا
طائعامنقادا ((1740)) )).و اشـار خـواندمير ايضا الى وضع طبق الذهب امام الخليفة , و عدم اكله شيئا منه , و نقل على لسان
هـولاكـو قـولـه لـلخليفة : لم لم تضح بهذا فدا لك و لالاف المسلمين ؟ و لم تدفعه الى الجيش كي
يحافظ على ملكك الموروث من انتهاك الاجانب ((1741)) ؟.5 ـ سـبـق هـجوم هولاكو على بغداد ان اقترح سليمان شاه على المستعصم ان يمده بالمال فيجمع
جيشا و يهجم على المغول , و قبل المستعصم ذلك , بيد ان وزيره ابن العلقمي كان يعلم ((ان الخليفة
لن يمنح مالا ((1742)) )).و اعـترف سليمان نفسه و غيره من اكابر بغداد عند الوزير ((ا نه [المستعصم ] صديق المطربين
والمساخرة , و عدو الجيش والجنود ((1743)) )).و بـدا الوزير عمله بعد قبول الاقتراح الذي عرضه سليمان شاه , و بعد وعودالمستعصم و شرع
في جلب الجنود من المناطق البعيدة والقريبة الى بغداد, و بعد خمسة اشهر ابلغ سليمان شاه الوزير
ان الـجند قد صاروا عددا وفيرا و جيشا جرارا, و ان على الخليفة ان يمنح المال , فعرض الوزير
الامـر عـلى المستعصم , لكنه اعتذر, فيئس الوزير من وعوده تماما, و رضي بالقضا, و وضع عين
الانتظار على نافذة الاصطبار ((حتى يكشف الفلك نفسه عما ورا الستار ((1744)) )).و قـال ابـن الـطقطقي عن المستعصم : ((و كان زمانه ينقضي اكثره بسماع الاغاني و التفرج على
المساخرة ((1745)) )).ان ما يحكى عن المستعصم من حبه المال , و تقاعسه عند هجوم المغول اشهر من ان نريد اثباته هنا.و كـان امـله الوحيد ان يخبروا هولاكو (( ان كل ملك ـ حتى هذا العهد ـ قصد الاسرة العباسية و
دارالـسلام بغداد, كانت عاقبته وخيمة و مهما قصدهم ذوو السطوة من الملوك ,و اصحاب الشوكة
من السلاطين , فان بنا هذا البيت محكم للغاية , و سيبقى الى يوم القيامة ((1746)) )).و كـان الـمـسـتـعصم يتهدده احيانا بان العالم كله تحت امره , و اذا حكم بشي , فالجميع منقادون و
مـطـيـعـون لـحـكـمـه و كـانـت هـذه الاوهـام مـعشعشة في ادمغة اشخاص آخرين من بطانته
ايضا ((1747)) .بيد ان هذه التهديدات لم تخلق اي مشكلة للمغول لا نهم لم يعتقدوا بها, و كانوايعلمون انها ليست ذات
بـال و شـان كـالـطبل الاجوف , ذلك ا نهم خبروا حكام بغدادو عرفوهم حق معرفتهم على امتداد
اربعين سنة .و عـندما يتحدث ابن كثير الحنبلي عن حياة المستعصم , يقول : و قد كان سنيا, و لكن كان فيه عدم
تيقظ, و محبة للمال و جمعه و من جملة ذلك انه استحل الوديعة التي استودعه اياها الناصر داود بن
المعظم , و كانت قيمتها نحوا من مائة الف دينار فاستقبح هذا من مثل الخليفة ((1748)) .و ذكر ابن شاكر ايضا حب المستعصم جمع المال ((1749)) .و قـال هـنـدوشـاه نخجواني فيه : ((كان يميل الى الترف و سماع الاغاني و حضور الندماو اهل
العشرة ((1750)) )) و نقل ايضا ا نه : كان يقضي اكثر اوقاته في اللهو ((1751)) )).و تـحـدث الـغـسـاني ايضا عن مثالب المستعصم , و منها: جمع المال , و علما ا نه كان يعيش في تلك
البلاد, و في ذلك العصر ((1752)) .و قال خواندمير: (( و شذ المستعصم عن اكثر الحكام العباسيين , في تجبره و تكبره و تكدس ماله
و مجوهراته , و كثرة ملبوساته الفاخرة , و وجود الاشيا النادرة عنده ((1753)) .و كـتـب الاتابكي عنه ا نه كان جاهلا في تدبير الملك , اذ لم تكن له معرفة كافية بذلك وكان يهمل
الامور, و يحب جمع المال ((1754)) .الا يـجـدر بـنـا ان نـعتبر السبب الجوهري لعدم تحرك المسلمين امام المغول هو عدم كفاة الحاكم
العباسي و عدم تدبيره اذ لم يسمع نصيحة الوزير, و استسلم لدويدارسدى ؟
الخاتمة .
الخاتمة .
و فـي الختام ينبغي ان نؤكد على ان ما نراه باطلا من منظور تاريخي هو زعم من زعم ان الخواجه نـصيرالدين و ابن العلقمي كانا ضالعين في تحريض هولاكو و قد استبان بطلان هذا الزعم الواهي
بما ذكرناه من الادلة المتقدمة .بـيـد ان هـنـاك مـلاحـظـة صـحـيحة , و هي ان الخواجه , و ابن العلقمي , و كذلك شيعة الحلة و
علماها ((1755)) , و كثيرا من اهالي المدن الاخرى عندما راوا غارات المغول من جهة , و عددهم
مـن جـهة اخرى , و تنازع الحكام المحليين في ايران و العراق من جهة ثالثة , فقد خالوا ان مقاومتهم
تـذهب ادراج الرياح لذلك قرروا ان يتنازلوا لهم املا في حثهم على قبول الاسلام , و ان كان المقدم
على ذلك كله انقاذ الناس و العلما والمكتبات , و قد بذلوا جهودهم في هذا المجال ايضا.و كـان هذا الوعي باعثا على رسوخ التشيع فيما بعد, بل ان بعض سلاطين المغول قدتشيعوا بفضل
عـلـمـا من امثال العلامة الحلي , و من هؤلا : خدابنده مثلا و الحق ا ننايمكن ان نعد هذه الاجراات
مـرحلة جديدة في نمو التشيع و اتساع نطاقه , بخاصة قد ظهر نوع من التسامح الديني ((1756))
في ظل السيادة المغولية , و انبرى الشيعة الى تبليغ عقائدهم و افكارهم بكل حرية و على الرغم من
هـذا كـله , فان المغول كانوا في البداية اقسى من ان يرحموا احدا بتاثير الخواجه و امثاله , اللهم ان
تـوسل هؤلا بهم كثيرا,و تشفعوا لهم باسلوب مؤثر ـ كما نقلنا عددا من الامثلة في هذا الحقل ـ و
في الوقت نفسه ,فان المغول عندما دخلوا بغداد, قتلوا السنة و الشيعة على السوا ((1757)) .و اذا كان اهل الحلة قد نجوا كغيرهم من اهالي بعض المدن , فان ذلك يعود الى همتهم و استسلامهم
الـمـبـكـر و حـيـنـئذ لا يصح كلام القائل ((ان المدن الشيعية استسلمت ببركة كياسة الخواجه
نصيرالدين الطوسي ((1758)) )) و ان كان ممكنا انه اقترح على اهل الحلة ان يستسلموا كما فعل
اهالي بعض المدن الاخرى ((1759)) , و ذلك نصيحة منه لهم , فاستجابوا و استسلموا.عقائدهم و افكارهم بكل حرية و على الرغم من هذا كله , فان المغول كانوا في البداية اقسى من ان
يرحموا احدا بتاثير الخواجه و امثاله , اللهم ان توسل هؤلا بهم كثيرا,و تشفعوا لهم باسلوب مؤثر
ـ كما نقلنا عددا من الامثلة في هذا الحقل ـ و في الوقت نفسه ,فان المغول عندما دخلوا بغداد, قتلوا
السنة و الشيعة على السوا ((1760)) .و اذا كان اهل الحلة قد نجوا كغيرهم من اهالي بعض المدن , فان ذلك يعود الى همتهم و استسلامهم
الـمـبـكـر و حـيـنـئذ لا يصح كلام القائل ((ان المدن الشيعية استسلمت ببركة كياسة الخواجه
نصيرالدين الطوسي ((1761)) )) و ان كان ممكنا انه اقترح على اهل الحلة ان يستسلموا كما فعل
اهالي بعض المدن الاخرى ((1762)) , و ذلك نصيحة منه لهم , فاستجابوا و استسلموا.بسم اللّه الرحمن الرحيم .عقائدهم و افكارهم بكل حرية و على الرغم من هذا كله , فان المغول كانوا في البداية اقسى من ان
يرحموا احدا بتاثير الخواجه و امثاله , اللهم ان توسل هؤلا بهم كثيرا,و تشفعوا لهم باسلوب مؤثر
ـ كما نقلنا عددا من الامثلة في هذا الحقل ـ و في الوقت نفسه ,فان المغول عندما دخلوا بغداد, قتلوا
السنة و الشيعة على السوا ((1763)) .و اذا كان اهل الحلة قد نجوا كغيرهم من اهالي بعض المدن , فان ذلك يعود الى همتهم و استسلامهم
الـمـبـكـر و حـيـنـئذ لا يصح كلام القائل ((ان المدن الشيعية استسلمت ببركة كياسة الخواجه
نصيرالدين الطوسي ((1764)) )) و ان كان ممكنا انه اقترح على اهل الحلة ان يستسلموا كما فعل
اهالي بعض المدن الاخرى ((1765)) , و ذلك نصيحة منه لهم , فاستجابوا و استسلموا.تعريف التشيع والرفض .
تعريف التشيع
والرفض .
لا يـزال الـتعريف الذي ذكره ابان بن تغلب للشيعة من افضل التعريفات المطروحة فقد قال : الشيعة الـذيـن اذا اختلف الناس عن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه و آله , اخذوبقول علي ـ عليه السلام و اذا
اخـتـلف الناس عن علي , اخذوا بقول جعفر بن محمد ـعليه السلام ((1766)) و تحدثنا في كتابنا:
الشيعة في ايران كثيرا في هذا المجال و سنذكرهنا ادلة و شواهد اخرى .نحن نعلم ان كلمة الشيعة تعني الاتباع و مالم يذكر اسم بعدها تضاف اليه , في اللغة العربية , فلا يعلم
مـن يـتبعون و كان لفظ الشيعة في البداية ملازما لاسم الامام علي ـعليه السلام , او لاسم عثمان , و
مـعـاويـة ايـضا, بيد ا نه استعمل بعد ليقتصر على اتباع الامام عليه السلام و مواليه و لعل من اقدم
الوثائق التي نقرا فيها كلمة الشيعة , و قد سمي بهااتباع اهل البيت ـ عليهم السلام ـ بصراحة , رسالة
كتبها شيعة الكوفة , و على راسهم سليمان بن صرد, الى الامام الحسين ـ عليه السلام ـ يعزونه فيها
بـاسـتـشـهـاد اخـيـه الامـام الـحسن ـ عليه السلام و نقل اليعقوبي نص الرسالة المشار اليها, في
تاريخه ((1767)) .و من الثابت ان معنى التشيع كان اشمل من معنى الرفض في القرون الاولى و كانت كلمة الشيعة تطلق
اساسا على من يقدم ـ عليا عليه السلام ـ على عثمان , كما عرف بها من يقدمه على سائر الخلفا, او من
يـعتقد بامامته و امامة اولاده و المتشيع هوالذي يفضل اميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ على غيره عند
الـمـوازنـة بـيـن الـخـلفا بينما يعني الرفض انكارخلافة الشيخين والاعتقاد بامامة الامام علي ـ
عـليه السلام اما السنة فيرون ان تقديم علي ـعليه السلام ـ على عثمان بدعة ((1768)) حتى قال
بعض متطرفيهم : من قال : ابوبكر, وعمر , و علي , و عثمان , رافضي او مبتدع ((1769)) .و كان اهل الكوفة شيعة لترتيبهم الخلفا على النحو الاتي : ابوبكر, عمر, وعلي ((1770)) .و قيل في اهل واسط ما نصه : كان عامة اهل واسط يتشيعون ((1771)) و جا في مسائل الامامة ان
اهـل الـحـديث كوكيع بن الجراح , والفضل بن الدكين يزعمون ان افضل الناس بعد النبي ـ صلى اللّه
عـلـيـه و آلـه و سلم ـ ابوبكر, ثم عمر, ثم علي , ثم عثمان , يقدمون علياعلى عثمان و هذا تشيع
اصحاب الحديث من الكوفيين و يثبتون امامة علي بينما يعتقداصحاب الحديث البصري في مقابل هذه
الـرؤيـة ان افضل الامة بعد النبي ـ صلى اللّه عليه وآله ـ ابوبكر, ثم عمر, ثم عثمان , ثم علي , ثم
يـسوون بين بقية اصحاب الشورى و ثمة رؤية اخرى نطالعها لمشايخ اهل الحديث ببغداد, فانهم لم
يقروا بخلافة الامام علي عليه السلام جوهريا.و اما مشايخ اصحاب الحديث من البغداديين , فانهم لا يثبتون امامة علي , منهم ابن معين ,و ابو خيثمة ,
((1772)) و
نقرا شاهدا آخر نقل عن يحيى بن معين و هو من اصحاب الحديث اللا معين في القرن الثالث , فقد كان
يـقـول : اقـول : ابوبكر, ثم عمر, ثم عثمان ((1773)) وكان احمد بن حنبل يقول ـ و هو معتدل
((1774)) و كان الكثيرون يخالفون احمد بن حنبل في هذه
الـرؤيـة ((1775)) و لعل ابن حنبل لم يظل على هذه الرؤية , فقد تغيرت , و رسخت عقيدته في
شـرعـية خلافة الامام عليه السلام كخليفة رابع لذا كان يقول : من لم يربع بعلي فهو اضل من حمار
اهـله ((1776)) و يقال لمن يلمز معاوية , و عمرو بن العاص : رافضي ((1777)) وقيل لاحمد
بـن حـنبل : ان فلانامن الناس يقدم عليا ـ عليه السلام ـ على ابي بكر و عمر, فاستقبح ذلك , و قال :
اخـشـى ان يـكـون رافضيا ((1778)) و قال ولده : سئل ابي : من الرافضة ؟ فقال : الذي يشتم و
يسب ابابكر و عمر ((1779)) .و اذا اردنا ان نعرف معنى الرفض , فيمكننا ان ننظر في ما افتري على رسول اللّه ـصلى اللّه عليه و
آله ـ بشان الروافض ((1780)) .و ينبغي ان نلتفت الى ا ننا اذا اشرنا الى تشيع الكوفة او العراق , فعلينا ان نبين هل كان تشيع الشخص
او الـتـيار المعني من نوع تفضيل الامام علي ـ عليه السلام ـ على عثمان ام من نوع التشيع الامامي و
كان بالكوفة شيعة كثيرون بالمعنى الاول , و لهم هوى شديد في اهل البيت ـ عليهم السلام ـ و جلهم
كـان يروي فضائل الامام علي ـ عليه السلام ـ و سائر الائمة ـعليهم السلام فهؤلا لا يسمون سنة
اصطلاحا, على الرغم من ان معظمهم كان يعتقدبخلافة الشيخين ايضا.بعبارة اخرى , ينبغي دراسة رواياتهم بالنظر الى ميولهم الشيعية القوية و من الطبيعي ان شيعة عثمان
ـ و هـم الاسلاف للسنة المتاخرين ـ كانوا يختلفون عن هذا الفريق , و ليس بينهما علاقة تذكر من
هـذا الـمـنـطلق , يلاحظ في الاثار الرجالية لاهل الحديث و الحنابلة ان الاتهام بالتشيع , بمعنى نقل
فضائل اهل البيت , يعد احد معابير القدح مع هذا نرى علماالرجال الحنابلة المتعصبين و اهل الحديث
قد وثقوا كثيرا من هؤلا الاشخاص على سبيل المثال , جا في داود بن ابي عوف الذي وثقه احمد بن
حـنـبـل , و يحيى بن معين انه شيعي ,عامة ما يرويه في فضائل اهل البيت ـ عليهم السلام و ينقل له
حديث اثره عن رسول اللّه ـصلى اللّه عليه و آله ـ انه خاطب عليا ـ عليه السلام ـ قائلا : اما انك يا
ابـن ابـي طـالب و شيعتك في الجنة و ورد في تضاعيفه كلام لرسول اللّه ـ صلى اللّه عليه و آله ـ
ضدالروافض ((1781)) .ان الـعبارات التي ذكرها الذهبي في ما يخص الشيعة نقلا عن علما الرجال في القرون الاولى تمثل
دلـيـلا لـمعرفة اصطلاح (الشيعة ), و (الرفض ) وقتذاك و نجد في الكلمات المنقولة ان التعبير
يـشـتـد تـبـعـا لـشـدة الـمـيـول الشيعية في الشخص و ما ناتي به من تعابير هناماخوذ من كتاب
ميزان الاعتدال , و نشير فيه الى رقم الجز والصفحة قيل في عبيداللّه بن موسى الذي كان من مشايخ
الـبـخاري : كان شيعيا متحرقا (3 : 16) و قيل في عدي بن ثابت :شيعي مفرط, رافضي غال (3 :
62).و قـيـل فـي العلا بن صالح التيمي الكوفي : كان من عتق الشيعة (3 : 101) و قيل في العلابن ابي
العباس : شيعي غال (3 : 102).و قـيـل في علي بن ثابت الدهان : كان ممن يسكن في تشيعه و لا يغلو (3 : 116) و قيل في علي بن
مـوسى السمسار: فيه تشيع يفضي الى الرفض (3 : 158) و قيل في علي بن هاشم بن البريد: كان
مـفـرطـا فـي الـتشيع (3 : 160) و قيل في عمرو بن شمر الجعفي : رافضي يشتم الصحابة (3 :
268) و قـيـل في عيسى بن قرطاس : كان من الغلاة في الرفض (3 : 322) و قيل في عيسى بن
مهران المستعطف : رافضي كذاب جبل , محترق في الرفض كان من شياطين الرافضة و مردتهم (
3 : 324) و ذكر النجاشي هذا الرجل في كتابه ايضا ((1782)) .و جـا فـي فـضيل بن مرزوق الكوفي ا نه كان يتشيع من غير سب (3 : 362) و قيل في فطربن
خـلـيفة : كان فطر عند يحيى ثقة و لكنه خشبي مفرط ((1783)) (3 : 364) و قيل في المؤرخ
الـمـعـروف مـحمد بن جرير الطبري : فيه تشيع يسير و موالاة لا تضر(3 : 498) و كان علما
السنة و محدثوهم يتهمون بالميول الشيعية لادنى شي على سبيل المثال , اتهم الدارقطني بذلك لجمعه
دواويـن الشعرا و منها ديوان السيد الحميري ((1784)) و قيل في الشريف الرضي : رافضي جلد
(3 : 523) و قـيل في زرارة بن اعين : كان يترفض (2 :68)و جا في سالم بن ابي حفصة الذي
كان من رجال الامامية : مفرط في التشيع يقول :لبيك قاتل نعثل (عثمان ) لبيك مهلك بني امية , لبيك و
كان من رؤوس من يتنقص ابابكر و عمر(2 : 110) و يبدو ان نقل كلام الذهبي في تعريف التشيع
الـخفيف مفيد في هذا المجال , اذيقول نافيا النصب عن محمد بن زياد, و هو احد مشايخ البخاري , و
كان قد اتهم به بلى ,غالب الشاميين فيهم توقف عن اميرالمؤمنين علي رضي اللّه عنه من يوم صفين كما
ان الـكوفيين ـ الا من شا ربك ـ فيهم انحراف عن عثمان و موالاة لعلي , و سلفهم شيعته و انصاره ثم
خلق من شيعة العراق يحبون عثمان و عليا, لكن يفضلون عليا على عثمان , و لا يحبون من حارب عليا
مع الاستغفار لهم فهذا تشيع خفيف ((1785)) .و يـرى الـذهـبـي ايضا ان التشيع الغالي يختلف في اصطلاحه القديم و الجديد, فهويقول : فالشيعي
الغالي في زمان السلف و عرفهم هو من تكلم في عثمان , والزبير, و طلحة ,و معاوية , و طائفة ممن
حارب عليا رضي اللّه عنه , و تعرض لسبهم والغالي في زماننا و عرفناهوالذي يكفر هؤلا السادة و
يتبرا من الشيخين ((1786)) .و جا في عباد بن عبدالصمد الذي ذكر على ا نه غال في التشيع : عامة ما يرويه في فضائل علي (2 :
369) و ورد في عباد بن يعقوب انه كان من غلاة الشيعة و رؤوس البدع كان يشتم السلف و يشتم
عثمان و يقول : اللّه اعدل من ان يدخل طلحة والزبيرالجنة , قاتلا عليا بعد ان بايعاه (2 : 379) و
قـيـل في عبدالرحمن بن يوسف بن خراش : كان يتشيع كان خرج مثالب الشيخين , و كان رافضيا و
قال عبدان : قلت لابن خراش حديث : لا نورث , ما تركناه صدقة قال : باطل (2 : 600).و قد اشرنا في كتابنا هذا, اعني : الشيعة في ايران ـ دراسة تاريخية الى ان التشيع على ثلاثة اقسام
هـي : الـتـشيع السياسي , والتشيع العقيدي , والتشيع بمعنى مودة اهل البيت و نقرا رواية ماثورة عن
الامـام الـعـسـكـري عليه السلام تبين الفرق بين التشيع العقيدي ,والتشيع بمعنى مودة اهل البيت ـ
عليهم السلام فقد جا فيها ان الامام ـ عليه السلام ـ سئل :ماالفرق بين الشيعة والمحبين ؟ قال : شيعتنا
هم الذين يتبعون آثارنا و يطيعونا في جميع اوامرناو نواهينا و من خالفنا في كثير مما فرضه اللّه ,
فليس من شيعتنا ((1787)) .و تـحـدثـنا في كتابنا المذكور مفصلا عن ظهور الميول الشيعية بالكوفة و الان نضيف الى حديثنا
الـمـشار اليه قائلين : قلما كان يرى كوفي ليس له ميول شيعية ((1788)) والقصدمن هذه الميول
مفهوم عام يشمل كل الدرجات والمراتب اوطاها و اعلاها و نقل ابن معين عن ابن مبارك ايضا انه قال
: مـن اراد الشهادة فليدخل دار البطيخ بالكوفة يترحم على عثمان ((1789)) و نطالع خبرا آخر
مفاده ان الكوفيين كانوا يفخرون على البصريين بمحضر المامون قائلين : قد علم الناس ا نه ليس في
الارض بـلـد اجـمع اهله على حب بني هاشم الا الكوفة و ما قتل احد من بني هاشم في شرق و لا
غـرب الا و حـولـه قتلى من اهل الكوفة تختلط دماؤهم بدمه ((1790)) و اثر عن الامام الصادق
عليه السلام قوله : ان اللّه عرض ولايتنا على اهل الامصار فلم يقبلها الا اهل الكوفة ((1791)) و
هـذه الفضائل المنقولة للكوفة , ثم لقم بلغت مبلغا جعل سعد بن عبداللّه الاشعري يؤلف كتابا بعنوان :
فضل قم والكوفة ((1792)) على اي حال , ظهر التشيع بين الكوفيين , او بين العرب حقا لذلك صنف
بـعـض كـتـاب الـشـيـعـة فـي الـقـرن الـثـانـي , و الـثـالـث كتبا تحمل عنوان فضائل العرب
اوفضل العرب ((1793)) .التشيع في ايران خلال القرن الثاني و الثالث .
التشيع في ايران خلال القرن الثاني و
الثالث .
ان احـد الـفـصـول في تاريخ التشيع في ايران هو اتصال المسلمين الساكنين فيها بائمة اهل البيت ـ عـلـيهم السلام و ينبغي ان اشير في البداية الى نقطة تتعلق باسم ايران فان هذاالاسم لم يعرف عند
الـنـاس مـنـذ بـزوغ الاسلام حتى منتصف العصر الصفوي فما كان معروفا هو : خراسان , فارس ,
آذربـايـجـان , طبرستان , اصفهان , سجستان , الجبل و كانت هذه المناطق خاضعة لحكومات مختلفة
تناوبت عليها خلال تسعمائة سنة فتارة قامت حكومة في الشمال , و اخرى في الشرق و كانت احداها
ديلمية , والثانية تركية , والثالثة سجستانية , والرابعة علوية فلم تكن ايران موحدة سياسيا يومئذ و
لـذلـك كـانت كلمة (ايران ) تستعمل في النصوص الادبية او التاريخية من حين الى آخر, نقلا عن
الماضي و اذاما اطلقنا (ايران ) على الوضع القائم آنذاك , فلان المتبادر الى اذهان الناس اليوم هو ان
هذاالمفهوم يشمل المحافظات التي كانت موجودة يومذاك .و كـان كـثـيـر مـن الشيعة في ايران يتصلون بالائمة ـ عليهم السلام ـ منذ عصر الامام الصادق ـ
عليه السلام ـ فما تلاه , و ارتبطت حواضر ايران بالامامة عن طريق الوكلا بعداقرار نظام الوكالة
فـي عصر الامام الرضا ـ عليه السلام , و في العصور اللاحقة , بخاصة في عصر العسكريين (الامام
علي الهادي و الامام الحسن العسكري ـ عليهماالسلام ) و نذكرفيما ياتي قسما من الاخبار التي تدل
على هذا الارتباط بنحو مجمل علما اننا تحدثنا عن الري بصورة مستقلة في احد فصول هذا الكتاب .ان احـدى هـذه الـحـواضـر هي جرجان يقول جعفر بن شريف الجرجاني : حملت اموالامن شيعة
جـرجان الى سامرا, فامرني الامام العسكري ـ عليه السلام ـ ان ادفعها الى المبارك بعد ذلك قلت له :
ان شـيعتك بجرجان يقراون عليك السلام ((1794)) و كان ابويحيى احمد بن داود الجرجاني من
مـصنفي الشيعة البارزين في القرن الثالث الهجري وقبل ذلك كان ذا نزعة سنية بين اهل الحديث و
لما تشيع , استشهد على يد محمد بن طاهربن عبداللّه حاكم خراسان الطاهري بتحريض من بعض
عـلـما السنة و قال الطوسي بشانه ـلعله نقل ذلك عن الكشي ((1795)) : و كان من جملة اصحاب
الـحـديث من العامة , و رزقه اللّه هذا الامر و ذكر محمد بن اسماعيل النيسابوري ا نه هجم عليه
مـحمد بن طاهر و امر بقطع لسانه و يديه و رجليه و بضربه الف سوط و بصلبه لسعاية كان سعى
بها اليه معروفه , و سعى بهامحمد بن يحيى الرازي و ابن البغوي و ابراهيم بن صالح و كانت آثاره
ـ نوعا ما ـ في الرد على الحشوية من اهل الحديث ((1796)) و كان عدد كبير من اصحاب الائمة
و رواة اخـبـارالـشـيـعـة فـي الـقرن الثالث حتى اوائل القرن الرابع يعرفون بلقب الجرجاني و
ذكـرهـم الـنـجـاشـي و غـيـره , على سبيل المثال كان ابن مملك الاصفهاني ـ و هو احد متكلمي
الشيعة البارزين ـ ينحدر من جرجان , ثم سكن اصفهان ((1797)) و كان ابو عبداللّه الجرجاني في
عداد الخوارج , ثم استبصر و تشيع ((1798)) .و نـقـرا ان نـيـسـابور و بيهق في خراسان كانتا من المناطق التي يكثر فيها الشيعة و نقل الحاكم
الـنـيـسابوري ان قنبر حاجب الامام اميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ توطن بيهق ((و قبره بنيسابور
حيث مسجد هاني و هاني الذي يسمى المسجد باسمه من اولاد قنبر و له ولدبسبزوار يدعى شاذان
و الـيه ينسب مسجد شاذان بسبزوار ((1799)) )) و اثر ان جماعة من اهل خراسان دخلوا على
الامـام الـصـادق ـ عليه السلام , فقال عليه السلام : من جمع مالايحرسه , عذبه اللّه على مقداره فقال
الـحاضرون , و هم فرس : لانفهم العربية فاعاد الامام كلامه بالفارسية ((1800)) و ذكرت رواية
اخـرى حـضـور رجـل خـراسـانـي عـنـدالامـام الباقرـعليه السلام , و اخبار الامام اياه بموت
ابيه ((1801)) و ورد في خبر ان رجلا خراسانيااتى الى الامام الصادق ـ عليه السلام ـ و قال له :
يا ابن رسول اللّه ان اتوجه الى اهلي الا ان تعينني فامرالامام اصحابه ان يجمعوا له خمسة آلاف درهم ليرجع بها الى
بلده ((1802)) و نقل في جعفر بن زياد الاحمر الكوفي الذي كان من الشيعة ا نه ذهب الى خراسان
و قـال فيه حفيده : كان جدي من رؤسا الشيعة بخراسان , فكتب فيه ابوجعفر (المنصور) فاشخص
الـيـه فـي سـاجـور مـع جـمـاعة من الشيعة فحبسهم في المطبق دهرا ((1803)) و نطالع في
رواية اخرى قدوم جماعة من اهل خراسان ـ من ناحية ماوراالنهر ـ الى الامام الصادق ـعليه السلام
ـ ((1804)) و جاه ايضا شيعي آخر, و قال له : اني كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها بخارا
ثـم سـالـه مـسـالة في الخمس ((1805)) و نقرا ايضا ان جماعة خراسانية زارت الامام الرضاـ
عليه السلام , و طلبت منه ان يهبها الخمس ((1806)) .و قد بينا في موضعه ان العباسيين تولوا الحكم تحت غطا التشيع , ثم عمدوا الى ايذاالشيعة الحقيقيين
و قال داود بن علي حين تقلد السفاح الامر: ايها الناس بـن ابـي طـالب غير ابن اخي هذا ((1807)) و هذا يدل على انهم كانوا في بادئ الامر لا يقرون
بالحكام الذين سبقوا اميرالمؤمنين ـ عليه السلام .و نلاحظ في عصر الامام العسكري ـ عليه السلام ـ ا نه نصب ابراهيم بن عبده وكيلا له على شيعة
خراسان و كتب الى عبداللّه بن حمدويه البيهقي فيه : فقد نصبت لكم ابراهيم بن عبده ليدفع النواحي
و اهـل نـاحـيتك حقوقي الواجبة عليكم اليه و جعلته ثقتي و اميني عندموالي هناك , فليتقوا اللّه و
لـيـراقـبـوا و لـيـؤدوا الـحقوق ((1808)) و نقل الكشي رسالة اخرى مفصلة للامام العسكري
عليه السلام كتبها الى اسحاق بن اسماعيل النيسابوري مضافا الى ماورد فيها من نصائح و مواعظ, فقد
تـحـدثـت عـن كـيـفـيـة اتـصـال الـشيعة بالامام , و راي الامام في بعض قادة الشيعة بنيسابور و
خـراسان ((1809)) و نقرا في رجال النجاشي اسماعدد من المصنفين و رواة الاخبار من الامامية
الـذين كانوا بنيسابور مما يشعر بوجودالتشيع فيها و من هؤلا داود بن ابي زيد احد اصحاب الامام
الـهـادي ـعـلـيـه الـسـلام ((1810)) ـ و مـنـهم ابو محمد يحيى آل زبارة الذي تدل آثاره على
فـكـره الامامي ككتاب في ابطال القياس , و المسح على الرجلين ((1811)) و لعله هو المقصودفي
كـتـاب فـضـل الاعتزال , اذ جا فيه : السيد ابو محمد يحيى بن محمد العلوي النقيب بنيسابور كان
فـاضلا نبيلا و حج , و لما انصرف من الحج , صار الى حضرة الصاحب بجرجان وتوفي سنة
375 و كـان اماميا ((1812)) و ثمة علوي آخر يدعى يحيى بن محمد بن احمد له آثار تنبئ عن نزعته
الامـامية ايضا ((1813)) و كان ابو محمد عمركي بن علي البوفكي الذي ورد الثنا عليه بانه شيخ
اصحابنا من قرية بوفك , و هي احدى قرى نيسابور ((1814)) .و كـان شيعة المدائن على اتصال بالامام العسكري ـ عليه السلام ـ ايضا يقول ابوالاديان : كنت اخدم
الحسن بن علي بن محمد بن علي عليهم السلام , و احمل كتبه الى الامصارفدخلت اليه في علته التي
توفي فيها صلوات اللّه عليه فكتب معي كتبا و قال : تمضي بهاالى المدائن , فانك ستغيب خمسة عشر
يـومـا فـتـدخـل الـى سـر مـن راى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري , و تجدني على
المغتسل ((1815)) .و نقرا خبرا منقولا عن علي بن محمد بن الحسن في الاهواز, قال فيه : وافت جماعة من الاهواز من
اصـحـابـنـا لـزيـارة الامـام الـعسكري ـ عليه السلام ((1816)) و تعد رسالة الامام العسكري ـ
عـلـيـه السلام ـ الى اهل قم و آبه معلما على هذا الاتصال ايضا ((1817)) و كان في منطقة الجبل
شيعة كثيرون و تشمل هذه المنطقة النطاق الممتد من قصر شيرين و همدان الى اصفهان , و منها الى
الري و جا في رواية ان الامام الباقر عليه السلام كان جالسا الى القبلة , فدخل عليه رجل من الجبل ,
و اراد منه ان ينصحه و يوصيه فنصحه الامام ـ عليه السلام ـ و اوصاه ((1818)) و ورد في خبر
آخر ما نصه :خرج رجل من العلويين من سرمن راى في ايام ابي محمد الى الجبل يطلب الفضل , فتلقاه
رجـل بـحلوان , فقال : من اين اقبلت ؟ قال : من سرمن راى قال : هل تعرف درب كذا و موضع كذا ؟
قال : نعم فقال : عندك من اخبار الحسن بن علي شي ؟ قال : لا قال : فما اقدمك الى الجبل ؟ قال :طلب
الـفضل قال : فلك عندي خمسون دينارا فاقبضها و انصرف الى سرمن راى حتى توصلني الى الحسن
بن علي فاعطاه خمسين دينارا, و عاد العلوي معه فوصلا الى سر من راى ((1819)) .و نـعـرف مـن الـجـبـل خـضـر بـن عيسى الذي كان في عداد مصنفي الشيعة , و ذكره النجاشي
ايضا ((1820)) و كان عطا بن جبلة الكوفي من اصحاب الامام الصادق ـعليه السلام ـ ايضا, و قال
فيه الشيخ الطوسي : انتقل الى الجبل ((1821)) و قال عبداللّه بن كيسان في تعريف نفسه عند الامام
الصادق ـ عليه السلام : اني ولدت في الجبل و نشات في ارض فارس ((1822)) .و كان بهمدان شيعة يتصلون بامامهم عن طريق ابراهيم بن محمد الهمداني و كتب اليه الامام الجواد
ـ عـليه السلام ـ رسالتين , اعلمه في احداهما بوصول اموال كان قد ارسلهااليه , و ورد في آخرها
قـولـه : و كـتـبـت الـى موالي بهمدان كتابا امرتهم بطاعتك والمصير الى امرك , و ان لا وكيل لي
سواك ((1823)) .و نقل ابن الفقيه على لسان بعض اهل همدان قوله : قدمت على جعفر بن محمد الصادق ـ عليه السلام ,
فـقال لي : من اين انت ؟ قلت من الجبل قال : من اي مدينة ؟ قلت : من مدينة همدان قال : اتعرف جبلها
الـذي يـقال له راوند ؟ قلت : جعلني اللّه فداك , انما يقال له اروند قال :نعم , اما ان فيه عينا من عيون
الـجـنـة ((1824)) و نـقـل احـمـد بن محمد بن فارس الاديب حكاية في سبب تشيع جماعة من
الـهـمـدانيين كانوا يعرفون ببني راشد, قال فيها: و ذلك ان بهمذان اناسا يعرفون ببني راشد, و هم
كـلـهـم يتشيعون , و مذهبهم مذهب اهل الامامة ((1825)) علما بان همدان كانت مشهورة بنزعتها
الـسنية ـ و يستشف هذا من خبر لطيف مفاده : قال محمد بن صالح : لما مات ابي و صار الامر لي , كان
لابـي عـلـى الـناس سفاتج من مال الغريم فقضاني الناس الا رجل واحد كانت عليه سفتجة باربعمائة
ديـنارفجئت اليه اطالبه فماطلني و استخف بي ابنه و سفه علي , فشكوت الى ابيه , فقال : و كان ماذا
؟ فـقبضت على لحيته , و اخذت برجله و سحبته الى وسط الدار و ركلته ركلا كثيرافخرج ابنه
يـستغيث باهل بغداد, و يقول : قمي رافضي قد قتل والدي فاجتمع علي منهم الخلق , فركبت دابتي و
قـلـت : احـسـنتم يا اهل بغداد الـسنة , و هذا ينسبني الى اهل قم و الرفض ليذهب بحقي و مالي على حانوته حتى سكنتهم و طلب الي صاحب السفتجة , و حلف ان يوفيني مالي ((1826)) .و تحدثنا عن الري حديثا مفصلا مستقلا ((1827)) , و ذكرنا هناك ان عبداللّه بن عبدالقدوس قد
ذكـر فـي الاثـار الرجالية , و قيل عنه : كوفي رافضي , نزل الري عامة ما يرويه في فضائل اهل
البيت رافضي خبيث و كان خشبيا ((1828)) و هذه الصفات تنطبق تماماعلى من كان قوي التشيع .و كـان عبداللّه بن عمر بن ابان القرشي الكوفي المعروف بمشكدانه المتوفى سنة 239في مصاف
شيعة خراسان و كان شديد الود لاهل البيت عليهم السلام , باثا فضائلهم و ذكره الحاكم النيسابوري
على ا نه محدث خراسان في عصره و قيل عنه : كان غاليافي التشيع و قال صالح بن محمد: سالني :
من حفر زمزم ؟ قلت : معاوية ((1829)) .