• عدد المراجعات :
  • 937
  • 2/16/2015
  • تاريخ :

من هنا سنعبر إلى فلسطين ..!

عمادالشهيد لإبنه جهاد


ولکن في تلک الحقبة الزمنية من الانکسار العربي أمام "الجيش الذي لا يقهر" «الإسرائيلي» کانت الثقافات الأخرى الأصلانية في مواطنها تهزمها عملقة الثقافة الإمبريالية في مرحلتها المنتصرة والتي لم تشأ للشعوب المستعمرة والمستلبة إلا أن تعيش الريبة والشک والقلق إزاء هوياتها المحلية، وتخضع ببساطة للتدميج والاشتمال ثقافة وتاريخا، وأرضاً وکل شيء أخر، کانت المعضلة أمام "مغنية" القادم من الطبقة الفقيرة التي تقاوم التدميج والاستلاب بمفردات متواضعة من الفهم الشمولي للإيديولوجية الإسلامية يدرک في أعماقه أن ما يريده هو مغاير عن کل هذه السردية التي تُغرق أطيافاً هائلة من البشر .
لم يرد أن يکون فرداً منهم، أراد نفسه متمايزاً، لأنه لم يقدر على تقبّل فکرة الإمبريالية، سواء کانت استعماراً مباشراً للأرض، أو استلاباً ثقافياً ومعرفياً للعقلية العربية وتدميراً منهجياً للفکر الإسلامي، فارضا عليهما التقهقهر إلى الوراء دوماً .. کانت سياسة التفاوض مع العدو وانقلاب المسارات المهادنة بشکل أو بآخر تورقه وتسلبه الراحة، وهو لا يبيت في بيته إلا أياماً، بينما کانت والدته تبحث عنه في المواقع وتردّه ليلأ إلى حضنها الدافئ.. دفء أمومي کان يُسري في عروقه عشق الهجرة إلى الأصل والعودة إلى الجذور..
وکانت بداية الاتصال بـ"ثقافة المقاومة الإسلامية" التي حملتها راية الانتصار التاريخي لثورة المسلمين في إيران .. فاستشعر معها ذلک الدفء الأمومي و"الأصلاني"، وکانت عملية اقتناص الذات والتدقيق في عناصرها، وبدأ معه التوتر الدائم المنشغل بفتح باب الحرية .. الحرية المنفلتة من عمليات التزوير والتشويه لحقائق التاريخ.. الحرية الساطعة بکرامة الفرد والإنسانية والمتحررة من شروط الإمبريالية وثقافتها الهجينة .. الحرية السيادية أفقياً وعامودياً تعيد بناء الهوية الأصلية وترفع عنها ترسبات الإذلال والدونية وترتقي بها إلى الجذور الإسلامية السامية .. ولم يقتنع بکل هذا وهو الشاب العنيد والمناضل والمثقف العضوي – على طريقة غرامشي – إلا لأن الثورة الإسلامية الإيرانية حدّثت نفسها کي تنافس الغرب لتکون قادرة على التحدي.

عندما قال لإبنه جهاد : من هنا سنعبر إلى فلسطين ..! کان الإسلام الحداثي مع التجربة الثورية في إيران ، عادت بالشعب إلى التمسک بالتراث العريق من جهة وإعادة تأويل النص الشرعي ليحقق حضورا متمايزاً عن الأوروبي والأميرکي والشرقي عموماً (لا شرقية ولا غربية) من جهة أحرى. وکانت أعمال مفکرين ومثقفين وعلماء وفي مقدمهم الإمام الخميني ، وأمثال الشهيد مطهري و جلال علي أحمد والسيد علي الخامنئي .. مهّدوا الطريق بوساطة حرکة تغييرية کبرى بوساطة الخطب والکتب وأشرطة التسجيل والکتيبيات والمحاضرات والمظاهرات والعصيان المدني للثورة الإسلامية توول الاستعمار بتأکيد التعارض المطلق بينه وبين الثقافة الأصلانية.
کل هذا الصدى وصل إلى المناضل عماد مغنية، فوجد فيه ضالته، والتحمت الأرواح، وتأکد انتماء الذات، وکُتب الشکل المتجدد للهوية الإسلامية تأصيلاً وسلوکاً .. وأضحى الخيار أمامه واضحاً .. وارتقى إلى مرجع أصيل يوطر انتماءه في وحدة متناغمة.. فعندما يحدد الفرد هويته، أي حدّه الوجودي المتمايز عن الآخر، فإنه يعود الى انتمائه المرجعي لکي يبنى نظرته الى ذاته وإلى الآخر؛ إذ من دون الانتماء المرجعي لا تتوافر له النظرة العامة إلى الإنسان والمجتمع والکون.
فإن الجماعة حين تحدد هويتها ترتکز على انتماء مرجعي تبنى من خلاله نظرتها إلى ذاتها الجمعية، وإلى الجماعات الأخرى. لکنّ الذات الجمعية لا تعادل النحن إلا إذا تأسست على المشترک بين مکونات الجماعة. أو بمعنى آخر، إن هوية الجماعة تتأسس على المشترک ولا تکون إلا به، مثلما يتأسس عليه الانتماء المرجعي للفرد. لکن بعد أن يتميز أو يتفرد على أساسه، أي بعد أن يبني حدّه الوجود المتمايز عن فرد آخر قد تمايز بدوره في وجوده عنه على أساس المشترک ذاته . من هذا المنطلق غدت الهوية الإسلامية وما تحمله من ثقافة مقاومة غير مساومة  لنير الاستعمار والإمبريالية هي الخط الأوضح عند عماد مغنية، فانقلب عالمه وتحوّل من "مناضل" في زمن الانکسار والهزيمة إلى "مجاهد" في زمن ثقافة مقاومة لا تهدر حقها في الوجود والتشبث بالأرض والهوية والانتماء بعيدا عن التبعية لإمبريالية مدّمرة جوهرَ إنسانية من تصفهم بالعالم الثالث.. وتبني لهم سرديات مهزومة قاتلة لکل أمل بالتقدم والانفلات من قبضة الاستعباد الغربي .. "ساحر المقاومة" القائد الکبير الشهيد عماد مغنية ، حفر عميقاً مع أصحابه ورفاقه درباً جديداً من المقاومة، التي انطلقت في العام 1982، وراحت تتدرج من فتاة يافعة إلى صبية رائعة الجمال والکمال، حى أضحت امرأة کاملة الأوصاف يعشقها الثائرون والباحثون عن الحرية التي تضرج بالدماء الحمراء وترسم خطوطها أعمار الأجيال ..
وعندما قال لابنه الشهيد جهاد وهما واقفان عند تلة في بلدة جنوبية من لبنان مشيراً له : "من هنا سنعبر إلى فلسطين" *.. کان يدرک تماماً أن روح التأصيل للانتماء إلى هوية إسلامية متمايزة، قد حُفرت عميقاً في الجيل الحالي ..ومتأکداً تماماً أن ولده سيکمل من بعده الدرب إلى فلسطين ..فلسطين التي تردّنا إلى أصالة الهوية العربية وعمق الانتماء الإسلامي ..وأخيراً تمکّن من خلق ظروف مثالية في عالم إنساني ..
• قصة رواها أحد المجاهدين کان صديقاً للشهيد جهاد مغنية



طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)