• عدد المراجعات :
  • 2003
  • 11/1/2006
  • تاريخ :

أذربيجان في صحوتها الاسلامية الاصيلة

قالت سيدات أذربيجينيات لتجمع في العاصمة الأميركية إن بلدهن الصغير الواقع على بحر قزوين يمكن أن يقدم للعالم ما هو أكثر من البترول.

فأذربيجان تمزج بين التقاليد الإسلامية والتسامح الديني عند مفترق طرق جغرافي يربط بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط. وفي الوقت الذي يسعى فيه الأذربيجينيون إلى أن تكون لهم مزيد من علاقات الاتصال بالدول الأخرى، فإنهم يريدون أيضا المحافظة على التوازن الفريد الموجود في بلادهم بين المحافظة على التقاليد والتسامح تجاه الآخرين.

وصرحت سيفيني روينتان أستاذة التاريخ بجامعة باكو بقولها "إننا جميعا نؤيد التكامل والاندماج. ولكننا لا نؤيد التطبع بالطابع الغربي. وإننا لا نعتقد أننا وحدنا سنتعلم من التبادل الثقافي مع الدول الأخرى، وإنما نعتقد أن الآخرين يمكنهم أن يتعلموا منا أيضا."

كانت روينتان بين ست باحثات ومعلمات من أذربيجان، كلهن مسلمات، قمن بزيارة للولايات المتحدة من 27 آذار/مارس إلى 14 نيسان/إبريل 2006 في إطار البرنامج الدولي للقادة الزوار التابع لوزارة الخارجية الأميركية، الذي اطلعوا فيه على الظروف السائدة في ما يتعلق بالعقيدة والتعليم في الولايات المتحدة.

وخلال حوار دار حول مائدة مستديرة يوم 29 آذار/مارس عن الإسلام في أذربيجان وأوروبا، كانت أربع من السيدات الزائرات يرتدين غطاء الرأس الإسلامي التقليدي أو الحجاب، بينما كانت الاثنتان الأخرييان ترتديان ملابس العمل على الطراز الغربي. وطبقا لما قالته السيدات فإن معظم سيدات أذربيجان ينتهجن أسلوب الحياة الغربية ولا يرتدين غطاء للرأس في المحافل العامة.

وأعاد الأذربايجينيون اكتشاف تراثهم الإسلامي بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في العام 1991، غير أن الصحوة الدينية لم تقوض ما لدى البلاد من استعداد لتقبّل العقائد الأخرى، ولا المعاملة العادلة للمرأة ، حسبما قالت واحدة من الزائرات التي كانت تتحدث بلغتها ثم يُترجَم حديثها إلى الانجليزية. فعلى سبيل المثال دأب مواطنو أذربيجان على تقدير واحترام قيمة تعليم النساء والفتيات منذ ما يزيد على قرن كامل، ومعظم العاملين في مجالي التعليم والبحث العلمي هناك من النساء.

وأشارت نايلة سليمانوفا وهي عضو في الوفد النسائي الزائر من أذربيجان إلى أن "أذربيجان كانت دائما أمة متعددة الأعراق." وتجدر الإشارة إلى أن المتحدثة باحثة متخصصة في المخطوطات النادرة في أكاديمية العلوم بأذربيجان. وقالت إنه حتى استيلاء الاتحاد السوفيتي على أذربيجان في العام 1020 كان المسلمون والمسيحيون واليهود يعيشون معا في باكو"ولم تكن تحدث أي منازعات على الإطلاق مع غير المسلمين. وكان الجميع يناضلون في عهد الاتحاد السوفييتي من أجل عقائدهم . فالشيوعيون كانوا يغلقون المساجد والكنائس والمعابد." وابتداء من العام 1990 "بدأ الممثلون لمختلف الجماعات العرقية العودة إلى الدين."

ويذكر أن أذربيجان لها حدود مشتركة مع أرمينيا وإيران وروسيا وتركيا وجمهورية جورجيا. وللدولة تراث عرقي تركماني يمزج بين عناصر الثقافة الفارسية القديمة. ورغم مواطن الضعف والعيوب التي شابت انتخابات الرئاسة التي أجريت في تشرين الثاني/نوفمبر 2005 فإن المسؤولين الأميركيين يدعمون الجهود الديمقراطية لأذربيجان التي كانت في السابق جمهورية سوفييتية.

وتجدر الإشارة إلى ما جاء حول أذربيجان في إفادة دانيال فريد مساعد وزيرة الخارجية الأميركية أمام لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي يوم 5 نيسان/إبريل إذ قال "إن الفرصة متاحة أمام أذربيجان لكي تبزغ كديمقراطية علمانية ذات غالبية شيعية بين سكانها."

أما توماس غولتز الأستاذ بجامعة مونتانا، الذي عمل كمراسل صحفي في أذربيجان في أوائل التسعينات من القرن العشرين، فقد قال في محاضرة له أمام معهد جونز هوبكنز للدراسات الدولية العليا بالعاصمة واشنطن في شهر كانون الثاني/ يناير إن صحوة المذهب الشيعي في أذربيجان أوجد احتمال حدوث ثورة إسلامية. وإن "المثير بالنسبة لي حقا هو أن ذلك لم يحدث."

وخلال المحاضرة عرض غولتز فيلما وثائقيا أنتج في العام 1994 عن صحوة المذهب الشيعي في أذربيجان حينما كانت تنحي جانبا 70 عاما من الهيمنة السوفيتية. وفي الفيلم قالت مواطنة من أذربيجان "إننا حافظنا على عقيدتنا مثلما نحافظ على الزهرة النفيسة" وتضمن الفيلم مشاهد لمجموعات تتعبد وتمارس شعائرها الدينية بحماس شديد. كما كان غولتز مراقبا في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2005 ، وقال إن أذربيجان فيها أخطاء سياسية، لكنها على ما يبدو حققت نوعا من التوازن بين الحداثة وهويتها الثقافية.

ورغم أن إيران المجاورة لأذربيجان يهيمن عليها رجال الدين المسيسون، فإن مواطني أذربيجان حتى ذوي الاتجاهات الدينية منهم يقولون إنهم غير مهتمين بالنهج الإيراني في ممارسة الإسلام. وقالت سيفدا حسنوفا رئيسة تحرير مجلة حسابات (وهي مجلة سياسية اجتماعية في أذربيجان) أثناء الحوار الذي دار بوزارة الخارجية الأميركية "إننا لا نمارس الإسلام بنفس الأسلوب الذي يُمَارَس به في إيران. فشعبنا لا يرغب إطلاقا في ممارسة الإسلام بالأسلوب الإيراني."

بينما قالت أولدوزا فاتالييفا – وهي مسلمة تحرص على ممارسة الشعائر الإسلامية، وتدرّس مادة الأخلاقيات بمركز الدراسات الدينية في مدينة سامغاويت شمالي باكو "إن الإسلام متأصل في أذهان شعب أذربيجان ، كما هو واضح. وهذا ينطبق على كل الناس، بغض النظر عما إذا كانوا متمسكين بقواعد الشريعة الإسلامية أو متساهلين فيها. فأي مواطن من أذربيجان يعرف قواعد السلوك الإسلامي. وحتى لو كنا لا نمارس فرائض الشريعة الإسلامية فإن ذلك لا يغير هويتنا الإسلامية."

أما زكية أبيلوفا، وهي خبيرة أيضا في المخطوطات النادرة بأكاديمية العلوم في باكو، فقد قالت إنها اختارت ارتداء غطاء الرأس أو الحجاب كدليل ظاهر على عقيدتها. وأضافت "إننا لا نستطيع أن نقول إن الناس ليست لديهم أي عقيدة لأنهم لا يؤدون الصلوات. فالله في قلوبنا جميعا."

وقد تعلمت أبيلوفا اللغة العربية ضمن المواد التي شملتها دراستها الجامعية، ورسالتها للدكتوراة كانت عن الشريعة الإسلامية. وأضافت "إن الإسلام نور حقيقي يُثري الروح الإنسانية، وإنني فخورة حقا بكوني باحثة مسلمة."

وأشارت المعلمات الأذربيجينيات إلى أن قرار ارتداء الحجاب لا يؤثر على أسلوب معاملة المرأة في المحافل العامة بأذربيجان. وقالت سليمانوفا "إن موقف الرجال من المرأة وسلوكهم تجاهها في بلادنا موقف جيد، بغض النظر عما إذا كانت مغطاة الرأس أم لا."

وفي الحديث عما يمكن أن تقدمه أذربيجان إلى العالم أعربت السيدات الأذربيجينيات عن القلق من أن غير العارفين ببلدهم قد ينظرون إليها على ضوء ما تحتويه من مخزون بترولي فحسب. وكانت أذربيجان قد أصبحت منطقة إنتاج بترولي مهمة قبل أكثر من 100 عام، كما كانت أحد المصادر الرئيسية لإمداد الاتحاد السوفييتي السابق بالبترول والغاز الطبيعي. وخلال التسعينات وقَّعت أذربيجان اتفاقيات تقدر قيمتها بعدة بلايين من الدولارات مع شركات غربية. ومن المقرر أن يبدأ في أواخر العام الحالي ضخ البترول بصفة منتظمة عبر خط الأنابيب الممتد بين باكو وتفليس وميناء شيهان التركي على البحر المتوسط، وتقدر مسافة امتداده بـ 1,610 كيلومترات، وتبلغ تكلفته 4 بلايين دولار – ساهمت فيها الولايات المتحدة.

غير أن حسنوفا رئيسة تحرير المجلة الأذرية  قالت "إن تكامل أذربيجان واندماجها مع العالم بدأ – للأسف – مع اتفاقيات البترول وانتهى بها." وأعربت عن أملها في أن تسخر حكومة أذربيجان ما لديها من ثروة بترولية لمنفعة الشعب. وأشارت إلى أن بعض خبراء البترول يتوقعون ألا يستمر الازدهار الناجم عن البترول أكثر من 45 عاما قبل أن يبدأ المخزون منه في النضوب.

وتقع أذربيجان في المنطقة التي كانت تُعرف بطريق الحرير – التي كانت تمر عبرها تجارة الحرير – وهي عند مفترق طرق بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط. وتضم أكاديمية العلوم بأذربيجان مجلدات فريدة لمؤلفات الطب التي وضعها علماء المسلمين، بما فيها 363 مخطوطا مسجلا في "السجل العالمي" التابع لليونسكو التي يُحتفظ فيه بوثائق التراث العالمي.

وأشارت أبيلوفا إلى أن "العالم كله يستطيع الاستفادة من تلك الكنوز العالمية."

بينما أشارت روينتانا إلى أن معظم الأشكال المستخدمة في السجاد الإيراني الشهير المعاصر مأخوذة من الطراز الأذربيجاني. ففي 1828 تم تقسيم أذربيجان بين روسيا والامبراطورية الفارسية. وقد تحول الجزء الشمالي من نهر أراس الذي سُلّم لروسيا إلى ما يعرف حاليا باسم جمهورية أذربيجان. بينما ظل الجزء الكبير الواقع إلى الجنوب من نهر أراس، ويضم مدينة تبريز، المنطقة التي تضم غالبية عرقية أذرية في إيران. ولذا فإن الأذريين هم الذين ينسجون العديد من السجاد الإيراني.

وقالت روينتان "إذا فإن ما يمكن أن نقدمه للعالم هو تراثنا الثقافي الغني. وبإمكاننا أن نحاول تقديم ثقافتنا على أساس عالمي."

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)