• عدد المراجعات :
  • 3079
  • 8/19/2006
  • تاريخ :

ضرورات الحياة الزوجية المشتركة

هناك أسس وضوابط ضرورية في الحياة المشتركة ينبغي على الطرفين رعايتها واحترامها ، وإلا فإن العِشَّ الزوجي سيكون في معرض عاصفة ثلجية وستمتد جذور الكراهية ، التي سرعان ما تؤدي إلى نشوب النزاع وبداية النهاية .

وفي هذا البحث محاولة لأن نستعرض - ببساطة - بعضاً منها :

أولاً : حُسن المعاشرة :

الزواج بداية مرحلة جديدة من المعاشرة تنتهي في ظلالها عزلة الرجل والمرأة ، ويبدأ عهد جديد من الألفة والأنس بينهما ، وعلى أثر ذلك يحصل نوع من التقارب بين أفكار الزوجين ورؤاهما ، كذلك الأمر بالنسبة للأذواق والخطط المستقبلية لحياتهما المشتركة .

من الضرورة بمكان أن يجلس الزوجان ، وبعد الانتهاء من عملهما إلى جانب بعضهما البعض ساعة على الأقل يتحدثان خلالها عن ذكرياتهما الحلوة والمرة ، وتداول مختلف المسائل والقضايا التي تهمهما معاً ، ذلك أن الصمت المطبَق يشبه في مساوئه الثرثرة في الحديث ولا يجلب معه سوى الألم .

فالأحاديث المتبادلة بالإضافة إلى أنها تعزز من الألفة والأنس بين الزوجين ، فإنها تخفِّف من عُقدهما وتحدُّ من توقعات كل منهما .

ثانياً : الانسجام الفكري :

الرجل والمرأة يعضد أحدهما الآخر ويرافقه في رحلته من أجل أن يصل قارب حياتهما إلى شاطئ السعادة ، وعلى هذا فإنه لا ينبغي عليهما السير في عكس الاتجاه المنشود حتى لا تتعثر رحلتهما وتتقاذفهما الأمواج .

إن على الزوجين ، ومن أجل استمرار حياتهما في ظلال من الطمأنينة والأمن ، أن يحاولا تطبيع فكريهما على أساس من النقاط المشتركة والأذواق المتماثلة ، وفي طريق ذلك تصبح الأمور طبيعية بشرط أن يدرك كل منهما الآخر .

والزوجان العاقلان الناضجان يعمل كل منهما على مساعدة الآخر ودعمه مادياً ومعنوياً ، وكثيرون هم الأفراد الذين أحرزوا نجاحات باهرة في الحياة بسبب استفادتهم من أزواجهم فكرياً ، ومن خلال استلهامهم سلوكاً وأفكاراً ورؤى عايشوها وتأثّروا بها .

ثالثاً : احترام الحقوق :

هناك حقوق وواجبات من وجهة نظر الإسلام تتعين في ظلال الحياة الزوجية ، وإن عدم رعايتها أو احترامها يوجب عقوبات محدَّدة .

وفي ضوء أداء تلك الواجبات ورعاية تلك الحقوق تتوضَّح بواعث النزاع والممارسات الخاطئة ، وتنشأ في ظلال ذلك حالة من الاستقرار مما يضمن استمرار الحياة الزوجية .

ومن خلال هذه الحقوق ينمو الحب في القلوب والاحترام والإجلال والوفاء وأداء الواجب ، وغير ذلك من ضرورات الحياة المشتركة .

فالإسلام لا يسمح أبداً بحسم الخلاف لصالح الطرف الأقوى أو يجعل له الحق في حل المسألة في ضوء ما يرغب .

فإن الممارسات يجب أن تنطلق من اعتبارات إلهية محددة ، وأن لا تكون مدعاة للتشكيك في قداسة الأسرة .

رابعاً : توزيع العمل :

ومن أجل استمرار الحياة الزوجية ينبغي تقسيم العمل ، بحيث لا ينوء أحدهما تحت عبء ثقيل يعجز عن النهوض به ، ومن الخطأ الكبير أن يلقى على عاتق المرأة مسؤولية تربية الأولاد وإدارة البيت في حين يجلس الرجل فارغ البال في زاوية من زوايا البيت .

ومن الظلم أيضاً أن يلهث الرجل من الصباح إلى المساء من أجل تأمين لقمة العيش في حين تجلس المرأة في المنزل ناعمة البال .

ومن خلال سيرة النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) يتضح أن العمل داخل البيت هو على عاتق المرأة ، بينما يبقى العمل خارج المنزل من واجبات الرجل ، وطبعاً فإن هذا لا يمنع الرجل إذا ما وجد فراغاً من مساعدة زوجته ، ولا يمنع المرأة أيضاً إذا ما وجدت فرصة من المبادرة إلى التخفيف عن أعباء الرجل ، لأن الهدف من تقسيم العمل هو تحقيق العدالة بين الطرفين .

خامساً : التأمين :

وعلى أساس ما ذكرنا يتضح على من يقع واجب التأمين الاقتصادي وعلى من تقع وظيفة تأمين الاستقرار والدفء في الأسرة .

نعم من الممكن أن تكون المرأة ثريَّة ، أو تعمل في وظيفة معينة ، ولكن الإسلام لم يوجب عليها الإنفاق على الرجل ، لأن الإسلام أوجب على الرجل القيام بهذه المهمة ، ومن حق المرأة أن يوفِّر لها الرجل المسكن والملبس والغذاء المناسب ، بل وعلى أساس بعض الروايات أن يوفِّر لها قدراً معيناً من وسائل الزينة .

ومن الطبيعي إذن أن تنهض المرأة بمهمتها تجاه الرجل ، حيث تتولَّى إدارة المنزل ، وأن يكون تعاملها معه ودوداً ودافئاً ، يجعل الرجل يتلهف إلى العودة إلى البيت بشوق ، كما أن على المرأة - استجابة لغرائزها الطبيعية - تربية الأطفال ، وجعلهم مدعاة لإشاعة الفرحة والأمل داخل البيت .

سادساً : المداراة وضبط النفس :

يؤدي اختلاف المشارب والأذواق بين الزوجين إلى ظهور الاختلافات والنزاعات بينهما ، وقول : إن الحياة الزوجية لا تشهد نزاعاً أو تصادماً بين الطرفين ، أمر خيالي بعيد عن الحقيقة ، ولكن المهم في مثل هكذا حالات هو المداراة وضبط النفس .

إن الإسلام يوصي في حالة بروز نزاع عائلي أن يلجأ أحد الطرفين إلى الصمت في سبيل الله ، وأن يغضَّ النظر عن أخطاء الطرف الآخر ، وأن يتعامل معه بما يرضي الله ورسوله .

وما أكثر النزاعات التي تنشأ من حساسية المرأة أو غيرتها ، ولكن فطنة الرجل ويقظته تعيد المياه إلى مجاريها ، فيخفت النزاع ويعم الاستقرار في محيط الأسرة .

إن الحياة الزوجية ترافقها المشاكل ولا يمكن تحملها إلا بالصبر وضبط النفس ، وتفويت الفرصة على شيطان الغضب ، والتسامح ، وغضُّ النظر قليلاً عن أخطاء الطرف الآخر .

وهذا رسول الله قِمَّة الخلق الإنساني يقول : ( خَيْرُكُم خَيرُكُم لأهلِه ، وأنَا خَيْركُم لأهلي ) .

تعزيز الروابط :

إن ما ذكرناه هو أسس الحياة الزوجية وهو الحد الأدنى من الحياة المشتركة ، وهناك من الضوابط والنقاط التي يؤدي رعايتها إلى تعزيز العلاقات بين الزوجين ويجعلها متينة ، وهي كما يلي :

أولها : التصريح بالحب والمودَّة :

من السهولة أن يتبادل الزوجان الحب ، غير أن إظهار ذلك وترجمته على شكل عبارة جميلة حلوة يقضي على احتمالات الشك التي قد تراود أحد الطرفين .

إن الإسلام يوجب أن نبرز عواطفنا تجاه من نحبُّهم ، وهو أمر تتجلَّى ضرورته في الحياة الزوجية .

فإن المرأة وكما يؤكد الحديث الشريف لا تنسى كلمة الحب التي ينطقها زوجها أبداً .

فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( قَوْلُ الرَّجُلِ لِزَوجَتِه : إِنِّي أُحِبُّكِ ، لا يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِهَا أبَداً ) .

فقد يبدو إظهار العاطفة بين الزوجين لدى البعض أمراً يدعو إلى السخرية ، انطلاقاً من كون المسألة واضحة لا تحتاج إلى دليل ، ولكن الأمر على العكس ، فبالرغم من وجود الحب إلا أن التعبير عنه أمر في غاية الضرورة حيث يعزز من قوة العلاقات الزوجية ويزيدها متانة ورسوخاً .

ثانيها : الاحترام المتبادل :

يجب أن يكون الاحترام متبادلاً ، وأن إخلال أحد الطرفين بذلك يؤدي إلى اختلال في المعادلة كلها ، فمن ينشد احترام زوجه عليه أن يحترمها أولاً ، فوجاهة المرأة تضفي على الرجل قوة ، وشخصية الرجل تمنح المرأة قوة وتعزِّز من مكانتها ، وعليه فمن الضروري أن يربط الزوجين نوع من الاحترام المتبادل ، وأن يبتعدا عن كل ما من شأنه أن يخلَّ بهذه المعادلة .

والاحترام يتجسَّد من خلال الحديث والتعامل ، فعلى صعيد الحديث يتجلَّى الاحترام من خلال اللَّهجة الصادقة والهادئة التي تزخر بمعاني الحُبِّ ، وإذا كان هناك ما يستدعي النقد فينبغي أن يتمَّ ذلك بأسلوب إيجابي بعيداً عن التشهير .

ثالثها : التزيُّن :

من الضروري جداً أن يراعي الزوجان زينتهما ومظهرهما ، وأن يحاولا الظهور بالمظهر اللائق .

إن التعاليم الإسلامية تزخر بالكثير من الوصايا عن نظافة البدن بدءً من الاستحمام ، وتنظيف الأسنان ، والتعطر ، وإصلاح الشعر ، وقص الأظافر ، وارتداء الثياب النظيفة ، فكل هذا له تأثير بالغ الأهمية في ترغيب الطرفين ببعضهما ، وتعزيز علاقات الحب بينهما .

وقد ورد حديث عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) يفيد بأن زينة الرجل تزيد من عفة زوجته ، فهناك العديد من النسوة اللاتي انحرفن عن جادة العفة بسبب إهمال أزواجهن لهذا الجانب الحساس من الحياة .

فقال الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : ( إنَّ التهيِئَة مِمَّا يُزيدُ مِنْ عِفَّةِ النِّسَاءِ ، ولَقَدْ تَرَكَ النِّسَاءُ العِفَّةَ بِتَرْكِ أزْوَاجهنَّ التهْيِئَة ) .

وهناك روايات تفيد أيضاً بأن المرأة تُحبُّ من الرجل أن يتزيَّن لها كما أن الرجل يحب من زوجته ذلك .

وقد نُقل عن النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) حديثاً يفيد بأنَّ من واجب المرأة أن تتعطَّرَ لزوجها ، فقد شكت امرأة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إعراض زوجها عنها فأمرها أن تتطيب له .

كما ورد عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) توصية للرجل بتوفير الزينة لزوجته ، حتى لو اقتصر الأمر على قلادة .

فيقول الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ( لا يَنْبَغي للمَرْأةِ أنْ تُعطِّلَ نَفْسَهَا وَلَو أنْ تُعَلِّقَ في عُنقِهَا قِلادَة ) .

رابعها : حفظ الروابط الزوجية :

تنشأ في ظِلِّ الزواج حالة من الاستقلال النسبي الذي ينجم عن حاجة الطرفين إلى بعضهما بغية إشباع الغريزة الجنسية ، وبالرغم من شرعية هذه المسألة إلا أنها لا يمكن أن تكون الأساس أو المبرِّر الوحيد للزواج .

فالزواج الذي يقوم على هذه المسألة وحدها لابد وأن ينتهي إلى كارثة تبدأ باحتقار الطرفين بعضهما فور إشباع غريزتيهما .

ولذا فإنَّ العلاقات الزوجية ينبغي أن تقوم على أسس معنوية ، كرضا الله ، وأداء الواجب الإلهي ، والعمل بالسُّنَّة النبوية ، وإن أخذ هذه المقومات بنظر الاعتبار تساعد على نمو العاطفة بينهما ، ويوجب نُضج شخصيتهما .

خامسها : الذرية :

يُضفي وجود الطفل في حياة الزوجين رونقاً يزيد من جمال الحياة الزوجية ويعزز من أسُسِها ، ومع ظهور الطفل في سماء الأسرة يولد حب كبير يمد جذوره في الأعماق ، إذ سرعان ما نشاهد البرود يغزو حياة بعض أولئك الذين يمتنعون عن الإنجاب ، بحُجَّة أن الأطفال سيُعَكِّرون عليهم الأجواء .

حيث ينعكس ذلك في التعامل الجاف والمتصنع ، فإذا أشرقَتْ شمسُ الطفولة ذابت الثلوج وتدفَّقت الحياة في الأسرة .

سادسها : العفاف :

فإنَّ العفة والطهر هما أساس إنسانية الحياة الزوجية ، والعامل المهم في إدامة واستمرار حياتهما المشتركة .

وعلى هذا فإن التعفُّف وطهارة الثوب مطلوبة من الرجل كما هي مطلوبة من المرأة ، وأن على الزوج أن يُخلي قلبه من كل رغبة في غير زوجته ، وعلى الزوجة أن لا تنظر إلا إلى زوجها .

وإضافة إلى الجانب الشرعي في هذه المسألة فهي أساس متين لحفظ البناء المشترك من الانهيار .

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)