• عدد المراجعات :
  • 3129
  • 8/2/2006
  • تاريخ :

المثل الحادي والعشرون: الحق والباطل

القرآن الکريم

من أجمل امثال القرآن هو مثل الحق والباطل، يقول الله تعالى في بيان هذا المثل ذات المغزى العميق في الآية 17 من سورة الرعد: ( أنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أوْدِيةٌ بِقَدَرِهَا فاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدَاً رَابِياً وَمِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَة أوْ مَتَاع زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلك يَضْرِبُ اللهُ الحقَّ والبَاطِلُ فأمَّا الزَّبَدُ فيَذهَبُ جُفَاءً وأمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فيَمْكُثُ فِي الأرْضِ كَذَلك يَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ ) .

تصوير البحث

إنَّ الحديث في هذا المثل عن الحقّ والباطل وسعتهما ومجاليهما وعلائمهما وآثارهما وتعريفهما، وفي النهاية المواجهة الطويلة والمتواصلة بينهما التي كانت على طول التاريخ.

الشرح والتفسير

(أنْزَلَ مِنَ السّمَاءِ مَاءً فسالَتْ أوْدِيةٌ بِقَدَرِهَا ) إنَّ نتيجة هطول الامطار على الجبال ونزوله منها هو تجمع المياه في الاودية حسب حجمها، وجريانه وصيرورته أنهاراً صغاراً، وإذا التقت صنعت نهراً كبيراً، واذا تجاوز الماء سعة النهر تبدّل إلى سيول عظيمة ومخرّبة.

( فاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً ) هذه الانهار كثيراً ما يحصل فيها أمواج تضرب الاحجار والموانع التي تقع في طريقها، وهذه العملية توجد زبداً في الماء يشبه الزبد الذي يوجده مسحوق الغسيل، يتجمّع على سطح النهر يبدو ساكناً، أمّا النهر فيستمر في حركته تحت الزبد.

( ومِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِليَة أو مَتَاع زَبَدٌ مِثْلُهُ ) هذا الزبد الاجوف والمتكبّر لا يختص بالماء بل قد يحصل للفلزات عند الصهر والذوبان مثل الحديد والنحاس وغيرهما.

ما يلفت النظر هنا هو أنَّ عبارة ( مِمَّا يُوْقِدُونَ عَلَيْهِ ) أشارت بظاهرها إلى أنَّ النار تُسلّط من الفوق على هذه المعادن رغم أنَّ النار في السابق كانت توقد على الفلزات من تحت أمّا حالياً فمعامل الصهر المتطوّرة تسلّط النار من فوق ومن تحت أي لم تستغن عن تسليط النار على الفلز من الاعلى، وهو أمر أشار له القرآن منذ ذلك الحين.

( كَذَلك يَضْرِبُ اللهُ الحَقَّ والبَاطِلَ ) أي أنَّ الله لأجل إيضاح المواجهة بين الحق والباطل والتي يمتد عمرها إلى طول التاريخ يضرب هذا المثل، فيشبّه الحق بالماء والباطل بالزبد الأجوف.

( فأمّا الزّبدُ فيَذْهَبُ جُفَاءً ) فإنَّ الزبد، رغم تفوقه على الماء ورغم علوه عليه، يذهب جفاء وكأنَّه لا شيء. إنّ الأمواج التي توجدها السيول هي السبب في ايجاد هذا الزبد، وبمجرد أن تصل المياه المتلاطمة إلى سهول تصبح آسنة وسرعان ما يذهب الزبد وتترسب الاوساخ العالقة في الماء ولا يبقى إلاَّ الماء الخالص; ذلك لأنّ عمر الباطل قصير، والهلاك هو نهايته.

( وأمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرْضِ ) فالذي يبقى هو ما ينفع الناس من الماء الصافي والفلزات الخالصة. فالماء، إمَّا أن يركد في مكان يستخدم للشرب والسقي وإمَّا أن ينفذ في الأرض ليلتحق بالمياه الجوفية ذخراً للمستقبل، يستخدم بعد ما يخرج كعيون تلقائياً أو من خلال حفر الآبار.

(كَذَلك يَضْرِبُ اللهُ الأمْثَالَ ) أي يبيّن الله هذه الأمور للناس في صورة أمثال لكي تدرك بشكل أفضل.

خطابات الآية

لقد تناولت الآية قضايا دقيقة جداً ممّا يتعلّق بالحق والباطل باقتضاب، نقوم هنا بتفصيل هذه القضايا وبيانها.

1 - تعريف الحق والباطل

على أساس هذه الآية، فإنَّ الحق يعني الحقائق والواقعيات، وأما الباطل فيعني الاوهام والخيالات التي لا أساس لها.

إنَّ الماء واقع وحقيقةً، يتطابق ظاهره مع باطنه، وله آثار واقعية. أمّا الزبد فله ظاهر خادع من دون أن يكون له باطن، كما هو الحال في الخيالات والاوهام.

لقد جاء في الآيتين 117 و 118 من سورة الاعراف في بيان قصة موسى(عليه السلام) مع السحرة كما يلي: ( وأوْحَيْنَا إلى مُوْسَى أنْ ألقِ عَصَاكَ فإذا هِيَ تَلْقَفُ ما تَأفِكُونَ فَوَقَعَ الحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .

إنّ الحق هو معجزة النبيّ موسى(عليه السلام)، والباطل هو سحر السحرة، فالمعجزة حقيقة وواقع; لأنَّ عصا موسى(عليه السلام) تبدلت واقعاً إلى أفعى ولم تكن الحادثة تلك شعوذة - نعوذ بالله - أمّا أفاعي السحرة فكانت شعوذة خالصة ولم تكن واقعاً، بل إفكاً، كما يعبر عنها القرآن.

إنَّ السحرة كانوا قد أعدوا عصياً وحبالا ملؤوها بالزئبق، ووضعوها جميعاً في مكان ما، وكان الناس وفرعون والسحرة وكذا موسى(عليه السلام) جالسين يشاهدون ما يحصل. عندما سطعت الشمس على هذه الحبال والعصي ارتفعت درجة حرارة الزئبق، الأمر الذي جعل الحبال والعصي تتحرك وتلتوي على بعضها البعض بحيث تبدوا كانها أفاعي، ولكنَّها في الواقع خيال لا أكثر.

2 - علائم الحق والباطل

مما يستفاد من الآية هو أنَّ علامة الحق كونه مفيداً للناس، وعلامة الباطل كونه مضراً لهم، فالماء مفيد وله تأثير، والزبد مضر ولا فائدة تتوخى منه; وذلك لأن الزبد لا يروي ضمأ العطشان ولا يسقي الزرع ولا يُنميه ولا يولّد شيئاً من الطاقة، ولا يُشغّل طاحونة أو دولاباً.

ومن العلائم الاخرى للحق والباطل هو كون الحق خاضعاً ومتواضعاً، أما الباطل فمتكبر. فالحق هو الماء المتواضع تحت الزبد، وأما الباطل فهو الزبد العالي والمتكبّر.

العلامة الثالثة للحق والباطل هو أنَّ الباطل ضوضائي، أما الحق فهاديء وساكن. فالماء هادئ وساكن، أمّا الزبد فصارخ وصاخب، ولا يمكنه العيش دون هذا الضوضاء والصراخ والصخب.

3 - سعة الحق والباطل

إنَّ سعة الحق والباطل بسعة مفاهيم الحياة. فالحق والباطل لا ينحصران في جانب من الحياة، بل يعمان جميع شؤونها ويشملانها، من السياسة والثقافة والصحافة وغير ذلك. وبعبارة اخرى: يشمل جميع الجوانب المادية والمعنوية للحياة. وهذا المعنى يستفاد من القرآن المجيد ومن آية المثل ذاتها، فكما أنَّ الزبد لا يختص بالماء كذلك الباطل لا يختص في شيء ما.

4 - عاقبة المواجهة بين الحق والباطل

في هذه المواجهة يبقى الحق ويزهق الباطل ويمحق، إلاّ أنَّ انتصار الحق على شكلين مؤقت وزمني وآخر نهائي. إن أنصار الحقّ إذا استقاموا ولم ينحرفوا فسينتصرون في أزمنة مختلفة ما داموا مستقيمين غير منحرفين، أمّا النصر النهائي فلا يحصل إلاّ بظهور صاحب العصر والزمان بقية الله الأعظم (عجل الله تعالى فرجه)، وحينئذ سيتغير وجه الدنيا وستحكم الدنيا حكومة عالمية حقة.

من الآيات التي فسرت في الحجة بن الحسن العسكري(عليه السلام) هي هذه الآية، حيث فسِّر الماء في المثل بوجود الحجة المبارك، والزبد بالظلم والجور والانتهاز والاستعمار فانها ستزول يوماً ما.

5 - المواجهة بين الحق والباطل دائمة

كما أشرنا سابقاً، فإنَّ المواجهة بين الحق والباطل بدأت منذ بداية الخلق، والعصور جميعها ضمت هذين الظاهرتين، وستضم العصور المقبلة هذين الظاهرتين وستستمر هذه المواجهة حتى النهاية. لقد كان لكل نبي شيطان،(1) فقبال آدم(عليه السلام) كان ابليس، وقبال الأنبياء الآخرين شياطين اخرون، كما تكشف الآية التالية عن هذا الأمر: ( وَكَذَلك جَعَلْنَا لُكِلِّ نبىّ عَدُّواً شَيَاطِينَ الأنْسِ والجِنِ ).(2)

المستفاد من الآية الشريفة هو أنَّ الشيطان ليس شيئاً خفياً دائماً، بل قد يكون من الناس أنفسهم، وقد يكون هذا هو سبب تقديم الآية شياطين الانس على الجنّ.

وعلى هذا، فإنَّ المواجهة بين الحق والباطل لا زالت مستمرة حتى استقرار حكومة الحق وبسط سيطرتها على بقاع الأرض جميعاً، وتتحقق الآية الشريفة التالية: ( وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوْقاً )، (3) في ظل ظهور المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، والمواجهة قبل ذلك متواصلة.

6 - كيفية تبلور الباطل

كيف نشأ الباطل وتبلور؟ هل الله تعالى هو الذي خلق بعض الموجودات الباطلة رغم أنَّه حق بل ابرز وأرفع حق؟

إنَّ الباطل موجود عدمي وهو وهم وخيال قد تلبّس ثوب الحق، مثل الزبد الأجوف، ذات الظاهر الخلاب والخادع.

الجميل هنا هو أنَّ الباطل اذا عمل على إبطال نفسه فذلك ببركة الحق. إنَّ المزيفين - الذين يعتمدون الزيف كمهنة لهم - إذا لم يتقمّصوا قمصان ذوي الشأن والاعتبار سوف لا يتوفقون في عملهم الباطل هذا، كذلك الكذّابين فإنَّهم إذا لم يتمسكوا بالحق ولم يتظاهروا بالصدق لما صدّقهم أحد. والمنافق إذا لم يرتدِ ثوب الإنسان الصالح، والعدو إذا لم يتقمص قميص الصديق، والزبد إذا لم يطفو على الماء، وبالجملة مالم يجتمع الباطل بمختلف مصاديقه إلى جنب الحق فلا تكون هناك مواجهة. وعليه فالباطل عدمي ووجوده يتوقف على الحق. أمّا الحق، فأمر وجودي وهو مصدر البركات والمنافع وذا آثار كثيرة للإنسان.

الحق والباطل من وجهة نظر الآيات والروايات

بما أنَّ أهم بحث في حياة الإنسان هو قضية (الحق والباطل)، وهي تحضى بموقع خاص عند جميع البشر بمختلف توجهاتهم الفكرية، لذلك كان من المناسب دراسة هذه القضية من وجهة نظر الآيات والروايات:

لقد تحدث القرآن عن الحق والباطل بمقدار كثير، وتكررت مفردة الحق 244 مرة، مع أنَّ مفردة الباطل تكررت 26 مرة فقط.

وهذه النسبة تكشف عن أنَّ القرآن المجيد ذاته من مصاديق الحق.

ما هي مصاديق الحق؟

لقد ذكر في القرآن مصاديق مختلفة للحق نشير إلى بعض منها هنا:

1 - أبرز وأرفع مصداق للحق هو ذات الله القدسية، وهي في الحقيقة جامعة لجميع مصاديق الحق، وهي عين الواقع والوجود المطلق.

من هنا صرّح الله في الآية الكريمة 62 من سورة الأنعام ما يلي: ( ثُمّ رُدُّوا إلى اللهِ مَوْلَيهُم الحَقِّ ألا لَهُ الحُكْمُ وَهُوَ أسْرَعُ الحَاسِبِيْنَ ) فعلى أساس هذه الآية، إنَّ الله الذي لا مثيل له هو الحقّ.

2 - النموذج الآخر وهو من أبرز مصاديق الحقّ عبارة عن خلق السموات والأرض أو الكون أجمع. تقول الآية الشريفة 22 من سورة الجاثية: ( وَخَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ والأرْضَ بالحَقِّ ) .

3 - المصداق الثالث للحق هو القرآن نفسه; وذلك لأن الآية 48 من سورة المائدة عند بيانها لهذا المطلب تقول: ( وأنْزَلْنَا إليْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ ) .

4 - الدين المبين والمنقذ للبشرية، أي الإسلام، وهو مصداق واضح آخر من مصاديق الحق. لذلك يقول الله تعالى في الآية 28 من سورة الفتح: (هُوَ الّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بالهُدَى وَدِيْنَ الحَقِّ ليُظْهِرَهُ عَلَى الدِّيْنِ كُلِّهِ ) ،(4)

وخلاصةً، كل وجود هو منبع لخير البشر وسعادتهم يُعدّ حقاً، لذلك كان الله الحق المطلق; لأنَّه منبع جميع البركات والسعادات، كما أن السماوات والأرض والقرآن المجيد ودين الإسلام والتوحيد، باعتبارها جميعاً منشأ للهداية والبركة، عدّت حقاً.

وكل شيء هو منبع ومصدر للشقاء فهو باطل، مثل الشيطان والأصنام وعبادتهما والرياء والتظاهر والنفاق وامثال ذلك.

جولة الباطل ودولة الحق

المستفاد من الروايات هو أنَّ الباطل قد يكون له جولة وصراخ وصخب إلاّ أنَّ عمره مهما كان فهو قصير ومؤقّت: «للباطل جولةٌ وللحقّ دولة»(5) والدولة هي الثبات والبقاء والخلود، والجولة هي النفاق والخداع المؤقت.

كن مع الحق دائماً

حسب ما ورد في الروايات الإسلامية، على المسلم في كل حال أن يكون مع الحقّ والحقيقة. إذا أردت التسلّح بسلاح النصر أمام الأعداء، فعليك التمسك بسيف الحقّ الصارم، كما قال الإمام علي(عليه السلام): «الحق سيف قاطع».(6)

إذا أردت أن تكون من أهل النجاة في مقام العمل، وأن تكون صاحب حجة وبرهان في مقام الكلام، فعليك بالتوجّه نحو الحقّ، كما يقول الإمام علي(عليه السلام): «الحقّ منجاة لكل عامل وحجّة لكلِّ قايل».(7)

إذا أردت من الاخرين قبول كلامك، واذا ابتغيت النصر، فقل الحقّ والتزمه. وإذا أردت مركبا هادئاً يوصلك إلى غايتك فكن مع الحقّ. يقول الإمام علي(عليه السلام) : «ألا وإنّ الحق مطايا ذلل، ركبها أهلها، وأعطوا أزّمتها، فسارت بهم الهوينا حتى أتت ظلاًّ ظليلا».(8)

الحق مرُّ والباطل حلوٌ

تقترن مع الحق والدفاع عنه مشاكل; وذلك لأنّه مرُّ والباطل حلو.

إنَّ مرارة الحقّ كمرارة الدواء الذي فيه شفاء، وحلاوة الباطل كحلاوة السم القاتل، لذلك قال الرسول(صلى الله عليه وآله): «الحق ثقيل مرٌّ، والباطل خفيف حلوٌ، ورُبَّ شهوة ساعة تورث حزناً طويلا».(9)

نعم، انَّ الحقّ ثقيل ومرّ; لأنَّه لا يكون في صالح الإنسان دائماً بل قد يضره، وقد يكون عكس ما تروق له النفس والشهوات الإنسانية، وقد يتزامن مع لوم الاخرين وعتابهم ومع مشاكل جمّة يثقل على الإنسان تحّملها، أما الباطل فخفيف وحلو، لكنه كالسم القاتل، لذلك قد يؤدي إلى ندم يرافق الإنسان حتى موته، كما لو ارتكب الإنسان ذنباً لم يستغرق فترة طويلة، لكن عقابه الحبس المؤبد، فذلك يعني كفارة ساعة من الذنب عمر في الحبس والسجن.

الباطل يتقمّص قميص الحق دائماً

المهم هنا هو أنّ الباطل لا يظهر بثوبه الحقيقي دائماً; وذلك لأنَّ اتضاح واقعه يعني عدم تمكّنه من الخداع، بل إنّه يظهر بمظهر الحق لكي يغرَّ ويخدع الكثير.

يقول الإمام علي(عليه السلام) في هذا المجال في الخطبة رقم خمسين من نهج البلاغة: «يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان، فهناك يستولي الشيطان على أوليائه».

أي بما أنَّه لا زبون للباطل المحض، لذلك يمزجه أتباعه مع شيء من الحق ليبدو وكأنه حقّ، فعندئذ يأتي دور الشيطان ليستولي على أوليائه وأصحابه.

لذلك علينا أن لا ننخدع بالظاهر، إذا أردنا شراء كتاب مثلا فما علينا أن ننخدع بغلافه الجميل أو يغرّنا عنوانه الخلاّب وشعاراته; وذلك لأنّ أهل الباطل قد يستخدمون هذه الخدع لترويج سمومهم وأباطيلهم. وهذا الأمر نفسه صادق بالنسبة للافلام والمسرحيات والجرائد والمجلات والاساتذة والمعلمين والجيران والأحزاب و...

إنَّ أهل المعرفة والبصيرة هم الذين يميزون الباطل عن الحقّ، وذلك لما أعطاهم الله من (فرقان) منحةً لتقواهم.

علي(عليه السلام) محور الحقّ

هناك الكثير من المطالب المدونة عن فضائل الإمام علي(عليه السلام) وشخصيته وردت في كتب السنة والشيعة، ومن جملة ما اتفق الفريقان على نقله هو الحديث العجيب واللطيف القائل: «علي مع الحقّ والحقّ معه وعلى لسانه، والحقّ يدور حيثما دار عليّ»(10) وهو حديث منقول عن الرسول الاكرم(صلى الله عليه وآله).

إنّ هذا الحديث مقياس معتبر لتمييز الحقّ عن الباطل; ولذلك أفادت بعض الروايات أنَّ المسلمين في صدر الإسلام عندما يتشابه عليهم المسلمون والمنافقون والمتظاهرون بالإسلام ويصعب تمييز ذلك، أفادوا من هذا المقياس واعتبروا المسلمين هم المحبون لعلي وأتباعه، المنافقون هم الذين يكنّون العداء والبغض له.(11)

إنَّ الشيعة تفتخر بأن لها زعيماً عظيماً ومحقاً ما كان يمنعه شيء عن احقاق الحقوق، ما كان يتحمل الانحراف عن جادة الحقّ ولو كان صادراً من صحابي أو أحد أقربائه، وكان يأمر بالجبران بمجرد حصوله.

من جملة مصاديق هذا الكلام هو قصة قنبر غلام علي الوفي وعضده التنفيذي في حكومته، لقد أُمر هذا الغلام بإِجراء حدِّ الجلد، إلاّ أنه أخطا في التنفيذ وزاد على الحدّ ثلاث جلدات على المجرم، فأمر هذا القائد المحق قنبر أن يعدّ نفسه لأجل اقتصاص المجرم منه.(12)

ونقرأ في قضية عقيل أنه ما وافق منحه شيئاً زائداً على ما منحه للمسلمين، بل أحمى حديدة وقرّبها من يد عقيل، فصاح عقيل من شدّة الحرارة.(13)

--------------------------------------------------------------------------------

الهوامش

1. للشيطان معنيان، الف: هو من مادة (شطن) وتعني (بعد)، ولذلك كان (بئر شطون) يعني بئراً عميقاً، فالشيطان حسب هذا التفسير موجود بعيد عن رحمة الله. ب: قد يكون من مادة (شاط) ويعني (احترق) و (هلك)، وعلى هذا الشيطان يعني الموجود الذي يهلك ويحترق هو وأتباعه.

2. الأنعام: 112.

3. الاسراء: 81.

4. وقد تكررت الآية ذاتها في سورة الصف الآية 9.

5. غرر الحكم: 68 و71، طبع مركز البحث والتحقيق للعلوم الإسلامية.

6. ميزان الحكمة، الباب 885، الحديث 4082. 7. ميزان الحكمة، الباب 885، الحديث 4084.

8. ميزان الحكمة، الباب 885، الحديث 4089.

9. ميزان الحكمة، الباب 888، الحديث 4100، وقد جاءت روايات أُخرى في نفس الباب تضمنت المعنى ذاته.

10. بحار الانوار 38: 82، الملفت هنا هو أنَّ مضمون هذه الرواية عنوان لباب مفصّل، والرواية الواردة هنا نموذج من روايات ذلك الباب.

11. لقد جاء حديث بهذا المضمون في ميزان الحكمة الباب 3932، الحديث 20292.

12. وسائل الشيعة ج81، أبواب مقدمات الحدود، الباب 3، الحديث3.

13. تقدم بيان هذه القصة في البحوث السابقة.

[ 231 ]

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)