• عدد المراجعات :
  • 4145
  • 7/19/2006
  • تاريخ :

المثل السابع عشر: مسجد ضرار

القرآن الکريم

يقول الله تعالى في الآيات (107 - 109) من سورة التوبة: ( والّذِيْنَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَارَاً وَكُفْراً وَتَفْرِيْقاً بَيْنَ المُؤمِنِينَ وإرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحلِفُنَّ إنْ أرَدْنَا إلاَّ الحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لاَ تَقُمْ فيه أبَدَاً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلى التَّقْوَى مِنْ أوّلِ يَوْم أحَقَُّ أنْ تَقُومَ فيهِ فيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ أفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَه على تَقَوى مِنَ اللهِ ورِضْوَان خَيْرٌ أمْ مَنْ أسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُف هَار فانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ واللهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ ) .

تصوير البحث

إنَّ الآيات الثلاث التي تعتبر المثل السابع عشر للقرآن تحدثت عن مسجد ضرار الذي اسّسه أعداء الدين لأجل مواجهة الدين الجديد واعتبروه متراساً ومرصداً محكماً لهم لمواجهة الدين بالدين.

شأن النزول

أشار أكثر المفسرين إلى شأن نزول الآية،(1) ونحن هنا نذكر شأن النزول أيضاً: إنّ بني عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قبا، وبعثوا إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)أن يأتيهم فأتاهم وصلّى فيه فحسدهم جماعة من المنافقين من بني غنم بن عوف فقالوا: نبني مسجداً فنصلي فيه ولا نحضر جماعة محمد، وكانوا اثني عشر رجلا، وقيل: خمسة عشر رجلا، منهم: ثعلبة بن حاطب ومعتّب بن قشير ونبتل بن الحارث فبنوا مسجداً إلى جنب مسجد قبا.

فلّما بنوه أتوا رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهو يتجهّز إلى تبوك فقالوا: يا رسول الله إنّا قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة الممطرة والليلة الشاتية، وإنّا نحب أن تأتينا فتصلي فيه لنا وتدعو بالبركة فقال(صلى الله عليه وآله): «انّي على جناح سفر ولو قدمنا أتيناكم إن شاء الله فصلّينا لكم فيه»، فلمّا انصرف رسول الله(صلى الله عليه وآله) من تبوك نزلت عليه الآية في شأن المسجد.

الشرح والتفسير

( والّذِيْنَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَارَاً وَكُفْرَاً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ المُؤمِنِينَ وإرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْل ). نعم إنّ جبرئيل(عليه السلام) نزل على الرسول مانعاً إياه عن الصلاة في هذا المسجد; وذلك رغم أنَّ ظاهره للعبادة، لكن واقعه معبد للأصنام ومركز للتآمر ضدّ المسلمين، فالآية هنا بيّنت أربعة أهداف من وراء بناء هذا المسجد.

1 - ( ضِرَارَاً ) إي أنَّ مؤسسي هذا المجسد كانوا يستهدفون الإضرار بالمسلمين من خلاله وذلك بجعله متراساً لأعداء الإسلام.

2 - (

كُفْراً ) إنّ الهدف الآخر لهم من وراء بناء هذا المسجد هو تقوية أسس الكفر، والمسجد دوره هنا كمركز لدعم الشرك والكفر.

3 - ( تَفْرِيقَاً بَيْنَ المُؤْمِنِينَ ) الهدف الآخر لهم وهو من أخطر الاهداف عبارة عن إيجاد الفرقة بين المسلمين، واستهلاك الطاقة الموحدة التي يمتلكونها، في النزاعات فيما بينهم، الأمر الذي يُضرّ بالاطراف الإسلامية المتنازعة أكثر من اضراره في شيء آخر، وهذا مبدأ يحكم جميع الاختلافات.

4 - ( إرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْل ) إي إعداد مركز للاعداء في قلب الدولة الإسلامية، الأعداء الذين يكنون العداء لله ورسوله من ذي قبل.

أبو عامر النصراني العدّو اللدود للإسلام

عن (مجمع البيان): «إنّه كان قد ترهّب في الجاهلية ولبي المسوح فلمّا قدم النبيّ(صلى الله عليه وآله)المدينة حسده، وحزّب عليه الأحزاب ثم هرب بعد فتح مكّة إلى الطائف. فلمّا أسلم أهل الطائف لحق بالشام، وخرج إلى الروم وتنصر وهو أحد المسبيبين والموقدين لحرب أحد.

وسمّى رسول الله(صلى الله عليه وآله) أبا عامر (الفاسق)، وكان قد أرسل إلى المنافقين ان استعدوا وابنوا مسجداً فإني أذهب إلى قيصر وآتي من عنده بجنود، وأخرج محمداً من المدينة، فكان هؤلاء المنافقون يتوقعون أن يجيئهم أبو عامر فمات قبل أن يبلغ ملك الروم». (2)

وبعد هذا طلب هؤلاء من الرسول(صلى الله عليه وآله) أن يفتتح المسجد، لكن جبرائيل نزل ونهاه عن ذلك بهذا الخطاب:

(وَلاَ تَقُمْ فِيهِ أبَدَاً ) والرسول (صلى الله عليه واله) لم يقم فيه ولم يصلّ فيه أبداً.

( لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أوَّلِ يَوْم أحَقُّ أنْ تَقُومَ فِيْهِ ) أي أنَّ مسجد ضرار ليس محلا مناسباً لعبادة الله الواحد، والمسجد المؤهل لذلك يتسم بالسمات التالية:

1 - أن يكون أساس تأسيسه هو الإيمان والتقوى، وهذا القسم من الآية يعلمنا أن يكون أساس تأسيس مراكز مثل الحسينيات والمدارس الدينية والسياسية والاقتصادية والادارية هو الايمان والتقوى، فهما روح الأعمال.

2 - السمة الاخرى هي أن يكون الحضور من المتقين والطاهرين; وذلك لأن المصلين في المسجد يعدون معرّفاً للمسجد.

إن السمتين حاصلتان في مسجد قبا، فقد كان أساس تأسيسه الإيمان والتقوى، كما أنّ مصليه كانوا من المؤمنين عكس ما كان في مسجد ضرار فلا أساسه كان يعتمد الإيمان والتقوى ولا حضوره كانوا من المؤمنين.

الأمر بتخريب مسجد ضرار

الرسول(صلى الله عليه وآله) لم يكتف بعدم افتتاح المسجد والصلاة فيه، بل أمر المسلمين بإحراقه ثم تخريب جدرانه وتهيئته ليكون مرمى للنفايات.

( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَه عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوان خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرْف هَار ) .

(الشفا) يعني الطرف من كلّ شيء، واطلقت هذه المفردة على شفاه الفهم لأجل ذلك.

(الجرف) يعني الجنب فجرف الشيء أي ما يجانبه ولذلك اطلق على شاطئ النهر جرف.

(هار) يطلق على الشيء الآخذ بالسقوط. إنَّ النهر قد يفرغ جرفه من الداخل ليصبح الجرف أجوف، والإنسان الذي لا يعلم بذلك قد يقدم على المشي على هذا الجرف فيسقط فيه ويغرق.

الله تعالى يشبّه بناء مسجد ضرار ببناء على جرف نهر، والجرف لا يشرف على ماء النهر، فانّ ذلك قد لا يؤدي بالإنسان إلى موته وهلاكه الحتمي لانه قد يكون عارفاً بالسباحة، بل إنَّ هذا الجرف مشرف على جهنّم ذاتها بحيث إذا سقط إنسان فيه فذلك يعني هلاكه الكامل وانتفاء احتمال نجاته...

وهل الإنسان إذا كان عاقلا يرضى باقامة بنيانه في أرض رخوة كهذا الجرف ويتحمل ما فيه من مخاطر؟

نعم; إنَّ المسجد الذي أساسه التقوى ورضاء الله فبناؤه يكون محكماً جداً ولا يؤدي بالإنسان إلاّ إلى النجاة، أمَّا المسجد الذي يؤسّس على أساس الكفر والشرك ويكون مقراً للأعداء فهو بدرجة كبيرة من الخطورة ويؤدي بالإنسان إلى السقوط. وحسب ما تذكر الآية إنه سقوط في جهنّم.

هل يمكن العثور على تعبير أجمل ومَثَل أوضح لمصادر الشرك والنفاق مثل التعبير الذي تضمنته الآية الكريمة؟!

خطابات الآية

1 - إنّ المستفاد من الآية هو ضرورة مراقبة المسلمين أعمالهم، وأنَّ الأعداء قد يواجهون الدين بالدين نفسه وبآلياته ذاتها... ولهذا عندما نقرأ تاريخ الإسلام نعثر على الكثير من الفرق التي أسسها الأعداء لضرب الإسلام الخالص.

من المذاهب الموضوعة (فرقة البهائية الضالة) التي اتضح حالياً للجميع مكان تأسيس هذه الفرقة وشخصيات المؤسسين والمستفيدين من تأسيس هذه الفرقة.(3)

2 - على المسلمين أن يكونوا كيّسين وأن لا تغرّهم الظواهر. ما أن تحصل فتنة فعلى المسلمين أن يتعرّفوا على متوليها ومموّليها والمستفيدين والمتضررين منها; وذلك خوف الاغترار باولئك الذين ينوون تخريب البلاد باسم استعماره، أو أسر المسلمين باسم تحريرهم أو سلب الدين عنهم باسم الدين نفسه.

وقد قال الرسول(صلى الله عليه وآله) في هذا المجال: «المؤمن كيّسٌ فطن حذرٌ».(4)

--------------------------------------------------------------------------------

الهوامش

1. راجع تفسير الميزان 9: 391، وكذا تفسير مجمع البيان 5: 72.

2. تفسير الأمثل 6: 200 - 201.

3. للمزيد راجع الكتابين (ارمغان استعمار) و (باى سخنان بدر) - بالفارسية.

4. ميزان الحكمة، الباب 291، الحديث 1449.


المثل السادس عشر: العالم المنحرف

المثل الخامس عشر: البلد الطيّب

المثل الرابع عشر: المبدأ والمعاد

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)