• عدد المراجعات :
  • 3439
  • 6/3/2006
  • تاريخ :

الامام الخميني والاصلاح الأكبر في عالمنا المعاصر


 الامام الخميني حالة فريدة في المرجعيات الشيعية والقيادات الإسلامية، فلم يشهد تاريخنا الاسلامي المعاصر شخصية مثله، إمتلكت الشجاعة والاصرار على المواصلة والتحدي رغم كل التحديات والظروف، من أجل تحقيق هدف الإسلام في إقامة حكم الله في الأرض.

وقد عانى الامام الخميني (رضوان الله عليه) من الخط التقليدي في الحوزات العلمية منذ بدايات تحركه الاسلامي في ايران ضد الشاه، وتعرض لضغوط عديدة حاولت عزله عن جماهيره وخلق حاجز بينه وبينها، لكنه (رضوان الله عليه) مضى في طريقه بثبات، لأنه يؤمن تمام الايمان بالمسؤولية الكبيرة التي يتحملها، وأنه صاحب رسالة سامية لابد أن يؤديها مهما كانت التحديات المضادة. وبالفعل شق الخميني العملاق طريقه وسط الاشواك والصعاب، ولم تشغله أية قضية جانبية عن قضيته الكبرى، مع أن هناك محاولات كثيرة كانت تخطط ضده لجره إلى معارك جانبية هامشية على أمل أن تعرقل انطلاقته الثورية وتستوعب طاقاته واهتماماته بشؤون اخرى، لكنه وبالنظرة البعيدة التي يتميز بها في كل الامور أحبط كل تلك المحاولات بحكمة وصبر، وواصل مسيرته ومن ورائه قواعده المليونية المجاهدة حتّى منّ الله عليه تعالى بالنصر الكبير.

وبعد الانتصار التاريخي الذي حققه في ايران بذلت القوى الاستكبارية جهودا خيالية لإسقاط الثورة الإسلامية، لكن هذه الجهود كانت تتحطم على صخرة التلاحم الاسطوري بين الامة المجاهدة وبين قيادتها العظيمة المتمثلة في مرجعها الامام الخميني (رضوان الله عليه). وقد لجأت هذه القوى ـ بعد أن واجهت الفشل الميداني على المستوى العسكري ـ إلى محاولة استيعاب الثورة من الداخل عن طريق العناصر المشبوهة والمتواطأة مع الدوائر الإستكبارية، لكن وعي المرجعية الخمينية ووعي جماهيرها الثائرة أحبط كل تلك المحاولات ،فلفظت الثورة العناصر الدخيلة من جسمها وفرزت الخط الأصيل عن غيره. وهو أمر ما كان ليتم لولا المستوى العالي من الفهم الحركي لمجريات الاحداث.

وقد عادت دوائر الاستعمار مرة أخرى إلى خطوة خطيرة تستهدف القضاء على معطيات الثورة بشكل نهائي، وذلك عن طريق انقلاب عسكري كبير يشترك فيه بعض كبار الضباط والتنظيمات السياسية المعادية للاسلام مثل حزب تودة الايراني إلى جانب بعض رجال السياسة الموالين للغرب. ومن أجل أن يستكمل هذا المخطط الرهيب حلقاته بحثت الاجهزة الاستكبارية عن غطاء ديني ليكون البديل للإمام الخميني قدس سره. وبعد دراسة الأجواء العامة في الجمهورية الإسلامية وقع الإختيار على احد كبار العلماء في ايران.

لقد راهن الاستكبار على ذلك العالم الكبير ظناً منه بأن القاعدة الواسعة من مقلديه ستقف وراءه في ساعة الصفر المرتقبة، وعند ذاك سوف تتم عملية التحول في شكل الثورة وستعود الأمور إلى سابق عهدها قبل انتصار الامام الخميني التاريخي. لكن قبل أن تحين ساعة الصفر أدركت الثورة وبعناية الله سبحانه ما يدبّر ضدها في الخفاء، فتم اكتشاف المخطط الاستكباري، وسرعان ما تساقطت رموزه أمام الوعي السياسي للشارع الايراني المسلم. وخلافاً لما توقعه الاستكبار، فإن الذي راهن عليه، سقط على المستوى الشعبي منذ اللحظة التي كشف فيها عن تورطه في هذا المخطط وخرج الجمهور المجاهد يعلن بكل وضوح موقفه الرافض له، وكان في مقدمته أتباعه ومقلدوه الذين توهم الاستكبار أنهم سيقفون إلى جانبه، لكنهم بعد أن عرفوا حقيقة موقفه تخلوا عنه، لأن الأمة وفي مرحلة الوعي التي صنعتها مرجعية الامام الخميني كانت تريد من يواجه الاستكبار ومن يتصدى بجدارة وقوة لحرب الكفر العالمي ضد الإسلام في المعركة الحضارية الشاملة.

وهكذا استطاع الشعب الايراني المجاهد أن يلحق هزيمة أخرى للقوى الاستكبارية وأن يؤكد التحامه بالمرجعية الواعية المجاهدة التي تريد بناء المجتمع الاسلامي الصالح والدولة الإسلامية التي تجسد حكم الله في الأرض.

إن انتصار الامام الخميني خلق مرحلة جديدة من الوعي الاسلامي، فلقد صنع قدس سره تياراً ثورياً واعياً يواجه القوى الاستكبارية ويجاهد من اجل اقامة حكم الله في الارض، وهو حلم كاد أن يموت في النفوس بعد الاحباطات المتكررة التي تعرضت لها الامة الإسلامية.

قبل الامام الخميني لم يكن مراجع الدين يفكرون باقامة دولة اسلامية عن طريق الثورة، وكانوا يعارضون أي نشاط في هذا الاتجاه. وقد تعرض الامام نفسه إلى نقد شديد ومضايقات عديدة ومحاولات تشويهية من قبل الكلاسيكيين من العلماء والمراجع، لكن محاولاتهم باءت بالفشل .. فإذا الخميني قوة جبارة تقهر وتكتسح .. واذا بمدرسته خط متنام يزداد قوة واتساعاً.

لقد استطاع الامام ان يستوعب الامة بمختلف طبقاتها لأنه آمن بأنها القادرة على صنع مصيرها الذي تريد، اذا توفرت لها القيادة التي تبعث فيها روح الثورة والجهاد، وتعيد ثقتها إلى نفسها. ولأنه أخلص لها كل الاخلاص فكانت آلام كل فرد منها هي آلامه وهمومه .. لم يعش الخميني العظيم يوماً واحداً بعيدا عن أمته وشعبه، كان معه دائما يحمله في قلبه هماً واملاً .. لم يكن رضوان الله عليه يتعامل مع المرجعية على انها امتياز خاص يعزله عن مجتمعه، بل تعامل معها على انها مسؤولية كبيرة لابد ان ينهض بأعبائها على اكمل وجه، فكان المرجع القائد الذي يرسم الطريق ويسير فيه في المقدمة.

لقد تعرفت الامة على مرجعها الامام الخميني عن قرب، فليس هناك أي حاجز بينه وبينها، كان معها وهو في ايران .. ومعها وهو المنفى .. لم تبعده المسافات الجغرافية عنها لأنها في قلبه ولأنه في قلبها.

هذه العلاقة الرائعة بين المرجع وجماهيره، جعلته لايجد أي مشكلة في طريقه الطويل مهما كانت الصعاب والتحديات، كما جعلت جماهيره لاتجد أي صعوبة في السير وراءه لأنها ادركت جيدا أنه يسيربها إلى حيث يريد الإسلام.

لقد اختط الامام هذا النهج في حياته مع الامة منذ البداية، فلحقت به الجماهير بثقة واخلاص ليس في ايران فحسب، بل في كل المواقع الإسلامية التي آمنت بنهج أهل البيت عليهم السلام في طريق تحكيم الإسلام في الحياة. لقد صنع الوعي والتحدي والوضوح، لذلك لم يأبه بما يتقوله المتقولون .. ولم تأبه قواعده المجاهدة بكل التهم والحملات المغرضة، لأن الوعي كان أكبر من أن تنهيه همسات القاعدين.

لقد استطاع الامام الخميني ان يرسم صورة المرجع الذي تحتاجه الأمة في مرحلتها التي تخوض فيها اخطر التحديات من قبل أعداء الإسلام، وهي صورة لم تكن موجودة في الفترة الذي ابتدأها بين المراجع الذين عاصروه، فكانت بعض الاوساط تمارس حملاتها التضليلية في الخفاء خوفاً من غضبة الجمهور الواعي، ولأنها لايحلو لها الصيد إلا في الماء العكر، وتركهم الامام يتهامسون ويضللون في الاقبية المظلمة، فيما كان قدس سره يزمجر بوجه الاستكبار ويتحدى القوى المعادية للإسلام تحت ضوء الشمس.

إن الامام الخميني حقق الاصلاح الأكبر في عالمنا المعاصر، وفرض فكرته الاصلاحية الثورية على الواقع الاسلامي، دون أن يأبه بردود الفعل المضادة، وتلك هي القيمة الحقيقية للمشروع الاصلاحي، وتلك هي الصفة الأساسية للمصلح، فليس هناك ما يضعف العزم عنده مادامت الرؤية واضحة، وهذا ماجعل الامة تلتف حوله، لأنها وجدت فيه القائد الواثق من نفسه ومشروعه وأمته، فمنحته كل الثقة والولاء.

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)