• عدد المراجعات :
  • 1283
  • 11/8/2014
  • تاريخ :

قبسات من افکار العلامة الطباطبائي (1)

محمدحسين طباطبايي

علم الإمام

إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذلك الإمام (وهو من عترته الطاهرة) هو بنص القرآن الكريم بشر كسائر أفراد البشر، يقوم بإنجاز أعماله كما يقوم بذلك بقية الناس، ويمارس الحياة على أساس العلم العادي.

فالإمام (عليه السلام) يعتمد العلم العادي معياراً في تمييز الخير والشر، والنفع والضرر، فيختار ما هو لائق ويقدم عليه معتمداً في تحقيقه على السعي وبذل الجهد.

وبذلك فالإمام (عليه السلام) كغيره يصيب الأهداف حين تساعد العوامل والأوضاع الخارجية على ذلك، ويتخلف عن إصابة الهدف حين لا تكون الأسباب والعوامل والشروط مساعدة.

أما مسألة علم الإمام (عليه السلام) بإذن الله (تعالى) بكافة تفاصيل الوقائع الكائنة والتي ستكون فهو أمر لا تأثير له على أعماله الاختيارية...

فالإمام (عليه السلام) هو عبد من عبيد الله، كسائر البشر، له تكليفه المنوط به من قبل الله (سبحانه) والذي عليه أن ينهض به وفق الموازين الإنسانية العادية، فيحيي معالم الدين ويرفع كلمة الحق عالياً. (1)

ولاية الفقيه

يقول العلامة الطباطبائي: في الوقت الذي يعتبر وجوب قيام حكم إسلامي زمن الغيبة من ضروريات الدين التي لا تحتاج إلى محاولة إثبات أو تجسم استدلال.

ويقول أيضا: إن مسألة الحكومة أو السلطة لا تختص بزمان الحضور خاصة وإنما تشمل عهد الغيبة والحضور على السواء.

ويقول أيضا: أما مسألة الولاية والحكومة ذاتها فهي غير قابلة للتغيير والاختلاف ولا يمكن أن تتأثر بالظروف والبيئات مهما كان تأثيرها، وذلك لأن مسألة الحكومة ترتبط بالفطرة والكينونة البشرية ولا يختلف حكمها من محيط اجتماعي إلى محيط اجتماعي آخر ومن وضعية حضارية إلى وضعية أخرى. (2)

حدود الحرية

إن ما يجب أن نبحثه جيداً ونتأمل به على نحو دقيق هو التفاوت الكبير بين حدود الحرية في إطار أصول الإسلام؛ وحدودها في إطار الحضارة الحديثة.

قاعدة الحضارة الحديثة تتمثل بأن يتمتع الإنسان من جوانب الحياة واللذائذ المادية بأقصى ما يستطيع دون أن يكون ثمة قيد من عقائد الدين وضوابطه.

فالإنسان حر من وجهة نظر هذه الحضارة في أن يفعل ما شاء دون أن يكون هناك ضابط من الأصول الأخلاقية والدينية شرط أن لا يخالف القوانين القائمة في مجتمعه.

إنّ هذا اللون من الحرية يقتل الروح الإنسانية في الإنسان ويدمّر ملكاته الفاضلة حتى يتنزّل بالإنسان ويهبط به إلى حدّ الحيوانية، ليرتدّ على خطّ تكامله وينحدر القهقرى.

أما الإسلام الذي يشيد قواعد وجوده على التوحيد أوّلاً، والأخلاق والملكات الفاضلة ثانياً، فله أحكامه وضوابطه التي تحدّد مسار الحياة الفردية والاجتماعية في كافة الأبعاد دون استثناء. لذلك لا مجال - في البيئة الإسلامية - لحرية مفتوحة كتلك التي تمارس في البيئة الاجتماعية للحضارة الحديثة.

بيد أنّه هناك في المقابل حرية منحها الإسلام للإنسان تفتح أمامه آفاقاً على عوالم جديدة، وهذه الحرية هي: حرية عدم الخضوع لعبودية غير الله. وهذه الحرية تنطوي على آفاق واسعه، وتنفتح على معان سامية.

فهذه الحرية تضع عن الإنسان قيود الشهوات والنزعات الحيوانية التي رافقت إنسان الحضارة الحديثة. وفي ظلال هذه الحرية تنعم جميع شعوب الأرض وأممها بحريتها وسيادتها الكاملة بعيداً عن كل أنواع الاستعمار والاستعباد. وفي ظلال هذه الحرية يعيش المجتمع بالتساوي بعيداً عن أغلال الطبقية والتمايز العنصري.

وفي إطار هذه الحرية تعيش الأمم والشعوب مبدأ المساواة دون نظر إلى ميزان القوة والضعف، ودون أن يكون للقوي حق التسلط على الضعيف.

هذه الحرية الثمينة التي منحها الإسلام للجميع دون فرق بين عنصر وآخر والقائمة على نفي العبودية لغير الله نتلمس روحها في الآية الكريمة: (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى‏ كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ).

وفي هذا الإطار سخّر الله للإنسان ما في الأرض والسماء من نعم وبركات كي يستفيد منها بحرية معتدلة يقع حدّاها بين الإفراط والتفريط، حيث يقول‏ تعالى: (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً).ويقول: (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ).(3)

المصادر:

1- رسالة علم الإمام ونهضة سيد الشهداء

2- نظرية السياسة والحكم في الإسلام

3- رسالة الإسلام والحرية

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)