• عدد المراجعات :
  • 1376
  • 5/14/2006
  • تاريخ :

المثل السابع: الإنفاق اللائق

القرآن

يقول الله الرازق في الآية 265 من سورة البقرة: ( وَمَثَلُ الّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمُ ابتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أنْفُسِهِم كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَة أصَابَهَا وابِلٌ فأتَتْ أُكَلَها ضِعْفَيْنِ فإنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيْرٌ ) .

رغم أنَّ هذا المَثل كَسَابقه عن الإنفاق لكن يختلف عنه في أنَّه يعكس الجوانب الايجابية للانفاق والمناظر الجميلة له غير تلك المناظر التي تحدث عنها المثل السابق والتي تزامنت مع المنّ والأذي، لأنَّ الحديث هنا عن الانفاق المتزامن مع الاخلاص.

الشرح والتفسير

يقول الله في هذه الآية: إنّ مثل الذين ينفقون باخلاص ومن دون رياء وأذي كمثل البستان في مكان مرتفع ذات تربة خصبة يسقيها الغيث، والشمس تسطع عليها من كل مكان، فكانت النتيجة هي محاصيل وافرة ومضاعفة، قياساً لمحاصيل الأراضي المماثلة، والذين ينفقون بمثابة البستان ويكون انفاقهم كمحاصيل هذا البستان وافراً ومتضاعفاً.

إنَّ دَوافِع الإنفاق عند هؤلاء وفقاً لهذه الآية هي كالتالي:

- الاول: ( ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ ) وهذا اشارة إلي الحديث المعروف عن الامام علي(عليه السلام): «ما عبدتك خوفاً من نارك» رغم أنَّ نَاره مخيف تصورها فضلا عن واقعها.

«ولا طمعاً في جنتك» رغم أنَّ نعمها ثمينة وقيِّمة جداً ولا يمكنها أن تدخل في مخيلة الانسان» ،(1)]

«لكن وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك»، (2)  أي أنَّ أهليته للعبادة هي التي دفعت الامام للعبادة لا الخوف والطمع.

إنَّ النوع الاول من العبادة هو عبادة العبيد; لأنَّ العبد يَمتثل الاوامر خوفاً من مولاه وسوطه. والنوع الثاني من العبادة هو عبادة التجار; لأنَّ العبادة هنا يُتوخَّي منها الثمن والعوض. والنوع الاخير من العبادة هو عبادة الاحرار، حيث إنَّ اطاعتهم لمولاهم لا خوفاً ولا طمعاً بل لله خالصة.(3)

وقد تكون الآية الشريفة هنا ناظرة إلي النوع الاخير من العبادة، أي أنَّ الإنفاق هنا لم يتوخَّ منه إلاّ وجه الله ورضوانه.

الثاني: الدافع الثاني للمنفقين في الآية الشريفة هو بلوغ الكمالات النفسانية والملكات الروحانية، حيث قالت الآية: (

تَثْبِيتاً لأنْفُسِهِمْ )، وقد جاء في مفردات الراغب أنَّ التثبيت يعني التقوية والتحكيم . بالطبع ليس المراد من التثبيت في الدعاء ( اللَّهُمَّ ثَبِّتْ أقْدَامَنَا ) هو تقوية الاقدام وتحكيمها، بل المراد تقوية خطي الاقدام وتحكيم هذه الخطي.(4)

خطابات الآية

1- في هذا المثل شُبِّه المنفِق بالجنة(5) والبستان الذي يقع في ارض مرتفعة، وفي هكذا أرض توجد عدة خصائص هي كالتالي:

الف - نور الشمس من العوامل المهمة لنمو النباتات، والارض المرتفعة تنال نور الشمس من كل صوب; لأنه لا شيء يحول دون السطوع المباشر عليها. 

باء - جو المناطق المرتفعة كثيراً ما يكون نقياً وذلك يعد من عوامل نمو الاشجار وإثمارها.

جيم - الأراضي المرتفعة محفوظة من السيول والفيضانات، بينما البساتين التي تقع في السهول والوديان والشواطئ كثيراً ما تكون عرضة للفيضانات.

دال - أنَّ جمال وعظمة بستان يقع في مرتفع اكثر بكثير من جمال وعظمة بستان في سهل.

وعلي هذا، فإنَّ منفقين كهؤلاء يتلقون انوار الهداية اكثر من غيرهم هذا أولا.

- وثانياً: ينالون من نسيم بذل الله وعطاءه النقي بشكل افضل.

- وثالثاً: قلما يكونون عرضة للبلايا وميتة السوء.

- ورابعاً: يبدون محبوبين عند الاخرين اكثر; لما يحضون به من معنويات عالية.

المشكلة الوحيدة لهكذا بساتين هي أنًَّها محرومة من امكانية جريان قنوات وسواقي فيها، ولاجل ذلك ينزل الله وابلا من المطر كثرته تروي تربة البستان بالمقدار الكافي.

2 - أشارت الآية الشريفة إلي نوعية المطر (وابل) وهي قد تكون ناظرة بذلك إلي درجات الانفاق; باعتبار أنَّ الوابل أو المطر الكثير يروي البستان بالكامل ونتيجة ذلك هو الثمار والفواكه الكثيرة أمّا المطر القليل فلا يروي الاشجار ولا ينضج الثمار جيداً.

هناك فرق في الانفاق في سبيل الله بين أن يكون المنفق بحاجة إلي المال المنفَق وبين أنْ لا يكون هناك حاجة له. رغم أنَّ الإنفاق في كلا الحالتين رضاء لوجه الله.

كما أنَّ هناك فرقاً بين أنْ يصل المال المنفق إلي من يحتاجه حقاً وبين أنْ يصل بيد من لا يحتاجه حقاً.

ذيل الآية القائل: (  واللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيْرٌ ) شاهد قيِّم علي ما قلناه في المقطع السابق حيث إنَّ مضمون هذا الذيل هو أنَّ الله بصير وعليم بكون هذا المنفِق انفق رغم حاجته للمال أو لا أو أنَّه انفقه للمستحق أم لا.

3 - موضوع الانفاق في الايات الشريفة 262 و 263 و265 من سورة البقرة هو انفاق المال والثروة، فالايات تحدثت عن الانفاق في الثروات من المال والثياب والمأكولات والادوية والكتب والقرطاسية ووسائل العمل وما شابه ذلك، إلاّ أنَّ الآية الثالثة من سورة البقرة وسّعت نطاق الانفاق ليشمل كل ما انعم من نعم. وقد عدت الآية الانفاق من صفات المؤمنين (  وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) ،(6)

وحسب هذه الآية فإنَّ موضوع الإنفاق عام ويشمل جميع نعم الله وارزاقه، مثل الموارد التالية:

ألف - العلم، علي العلماء أن يبذلوا من علمهم، وذلك من خلال تعليم الآخرين، وإلاّ حُكوموا كالمحتكرين في محكمة العدل الإلهي.

وقد جاء في رواية  للامام الصادق(عليه السلام) «زَكَاةُ العِلْمِ نَشْرُهُ».(7)

باء - نفوذ الكلام وهو من ارزاق الله، ومن المستحسن أنْ ينفق منه. فاذا شاهدت اختلافاً بين زوج وزوجته أو بين الجيران أو بين شريكين أو بين الاخوة والاخوات أو بين اهالي قرية و.. فمن المستحسن استخدام النفوذ للمصالحة.

جيم - الاعتبار والجاه في المجتمع، وهذه نعمة الهية أخري ينبغي أنْ ينفق منها، فاذا ما كان مظلوم متورطاً في مخالب ظالم وكان بالامكان الشفاعة لهذا المظلوم باستخدام الوجاهة والإعتبار الاجتماعي وانقاذه من مخالب الظالم فلا ينبغي التكاسل، بل ينبغي العمل باشتياق.

د - الاولاد، وهي من اكبر نعم الله وينبغي انفاقها في سبيل الله متي ما اقتضت الحاجة، كما حصل ذلك للشعب الايراني اثناء الثورة الاسلامية والحرب المفروضة فقد ضحّوا باولادهم دون أنْ يبخلوا بشيء من ذلك.

ه- الفكر، وهو من أثمن نعم الله علي الانسانية وينبغي انفاقه وبذله عند المشورة لاعانة الاخرين إلي مستوي يعد الإنسان خلاله مستشاراً صالحاً وناصحاً. 

طرق الانفاق وإعانة الاخرين

للاعانة والانفاق طرق مختلفة، والطريق المتعارف عند الناس هو الانفاق المالي النقدي وغير النقدي للمحتاجين، وهو أمر مستحسن إلاّ أنَّ هناك طرقاً افضل واكثر تأثيراً تفي بهذا العمل الخير، وهو تشكيل منظمات ومؤسسات خاصة للاعانة والانفاق المنظم.

لقد تشكلت هكذا مؤسسات علي مستوي واسع في بعض المحافظات الايرانية وهي تسعي لجمع التبرعات من جهة، ومن جهة أخري تستقصي المحتاجين لاعانتهم بمختلف الطرق، مثل إعداد وسائل البيت الرخيصة من بعض المؤسسات والشركات والدوائر.

وقد تكفلت بعض هذه المؤسسات قضية دراسة الاطفال وتحمل نفقاتهم والاشراف عليهم من هذا الجانب، وارتقي بعض من هؤلاء الاطفال الدرجات العليا ودخلوا الجامعات وتخرجوا منها.

وتقوم بعض منها بنشاطات ثقافية اضافة إلي الاعانات المالية، وذلك من قبيل تشكيل دورات تعليمية تثقيفية لمختلف الاعمار.

علي المسلمين في العصر الراهن أنْ يلتفتوا إلي هذا النوع من الانفاق المنظم اكثر. ورغم أنَّ بعض الدوائر الحكومية تكفلت بهذه القضية إلاّ أنّ كثرة المحتاجين والفقراء في عصرنا هذا يستدعي وجود مؤسسات خيرية منسجمة علي نطاق واسع.

جمعيات اعانة السجناء والمرضي من ضمن الطرق الاخري المنسجمة والجيدة التي اشرنا اليها في السطور السابقة.

إنَّ الالتفات إلي الابتكار والابداع(8) في مجال الاعانات لهذه المؤسسات والجمعيات يؤدي إلي انتاجية اكثر، بحيث تتم الاعانات والمساعدات بالافادة من اقل مقدار ممكن من الامكانيات.

لقد قلنا سابقاً: إنَّ الصدقة كما قال

رسول الله(صلي الله عليه وآله) تمنع من ميتة السوء، وهنا حديث اخر للرسول(صلي الله عليه وآله) يقول فيه : «إنَّ الله لا اله إلاَّ هو ليدفع بالصدقة الداء والدبيلة والحرق والغرق

1. ومن هذه الابداعات هو تنظيم جماعات لارسالهم إلي المناطق المحرومة وبخاصة المناطق الحدودية للبت في النشاطات الثقافية، مثل بناء المدارس والمساجد والمستوصفات وغير ذلك، وهذه المجاميع يمكنها ان تصد أو تحد من الهجمات الثقافية لاعداء الإسلام من امثال (الوهابية).

والهدم والجنون، وعد سبعين باباً من السوء».(9)

بالطبع، كلام الرسول(صلي الله عليه وآله) ليس هراء بل يحكي عن الواقع . وهذه آثار حقيقية للصدقة فاذا اُحيت هذه السنة الحسنة لزالت الكثير من مشاكلنا الاجتماعية والشخصية كذلك.

4- في آية المثل السابع يُلاحظ أربع خصائص:

- الاولي : الأرض المرتفعة. الثانية: اشجار البستان . الثالثة: الوابل أو المطر الشديد. والرابعة: الثمار والفواكه الكثيرة . وكلٌّ من هذه تشبيهات من ناحية، ومن ناحية أخري تعبّر عن اعضاء الإنسان وصفاته أو النعم الالهية التي يتمتع بها هذا الموجود.

التعابير التالية عن التشابيه الأربعة الماضية جاءت في أحد التفاسير:

لقد شبه روح الإنسان وقلبه بالارض المرتفعة التي يقع فيها البستان، أمّا اعمال الإنسان الصالحة واللائقة فقد شبهت بالانفاق والبذل في سبيل الله، وقد شبهت رحمة الله ونعمه وهدايته التكوينية والتشريعية(10) بالمطر الكثير (الوابل) الذي يروي الاشجار والاعمال الصالحة والملكات الفاضلة لتنمو. واما الفضائل النفسية والصفات الروحية والاخلاقية البارزة من قبيل الايثار والجود والسخاء والبذل والتواضع والخضوع وحب الغير فقد شبهت بثمار البستان وفواكهه المباركة.

الهدف من هذه التشابيه وهذا المثل - كغيره من الامثال - هو التكامل الوجودي للانسان وبلوغ درجة القرب إلي الله، وبتعبير آخر: صيرورة الإنسان عبداً خالصاً لله، وذلك هو الهدف من خلق الإنسان وجميع الموجودات ذات الشعور والاحاسيس،(11) وذلك عبارة أخري عن ايصال الإنسان إلي مقام يؤهله للدخول في خطاب الآية اللطيفة والمهدئة: ( يا أيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إلي رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، فادخُلِي فِي عِبَادِي وادْخُلي جَنَّتِي ).(12) 

ما أحسن السعادة التي ينالها الإنسان

من النتائج المستوحاة من هذا المثل هي أن هناك جنة (علاوة علي الجنة الموعودة في الاخرة) في الدنيا، وهي جنة قلب الإنسان المؤمن المملوءة بالأشجار والثمار، أي الصفات والفضائل الاخلاقية لروح الإنسان وصفائها من التلوث، والإنسان لا يمكنه ادراك هذه الجنة ولا يمكنه الشعور بها إلاَّ أنْ تكون أعماله جميعها خالصة لوجه الله وابتغاءً لمرضاته، ولا يكون فيها ذرة من الرياء . والجملة الاخيرة للاية تشير إلي هذا الموضوع : (  واللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيْرٌ ) فإنَّ الله يري الاعمال ويري نواياها ويري كل ما يطرأ علي النوايا من اغراض غير إلهية.

موضوع الشرك في العمل الذي يصطلح عليه (الرياء) تعرضت له الايات والروايات علي مستوي واسع.

يقول رسول الله(صلي الله عليه وآله) في حديث نقل عنه: «إنَّ الشرك أخفي من دبيب النمل علي صفاة سوداء في ليلة ظلماء».(13)

وحسب هذه الرواية; فإنَّ الشرك اخفي من حركة نملة سوداء علي صخرة سوداء في ليلة ظلماء.

الإنسان بعد سنوات من العبادة قد يدرك عدم خلوصه في كثير من العبادات، إنَّ هكذا انسان سيكون سعيداً إذا ما تاب وبت في الجبران.

وتباً للإنسان الذي يدرك عدم خلوصه لكن ادراكه يكون متأخراً، يقول الله تعالي ( ...كَلاَّ اِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا... ).(14)

ننهي بحثنا عن الشرك بذكري عن مرجع عالم الإسلام آية الله العظمي السيد البروجردي رضوان الله تعالي عليه.

كان السيد قد ذهب لقرية بشنوة (في ضواحي مدينة قم) لاجل الاستراحة، وفي احد الايام هناك كان قد فرش سجادة قرب قنال هو مع مرافقيه، وقد شاهد المرافقون انذاك أنَّ السيد قد غاص في التفكير كثيراً فسألوه عن علة ذلك فأجاب: (كنت اُفكر في أنَّه هل كان لي عمل خالص لوجه الله وابتغاء مرضاته من دون أنْ يشوبه شائبة ام لم يكن؟).

فقالوا له : مولانا ! الحمد لله، إنّ لك خدمات كثيرة قدمتها للحوزة العلمية والمسلمين،(15)فلا مجال للقلق . فهز السيد رأسه وقرأ الحديث «إخلص العمل فإنَّ الناقد بصير».(16)

الناقد هو الذي يميز السكك الخالصة عن المزورة، إنَّ نسبة التزوير إذا كانت كبيرة فقد يستطيع الناس عموماً تشخيصها أمّا إذا كانت نسبة الغش والتزوير قليلة جداً فذلك أمر لا يشخصه الا الناقد. وحسب هذه الرواية، فإنَّ الله هو الناقد لنوايا الإنسان ويمكنه تشخيص الخالص عن غيره، فهو بصير وعليم ويشخص حتي اقل مقدار من الغش وعدم الخلوص.

وعلي هذا، ما علينا إلاَّ أنْ نسعي بأنْ لا يكون أي جزء ولو بسيط من عدم الخلوص في اعمالنا واقوالنا وافكارنا، وذلك لاجل التقرب إلي الله تعالي.

آداب الانفاق

ندرس هنا بعض آداب الانفاق واصوله:

1- الإنفاق ممَّا تحبون

إذا انفق شخص ما كان لديه من اغذية زائدة وألبسة رثة فلا اشكال في ذلك وهذا اقل مرتبة للانفاق وادني حد له، إلاَّ أنَّ علي الإنسان أن ينفق ما يحب لاجل بلوغ اعلي مراتب  الإنفاق : ( لَنْ تَنَالُوا البرَّ حَتي تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ )،(17)

وقد قيل في الزهراء (عليها السلام): انها عندما ذهبت إلي بيت زوجها للعرس صادفت في الطريق محتاجاً سألها الاعانة، فبذلت له ثوب عرسها رغم انها كانت تحمل ملابس رثة وزائدة.(18) لا يمكن العثور في كل التاريخ علي انفاق خالص مثل ما صدر من الزهراء (عليها السلام)فهي شابة في مقتبل العمر تنفق ملابس عرسها رغم ان بامكانها انفاق ما كان عندها من ملابس زائدة أخري. وذلك مصداق حقاً للاية الشريفة السابقة.

يمكننا العثور علي انفاق من هذا القبيل صدر من  المعصومين(عليهم السلام)، فإنَّ الإمام علي(عليه السلام)انفق خاتمه لفقير وهو راكع في صلاته، وقد نزلت في هذا الشأن الآية 55 من سورة المائدة.(19)

وفي حال الامام علي(عليه السلام) ينقل انه كان يشتري قميصين، ويخير قنبر غلامه في انتخاب احدهما ويترك الاخر له.(20) وقد قال الامام الصادق(عليه السلام) في رواية له: «ما من شيء إلاّ وكِّل به ملك إلاَّ الصدقة فانها تقع في يد الله تعالي».(21)

وهل من المناسب واللائق للانسان ان يبذل اموالا لا يحبها تصل مباشرة بيد الله؟!

2 - الانفاق في غاية الادب

إنَّ الأدب ضروري عند البذل والانفاق، وينبغي السعي آنذاك لاجل حفظ ماء وجه وشخصية المحتاج، يقول القرآن المجيد: (

قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَة يَتْبَعُهَا أذَيً... ).(22)

إذا راجعك محتاج وسألك شيئاً واجبته بهذا: (أعتذر، لا يمكنني اعانتك) أي ترده باحترام فذلك افضل من أن تنفق له مع أذية ومنة بأن تقول له: (لا اراك بعد هذا) أو (خذ هذا لتريحني من شرك).

إنَّ هذه الأخلاقية الرفيعة في الإنفاق تلاحظ عند المعصومين بشكل واضح، فقد قيل في الإمام السجاد(عليه السلام): إذا اعطي السائل قبَّل يده، فقيل له لِمَ تفعل ذلك؟ قال: «لانها تقع في يد الله قبل يد العبد».(23)

كم هو الفرق بين الانفاق المخلص والمتزامن مع الأدب والاحترام الوافر، والانفاق الذي يتم عن رياء وتحقير.

3 - التعجيل في دفع الصدقة

لا ينبغي التأني والتواني الوافر والوسوسة عند دفع الصدقة تقرباً لله تعالي; لأنّ الشيطان في ذلك الزمن يسعي كثيراً لمنع الإنسان من دفع الصدقة، يقول الله تعالي في الآية 268 من سورة البقرة: (

الشَيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ ويَأمُرُكُمْ بِالفَحْشَاءِ واللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيْمٌ ) .

إنَّ الشيطان يوسوس للانسان بشتي الطرق، فهو يقول مثلا: (فكِّر بمستقبل أطفالك، وبأيام شيبك وحافظ علي أموالك لذلك الحين). هذا لأجل صرف الإنسان عن الانفاق، بينما الله يعد بالمغفرة وبارجاع المال المنفق.

وقد تعارف بين الناس أنَّ الشيطان يتعلق بيد الإنسان عندما يريد الاخير بذل المال; وذلك لمنعه عن البذل. وهذا اشارة أخري إلي الآية الشريفة .

ومن المثير أنَّ القرآن لم يستخدم كلمة (الفقر)(25) الا في هذه الآية، وقد نسبه إلي الشيطان.

مَن كان يرزقك عندما كنت جنيناً في ظلمات ثلاث ؟ الله هو الرازق، وهو بنفسه سيكون رازقاً لك ولأولادك عند الشيخوخة والعجز.

هناك قول جميل لأحد العظماء يقول فيه: (لا أعمل شيئاً لمستقبل أولادي; لأنهم إنْ كَانُوا من أولياء الله فالله لا يكلّ وليه لنفسه، وإنْ كَانوا أعداء لله، فمالي أعينهم؟!).

4 - صدقات السر والعلانية

المستفاد من الروايات هو أنَّ الصدقة عملٌ الأفضل إتيانه سراً، إلاَّ أنَّه في بعض الأحيان يستدعي الأمر العلانية في التصدق، وذلك لعنوان ثانوي طارئ.(26)

إنَّ هذا الأمر قد بُيّن بوضوح في الآية الشريفة 271 من سورة البقرة: (  إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاِت فَنِعِمَّا هِي وإنْ تُخْفُوهَا وَتُؤتُوهَا الفُقَرَاءَ فَهُو خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبَيْرٌ ) .

5 - الأولوية للمساكين المتسترين

القرآن المجيد يعتبر المساكين والمتسترين علي فقرهم هم المحتاجون الحقيقيون كما هم أولي باستلام هذه الاعانات والصدقات، الآية 273 من سورة البقرة تحكي هذا المضمون: ( لِلفُقَرَاءِ الَّذينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيْلِ اللهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبَاً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الجَاهِلُ أغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيْمَاهُم لاَ يَسْئَلُونَ النَّاسَ إلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْر فَإنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ ) .

من الفقراء ذو عزة نفس عالية ومثل هؤلاء هم اهل لهذه الصدقات وأولي بها، وبخاصة أنَّ هذا الشهر شهر مبارك والأعمال العادية فيه تعدّ عبادة، فكيف بطاعة ذات قيمة عالية مثل التصدق؟ كما أنَّ من فلسفة الصيام هو الاحساس بالآم المحتاجين للبتّ في رفع احتياجاتهم.(27)

--------------------------------------------------------------------------------

الهوامش

1. لمعرفة المزيد من النعم الجسمانية والروحانية في الجنة راجع تفسير نفحات القرآن 6: 189 فما بعدها.

2. بحار الانوار 67: 186.

3. هذا مضمون لكلمة قصيرة للامام علي(عليه السلام) في نهج البلاغة الكلمة 237.

4. الآية (265 من سورة البقرة) شاهد اخر علي ما ذهبنا إليه في المثل السادس من أنَّ المشبّه ليس المال المنفق بل نفس الشخص المنفق، فإنَّ الآية هنا تصرح في تشبيه شخصية المنفِق بالجنة (البستان).

5. الجنة من مادة (جن) وتعني التستر، وقد استخدمت في البستان باعتبار أنَّ اشجاره تستر الأرض وتغطيها. وعلي هذا، فليس كل بستان جنة. واطلاق مفردة (الجن) علي الموجود المعروف باعتبار أنه غير مرئي بل مستتر ومختفي . واطلاق المجنون علي من سلب عقله باعتبار ان عقله يتحجم ويتعطل ويتستر.

6. وقد جاء مثل هذا التعبير في سورة الرعد الآية 22، وسورة النساء الآية 39 وسورة فاطر الآية 29 وآيات متعددة أخري .

7. ميزان الحكمة، الباب 1587 الحديث 7603. وفي الباب روايات أخري عينت زكاة خاصة لكل شيء وقد جاء في رواية: (علي كل جزء من اجزائك زكاة واجبة لله عزوجل بل علي كل شعرة بل علي كل لحظة) وقد عدت بعض الروايات مانع الزكاة كافراً أو سارقاً وفي روايات أخري اردفت أنواعاً موحشة من العذاب لمانع الزكاة، للمزيد راجع ميزان الحكمة، الباب 1580 - 1582.

1. من المفضل في الموارد التالي ذكرها ان يكون التصدق علانية: لتشجيع الاخرين علي التصدق، لاحياء سنة التصدق الاسلامية، هذا إذا ما كان كل المسلمين يتصدقون سراً، فان التصدق سراً هنا قد يؤدي إلي تهمة ترك الانفاق، وكذا التصدق لتعظيم الشعائر الدينية.

6. وقد جاء مثل هذا التعبير في سورة الرعد الآية 22، وسورة النساء الآية 39 وسورة فاطر الآية 29 وآيات متعددة أخري .

7. ميزان الحكمة، الباب 1587 الحديث 7603. وفي الباب روايات أخري عينت زكاة خاصة لكل شيء وقد جاء في رواية: (علي كل جزء من اجزائك زكاة واجبة لله عزوجل بل علي كل شعرة بل علي كل لحظة) وقد عدت بعض الروايات مانع الزكاة كافراً أو سارقاً وفي روايات أخري اردفت أنواعاً موحشة من العذاب لمانع الزكاة، للمزيد راجع ميزان الحكمة، الباب 1580 - 1582.

8. وسائل الشيعة ج 6، ابواب الصدقة، الباب 9، الحديث 1.

9. المراد من الهداية التشريعية هو آيات القرآن المجيد والوحي واقوال وسيرة الرسول(صلي الله عليه وآله). والمراد من الهداية التكوينية هو الاعدادات والإمدادات الغيبية التي تطرأ علي قلب الإنسان المؤمن وروحه لتهديه إلي الصواب.

10. يقول الله في الآية 56 من سورة الذاريات: (وَمَا خَلَقْتُ الإنسَ والجِنَّ إلاّ لَيَعْبُدُون).

11 و 12. الفجر الآيات 27 - 30.

13. ميزان الحكمة، الباب 1994، الحديث 9316.

14. المؤمنون الآية 100.

15. حقاً ان خدمات السيد جبارة، وهي من قبيل: احياء الحوزة العلمية الشيعية وبناء ما يقرب من الف مسجد وترميم ابنية دينية واعادة طبع كتب قديمة قيمة كانت قد نسيت ومبادرته الذكية في ارسال مبعوث عنه إلي جامعة الازهر في مصر واعلام هذا المركز اثر ذلك عن أنَّ التشيع مذهب كبقية المذاهب الاسلامية وأنَّ المسلمين يمكنهم التمسك به والعمل حسب تعاليمه وخدمات مهمة وكثيرة أخري.

16. بحار الانوار 13: 432.

17. آل عمران: 92.

18. النقل بالمضمون وليس بالنص وهو عن احقاق الحق 10: 401، نقلا عن كتاب (مظهر ولايت) ص 269.

19. تفصيل القصة في ذيل الآية في المجلد الرابع من الأمثل الصحفة 45 - 46 .

20. بحار الانوار 4: 324 طبع بيروت.

21. وسائل الشيعة 6: 303.

22. البقرة: 263.

24. وسائل الشيعة 6: 303.

25. أمّا مشتقات هذه الكلمة فقد استخدمت اربعة عشر مرة في القرآن.

26 و 27. وسائل الشيعة ج 6، ابواب الصوم، الباب 1، الحديث 1و3و4و5.

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)