• عدد المراجعات :
  • 3144
  • 10/30/2005
  • تاريخ :

العلاقة بين التفسير و التجدد في الفكر الإسلامي 

مبعث، کعبه

معظم الناس يعتقد أنّ كلمة التجديد في الفكر الإسلامي تقتضي أن يتم ذلك التجديد على أساس تجاوز النصوص النقلية والتنكر وهذا المعنى للتجديد لا يمكن أن يكون مقبولاً، لأنّ تجاوز الأصل النقلي هو إلغاء لعلاقة الفكر بأصوله ، وبالتالي فإنّ كلمة التجديد لا تكون صادقة في التعبير عن هذه الحالة لأنّ كلمة التجديد تعني الالتزام بالنصوص الأصلية وينحصر التجديد في مجال يتعلق بالجهد الإنساني في تفسير النصوص ولا يمكن إنكار دور الإنسان في فهم النصوص النقلية لأنّ الإنسان هو المخاطب بها ويتجدد الخطاب في كل لحظة مع كل مكلف لكي يستقيم أمر التكليف ولو توقف الخطاب لتوقف التكليف فلا تكليف إلاّ بخطاب متجدد يخاطب الأجيال المتعاقبة على الدوام لكي يستمر الارتباط قوياً بين النصوص النقلية والأجيال المتلاحقة وكل جيل مكلف بقراءة النص وتفسيره مع احترام شروط التفسير ولا نستطيع أن ندعي أنّ جيلاً من أجيال المكلفين اختص بالخطاب التشريعي وانفرد بحق تفسير ذلك الخطاب ولو صح ذلك لتوقف النص عن العطاء والنصوص النقلية قائمة وثابتة وراسخة وهي قابلة للتفسير في كل عصر من العصور لكي يستمر النماء والعطاء بفضل الإنسان الذي يجسد قضايا مجتمعه .....

والاجتهاد يكون فيما ورد فيه النص في معظم الأحيان وذلك عندما يحتاج النص إلى التفسير ، ولهذا اختلف المفسرون في تفسير النصوص كما اختلف الفقهاء في مناهج الاستنباط وفروع الأحكام ولقاعدة الفقهية- لا اجتهاد في مورد النص- تفيد عدم جواز استنباط حكم اجتهادي مخالف للنص وهذا أمر بدهي كما لا يجوز الاجتهاد فيما كان النص فيه دالاً على حكمه بطريقة قاطعة ومن المقرر لدى علماء أصول الفقه أنّ الاجتهاد يكون فيما ورد فيه نص وفيما لم يرد فيه نص فما ورد فيه نص يكون الاجتهاد فيما كان ظني الثبوت أو ظني الدلالة ، وتتمثل مهمة المجتهد في البحث عن النص من حيث اعتباره دليلاً أو غير دليل ، ويكون ذلك في السنّة النبوية حيث يقع الاختلاف في مدى الحكم على الرواة من حيث العدالة والضبط ولا يتصور الاجتهاد في مجال القرآن من حيث الثبوت لأنّ القرآن قطعي الثبوت .

و الاجتهاد في النص يكون في مجال معرفة الدلالة اللفظية لذلك النص والمفسر هو الجهة المكلفة بمعرفة الدلالة المرادة من ذلك النص بقدر الطاقة البشرية ولذلك قال علماء التفسير في معرض تعريفهم للتفسير هو البحث عن مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية...

الموضوع الأول: التعــــــريف بالتفسيــر

التفسير في اللغة البيان والإظهار يقال فلان ذو بيان أي ذو قدرة على إظهار المعنى بأبلغ عبارة والإظهار يحتاج إلى جهد بشري ويختلف عن الظهور فالظهور يكون ذاتياً والإظهار لا يكون إلاّ بجهد لذلك يقال ظهر الهلال أي بان ويقال أيضاً أظهرت المعنى أي بذلت جهداً في كشف ما هو مراد باللفظ من الدلالات .

وكلمة التفسير تقتضي وجود نص لأن المفسر يعكف على ذلك النص للكشف عن المراد به والنص هو الخطاب الشرعي وكلمة الخطاب تستدعي البحث عن المخاطب-بكسر الطاء- والمخاطب- بفتح الطاء- فالمخاطِب في الخطاب الشرعي هو الله والمخاطَب هو الإنسان

والمخاطب بالفتح هو الإنسان الذي يوجه إليه الخطاب وهو المكلف بتفسير ذلك الخطاب في حال توفر أهلية التفسير فيه ولا يجوز لجيل مخاطب بالنص الشرعي أن يتخلى عن مسؤوليته في تفسير النصوص مكتفياً بجهد الأجيال السابقة لأنّ ذلك يلغي النص ويعدمه فالنص متجدد في مخاطبة المكلفين ومن واجب المخاطب أن ينظر في النص وأن يستنبط منه الحكم الشرعي فالقرآن يخاطب المكلف ومن واجب المكلف عند قراءته للنص أن يعتقد أنه المخاطب بذلك النص وأذكر بهذه المناسبة كلمة للشاعر الباكستاني المسلم محمد إقبال يخاطب بها ولده: يا بني اقرأ القرآن كأنه عليك أنزل .....

الموضوع الثاني: مدارس التفسيــر

يراد بمدارس التفسير الاتجاهات التي أخذ بها فقهاء القانون في تفسيرهم للنصوص الشرعية من حيث الالتزام بالدلالة اللغوية أو الأخذ بمقاصد الشرع وغاياته .

ونلاحظ أنّ مدارس التفسير ثلاث:

- المدرسة الأولى : المدرسة التقليدية وتأخذ هذه المدرسة بما أخذ به معظم الفقهاء في بداية العصر الحديث من نظرة احترام لإرادة المشرع والبحث عن تلك الإرادة من خلال الدلالة اللغوية للنص التشريعي وأخذ بهذا الرأي علماء الفقه في فرنسا ونظروا للنص التشريعي نظرة قداسة وسميت هذه المدرسة بمدرسة الشرح على المتون وحجة هؤلاء أنّ إرادة المشرع كامنة في اللفظ وعلى المفسر أن يبحث عن تلك الإرادة من خلال ذلك اللفظ ولا يجوز بناءً على هذا الاتجاه لأي مفسر أن يتجاوز الدلالة اللغوية للنص التشريعي ، ويروى عن أحد الفقهاء الفرنسيين أنه قالك لا علاقة لي بالقانون وتنحصر مهمتي في تفسير مدونة نابليون...

ويؤخذ على هذه المدرسة أنّ أصحابها وجدوا أنفسهم يبحثون عن إرادة وهمية للمشرع لأنهم لا يستطيعون معرفة إرادة المشرع الحقيقية وهم في بحثهم عن الإرادة الحقيقية كانوا يبتعدون عن غايات المشرع ومقاصده وأحياناً كان تفسيرهم مناقضاً لتلك المقاصد والمصالح الاجتماعية التي جاء النص التشريعي لحمايتها .

- المدرسة الثانية: المدرسة التاريخية وتأخذ هذه المدرسة بمبدأ يقوم على أساس مراعاة غايات المشرع ومقاصده فالمشرع عندما وضع النص التشريعي كان يراعي ضمير الجماعة ويعبر عن مصالحها كما تصورها خلال فترة زمنية معينة وضمير الجماعة متجدد ولو جاء المشرع في عصر آخر لأخذ بالاعتبار مصالح الجماعة ولا علاقة بين إرادة المشرع والنص التشريعي لأنّ القانون له شخصية مستقلة ومن حق أي مفسر أن يفسر النص مراعياً بذلك ضمير الجماعة الذي يتجدد باستمرار وأخذ بهذا الاتجاه علماء الفقه الألماني .

ويلاحظ في هذه المدرسة أنّ المفسر قد يبتعد كثيراً عن إرادة المشرع وقد يتجاوز في بعض الأحيان الدلالة اللغوية للنص وهذا يدفعه إلى البحث عن إرادة افتراضية للمشرع والإرادة الافتراضية لا تقوم على أساس صحيح لأنّ المفسر في ظلّ الأخذ بهذا المبدأ قد يلغي النصوص التشريعية بحجة مراعاة المصالح الاجتماعية .

- المدرسة الثالثة المدرسة العلمية : برزت هذه المدرسة على أنقاض المدرستين في محاولة للتخفيض من تطرف الاتجاه الأول والاتجاه الثاني ويقوم هذا الاتجاه المعتدل على أساس احترام الدلالة اللغوية للنص التشريعي مع مراعاة مقاصد المشرع وغاياته لكي يكون التفسير في ظلّ هذا التوازن والواقعية معبراً عن إرادة المشرع ومراعياً المصالح المتجددة التي أراد المشرع احترامها .

أقسام التفسيــر

ينقسم التفسير من حيث الجهة التي تقوم بمهمة التفسير إلى ثلاثة أقسام :

- التفسير التشريعي : ويعتبر التفسير التشريعي امتداداً للنص ويأخذ خصائصه من حيث الإلزام ويجب أن يصدر التفسير التشريعي عن نفس المشرع أو عن جهة مخولة القيام بمهمة التفسير ونظراً لهذا الاعتبار فإنّ التفسير التشريعي يعتبر امتداداً للنص التشريعي ويكون له أثر رجعي لأنّ هذا التفسير يكشف عن إرادة المشرع الحقيقية .

- التفسير القضائي: ويطلق التفسير القضائي عل ما يقوم به القضاء من تفسير لبعض النصوص بغية التمكن من الفصل في المنازعات وليس من مهمة القضاء أن يتصدى للتفسير والتفسير بالنسبة للقضاء ليس غاية بذاته إلاّ أنّ القضاء يحتاج أحياناً إلى تفسير بعض النصوص عند الحاجة إلى القضاء ويتميز التفسير القضائي بالمرونة والواقعية وهو أقرب إلى مراعاة مصالح الناس لأنّ القضاء شديد الصلة بحاجات الناس وهو يحسن معرفة ما ينفع الناس إلاّ أنّ التفسير القضائي لا يمكنه أن يستغني عن تفسير الفقهاء لأنّ الفقهاء يحسنون التفسير ويكون تفسيرهم أكثر عمقاً إلاّ أن ّ ما يؤخذ على تفسير الفقهاء إيغاله في التفسير النظري الذي قد يصطدم في معظم الأحيان مع الواقع .

- والتفسير الفقهي: لا يمكن الاستغناء عنه ويعتبر الفقهاء أنّ التفسير غاية بذاته ولذلك يبحثون عن كل الدلالات التي يمكن أن تستفاد من اللفظ ولا يعنيهم في شيء أن يكون تفسيرهم محققاً لمصالح اجتماعية لأنّ انصرافهم إلى الفظ يبعدهم في بعض الأحيان عن مقاصد المشرع وغاياته...         

وهذا ما نلاحظه في بعض الأحكام الفقهية في الفقه الإسلامي حيث نجد أنّ الفقهاء الذين عملوا في مجال القضاء كان اجتهادهم أقرب للواقع ، ولذلك فأنّ من الضروري أن يقع التعاون والتكامل بين القضاة والفقهاء لكي يستفيد القضاء من عمق الآراء الفقهية ويستفيد الفقهاء من مرونة القضاء وخبرته في مجال الأحكام .

ولو نظرنا إلى بعض الاجتهادات الفقهية لوجدنا أنّ بعض الاجتهادات خضعت لمنهج في التفسير يأخذ بالاعتبار المقاصد الشرعية كالاجتهادات التي صدرت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في كثير من المواقف التي واجهته كاجتهاده في موضوع المؤلفة قلوبهم وراعى في تفسيره للنص الذي يعطيهم بعض أموال الزكاة الظروف الزمانية التي أخذت بالاعتبار وأهمها مراعاة المصلحة الإسلامية في تخفيف العبء عن المسلمين لكي يكونوا أكثر قدرة على مواجهة خصومهم .

ويدخل ضمن هذا المنهج في التفسير ما قرره عمر بن الخطاب من إيقاف حدّ السرقة في عام المجاعة وأعتقد شخصياً في هذه الواقعة أنّ جريمة السرقة لم تكتمل أركانها فالركن المادي للجريمة قائم والركن الشرعي كذلك إلاّ أننا لا نستطيع الحكم بتوافر ركن الجريمة وهو القصد الجنائي فالسارق في عام المجاعة يندفع للسرقة وهو مكره ولا خيار له لأنّ الجوع يدفعه إلى ذلك السلوك ولا قصد مع توفر أسباب الإكراه والقاعدة الشرعية تقرر مبدأ درء الحدود بالشبهات والإكراه من أكبر وأهم الأسباب التي تنفي توافر جريمة السرقة بالطريقة التي توجب إقرار عقوبتها الشرعية، وانتفاء عقوبة السرقة لا يعني إلغاء عقوبة التعزير للتخويف ولعدم تشجيع الإقدام على السرقة تحت مظلة الجوع والحاجة .


عالمية القران و أسراره في عيون كبار المفكرين

القرآن و أثره في تغذية الروح

بحوث تمهيدية حول القرآن الكريم

تعلم القرآن و تعليمه

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)