• عدد المراجعات :
  • 2579
  • 5/2/2004
  • تاريخ :

المعايير الأساسية لحوار ناجح.. إذا زاد الكلام عن حدوده أصبح لغواً

الحوار

التواصل الأمثل بين الناس هو فرصة حياة ممكن خلقها فقدرات الإنسان كما هو ثابت بالتجربة لا تقف عند حدود وتسييد علاقاته الإنسانية مع الغير هي مسألة لا تحتاج إلى تعريف والحوار بحد ذاته هو نتاج معنوي للنفوس وممكن أن يوظف لصالح راحة الفرد أو أن يتسبب بإفناءه معنوياً، من هنا يمكن اعتبار الشخص المتحاور بإيجابية ذو ملكة يستطيع منها بموهبته المعتادة أن يصل أفكاره إلى الآخرين بيسر.

ويبقى المحذور في الحوار حين تطفو على سطح الكلام المتبادل حالة الاختلاف على نقطة ما أو أكثر مما يتطلب من الطرفين أو من أحد الطرفين على الأقل أن يبدي مرونة عالية في استقبال المقابل لتلافي توسيع رقعة الإشكالية الكلامية وعلى وجه التحديد إذا كان الحوار ذو طابع إعلامي رسمي أي مبث عبر الأثير السماعي أو الصوري (الراديو أو التلفزيون) وبلغ الهدف المرجو من كل حوار هو غاية مشروعة إذا ما اقتنع المرء أن حالة التباين أو الاختلاف مع المقابل في حدود (الموضوعية) مسألة تحتاج إلى بذل نفس طويل حتى إجلاء الحقيقة كاملة أمام المقابل الذي سيكون حراً بالامتناع عما سمعه أو شاهده أو لا يكون كذلك والمهم بهذا الشأن أن لا تترك الأمور على اعتماد خط التلقائية دون توضيح حواري بناء.

إن معظم الآراء المطروحة في مجالات عديدة تكون على الأغلب مشوبة بشيء مما يمكن تسميته بالعاطفة المنحازة سواء إلى الذات أو إلى طرف ما، ويحدد ذلك بصورة أقرب لما يدور في النفس المحاورة أن نمط الشخصية المقابلة ممكن أن توحي بهويتها واصطفافها حتى دون حاجة إلى إعلان عن ذلك فالمستبد بالرأي الخاطئ لا يحتاج إلى برهان والذي يعاني من قصور في آرائه هو الآخر مكشوف أمام الجمهور وبعض الشخصيات كما هو معلوم مفضوحي المواقف أمام الرأي العام حتى قبل أن يستمع لهم أو يشاهدوا أي حوار يكونون فيه طرفاً.

ولعل في الذاكرة اليقظة لدى كل مجتمع نماذج من الشخصيات قد مرت وبعضها قد حاز على تأييد شعوبها وبعضها الآخر لم يجن من تصريحاته أو حواراته سوى اللعنات من قبل بني قومه وبهذا الصدد يسجل لنا التاريخ كم عانى أصحاب الرأي الحر والعادل وكم دفع أبطال الكلام الإيجابي من ثمن غال نتيجة لجملة قالوها بوجه ظالم أو أكثر.

وجدير أن يذكر أن المعايير الأساسية لأي حوار ناجح حقاً هو أن يلتزم الطرفان المتحاوران بـ(الإنصات للآخر) تماماً حتى إذا ما أنهى كلامه بادر المقابل لطرح وجهة نظره أما الآخر الذي يأخذ هو الآخر أداء دور المنصت بعد أن كان قد كان له دور المتلكم والمهم هنا هو فسح المجال كافياً ليقول المقال ما يجول بخاطره وهكذا فإن مسك طرفا (التكلم الموضوعي والإنصات الموضوعي) مطلوبان لأي من المتحاورين سواء كانوا أفراداً أو مجاميع.

ومن المعايير الأساسية للحوار توفر حسن النية عند المتحاورين الذين يتبادلون فيما بينهم أداء دور المتكلم تارة وبأخرى دور المنصت. أما عن وجود دوافع مغرضة مسبقة قبل إجراء أي حوار فلا يجعل ذلك الحوار ناجحاً أو حتى مقبولاً لذلك فإن الجمهور المتلقي للحوارات الإعلامية مثلاً تراه ينبهر أحياناً من كلام شخص ما ولا يعير إذناً صاغية لغيره رغم أن الأول قد يكون مغمور الاسم والثاني علماً من الاعلام المفروضون على الغير والمجتمع في بعض الحالات.

إن المخيلة الطبيعية عند الأناس الناجحون غالباً ما تبدع عند الاحتكاك الحقيقي لأفرادها مع الآخرين فأصحاب تلك المخيلة يعرفون عادة أين موقعهم في الحياة وبذاك فهم أعرف أعرف كيف تكون البداية الناجحة لأي حوار فصفة احترام المقابل لا تعتريها أي شائبة أما ما يمكن التنبيه منه عند بعض المتحاورين فهو التعصب اللاموضوعي لفكرة ما سبق اختمرت في أذهانهم وبالذات حين إذا ما اعتبروا أن تنازلهم أو إعلان موافقهم لصحة الآراء عند المقابل ومجاراتها هو نوع من التنازل أو الارتداد عما يحملوه من آراء وانطباعات تكاد أن تكون من ثوابت آرائهم وانطباعاتهم مع أن في ذلك مغالطة كبرى وطعن بأصوليات النقاش أو الحوار الذي ينبغي أن يوصل في العقول عند المتحاورين مادام التعايش بين الآراء المختلفة لا يؤدي تدمير الفضيلة المطلوبة دوماً للنفوس.

إن المدنية المعاصرة تحتاج لمن يراقب حواراتها فالعالم يسير بخطى سريعة نحو المجهول وحتى لا يكون هناك تعارض بين النوايا الحسنة فإن أفضل سبيل يتجه لتحقيق حوار ناجح هو توفير حسن النية وتأييد موضوعية المقابل الآخر بعيداً عن أي تزمت وثم الاعتراف بصحة رأيه وثم الاعتراف بترجيحه إذا كان كذلك وبذاك فقط يكون الحوار قد أدى غايته النبيلة.

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)