• عدد المراجعات :
  • 1896
  • 12/10/2003
  • تاريخ :

الأطفال ودائع الله هدايةً ورعاية (1)

الطفل

الطفل هواللبنة الأولى في المجتمع ... و كما أن البناء يحتاج إلى هندسة و موازنة ، و كما أن النواة تفتقر إلى التربة أو الظروف المناسبة، كذلك الطفل، فإنه يحتاج إلى هندسة و موازنة بين ميوله وطاقاته ، و يفتقر إلى تربة صالحة، ينشأ فيها و تصقل مواهبه !!

إنه عالم قائم بذاته ، يحمل كل سمات الحياة بصورة مصغرة ، في صخبها و أمنها، في سعادتها و شقائها ، في ذكائها و بلادتها ، في صفائها و حقدها ، في تفوقها و تأخرها ، في إيمانها و جحودها ، في حربها و سلمها ...

إن تعهد العقل و العاطفة بالتربية و التنمية ، يجب أن يبدأ من مرحلة الطفولة ، فمرحلة الطفولة، هي أحسن مراحل تعلم الأسلوب الصحيح في الحياة ، فقدرة الإقتباس و التقليد ، و حاسة التقبّل عند الطفل شديدة ، فباستطاعته أن يتلقى جميع حركاته و سكناته ، و أقواله و أفعاله .

و في الوقت الذي يتكامل جسد الطفل و ينمو ، يجب أن تسلك روحه في طريق التعالي و التكامل أيضاً ، و كما يعتنى بسلامة جسد الطفل ، يجب أن يعتنى بسلامة مشاعره و معنوياته ، حيث يجب تعويد الطفل على النظافة و الأدب والصدق و العطف و المسؤولية و حب الخير  و الخ ،  فمن الصعوبة بمكان تغيير سلوك الأشخاص، الذين لم يتعودوا في أيام طفولتهم على السلوك التربوي الصحيح .

إن أسعد الناس ، هم أولئك الذين نشأوا على التربية السليمة و الصفات العالية ، منذ حداثة السن حتى أصبحت جزءاً من كيانهم .

لذلك إن للآباء والأمهات دوراً مهماً في بناء سعادة الأطفال وحمل مسؤولية كبيرة على عواتقهم .

يقول الإمام علي (ع) لولده الحسن (ع) : "إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته ، فبادرْ إبنكَ بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك " .

إنقلب الطفل صفحة بيضاء، لا يوجد فيها فكرة صحيحة أو خاطئة ، و الآباء والأمهات الشاعرون بالمسؤولية ،هم الذين يستغلون ذلك أقصى الإستغلال ،و يجعلون قلوب أطفالهم تتزيّن بالملكات الفاضلة و الأخلاق الحميدة .

إن عواطف الطفل و مشاعره ، تظهر قبل عقله ، و يمكن الإستفادة من أحاسيسه، قبل ذخائره العقلية بكثير .

إن الأطفال في جميع أنحاء العالم، يرسلون إلى المدارس بعد السنة الرابعة أو الخامسة من عمرهم  و من ذلك الحين، تتفتح المواهب الفكرية للطفل ، في حين أن أحاسيسه و مشاعره، تبدأ بالنشاط قبل ذلك بزمن طويل .

ففي الوقت الذي لايفهم الطفلالمسائل العلمية و لا يدركها ، نجده يدرك القضايا العاطفية ، و هي بدورها تؤثر فيه ..

إن موضوع تنمية المشاعر و الأحاسيس ، يشغل قسطاً مهماً من المسائل التربوية ، و يقع عبء المسؤولية في أداء هذا الواجب على الأبوين ، فرياض الأطفال عاجزة عن أن تحل محل العائلة و الأم في إحياء جميع مشاعر الطفل الخفية بصورة لائقة و هداية الطفل إلى السير الطبيعي الذي فطر عليه .

وهنا يجدر القول، إن على الأهل أن يهتموا بأطفالهم و بسلامة تغذية الجسد والروح ، و هذا ما يجعل عبء مسؤولية الوالدين في المراحل الأولى للطفل ثقيل جداً ، لأن الغفلة عن صحة و سلامة الغذاء المادي و الروحي ، تؤدي إلى عوارض غير قابلة للتدارك ، فالطفل يكتمل بناؤه في الأعوام الأولى من حياته ، و لا بد من الإعتناء بجميع جوانبه المادية و المعنوية ..

لذا إن على الوالدين المسلمين ، أن يتنبها إلىالمسؤولية الدينية العظيمة عليهما في تربية أطفالهما ، و يعلما أن الأطفال ودائع الله في أيديهما  .

لذا ليست المسؤولية العظمى للآباء في أن يجمعوا في حياتهم ثروة ضخمة و يورثوها إلى أولادهم، ذلك أن الولد إذا لم يحصل على تربية صحيحة ، فإن الثروة قد تجره إلى الفساد و الشقاء .

إن مسؤولية الوالد تعني ، أن يربي ابنه علىالملكات الفاضلة والقيم العليا و الإيمان بالله و إعداده لخوض معركة الحياة بنبل و طهارة ،لأن طفل كهذا يستطيع ، أن يحيا حياة سعيدة و عزيزة ، و في نفس الوقت يستطيع ، أن يكتسب ثروة كبيرة عن طريق مشروع .

يقول أمير المؤمنين علي (ع) : " خير ما ورث الآباء الأبناء الأدب " .

ومن نتائج تلك التربية ، أنهم يعيشون حياة مطمئنة  ، محبوبون لدى الجميع ، فيجب أن يشكروا الله تعالى على تلك النعمة ، و يترحموا على والديهم ، و يحافظوا على الملكات الفاضلة، التي تربوا عليها ، فلا يفقدوها بمعاشرة الفساد و مجالسة الأشرار .

أما الأولاد الذين لم يتلقوا تربية صحيحة من آبائهم، فإن عليهم أن يبادروا إلى اصلاح أنفسهم ، ليكونوا واثقين من أنهم قادرون على تدارك تقصير والديهم بحقهم ، و ذلك بأن يتمسك هؤلاء الأفراد بالأساليب العلمية و الدينية الصحيحة ، و بذلك يستطيعون، أن يسلكوا الطريق إلى السعادة و الطهارة و العفة ...

من الأمور الفطرية عند الإنسان ، و التي يمكن أن تكون أساساً ثابتاً لتربية الطفل ، غريزة التفوق و حب الكمال .. إن الرغبة في الترقي والتعالي، تعتبر من فروع حب الذات المودع في فطرة كل إنسان ، و على المربي الواعي ،أن يستغل هذه الثروة النفسية ، و يقيم شطراً من الأساليب التربوية الصحيحة على هذا الأساس ، فيسوق الطفل إلى طريق الترقي و التعالي .

يقول الإمام الحسن (ع) : " أنه دعا بنيه وبني أخيه ، فقال : إنكم صغار قوم ، ويوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين ، فتعلموا العلم اليوم فمن لم يستطع منكم أن يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته ".

 و في هذا الحديث، نجد أن الإمام الحسن (ع) ، لأجل أن يحث أبناءه وأ بناء أخيه على اكتساب العلوم، و يشجعهم على ذلك ، يستفيد من حب الذات و الترقي عندهم .. و هوأمر فطري ، من دون أن يتوسل إلى الزجر و الأساليب المخيفة ، و يفهمهم أن تحصيل العلم اليوم ،هو سبيل الوصول إلى العزة و العظمة في الغد .

إن الأسلوب المستعمل في هذا الحديث، يعد من أعظم الأساليب في مجال التربية و التعليم في العصر الحديث ، فكل أسرة ، تستطيع أن تشجع أبناءها على تحصيل العلوم بهذا الأسلوب ، و تدفعهم منذ البداية إلى التعالي و الترقي، فإن الأطفال يسعون وراء العلم بدافع ذاتي فيما بعد ، و لا يحتاجون إلى التهديد و التعقيب .

و هنا توجد نقطة تشابه بين جو الأسرة العائلية و محيط الدولة و الحكومة الإسلامية، حيث يقوم النظام الإجتماعي فيها على مبدأي الحرية و العدالة .. لذلك فإن التربية في ظل النظام الإسلامي ، تقوم بدورها على العدل و الحرية ، و تنمية حب التعالي و التكامل في نفوس الأطفال ..

يقول الإمام علي (ع) لولده الحسن (ع) : " ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً " بهذه الجملة القصيرة يزرع الأب العظيم أعظم ثروة للشخصية في نفس ولده ، ويعوده على الحرية الفكرية .

وبالنسبة إلى تعلم الأطفال قال (ع) : " من لم يتعلم في الصغر لم يتقدم في الكبر "

إن المربي القدير، هو الذي يستفيد من غريزة حب الكمال و التعالي عند الطفل، و يقيم قسماً كبيراً من أساليبه التربوية على هذا الأساس .

الجزء الاًول...


ما هو الأساس الأهم للتربية ؟

الأطفال ودائع الله هدايةً ورعاية (2)

الأطفال ودائع الله هدايةً ورعاية

بناء العاطفة عند الأطفال

التربية بين الدلال والإهمال والقسوة واللين

علامات نبوغ الطفل؟

أطفال أكبر من سنهم 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)