• عدد المراجعات :
  • 3676
  • 3/11/2014
  • تاريخ :

الأغراض الاجتماعية في نهج البلاغة

حضرت مهدي (عج)

«لا تجعلن أكثر شغلك بأهلك وولدك فإن يكن أهلك وولدك وأولياء الله، فإن الله لا يضيع أولياءه» «وإن يكونوا أعداء الله فما همك وشغلك بأعداء الله؟».

1. علاقة الفرد بربه

ضم نهج البلاغة بين دفتيه صفحات نادرة في تمجيد الله وتجليل صفاته، وكثر فيه النصح بإلقاء النفس إلي الله، كما جاء في وصية الإمام لابنه وبشكره علي نعمائه وعدم الاغترار بما يوفق إليه من النجاح: «وإذ أنت هديت لقصدك، فكن أخشع ما تكون لربك».

وأوصي ابن أبي بكر بقوله: «.. ولا تسخط الله برضا أحد من خلقه فإن في الله خلفاً من غيره» وبمثل هذا كان يفتتح خطاباته إلي ولاته وقضاته: ولنستمع إلي قوله حين بعث بعض عماله إلي الصدقة: «آمره بتقوي الله في سرائر أمره وخفيات عمله حيث لا شاهد غيره ولا دليل دونه وآمره أن لا يعمل بشيء من طاعة الله فيما ظهر فيخالف إلي غيره فيما أسرّ» وليس غريباً أن يوصي بما أوصي به القرآن من الرجوع إليه وإلي الحديث عند التباس الأمور فيقول: «واردد إلي الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب ويشتبه عليك من الأمور». وليس غريباً أيضاً أن يعتبر الشكوي من نوائب الزمان شكوي من الله فيقول: «من أصبح يشكو مصيبة نزلت به فقد أصبح يشكو ربه».

وقد ظهرت عقيدته الراسخة في الله ودعوته إلي نصرة دينه في قوله: «لا تجعلن أكثر شغلك بأهلك وولدك فإن يكن أهلك وولدك وأولياء الله، فإن الله لا يضيع أولياءه» «وإن يكونوا أعداء الله فما همك وشغلك بأعداء الله؟».

علي أن نغمته الزاهدة لا تفتأ تتكرر فهو يقول لنا هنا: «من رضي برزق الله لم يحزن علي ما فاته» ويقول لنا هناك أن «الرزق رزقان رزق تسعي إليه ورزق يسعي إليك» وهذا قول حكيم لأنه لا يدعو إلي الكسل وانتظار الرزق من الله، بل يقول أن السعي يزيد الرزق ولكن يجب علي المرء ألاّ يشتغل بجميع جوارحه بالسعي وراء الدنيا فيغفل عن العمل الصالح.

سبق إيراد قوله عليه السّلام: «إن من أصبح يشكو مصيبة نزلت به فقد أصبح يشكو ربه».

والآن نضم إلي ذلك قوله: «ولا يحمد حامد إلاّ ربه، ولا يلم لائم إلاّ نفسه». إن النص الأول يدعونا إلي عدم شكوي الزمان، لأن الزمان يجري كما قضي الله وقدر فثورتنا عليه ليست إلاّ ثورة علي قضاء الله وقدره، أما النص الثاني فإنه يدعونا إلي أن نعتقد أن الخير من الله، وأن الشر من أنفسنا أي أن الله أعطانا عقلاً نميز به بين الطريقين كما قال تعالي: (وَهَدَيْنَهُ النَّجْدَيْنِ)1 فإن سلكنا طريق الشر فلا نلم إلاّ أنفسنا. وإن سلكنا طريق الخير فلا نحمد إلاّ الله لأنه هو الذي أرشدنا.

2. علاقة الإنسان مع نفسه

(أ) قال في وصيته إلي ابن أبي بكر: «... فأنت محقوق أن تخالف علي نفسك» أي أن تخالف هواك وتحكم عقلك. ثم قال في موضع آخر: «من كان له من نفسه واع1 كان عليه من الله حافظ». وأوضح ذلك الرأي بموضع ثالث بقوله: «من لم يعن نفسه حتي يكون له منها واعظ وزاجر، لم يكن له من غيرها زاجر ولا واعظ».

لقد عرف الإمام علي أن بالنفس نوازع شرو نوازع خير فدعا إلي التشديد عليها حين تأمر بالسوء واستعان عليها بالله في قوله: «والله المستعان علي نفسي وأنفسكم» ثم اعتمد علي الضمير اليقظ وأهاب بنا أن نقويه فإنه عاصمنا ومنه المزدجر. وقد زاد من عنايته بالتدريب النفسي أنه اعتقد أن الطباع كسبية فقال: «إن لم تكن حليماً فتحلّم فإنه قل ما تشبه بقوم إلاّ أوشك أن يكون منهم» وأنه اعتقد أن الإنسان مفطور علي الخير وأن الخير في عودته لفطرته فقال: «الله بعث في الناس رسله وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته» فمهمة الأنبياء عنده أعادتنا إلي الفطرة التي فطرنا عليها.

(ب) ونلاحظ أنه أكثر من النهي عن «الإمل» لا الأمل الذي نعرفه والذي حثَّ الله عليه بل أوجبه في ذكر أقواله تعالي: (لَا يَاْيْئَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاّ الْقَوْمُ الْكَفِرُونَ)2 وإنما الأمل بمعني الاعتماد علي طول الأجل، وارتكاب المحرمات، وإرجاء الفراض اعتماداً علي ذلك وهذا رأي نشاركه كلنا فيه فإن كل ما بالعالم يمر في سرعة وثابة وما أنصف ولا أصاب من يبذر في صحته أو ماله اعتماداً علي وفرة صحته أو ماله ولا من يۆجل العمل انتظاراً للغد. فإن الغد يمر ونمر معه، وإذن فما أحرانا أن نعمل بنصيحة الإمام القائلة: «وبادروا أجالكم بأعمالكم» وأن نتدبر قوله: «إن أخوف ما أخافُ عليكم اتباع الهوي وطول الأمل».

(جـ) لم أكد أبدأ الكتابة في علاقة الإنسان بربه حتي شعرت بنحولة الفاصل بين هذا القسم والقسمين الأخيرين، وها أنذا الآن أشعر بهذه النحولة أيضاً: فها هي حكم ووصايا تدخل في سلوك المرء مع نفسه وتدخل في سلوكه مع غيره كقوله: «قرنت الهيبة بالخيبة والحياء بالحرمان والفرصة تمر مر السحاب فانتهزوا فرص الخير» ومثل قوله: «امش بدائك ما مشي بك» وقوله: «الصبر صبران: صبر علي ما تكره وصبر علي ما تحب» وقوله البليغ: «أفضل الزهد إخفاء الزهد» ونهيه: «وإياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الإطراء فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين» فإن دعوته إلي الشجاعة والجرأة وانتهاز فرص الخير وتحمل الداء وعدم الاستنامة إليه، والصبر بنوعيه، وإخفاء الزهد أي الزهد في سبيل التظاهر والزهد بالقلب مع مواصلة العمل والجهاد، ونهيه عن الإعجاب بالنفس وحب الثناء، كل هذه العهود يتناولها المرء بينه وبين نفسه وبين غيره، أما أمره: «ولا تتمن الموت إلاّ بشرط وثيق» أي لا تعرض نفسك للهلاك إلاّ أن تقضي غاية سامية وضرورة لازمة، فإنه أدخل في نطاق المعاملة النفسية.

اعداد:سيد مرتضي محمدي


عظمة النفس و الغيرة في نهج البلاغة

الفصاحة والجمال في نهج البلاغة

بلاغة الإمام علي عليه السلام

عقله الجبار ينظم عاطفته

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)