• عدد المراجعات :
  • 6909
  • 3/10/2014
  • تاريخ :

بني إسرائيل ينقضون العهد الألهي

تورات

أثناء حكم يوسف عليه السلام لمصر. جاء بنو إسرائيل وأقاموا فيها، وسار فيهم يوسف بشريعة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام، وأرسى قواعد التوحيد الذي لا يعبد فيه إلا الله وحده لا شريك له في نفوسهم، وبعد رحيل يوسف عليه السلام هبت عواصف الفراعنة تحمل الوثنية وتطرحها على أرض مصر من جديد. ويرى هذا لدى قوله تعالى: (وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ) (1) وعلى امتداد الثقافة الفرعونية تأثرت الروح الإسرائيلية بالوثنية الفرعونية ومنها عبادة عجل أبيس الذي اعتقدوا أن روح الآلهة تسكنه! وتحت الراية الفرعونية شرب بنو إسرائيل من وعاء المادية حتى أصبحت المادية أصل أصيل داخل نفوسهم. وهذه المادية هي التي جعلتهم يحكمون في الله سبحانه بما يعقلون من أوصاف الماديات، ورغم أن شعب بني إسرائيل أجرى حياته في ظل الفرعونية وفيما بعد على المادة إلا أن عصبيتهم القومية كانت تحتفظ لهم بدين آبائهم بصورة من الصور. وعلى الرغم من أن الكثرة منهم كانوا يجرون في حياتهم على أصالة الحس ولا يعنون بما وراء الحس، إلا أن عصبيتهم القومية كانت تعتني بما وراء الحس اعتناء تشريفيا من غير أصالة.

وعندما بعث موسى عليه السلام لم يۆمن به إلا القلة إيمانا حقيقيا، أما الكثرة فكانوا يۆمنون به إيمانا قوميا عموده الفقري إنجاز المصالح. وبعد خروج بني إسرائيل من مصر إلى سيناء، بوأهم الله المبوأ الطيب الذي يوجد فيه جميع ما يطلبه الإنسان من مسكن وهواء وماء. فسيناء صحراء جرداء لا شجر فيها ولا سكن والشمس فيها شديدة، ولكن يطيب لهم المكان، ساق الله إليهم الغمام ليظلهم ويقيهم وهج الشمس، وأرسل لهم سبحانه الرياح تحمل لهم المن والسلوى، وأمر سبحانه موسى أن يضرب بعصاه الحجر، فلما ضربه انبجست منه اثنتا عشرة عينا من الماء، وبالجملة أصبحوا وهم مع رسول الله موسى عليه السلام أحرارا يملكون أنفسهم ويعملون بكل حرية وكرامة ويعبدون إله الخلق.

ولكن شعب بني إسرائيل لم يشكر النعمة التي أنعمها الله عليه. فلقد كانت الكثرة إلى الكفر أسبق.

 والناقضون لعهد الله فيهم أكثر، فبعد أن ملوا من العيش في سيناء، طلب القوم من موسى عليه السلام سعة العيش، وقالوا له: لن نصبر على طعام واحد، فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض. فقال لهم موسى: أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم. فقالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ند خلها حتى يخرجوا منها. فإن يخرجوا منها فإنا داخلون.

قال المفسرون: توقف في المراد ما هو أمصر فرعون أم مصر من الأمصار.

والحق أن المراد مصر من الأمصار (2) فموسى عليه السلام حينما أراد الإنتقال بهم إلى إحدى المدن وإلى مصر من الأمصار من بلاد الشام امتنعوا عليه (3)، وقالوا لا قدرة لنا على مقاومتهم وقتالهم فلما رغبهم بوعظه ونصائحه، وببيان آياته التي أجراها الله على يديه، وعلموا منه الجد في لزوم دخول تلك البلاد، وسكنى تلك الأرض المقدسة (قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ*قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) (4). لقد طالبهم رسولهم بالقتال، والإنسان ذو الفطرة النقية يحب الاستشهاد تحت قيادة نبي الله ورسوله. ولكن القوم لم يرتفعوا إلى هذا الفهم نظرا لأنهم لا يعنون بما وراء الحس إلا اعتناء تشريفيا من غير أصالة ولا حقيقة، ومن أجل هذا قاموا بأعمال تثبت أنهم أكثر أمم الأرض لجاجا وخصاما وأبعدهم عن الانقياد للحق، لأنهم يتمادون في الجهالة والضلالة ولا يأبون عن أنواع الظلم وإن عظمت، وعن نقض المواثيق وإن غلظت. والقرآن الكريم سجل لهم العديد من مواقف الكفر والجحود وبأنهم كفروا النعمة وفرقوا الكلمة واختلفوا في الحق، ولم يكن اختلافهم عن عذر الجهل، وإنما اختلفوا عن علم. وشعب بني إسرائيل لم يعبد كله العجل. ولا كلهم عصوا الأنبياء ولا كلهم قتلوا الأنبياء إلى غير ذلك من معاصيهم، وإنما نسبت المعاصي إلى الكل رغم أنها صادرة عن البعض، لكونهم جامعة ذات قومية واحدة يرضى بعضهم بفعل بعض، وينسب فعل بعضهم إلى الآخرين. لمكان الوحدة الموجودة فيهم، وكما رأينا قبل ذلك أن الذي عقر ناقة صالح كان فردا واحدا ولكن الله تعالى نسب عملية العقر إلى ثمود كلها لأنهم قومية واحدة يرضى بعضهم بفعل بعض.

المصادر:

1-تاريخ الجوع والخوف / تحت الطبع.

2- سورة غافر، الآية: 34.

3- ابن كثير: 102 / 1.

4- كتاب الأنباء: ص 322.

 


النبي موسى(ع) كليم الله

قصة موسى والخضر عليه السلام

مقايسة قصّة الطوفان في التوراة و في القران

مواضع عِبر في قصة الطوفان  أغفلتها التوراة

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)