• عدد المراجعات :
  • 4821
  • 1/30/2014
  • تاريخ :

الاتجاهات الحديثة في تقسير القرآن - التفسير الاجتماعي

قرآن حکيم

تناول المفسّرون في العصر الحديث مشكلات الحضارة ، والانحطاط والتخلّف ، وتفشّي الأُمِّيّة ، والجهل ، والمرض ، والفقر ، ومصادرة الحرّيات ، والظلم والاستبداد ، وغياب الدور الاجتماعي للمرأة ، وغيرها من الأبعاد الغائبة في معظم آثار السابقين . واقترن ذلك بالدعوة لتحرير التفسير من الاستغراق في المباحث اللغوية ، وسرد آراء الفِرق ، والافتراضات البعيدة عن روح القرآن .

وكانت السمة المميّزة لخطاب المصلحين في هذا العصر تتمثّل بإحياء دور القرآن في حياة الاُمّة ، واستلهام رۆيته حيال المشكلات والهموم الاجتماعيّة والثقافية والسياسية والاقتصادية للمواطن ؛ كي يعود القرآن من جديد لتوجيه المجتمع ، والحضور الفاعل في دنيا الناس .

وقد استفاق وعي نخبة من العلماء على أفكار السيد جمال الدين الذي اهتمّ بالتعامل مع القرآن الكريم من منظور اجتماعي ، وحرص على استجلاء معالجات القرآن وتدبيراته وسننه في الاجتماع البشري ، كما يتبدّى لنا من مراجعة مقالاته في مجلّة ( العروة الوثقى ) . فمثلاً خصّ جمال الدين مسألة التفسير السٌّنني بأكثر من مقال ، مضافاً إلى الإشارات والتطبيقات السننيّة في تمام كتاباته . فقد كتب موضوعاً بعنوان : ( سنن الله في الأُمم وتطبيقها على المسلمين ) ، كشف فيه عن قوانين النهوض والانحطاط في الاجتماع البشري ، وحثّ على ضرورة إدراك الاُمّة ووعيها الدقيق لهذه القوانين ، إذا ما أرادتْ المساهمة في صناعة التاريخ(1) .

وفي فترة لاحقة سعى تلميذه محمّد عبده لتطوير هذا المنحى في فكر اُستاذه ، فتوسّع في بيان جذور السنن في القرآن الكريم في تفسيره ، ولم يقتصر محمّد عبده على ذلك ، بل دعا لتدوين علم جديد يعنى بفقه السُّنن ، ووجد أنّ تخلّف المسلمين اليوم يبرّر تدوين مثل هذا العلم ، فمثلما برّرتْ حاجات الاُمّة في الماضي تدوين علوم اُصول الدين والفقه وغيرهما ، فإنّ المتطلّبات الجديدة تقضي ببناء علم السُّنن(2) .

وفيما بعد وجد فقه السنن تطبيقات ناضجة له في أعمال مالك بن نبي ، التي عالجتْ مشكلات الحضارة والعوامل النفسية والاجتماعيّة لتطوّر الأُمم وانحطاطها(3) . وهكذا تحدّث الشهيد مرتضى المطهّري عن المصير المشترك للاُمّة وسنن اعتلائها وسقوطها في القرآن الكريم ، وبيّن شمول هذه السنن ودوامها متى ما توفّرت أسبابها وشروطها(4) . واستخلص الشهيد الصدر أشكال السنن التاريخيّة في القرآن ، وحلّل في سياق بحثه عن نماذجها عناصر المجتمع في القرآن وموقع الدين في هذه العناصر ، وانتهى إلى صياغة قوانين الثورة في ضوء ما يقرّره التفسير السنني(5) .

كذلك عالج أشهر المفسّرين في العصر الحديث مشكلات الاجتماع الإسلامي ، في ضوء ما يشي به النص القرآني ، وحرصوا على استنطاق الآيات القرآنية واستكشاف رۆية القرآن ومعالجاته لهذه المشكلات .

كما يتجلّى ذلك في تفسير ( التحرير والتنوير ) للشيخ محمّد الطاهر بن عاشور ، الذي عمل فيه على استيحاء مقاصد القرآن وأهدافه ، وهي المقاصد التي خصّص لها المقدّمة الرابعة من المقدّمات العشر الممهّدة لتفسيره ، ودعا فيها المفسّر إلى استقراء المقاصد وبيانها في التفسير ، والقارئ إلى طلب المقاصد عوض الوقوف الجامد عند الجزئي من معاني وألفاظ القرآن(6) .

أمّا تفسير ( تفهيم القرآن ) للشيخ أبي الأعلى المودودي ، فقد تلوّن بطبيعة الحياة الحركية لمۆلّفه ، وغدا بمثابة سجل لجهاده الدۆوب ، وأنماط العوائق والاستفهامات التي اكتنفتْ حركته ، ولعلّ ذلك هو الذي جعل المودودي يشير في مقدّمة تفسيره إلى أنّ الإنسان إنّما يستطيع أنْ يتدبّر القرآن ويفهمه فهماً سليماً ، في الوقت الذي ينهض فيه ويبدأ الدعوة إلى الله ، وهنا سينال تربية تقوده إلى سلوك خاص ، يصطلح عليه المودودي ( السلوك القرآني ) ، ويتّسم هذا السلوك بوفرة المنازل في رحلة السالك ، إذ يلتقي في كلّ مرحلة من رحلته بآيات وسور تنبئه أنّه نزل في هذه المرحلة ، فتفيض عليه ما يلزمه من زاد(7) .

وبموازاة التجارب المذكورة في التفسير ، نطالع تجربة رائدة جسّدت النموذج الأمثل للتفسير الاجتماعي ، نهض بها السيّد محمود الطالقاني في إيران ، فمنذ عام 1939 تقريباً شرع الطالقاني بدروس لتفسير القرآن ، ولم يقتصر على تلك الدروس ، وإنّما انطلق في مواعظه وخطبه على المنبر من القرآن ، وتوكّأ في دعوته لإقامة القسط والعدل ، وشجب الطغيان والظلم ، على مفاهيم القرآن . فاصطبغ التفسير لدى الطالقاني بصبغة المقاومة والثورة ومناهضة الاستبداد ، ممّا أثار حفيظة البعض الذين فوجئوا بتوظيفه للقرآن في بعث الحياة واستنهاض المجتمع ؛ لأنّ هۆلاء ألفوا القرآن يوظّف في حالات موت الإنسان ، أو دفنه ، أو تلقينه تحت الثرى ، أو إقامة العزاء عليه ، فاقترن الكتاب الكريم لديهم بالموت والأموات ، ولم يألفوا أيّة صلة له بالحياة والأحياء ، حسب تعبير السيّد الطالقاني(8) .

ويبدو المدلول الاجتماعي للقرآن بأجلى صورة في تفسير ( الكاشف ) للشيخ محمّد جواد مغنية الذي قال عن تفسيره : ( حاولت أنْ أُطبّق آيات القرآن على حياتنا ، وأربطها بأفعالنا ما استطعتُ ) (9) .

وأشبعه بالمشاغل والهموم اليومية للمجتمع ، وعبّر عن رۆية القرآن حيالها ببيان ميسّر يفهمه كل أحد ، ولم يتكلّف فيه لغة خاصّة بالنخبة ؛ ولهذا كان تفسير ( الكاشف ) من أوفر التفاسير حظاً من الانتشار بين القرّاء .

 

المصادر:

(1) جمال الدين الأفغاني : الأعمال الكاملة : ج 2 : ص 55 ـ 60 .

(2) محمّد هيشور : سنن القرآن في قيام الحضارة وسقوطها : القاهرة ، المعهد العالمي للفكر الإسلامي ، 1996م ، ص 9 .

(3) المصدر السابق : ص 124 ـ 131 . ( صدرتْ مۆلّفات مالك بن نبي في سلسلة تحت عنوان : مشكلات الحضارة ) .

(4) لاحظ كتابي : المجتمع والتاريخ ، وفلسفة التاريخ : للشهيد مرتضى مطهّري .

(5) المدرسة القرآنية : ص 39 ـ 238 .

(6) محمّد الطاهر بن عاشور : التحرير والتنوير : ج 1 : ص 38 ـ 45 .

(7) أسعد جيلاني : أبو الأعلى المودودي : ص 242 ـ 270 .

(8) بهاء الدين خرمشاهي : تفسير وتفاسير جديد ( بالفارسية ) : طهران ، انتشارات كيهان ، 1364ش ، ص 135 ـ 148 .

(9) محمّد جواد مغنية : تجارب محمّد جواد مغنية : بيروت ، دار الجواد ، ص 141

اعداد: سيد مرتضى محمدي

 



طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)