• عدد المراجعات :
  • 2838
  • 8/24/2013
  • تاريخ :

تأملات في لوحة شعرية للإمام الخميني رحمة الله عليه(٢)

الامام الخميني

و شرحنا بعض الأبيات في القسم الأول من تاملات في لوحة شعرية للامام الخميني، و الآن نقصد مواصلة أبياته:

قال وحيد عصره، و عزيز مصره الإمام الخميني (قدس الله نفسه الزكية):

غم دلدار فكنده است بجانم شرري

كه به جان آمدم و شهره ي بازار شدم

و ترجمته:

لقد رمي شوقي إلي الحبيب قلبي بالشرر

حتى شبعت من نفسي، وافتضح أمري بين الناس

شرح المفردات و المصطلحات

«غم» في اللغة بمعني الحزن. و غالباً ما يرد في سياق الغزل بمعني حب المحبوب والشوق إليه. و هو حزن لذيذ ينبعث من فرط المحبة. فالغم ـإذن ـ كناية عن العشق و الحب.

«دلدار»: المحبوب، المعشوق.

«شرر»: ما يتطاير من النار. و هو كناية عن شدة الحزن علي فراق المحبوب.

«به جان آمدم»: شبعت من نفسي.

«شهره»: المشهور، المعروف، الذائع الصيت.

«شهره ي بازار»: تعبير عمن يعرف بين الناس بصفة، و يضيع أمره بين الناس. (و بازار: يعني السوق).

يقول سعدي الشيرازي:

                                                  وحب سعدي حديث                               تناقلته المجالس

      ما عاد سراً دفينا                                 أخفيه بين الهواجس

تفسير عرفاني

هذا البيت ناطق بحقيقة قائله (أعلي الله مقامه الشريف)، و يوحي بمحبته الشديدة لله و لذوات المعصومين المقدسة (صلوات الله عليهم).

الحديث عن الحب بحر لايحد، والكلام عليه لا انقضاء له.

و قد ألف كبار أهل العرفان و الأولياء والعلماء ـ علي امتداد القرون ـكتباً مستقلة في الحب.. ما عدا الأبواب التي عقدوها في الكتب الأخري لموضوع الحب؛ متحدثين فيها عن آلاف المعاني و دقائق الدلالات. والاتيان بأسماء هذه الكتب يخرج بنا عن صلب كلامنا.

نتيجة

يمكن القول أن المراد بـ «الشوق إلي الحبيب قد قذف روحي بالشرر» هو معني الحديث الذي أوردناه عن أمير المۆمنين عليه السلام: «حب الله نار لا يمر علي شيء إلا احتراق».

و يقصد بتعبير: «ذاغ خبري في السوق» ما تضمنه الحديث النبوي يقول: «قذف في قلوب أصفيائه، و أرواح ملائكته، و سكان عرشه محبه؛ ليحبوه».. ذلك أن العبد إذا لم يكن محبوباً من الله (بالمعني الواقعي) فأنه لا يكون محبوب قلوب الأصفياء و أرواح الملائكة و سكان العرش، و لا يغدو معروفاً مكشوفاً أمره بين الملأ. و علي هذا تبدو العلاقة بين الشطر الأول من البيت و الشطر الثاني علاقة اللازم و الملزوم. و ربما كان انطلق من الحديث الأول ذلك الذي قال: «المحبة نار تحرق ما سوي المحبوب».

قال الإمام المجدد (أعلي الله مقامه السامي):

در ميخانه  گشائيد برويم شب و روز

كه من از مسجد و أز مدرسه بيزار شدم

و ترجمته:

افتحوا باب الحانة في وجهي ليلاً و نهاراً

فقد جزعت من المسجد و من المدرسة

مفردات البيت و عباراته واضحة من الوجهة اللغوية والأدبية، و ما بها من حاجة إلي البيان و والإيضاح.

مقدمة بين يدي التفسير العرفاني

لا ريب أن قراء هذه الأوراق التي كتبتها مبعثرة هم أرفع من أن أوضح لهم طائفة من الموضوعات البينة المكشوفة. لكن.. ما عساني صانعاً إزاء ما كنت قلته آنفاً من (ان الجاهل يستجر المرء إلي الكلام)؟! فالكلام هنا ـإذن ـ غير موجه إلي أهل الفضل والمعارف والأدب. و ما هذه المقدمة إلا حصانة مما يحتمل أن يلقيه بعض الشياطين من وسوسة في صدور عوام المۆمنين.

اعلمو ـ يا أعزتي المۆمنين الصالحين من محبي الإمام (رضوان الله عليه)ـ أن لكل لون من ألوان المعرفة لغة خاصة و مصطلحات معينة، و لكل علم من العلوم اصطلاحاته و تعبيراته الخاصة به.. بحيث أن من لا خبرة له بهذا العلم أو بهذه المعرفة لا يكون في وسعه إدراك هذه المصطلحات، و ربما لا يفهم الأمور علي وجهها الصحيح، فيحمله هذا غلي أن يكيل لأهل العلم والمعرفة ما لا يجوز من التهم. إن الجهل بمثل هذه الرموز والمصطلحات هو الذي رفع فوق رۆوس الكبراء ـ علي طول التاريخ ـ سياط التكفير.. و ما يزال.

و ينبغي الالتفات إلي أن الذين أساءوا التعامل مع مصطلحات الكبراء ينقسمون إلي فصيلتين:

الأولي ـ فصيلة المتظاهرين بالقداسة المتخشبين، الذين يقيمون في الجهل المركب و هم لا يعلمون أنهم لا يعلمون. أما إذا عرف أحدهم ثلاثة ألفاظ عربية أو بعض المصطلحات العلمية.. فياللغوث منهم، لما يوردونه علي الإسلام والمعرفة من المخاطر والأضرار! إن هۆلاء لمحجوبون عن إدراك عظمة الإسلام، و محرومون من فهم حقيقة شريعة سيد المرسلين (صلوات الله عليه و آله). و هذا موضوع يطول بسطه، والحديث عنه يتطلب رسالة منفردة.

الفصيلة الثانية ـ فصيلة المتشيطنين، الجهلة المتحللين، الذين يلعبون بكلمات الكبراء. والذين إذا أرادوا أن يضلوا أحداً ليحملوه علي إساءة الظن بالأعاظم، فانهم يحملون كلماتهم علي محامل سيئته. و قد يتشبثون ببعض ألفاظ الكبراء و مصطلحاتهم، و يتخذون منها ذريعته لما كانوا قد تردوا فيه من التحلل والانفلات.

حينما يستخدم أحد الأعاظم لفظة مثل «الخمرة» و «الحانة» في شعره، فما قصده ـنعوذ بالله ـ هذا الشراب الواقعي، أو الحانة المعهودة المعروفة. و نظيرها المصطلحات والتعبيرات الأخري، من طراز «جزعت من المسجد». و لقد نص بعض الكبراء أن مراده من هذه الألفاظ غير معناها الواقعي و اللغوي. يقول السهروردي في قصيدته التي ذكرناها:

قم يا نديم إلي المدام فهاتها                      في كأسها، قد دارت الأقداح

من كرم إكرامٍ، بدن ديانتهٍ                           لا خمرة قد داسها الفلاح

أو الفقيه العارف الأخلاقي الكبير المرحوم الملا أحمد النراقي (رضوان الله تعالى عليه) الذي له أشعار فاتنة يذكر فيها ألفاظاً من مثل: الخمرة، والحانة.. ذكراً كثيراً. و هو يصرح في بعضها بما ينشده من وراء هذه الألفاظ. يقول في إحدي قصائده المثيرة:

*ناولني ـأيها الساقي ـكأساً علي ذكر الحبيب

ولا إثم عليك؛ فإنما هي على ذكر الحبيب

*أنا لا بس المرقعة.. كل ما عندي هو من روح الحبيب

عارٌ ـإذن ـ على طيلسان قيصر و على قلنسوة كيخسرو

*واخجلتاه من الفقر إذا قايسة

بخزائن مدينة إصفهان و ملك الري

*إلي متى ـيا قلب ـ تقصد مدرسة الخزعبلات والترهات؟!

استمع ـولو يومين فقط ـ إلي حديث الحبيب من ناي القصب

*لا تتحدث أيها الواعظ عن الجنة والقصور والحرور

فإن نفوسنا تواقة للهوى والهيام

*أنا عندليب الروضة المقدسة

التي هي في منجيً من رياح الخريف و برد الشتاء

*«إذهب أيها الزاهد، فلماذا تذم الثمل بالناي؟!

إنما سكره من صفاء روح الحبيب.. لا من الخمرة»

تفسير عرفاني

قال صاحب الكشاف: «الحانة: باطن العارف الكامل الذي يغلب فيه الشوق والوجد والعوارف الإلهية».

يقول كاتب السطور: يبدو لنظري القاصر أن المراد بالحانة هو كثرة اللوامع التي تبدو لسالك في بداية سلوكه بصورة وصل و قطع. و بعدها تحصل حالة الطمأنينة التي هي في اصطلاح العرفاء، مقام الوصول.

و تأسيساً علي هذا التفسير، فإن «المسجد» و «المدرسة» كناية عن حال ما قبل «إرادة» السالك حيث يلتمس العثور على أول مفتاح.

ولأن هذه الحالات (أي حالات ما قبل الإرادة) لا تطلب لذاتها، و إنما تطلب بالعرض، جاءت لفظة «جزعت» كناية عن هذا الطلب بالعرض. والله أعلم بضمائر عباده.

قال سيد الأماجد والجامع من شرف النسب بين الطريف والتالد (طيب الله تربته):

جامه زهد و ريا كندم، و بر تن كردم

خرقه پير خراباتي، و هشيار شدم

و ترجمته:

خرقت ثوب الزهد والرياء

ولبست خرقة الشيخ، وصرت شهماً

شرح المفردات و المصطلحات

«جامه ي زهد و ريا كندم»: خرقت ثوب الزهد والرياء. و هو تعبير عن البعد عن الرياء. واقتران الزهد هنا بالرياء يدل على أن المقصود ليس الزهد الواقعي المعروف، بل الزهد الريائي.. وإلا فإن الزهد بمعناه الواقعي هو أحد مراحل السلوك، و من مقامات المقربين.

«خرقة»: الخرقة. الثوب الخلق. الثوب المرقع من قطع قماش مختلفة.

«خرابات»: الحانة. الخمارة.

«هشيار»: اللبيب. العاقل. الفطن. الفهم. الشهم.

تفسير عرفاني

بحث «الخرقة» لدي المتصوفين بحث مفصل، لا ضرورة هنا للخوض فيه. و يراد بـ  «الخرقة» في عرف بعض كبراء أهل العرفان ـ على نحو عام ـ هو الكناية عن التأهل والصلاحية واللياقة. و يبدو أن هذا هو المراد بهذا البيت.

«پير خراباتي»ـ مرشد الحانة، شيخ الخمارة. جاء في الكشاف أنه «يطلق على الكاملين المكملين.. مثل:

من لم يصر إلي الخرابات (الحانة) فلا دين له

لأن الخرابات هي اصول الدين

والمراد بهذه الصيرورة إلي الخراب: خراب الصفات البشرية».

النتيجة

يلوه في هذا البيت معنيان:

الأول ـان النأي عن التخلق بذميم الأخلاق من رياء و غيره، والانفلات من التعلقات الدنيوية، و بلوغ الزهد الواقعي.. مما يۆهل المرء لتلقي الحقائق والأسرار والمعارف اليقينية. و عندها يجتذبه الكاملون المكملون اليهم، و يوجهون همتهم إلي تربيته. ذلك أن وصول المرء إلي مقام التلقي الأسرار و إفاضة العلوم ـ مهما كان له من الزهد والطهر ـ لا يغدو ميسوراً له بغير مدد من الاستاذ الكامل.

أنا لم أعبر الطريق وحيداً                حين وافيت منزل «العنقاء»

إنما دلني على الدرب طير                     لسليمان، هدهدي الذكاء

الثاني ـان التحرر من أسر الدنيا والزهد الواقعي بهاـ و بكلمة أخرى: إن إخراج حب الدنيا من القلب بالمعني الشامل العام، الذي يقول عنه مولانا:

ما عساها تكون هذه الدنيا

حتي تجعلك غافلاً عن الله

غير متاع وفضة وولد وزوجة؟!

يورث المرء أن يحشر مع رسول الله و أهل بيته الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) في مواطن الدنيا والآخرة؛ إذ أن الكاملين المكملين في الحقيقة هم هۆلاء الذوات المقدسة. و لا يتحقق هذا الحشر ما لم يخرج حب الدنيا من القلب. يقول الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام في دعاء «أبي حمزة الثمالي» المليء بالأسرار: «سيدي.. أخرج حب الدنيا من قلبي، و أجمع بيني و بين المصطفى خيرتك من خلقك و خاتم النبيبن محمد صلي الله عليه و آله». و يمكن أن نستشف من هذه العبارات علاقة التلازم بين الحشر مع أعزاء الله ـ في الدنيا و الآخرة و بين إخراج حب الدنيا من القلب. و هذا هو معنى «صرت شمهاً».

معني «صرت شمهاً ـفطناً» في حديث الإمام الصادق

يقول الأمام الصادق عليه السلام: «دعامة الإنسان العقل. والعقل منه الفطنة والفهم والحفظ والعلم. و بالعقل يكمل ـ و هو دليله و مبصره و مفتاح أمره. فإذا كان تأييد عقله من النور.. كان عالماً حافظاً ذاكراً فطناً فهماً، فعلم ـ بذلك ـ كيف، ولم، و حيث. و عرف من نصحه و من غشه. فإذا عرف ذلك عرف مجراه و موصوله و مفصوله، و أخلص الوحدانية لله و الاقرار بالطاعة. فإذا فعل ذلك كان مستدركاً لما فات، وارداً على ما هو آت، يعرف ما هو فيه، و لأي كل شيء هو هاهنا، و من أين يأتيه، و إلي ما هو صائر. و ذلك كله من تأييد العقل».

قال جمال السالكين المجلسي الأول (شيخ محمد تقي)ـ نور الله تربته:

«اعلم أن هذا الخبر مشتمل على حقائق كثيرة. و لا يمكن بيانه؛ لأن هذه أحوال أوليائه (تعالى) و سائر المۆمنين إليها».

قال سيد الفحول، والمفتلذ من مجهة الزهراء البتول (صلوات الله عليها) الإمام الخميني (نور الله مضجعه):

واعظ شهر كه از پند خود آزارم داد

از دم رند مى آلوده مدد كار شدم

و ترجمته:

إن واعظ البلدة آذاني بنصائحه لي

فرحت أستمد العون من أنفاس السكران

 

شرح المفردات و المصطلحات

واعظ شهر: واعظ البلد كناية عن اللائم الذي لايعرف حقيقة الأمر. أو يراد به الأناس الذين يعرفون في أوساط المجتمع على أنهم رجال دين، و هم لايعلمون إلا ظاهراً من الدين، و ماعثروا على روحه و حقيقته.

دم يعني في اللغة: النفس. و تستخدم هذه اللفظة أيضا بمعنى الورد و الدعاء.

رند: الشاطر، الذكي، غير الهيّاب، المتحلل. من يدخل مداخل يلائم عليها و يعنّف، وهو ذو باطن سليم.

و قدوردت هذه اللفظة كثيراً في الشعر العرفانيّ، فلانحتاج إلى ذكر شواهد.

مي آلوده: كناية عن السكران الثمل المخمور. يقول سعدي:

اتّخذ مخمور طريقه إلى المسجد

تفسير عرفاني

يبدو أنّ المعنيّ بـ « واعظ البلد » عدّة من قصيري الإدراك القشريين المتعالمين الذين يصدّون الناس عن الإقتراب من كبراء أهل المعرفة و يحرمونهم من الإستمداد من أنفاسهم القدسية.

و المراد من « النصيحة المۆلمة» هي صدّهم هذا، و أحاديثهم الهراء و استدلالاتهم البتراء. و قد أشار الإمام الخميني نفسه إلى هذا، في تفسيره سورة الحمد.

الشاطر: يقول صاحب الكشاف : يراد به في اصطلاح السالكين شارب الخمر، و بائع الخمر.

الخمرة: جاء في الكشاف: الخمرة عندهم بمعنى الوجد الذي يتبدّى من قلب السالك، فيبتهج به.و تأتي أيضا بمعنى المحبة و العشق.

نتيجة

يمكن تصور تفسير البيت على وجوه، منها ألا يصغى إلى الملامة التي تصدر من قصيري الفهم القشريين المتعالمين، و الإستمداد من أنفاس الشطار السكارى. أي : الالتجاء إلى ظل تربية الكاملين المكمّلين الثمالى بشراب المحبّة.

و في تفسير وجوه أخرى ، لانرى في إيرادها من فائدة.

قال سيد الحكماء:

بگذاريد که از بتکده يادي بکنم

من که با دست بت ميکده بيدار شدم

و ترجمته:

دعوني أذكر بيت الأوثان

فإني على يد وثن الحانة قد صحوت

شرح المفردات و المصطلحات

بتكده: بيت الأوثان. المكان الذي توضع فيه الأصنام و الأوثان.

بت : الوثن، الصنم.ما يصنع من الخشب أو الحجر، ليعبد.و يراد به في اصطلاح الشعراء: المحبوب و المعشوق.

ميكده: الحانة، حانوت الخمار، الخمارة. المكان الذي تشرب فيه الخمرة.

بيدار: المفيق، الصاحي، مايقابل النائم.

تفسير عرفاني

بيت الأوثان: بمعنى باطن العارف الكامل الذي يغلب فيه الوجد و الشوق و المعارف الالهية.

الوثن أو الصنم- ورىت له في لغة العرفاء و عرفهم معان متعددة ، لايلزم هنا ذكرها جميعا- منها: المرشد الكامل او الشيخ الكامل.

نتيجة و تفسير نهايي

يلوح هنا أنّ معنى « بيت الأوثان » هو عالم النور أو عالم الأشباح الذي ألمعنا إليه، و قلنا : إنّ العقل يرتدّ حاسراً عن إدراك هذا المبحث ، و المراد بالأوثان الكائنة ثمة... هو أنوار المعصومين المقدسة . جاء في نصّ الزيارة الجامعة : « خلقکم الله آنواراٌ، فجعلکم بعرشه محدقين ».

بيني و بينك في المودة نسبة                         مستورة عن سرّ هذا العالم

نحن اللذان تحاببت أرواحنا                          من قبل خلق الله طينة آدم

أما « الحانة » فهي مرتبة بدء الخلق. و إذ أنّ ايجاد العالم كان بالمحبّة – كما بحثت هذه الحقيقة في موضعها- جاء إطلاق ( الحانة ) على العالم كناية عن إيجاده بالحبّ.و لأنّ أول ظاهر و أول موجود في بدء الخلقة كان الحقيقة النورية المحمدية الذي هو أول صادر من الحق ( جل و علا ) و أحبّ خلقه إليه – فقد أطلق عليه« وثن الحانة ».

قال شارحاٌ « خمرية » ابن الفارض : الشيخ محمد حسن البوريني و عبدالغني النابلسي ... لدى قوله:

شربنا على ذكر الحبيب مدامة                                سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم

قالا: إنهم يذكرون في عباراتهم الخمرة بأسمائها و أوصافها، و يريدون بها ما أدار الله على ألبابهم من المعرفة أو من الشوق و المحبة. و « الحبيب » – في عبارته – عبارة عن حضرة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم. و قد يريدون به ذات الخالق القديم ( جل و علا ): لأنه أحبّ أن يعرف فخلق. فالخلق منه ناشئ عن المحبة و حيث أحبّ فخلق، فهو الحبيب و المحبوب و الطالب  و المطلوب.

المدامة: المعرفة الإلهية و الشوق اليه.

و قوله« سكرنا بها»: أي طربنا و انتشينا على سماع « ألست بربكم».

قبل أن يخلق الكرم: أي الوجود، فإن الكرم عبارة عن هذا الوجود الممكن الحادث الذي أوجدته القدرة الإلهية.و لاشك أن طرب الأرواح على السماع، عند شرب الراح، قبل ايجاد الأشباح.

و المراد بـ صحوت على يد وثن الحانة : الصحوة من نومة العدم، أو تلقي الفيض- بمعناه المطلق- من الحقيقة المحمدية و أنوار المعصومين المقدسة صلوات الله عليهم أجمعين.من ممرّه على تراب حيّكم

يحصل نسيم السحر على عبيره المسكي


تأملات في لوحة شعرية للإمام الخميني رحمة الله عليه

 

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)