• عدد المراجعات :
  • 2539
  • 10/22/2012
  • تاريخ :

من يقف وراء الاساءة الى النبي (ص)؟

الرسول

لا أجد أنه من الصعوبة تحقيق فهم صحيح لتاريخنا الإسلامي وحياة نبينا الكريم محمد (ص) وفق ما بذله النبي (ص) والمسلمون الاوائل منذ اشراقة نور الإسلام في أرض الجزيرة من تضحيات وجهود جبارة في سبيل إنقاذ الإنسان من نير العبودية وتحريره من قيود الاستعباد وهديه الى عبادة الواحد الأحد. وان ربط علاقة بين ما تحقق منذ بداية الدعوة الشريفة وما أفرزته تلك الدعوة من نتائج ومعطيات على المدى البعيد ليۆكد الحقيقة الواضحة لهذه الرسالة السماوية العظيمة. التي لا يمكن أن تتحقق الّا على يد نبي عظيم.

والمتأمل بعمق الى الأوضاع المزرية التي كان عليها الناس قبل الدعوة الاسلامية يتلمس ضرورة وجود نبي وحتمية وجود شريعة سماوية تنقذ الناس من الضلال بعد ان حرّف أتباع المسيح (ع) شريعته كما فعل اليهود في شريعة موسى (ع) قبلها فغالوا فيه وفي أُمه الصديقة مريم (ع) وعبدوهما من دون الله كما اتخذ اليهود من قبلهم عزيراً إبناً لله وعبدوه من دون الله فتفرقوا من بعده الى فرق متعددة وكل منها تكفّر الاخرى وبلغت العداوة بين هذه الفرق ذروتها بعد انشقاق اليعاقبة عن الكنيسة في روما وتمسك النساطرة بها فجرت حروب طاحنة قاسى الناس ويلاتها على مدى سنين طويلة.

هذا حال أصحاب الكتاب أما باقي الناس ومنهم قريش فقد كانوا عاكفين على وثنيتهم من عبادة الاصنام والحجارة والكواكب والنار وغيرها ويمارسون أقبح الاعمال كالغزو والوأد والسلب وغيرها من الامور الشائنة. في ذلك الجو المضطرب والمشحون بالفتن والعقائد الفاسدة كان يتحتم ظهور نبي يسلك بالناس الشريعة الحقة شريعة ابراهيم الحنفية ويدعو الى اله واحد لا شريك له ولا نظير ويدعو الناس الى المفاهيم الرسالية الحقيقية التي جاء بها الانبياء.

في ذلك الوقت كان شخص واحد يعتصر قلبه ألماً على ما آل اليه الناس من ظلم وعدوان واستعباد الانسان لأخيه الانسان, شخص واحد كان يعانق الحقيقة التي جاء بها الانبياء, حقيقة التوحيد والعدل والخير والاحسان والامر بالمعروف والنهي عن المنكر, شخص واحد كان عازفا عن كل ما عليه الناس من عقائد فاسدة ومفاهيم خاطئة معتكفا في غار حراء يناجي الحقيقة وحدها, حقيقة الله الواحد وهذا الشخص هو محمد (ص) حتى بعثه الله رسولاً يهدي بالحق الى الناس كافة فكانت رسالته رسالة عالمية اهدافها انقاذ الانسان المستضعف والشعوب المغلوبة من الظلم والاستعباد وشعارها (لا فضل لعربي على أعجمي الا بالتقوى).

وقد شاء الله تعالى لهذه الرسالة أن تنتشر وتستمر وتظهر أهدافها السامية على كل بقعة في العالم وتفيض خيراتها على ربوع الارض بعد ان نقل المسلمون العلوم الاسلامية الى أقاصي البلاد والتي كانت مصدر حضارة ورقي الامم المتحضرة كما نقلوا سيرة حياة نبينا الكريم واخلاقه العظيمة حتى استوعب الكثير من المفكرين والفلاسفة الغربيين والشرقيين من غير المسلمين.

هذه العظمة التي لا يمكن ان تكون لأنسان دون ان يكون متصلاً بالسماء فيكتب شاعر الالمان وفيلسوفهم (جوته) قصيدة في عظمة النبي محمد وكذلك (كارليل) في كتابه (الابطال) ومثله الشاعر الروسي (بوشكين) وتتجلى النظرة الفاحصة لسيرة النبي (ص) عند برنادشو عندما يقول (يستطيع محمد ان يحل مشاكل العالم) فلو أبدل برنادشو هذا الاسم العظيم بأي اسم آخر مهما احتل هذا الاسم من حيز في التاريخ الانساني ومهما تعددت اعماله لعد ذلك مبالغة وافراط.

ورغم اننا لسنا هنا بصدد عرض هذه الشهادات وغيرها للكثير من المفكرين والفلاسفة الغرب بحق نبينا الكريم الا اننا نلاحظ البون الشاسع عندما يتعلق الامر بمقارنتها بالجانب المناقض والذي قاده حقده الاعمى لتشويه الحقائق التاريخية ومغالطة المسلك التاريخي وسلوك منعطف منحرف قذر وعقيم للإساءة الى أقدس وأعظم وأنبل إنسان عرفه التاريخ الانساني.

وإن مجرد التفكير حتى في المقارنة بين هذين الجانبين يدلنا على تفاهة ووضاعة الاشخاص الذين أنتجوا الفلم المشين (براءة المسلمين) فهذه الاساءة لم تكن وليدة ظرف أو حادث بل ان هناك تخطيطاً مسبقاً لها كما ان لها سوابق تاريخية عدوانية كان مصيرها الفشل الذريع على مدى قرون طويلة.

ولو استقرأنا التاريخ نجد ان اليهود والنصارى الذين كانوا في الجزيرة العربية كانوا يعلمون بقدوم نبي يكون خاتم الانبياء وان شريعته خاتمة الشرائع فلما بُعث النبي (ص) ووجدوا أوصافه مطابقة لما جاء في نعته (ص) في كتبهم, أخذتهم العزة بالإثم فكفروا به وجحدوا رسالته وقد حدثنا القرآن الكريم في كثير من آياته بذلك فشنوا حرباً شعواء على الاسلام وسخّر الرهبان والاحبار كل سلطتهم الدينية لمحاربة النبي (ص) رغم يقينهم وعلمهم انه النبي الذي بشّر به عيسى (ع) وذكر اسمه كما في كتبهم ونجد في حادثة المباهلة التي ذكرها القرآن الكريم عجز النصارى أمام الدلائل والبراهين القاطعة التي شاهدوها في النبي محمد (ص) والتي لا تدع مجالاً للشك على نبوته وذلك لما اجتمع كبار علماء النصرانية ورهبانهم وهم اربعة عشر رجلاً ومن ضمنهم من تدين له الكنيسة في روما وتقدم له القرابين من قبل ملوك الروم وجاۆ لمباهلة النبي (ص) فجاء (ص) ومعه أهل بيته وهم: علي وفاطمة والحسن والحسين (ع) لتنتهي هذه المباهلة باحجام النصارى عن خوضها بقول سيدهم: (يا معاشر النصارى لا تباهلوهم فلو باهلتموهم لا يبقى على وجه الارض نصراني أبداً فإني أرى وجوهاً لو سألوا الله أن يُزيل هذا الجبل من مكانه لأزاله. فصالحهم النبي على الجزية وقبل منهم ورغم مكابرتهم فقد اسلم بعض منهم كعبد بن سلام الذي اذعن للحق واهتدى بنور الاسلام).

ولكن هذا الصراع الايديولوجي ظلّ قائماً ولم ينته بل أخذ أبعاداً أخرى ويحدثنا القرآن الكريم في كثير من آياته حول اشتراك اليهود والنصارى مع المشركين في حرب النبي ونقضهم العهود معه ومحاولة استغلال أي فرصة للنيل من الاسلام وبث الفرقة بين المسلمين وحوك الدسائس والفتن والمۆامرات للقضاء على الاسلام وبلغ هذا العداء للإسلام ذروته في عصور شُنت فيها حملات همجية على بلاد المسلمين وامتد حتى في(عصر الحضارة) كما يسمونه عندما وقف اللورد لنبي ممثل الحلفاء عام 1918 في بيت المقدس عند استيلائه عليه قائلاً: (اليوم انتهت الحروب الصليبية)!

ولا يزال هذا العداء السافر يأخذ اشكاله المتعددة في الكثير من البلاد وما يجري الآن في بورما من وضع دموي الا نتيجة لهذا العداء في حين ان كل من يطلع على تاريخنا الاسلامي ليجد ان الاسلام لم يحمل عداء لأي دين وقد صرح القرآن الكريم بذلك في الكثير من آياته بل بالعكس امر المسلمين بمودتهم والاحسان اليهم بل وحتى بمقارنتهم بالمۆمنين كما في قوله تعالى: (ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وكما قال النبي الكريم (من آذى ذمياً فقد آذاني).

وهذه الحقيقة ليست أقل من الجانب السلوكي الذي اتخذه النبي (ص) والمسلمون تجاه غيرهم من بقية الاديان وتاريخ الاسلام شاهد عدل على ذلك في اقرار حرية الاديان ورفع شعار (لا اكراه في الدين) وتجسّد الجانب السلوكي للنبي الكريم (ص) عندما قرع نصارى نجران النواقيس في المسجد فأراد بعض الصحابة منعهم فأمره النبي (ص) بتركهم وقد عاش النصارى في بلاد المسلمين منذ عصر النبي (ص) والى الآن وهم يمارسون عبادتهم بكل حرية كما لم يأمر النبي (ص) بقتالهم ولا قتال غيرهم حتى بعد ان تجرع المسلمون الاوائل في بداية الدعوة أشد ألوان التعذيب والتشريد والتنكيل واحتملوا الجوع والحرمان والحصار وصبروا على أذى المشركين وظلمهم ولم يصدهم كل ذلك عن دينهم وعقيدتهم وما الحروب التي خاضها النبي (ص) الا في مقام الدفاع عن النفس والعقيدة وكما صرح القرآن الكريم بذلك بقوله: (أذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير الذين اخرجوا من ديارهم...) وقوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين) الى غيرها الكثير من الآيات التي تنهى عن القتال والعدوان الّا على من بغى واعتدى ولو نظرنا الى الجانب الآخر لرأينا ان اول من خالف تعاليم السيد المسيح هم البابوات الذين اذكوا نار الحرب ضد المسلمين وحرّضوا حكّام اوروبا على خوض الحروب الصليبية واراقوا الدماء باسم الصليب ولم تقتصر اراقتهم للدماء على الشعوب المسلمة فمحاكم التفتيش اكبر شاهد على الرعب الذي عاشته اوروبا في عصور مظلمة اريقت فيها دماء آلاف الابرياء شنقا وحرقا بدعوى الهرطقة ومخالفة التعاليم الكنسية.

ومازال هذا الحقد الاعمى على الاسلام يطالعنا كل يوم بوجه مختلف من خلال تزييف التاريخ والاساءة الى النبي (ص) ومحاولة احراق المصحف الشريف وغيرها من الاساليب الدنيئة التي افرزها الكفر والبغي والعداء للاسلام ونبيه الكريم (ص) من قبل نفوس دنيئة نعق الشيطان في قلوبها كالقس ï‌½يري فالويل الذي لم يراع حرمة التعاليم المسيحية وتجرأ بوقاحة على سب النبي محمد (ص) من خلال البرنامج الاذاعي (ستون دقيقة) الذي بثته محطة الـــ (سي. بي. سي) في السابع من اكتوبر من عام 2002 (1) وكذلك الصحفية الايطالية اوريانا فالاتشي التي تخلت عما يجب ان تكون عليه المرأة من صفات أخلاقية وحياء حينما اصدرت كتابين تضمنا كلمات خادشه وعبارات نابية لا تليق بالرجل ان يطلقها فضلاً عن المرأة وقد افصحت بها عما تحمله نفسها المريضة ونزعتها المتهتكة وتفكيرها الشاذ من عداء سافر للإسلام ورغم اعترافها بإلحادها الّا انها لم تخفي انحيازها الى المسيحية المتطرفة والصهيونية المعادية للإسلام فهي تبكي على امبراطوريتها الرومية والعهد الفاشي الموسوليني التوسعي وسياسته في احتلال البلاد المسلمة كما فعل في ليبيا (2).

ومثلها فعل الكاتب الصهيوني رونالد سيجل الذي شن حملة ضارية على الاسلام مستغلا جهل الغرب بالاسلام لينقل صورة مشوهة عنه (3) ثم يستخدم الكاتب الاسرائيلي نسيم داني كل وسائل التزييف والتحريف ومخالفة الحقائق ويستند على اساطيره التوراتية المحرّفة ليدعي في كتابه (شعب اسرائيل) ان فلسطين هي أرض اليهود ويتهم المسلمين باغتصابها. (4)

وينشر الكاتب الفرنسي كلود أمبرت في مجلة (لوبوان) مقالاً يتهم فيه الاسلام بالهمجية والعدوانية ويصفه بصفات كان يجب أن يطلقها هذا الكاتب الاهوج على حكومته ان كان قد نسي أو تناسى ما فعلت في بلاد المغرب العربي المسلمة وخصوصاً في الجزائر بلد المليون شهيد من أعمال همجية وفظائع تقشعر لها الجلود ويندى لها جبين الانسانية (5).

 ثم يتطاول البغيض تيري جونز في محاولته احراق المصحف الشريف واخيرا انتاج الفلم المسيء للرسول (ص) وغير خفي ان من يقف وراء هذه المحاولات هي جهة حاقدة على جميع القيم والاديان تحاول اذكاء نار الفتنة واشعال الحروب في البلاد الآمنة لتحقيق اهدافها ومآربها وهي الصهيونية الاستعمارية العنصرية فما فتأ اليهود يحوكون الدسائس للإسلام منذ بداية الدعوة الشريفة والى الآن وقد اتضح للعالم اجمع منهجهم المعادي للإنسانية والقائم على الاستعمار والدمار واثارة الفتن والبغضاء بين المجتمعات فعلى حكومات العالم ان تحد من هذه التجاوزات والاساءات المتكررة للنبي الاكرم (ص) وللإسلام وان يتم محاسبة مرتكبيها لكي يسود الامن ويعم السلام في العالم وتتجنب الشعوب والبلدان نتائج لا تحمد عقباها.

محمد الصفار

المصادر:

1. كتاب (منهج اليهود في تزييف التاريخ) محمد عبد الواحد حجازي ص 327 نقلا عن جريدة (صوت الامة) في 14 / 10 / 2002 الصحفي هاني زايد

2. نفس المصدر ص 322 نقلا عن نفس الجريدة في 8 / 7 / 2002

3. نفس المصدر ص 315 نقلا عن نفس الجريدة في 13 / 5 / 2002

4. نفس المصدر ص 337 نقلا عن نفس الجريدة في 30 / 9 / 2002

5. نفس المصدر ص 329 نقلا عن نفس الجريدة في 7 / 10 / 2002 الصحفية يسرا زهران.


عذراً يا رسول الله ..... العيب فينا

استهداف نبي الرحمة من "الراهب بحيرى" حتى "براءة المسلمين"

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)