• عدد المراجعات :
  • 807
  • 5/26/2012
  • تاريخ :

الصحوة الاسلامية بين منطق الوعي وزحف التخلف

الصحوة الاسلامية

التعصب عقبة كبيرة

من مظاهر التخلف أن الأفكار المذهبية أخذت تتحرك في الساحة بطريقة التعصب التي لا تفسح المجال لأي حوارٍ موضوعيّ حول القضايا التي تختلف فيها المذاهب في مسائل العقيدة والشريعة، بل تعمل على أن تثير المواقع المذهبية هنا وهناك بشكل متحجر لا يفسح المجال لأي جدالٍ أو مناقشة، وأن ترجم بالحجارة كل من يثير أي علامة استفهام حول المسلّمات المذهبية، أو يدير الأمر بأسلوب قرآني يدفع الإنسان إلى أن يأخذ بالتي هي أحسن في طرح القضية وفي جدال الآخرين.

وفي ضوء ذلك، استفاد الاستكبار من الذهنية المتخلفة المتحجرة التي لا تأخذ بأسباب الحوار، وفي إثارة الضباب حول الثورة الإسلامية في ايران، ليواجهها بتهمة المذهبية، فهي ليست ثورة إسلامية، بل هي ثورة شيعية لا دخل للمسلمين الآخرين فيها ولا في مفاهيمها، ولا في منطلقاتها، لأن في التشيع الكثير من الغلوّ ومن الانحراف عن مبادئ الإسلام الأساسية، فيما يثيره الاستكبار من خلال بعض الدوائر المذهبية الإسلامية، الضيقة كأسلوبٍ عمليّ خبيثٍ لتطويق الثورة الإسلامية، ولإشغال الساحة بالتفاصيل الصغيرة التي تأكل روحية الثورة كما تصادر مواقف الإسلاميين المتحركة في خط التغيير لإبعادهم عن قوة الاندفاع في مواجهة كل هؤلاء الذين جعلهم المستكبر الكافر حرّاساً لأفكاره وامتيازاته ومصالحه، عندما أفسح لهم المجال ليكونوا ملوكاً وأمراء ورؤساء في بلاد المسلمين على حساب الإسلام في أهدافه الكبيرة في الحياة..

مشكلة الخطاب السياسي – الفكري

.. وكان الخطاب السياسي للصحوة الإسلامية متنوعاً في مفرداته، بحيث يتوزع ضمن أفكار متعددة، عنيفاً في أسلوبه، بحيث يتحرك في عنفه في الداخل والخارج، في الخط الثوري للصحوة، حتى تحوّلت مسألة الأسلوب الهجومي إلى عقدةٍ في الذات والموقف، وأصبح الحديث الموضوعي الهادئ الذي يناقش القضايا بعقلانية تعبيراً عن حالةٍ انهزامية ترفضها الثورة..

واستطاع الذين يرصدون حركة الصحوة الإسلامية في ثوريتها المندفعة أن يسجلوا عليها الكثير من نقاط الضعف في مضمونها الفكري الذي لم ينطلق من فكرٍ إسلاميٍّ موحّدٍ أو من مستوى فكريٍّ معقول، وذلك في غياب تخطيط ثوري لوحدة الطروحات الفكرية، أو للمحافظة على النوعية الجيدة للمتحدثين باسمها، ما جعل الصورة تهتز في أفكار الذين اجتذبتهم الثورة بمواقفها، ولكنها حيّرتهم بفكرها، فلا يدرون من أين ينطلقون في قاعدته، من الغيب أو من الحسّ، أو منهما معاً، وكيف تتم عملية التوزيع، وما هي القاعدة التي يكون الآخر فيها استثناءً، إلى غير ذلك من علامات الاستفهام التي تبعث الحيرة في العقل.

وكان العنف مشكلةً للناس الذين يحبون ملامح الصحوة الإسلامية في وجهها الثوريّ، فهم لا يرفضونه كمبدأٍ، من حيث حاجة الحياة إليه في مواقع التحدي التي تتكلم بلغة العنف التي تضيع أمامها لغة الرفق، فلا مجال إلاَّ للعنف الذي يشكل الصدمة القوية التي تضعف الموقف المضاد أو تهزمه، أو من حيث حاجة الحركة الإسلامية إليه في بعض مواقف القوّة التي توحي للناس بأن عليهم أن لا ينسحقوا أمام تهاويل القوة لدى الآخرين.. لأن الإسلام يملك المستوى الكبير من القوة في مواجهتها، حتى لا يبتعدوا عن مواقف الإسلام في عملية الاختيار من خلال اقتناعهم بقوة الآخرين..

إنهم لا يرفضون العنف الذي تختزنه الحياة في حركة العواصف، وهيجان الأمواج، وطغيان الماء، وزلزال الأرض في حاجة الكون إلى ذلك، ولكنهم يرفضونه كقاعدةٍ شاملةٍ في جميع المواقع، ومع كل الناس، لأن هناك موقعاً قد يثبّته الرفق لما لا يستطيع العنف أن يثبّته، كما أن هناك فريقاً من الناس لا تنفتح قلوبهم إلاَّ للكلمة الهادئة العاقلة، أو للفكرة الموضوعية المتزنة، في ما يأخذون به من هدوء الجوّ، وموضوعية الفكرة.. ويضيفون إلى ذلك، أن الإسلام اعتبر الرفق أساساً للأسلوب وللحركة، إلاَّ إذا اضطر الإنسان فيه إلى العنف، وهذا ما جاء به الحديث النبوي المأثور: «إن الرفق ما وضع على شيء إلاَّ زانه ولا رفع عن إلاَّ شانه»... و«إن الله رفيق يحب الرفق وأنه يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف»، ويؤكدون أن الثورية لا تعني القسوة في الكلمة، والعنف في الأسلوب، بل تقتضي توفير العناصر الضرورية التي تساهم في تغيير الفكرة والموقف، بالأسلوب الحكيم الذي يدرس كل الشروط الموضوعية في الحياة والإنسان مما يحقق النتيجة الحاسمة في ذلك كله.

مقصد بعدي کجاست؟

الصحوة نتاج اجتهادات متعددة

ويردّ الذين يتابعون حركة الصحوة الإسلامية، من موقع قياديّ مسؤول متقدم، على هذه الملاحظات الناقدة بالمنطق التالي: إننا نوافق على أن فقدان وحدة الفكر في الخطاب الإسلامي يمثل مشكلةً صعبة لمؤيّدي الإسلام ولمعارضيه، لأن ذلك يمنع هؤلاء المؤيّدين من استيعاب الفكرة الإسلامية في مسألة الانتماء العقيدي والالتزام الفكري. كما يمنع المعارضين من فهم هذه الحركة الجديدة، ليناقشوها بما تلتزمه من أفكار ومواقف.. فقد تنقدها في بعض مواقف الفكر المطروح، فنفاجأ بأن هذه المواقف ليست مواقفها الحقيقية، لأن الصورة الأخرى البارزة في مواقف أخرى هي الصورة التي تلتزمها هذه القيادة وتلك.

إن الإسلاميين يدركون المشكلة المعقدة في هذه المسألة، ولكنهم يوجهون الانتباه إلى نقطةٍ مهمة جدّاً، وهي أن الصحوة الإسلامية لم تنطلق من موقفٍ ضيّقٍ مضبوط، ليمارس حركته في وحدة الفكر الحزبي، المحدّد الملامح والاتجاهات والأساليب، بل انطلق من الحالة الإسلامية العامة التي تتمثل في الاجتهادات المتعددة التي يختلف فيها المجتهدون، ويتنوّع معها المقلّدون لهم، وفي الشعارات المتنوعة التي يلتزمها الناس تبعاً لمشاعرهم وأفكارهم وأوضاعهم في الساحة الإسلامية الواسعة.

فإذا أضفنا إلى ذلك أن الثورة كانت نتيجة فكرٍ عام لم يصطدم بالتفاصيل الصغيرة من قبل، ولم يدخل في معطيات التحديات الكثيرة الواسعة التي حركتها الثورة وأفرزتها الأحداث، في آفاقٍ جديدةٍ، وفي مواقع مختلفة، مما لم تفكر الثورة فيه بشكل دقيق، لأنها كانت مشغولةً بعملية التحضير للانتصار الكبير، الذي يدفع بالموقف إلى خط المواجهة، ويفجر الطاقات الكامنة لدى الأمة، ويحرّك الأوضاع الساكنة.. إذا لاحظنا ذلك، فإننا قد نجد في ذلك بعض العذر في هذه المسألة، لا سيما إذا عرفنا أن القيادة الثورية الإسلامية كأية قيادةٍ أخرى، لا تملك في حالة التفجير الثوري الهائل وفي مواقع الزلزال العنيف، أن ترصد الكلمات والأساليب والأوضاع بشكل دقيق في عملية ضبطٍ وتوحيدٍ، لأن طبيعة الأجواء الملتهبة لا تسمح بذلك، أو لا تستطيع الوصول إلى ذلك بسهولة، ما يجعل المسألة التوحيدية مؤجلةً إلى فرصة أخرى.

أما السلبيات الحاصلة من ذلك، فإنها قد تجد حلاً لها في مرحلةٍ متأخرةٍ من عمر الثورة عندما يفرغ القياديون بعض الشيء، ليجيبوا على التساؤلات القادمة من ردود الفعل الحائرة لدى المؤيدين والمعارضين، أو عندما تتحرك الأفكار المتنوعة لتفرض مشاكلها على الساحة، فتدفع المفكرين الإسلاميين إلى تصفية هذه التركة المثقلة التي لم تكن نتيجة الاختلاف في طبيعة فكر الثورة في مواقف قيادتها، بل كانت نتيجة الحالة الإسلامية العامة في تنوّع اجتهاداتها واختلاف طروحاتها ونظراتها للأمور في الوضع الإسلامي العام. وقد لا نجد ثورةً في العالم إلاَّ ونجد مثل هذا الوضع المتنوع في مستوى الاختلاف في الفكرة والأسلوب، في ما تتمثله الجماهير من ذلك كله، لأن القضية لا تكمن في طبيعة حركة الفكرة فيما هو التعدد والوحدة، بل في طريقة انفعال الجماهير في فهمهم للفكرة على صعيد العقل والشعور، مما لا يمكن للثورة أن تضبطه في ذلك الجوّ الثائر، مع ملاحظةٍ مهمّة جدّاً، وهي أن طبيعة الإسلام تختزن في الواقع الإسلامي الفكري والحركي الكثير من الاختلافات المتنوعة، ما يجعل الخلاف حالة طبيعية، بالإضافة إلى الأوضاع الطارئة فيما هي قضية الثورة. ثم إن النقطة المهمة التي تثير الانتباه وتخفف المشكلة، هي أن للإسلام مصادره الأصيلة في كتاب الله وسنّة نبيّه، مما يمكن أن يرجع فيه الاختلاف إلى موقع واحد، بخلاف بعض الأفكار التي تخضع لخصوصيات الأشخاص الذين تتنوع منطلقاتهم الفكرية مما يصعب فيه الوصول إلى نتيجةٍ محدّدة.

اعداد: سيد مرتضي محمدي

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)