• عدد المراجعات :
  • 817
  • 5/23/2012
  • تاريخ :

الصحوة ولغة العنف

جهان

العنف في الأسلوب، وفي مضمون الفكرة، قد يصدم البعض من أفراد الأمة الذين اعتادوا على الأسلوب الهادئ الوديع، فلا يطيقون الأساليب القويّة التي توحي بالقسوة والعدوان، وقد يترك أثره على حركة الثورة فيما يمكن أن يبعد بعض الناس عنها على أساس الصورة القاسية الملامح التي لا تتناسب مع الوجه الوديع الذي يحمله الناس عن الإسلام في عنوانه الكبير «دين الرحمة». ولكن المسألة قد تتمثل في مشكلتها الإسلامية بما تمثلت به في حركة الجهاد في الإسلام، سواء في عصر النبي (ص) أو في العصور المتأخرة عنه، فيما كان يثيره في وعي الناس من صور المذابح التي تثيرها الحروب، والآلام التي تحصل منها، والنتائج القاسية المدمّرة التي تنتهي إليها.. ولعلَّ المشكلة في ذلك كله، أن الصورة عندما تبتعد عن ظروفها الصعبة، وشروطها الموضوعية، فإن الناس يفقدون الوضوح في الرؤية للأوضاع المحيطة بالمسألة، فيحدّقون في الصورة بعيداً عن الإطار، أو في التهاويل الموجودة في ملامحها الخلفية، وهذا هو ما واجهته «الصحوة الإسلامية» في حركتها الثورية، فقد كانت التحديات الصعبة التي واجهتها في كل ساحات التحدي قاسيةً شديدةً، في مستوى الخطورة الكبيرة على وجودها، بحيث تفرض عليها أن تكون في حالةٍ غير عاديةٍ، لا تخضع للمألوف من القوانين والأوضاع، لتواجه الأخطار المحيطة بها عن يمينها وشمالها ومن بين يديها ومن خلفها.. تماماً كما هو الإنسان في ساحة الحرب المتعددة الجهات والأعداء.

وهناك ملاحظة أخرى لا بدَّ من الانتباه إليها، وهي أن للثورة في خطابها السياسي هدفين:

- الهدف الأول: مواجهة التحدّيات الصعبة التي يثيرها أعداء الإسلام من الكافرين والمستكبرين، وذلك بالأسلوب القويّ الفعَّال، فيما يمكن أن يحققه من ضغطٍ نفسيٍّ وواقعيٍّ عليهم، للإيحاء المستمرّ بأن الإسلام الذي يؤكدّ على الرفق في تخطيطه العملي، لا يمتنع من تحويل الموقف إلى أعلى درجة من العنف السياسي والجهادي عندما يتحرك الآخرون ضده في دوامة العنف التي يثيرونها في ساحته.

- الهدف الثاني: إيجاد حالةٍ تعبويّة في داخل الوعي الذاتي للإنسان المسلم، في العناوين السياسية الكبيرة، في ما يحتاج إلى إثارة الشعور وتحريك الانفعال، وإسقاط الهيبة للأقوياء من نفوس المستضعفين، وتحطيم عنصر الخوف في وعي الأمة، وإثارة الحماس في مواجهة الظلم والظالمين، وغير ذلك من الأمور التي تفرض تثقيف الأمة في مراحلها الثورية الأولى، لتزداد بذلك قوَّة في مشاعرها، فتتحول إلى قوّةٍ في مواقفها.. وهذا هو الذي ينبغي التخطيط له في تربية العاطفة، وتقوية الشعور.

إن المطروح في الساحة الإسلامية المعاصرة، هو تغيير الذهنية الإسلامية من كل خضوع للقوة المهيمنة المستكبرة الكافرة في العالم، مما يعتبره الناس قضاءً وقدراً لا يستطيعون الفكاك منه، انطلاقاً من القوة المادية الضاغطة التي تملكها في مواجهة المستضعفين..

ولعلَّ من الطبيعي أن يلتقي هذا الأسلوب ببعض السلبيات التي تحيط بالموقف، عندما ينحرف الانفعال بالإنسان عن خط التوازن، وتلتقي العاطفة ببعض الانهيارات في المواقف.. ولكن الإيجابيات الإسلامية السياسية في عمق التعبئة التي تملأ العقل والوجدان والشعور والحركة بالكثير من أسباب التوتر، ووسائل القوة، تزيد عن حجم السلبيات. وكمثالٍ على ذلك، طرح شعار، «الموت لأمريكا» «الموت لروسيا» «الموت لإسرائيل» أو «لا شرقية ولا غربية بل جمهورية إسلامية»، فقد أريد للأمة الإسلامية في تخطيط الصحوة الإسلامية في الخط الثوري، أن تردد هذه الشعارات في كل وقتٍ، كما أريد لها أن تمارس سلوكاً عملياً في سحق أعلام الدول المستكبرة، بحيث يمر الناس عليها ليدوسوا عليها بأرجلهم..

.. وقد رأى بعض الناس فيها تطرفاً في الشعار وفي الممارسة، كما رأوا فيها تعقيداً لعلاقة الثورة بالدول الكبرى التي لا يمكن الاستغناء عنها على أيّ صعيد، لأنها تملك المواقع الاقتصادية، كما تملك المواقع السياسية والثقافية الضاغطة على الواقع العالمي كله، فلا مجال للمواقف السلبية الحادة منها، أو لمقاطعتها، لأن ذلك يؤدي إلى وقوع الدول الصغيرة المتحدية في الحصار، بدلاً من أن تقع تلك الدول في الضيق والحصار. ومن هنا، كان شعار رفض الشرق والغرب شعاراً غير واقعي، للحاجة الضاغطة إلى هذا أو ذاك في أغلب المجالات.

«الشعار السياسي» التغييري لغة القرآن

ولكن العاملين في الحقل الإسلامي السياسي يردون على ذلك بأن الثورة الإسلامية ليست حركة انقلاب من حاكم على حاكم لتستريح لأوضاعها الذاتية الخاصة، ثم تُبقي على الأجواء العامة في خط الأمر الواقع الخاضع للخطوط العامة في حركة السياسة للدول الكبرى، بل هي حركة تغييرية تعمل على تغيير الإنسان من الداخل في مسألة الانتماء الحقيقي للخط الإسلامي من أجل تحريره من الهيمنة الروحية والفكرية كجزءٍ من تحريره من قضية الشرك في واقع الصنمية، فيما أراده من تغيير الإنسان من عقلية الشرك إلى عقلية التوحيد، بحيث يتحرر داخلياً فيما هو الفكر والشعور، وخارجياً، فيما هي الحركة والممارسة، فكانت الحملة الكبيرة على الأصنام من جميع الجهات، وعلى جميع الأصعدة، بحيث لا يسمح بالإطلالة على واقع الصنمية حتى في مستوى الشكل، وهكذا استطاع الإسلام أن يصل بالإنسان إلى التوحيد الخالص، بالرغم من السلبيات التي عاناها في بداية عهد الدعوة، حين وقف المشركون أمامه، فعطلوا كثيراً من مخططاته، وأثاروا الكثير من الحواجز في وجهه.

أن القرآن الكريم قد صوَّر المسألة على صعيد الواقع العملي، كتجربةٍ حيّةً فاعلة، أعطت نتائجها الإيجابية على أساس الإرادة القوية المنفعلة بإيمانها، المنفتحة على الله، الثابتة في مواقفها، البعيدة عن الاهنزاز، المتمردة على الخوف، الأمر الذي جعل النبي (ص) والمؤمنين يأخذون بأسباب القوة الداخلية، لتتحول إلى موقعٍ متقدم من حركة القوة في حياتها، ليكونوا بذلك أهلاً لكرامة الله، في الحصول على رضاه، وفي الأخذ بألطاف القوَّة منه.

إن المطروح في الساحة الإسلامية المعاصرة، هو تغيير الذهنية الإسلامية من كل خضوع للقوة المهيمنة المستكبرة الكافرة في العالم، مما يعتبره الناس قضاءً وقدراً لا يستطيعون الفكاك منه، انطلاقاً من القوة المادية الضاغطة التي تملكها في مواجهة المستضعفين.. ولا بد في هذا من التخطيط لذلك بإثارة الفكرة التي توحي بنقاط الضعف لدى المستكبرين في مقابل نقاط القوة لدى المستضعفين، وبترديد الشعار الذي يسقط هيبة هؤلاء في النفوس، حتى لا يتصوروهم إلاَّ في مواقع السقوط والانحطاط، وبممارسة بعض الأوضاع التي تؤكد على ذلك. وإذا كان هذا استغراقاً في الأوهام السياسية والخيالات الفكرية، لأن الواقع الذي يرجع إليه حملة الشعارات سوف يصدم كل شعاراتهم، ويثبت ابتعادها عن الواقع.

ايران وآمريکا

إذا كان بعض الناس يرى ذلك ويثير الفكرة التي تقول بأن الموقف سوف يتحول إلى حالةٍ انتفاخية لا تلبث أن تزول وتذوب، فإن الرد عليه، أن من أهداف الإسلام تحرير الإنسان من الداخل، في عملية هزَّة روحيةٍ تربطه بالله مصدر القوّة، وتريه حركة القوة الإلهية في الكون، ليخفف من تأثير المتألهين في ذواتهم، المسيطرين على حركة القوَّة المادية المباشرة المتحركة في عالم الحس، الذين يعملون على تأكيد قوتهم في الواقع النفسي للناس حتى يشلّوا حركتهم عن أي تحرك مضادّ، الأمر الذي يفرض مواجهةً قويةً متعددة الوجوه لتفريغ الروحية الإنسانية للإنسان المسلم من أيّ شعور بالخوف من هؤلاء، حتى يملك إرادته الحرّة في اتخاذ قراراته المستقلة المنسجمة مع خطه الإسلامي الذي يريد الله أن يتحرك فيه ليصل إلى رضوانه.. وهذا هو ما درج عليه الأسلوب القرآني في تصوير المستكبرين في مواقع ضعفهم، وفي التأكيد على عظمة الله القاهر فوق عباده، القادر على كل شيء والمهيمن على الأمر كله، والكافي من كل أحد ولا يكفي منه أحد، والمتحرك في خط الإيحاء بأن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم) [الأعراف/149] (وانهم لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاًَ لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب) [الحج/73].. إلى غير ذلك مما تتنوع فيه الأساليب في الحديث عن الله في مواقع عظمته المطلقة في الكون، حتى يتحوّل الإيحاء إلى الحديث عن المواقف العملية للقوة الروحية الإيمانية في موقف الأنبياء الرافض للخضوع للخوف الذي يفرضه المستكبرون عليه، وذلك في ما حدثنا الله به عن موقف النبي (ص) ليلة الهجرة، وذلك في قوله تعالى: (إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيَّده بجنودٍ لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا) [التوبة/40].

وقوله تعالى في الحديث عن المؤمنين الذين تحاول الدعاية المضادَّة أن تهزمهم نفسياً من خلال الإيحاء بالقوَّة المسيطرة على الوضع العام : (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) [آل عمران/173/175].

فإننا نلاحظ أن القرآن الكريم قد صوَّر المسألة على صعيد الواقع العملي، كتجربةٍ حيّةً فاعلة، أعطت نتائجها الإيجابية على أساس الإرادة القوية المنفعلة بإيمانها، المنفتحة على الله، الثابتة في مواقفها، البعيدة عن الاهنزاز، المتمردة على الخوف، الأمر الذي جعل النبي (ص) والمؤمنين يأخذون بأسباب القوة الداخلية، لتتحول إلى موقعٍ متقدم من حركة القوة في حياتها، ليكونوا بذلك أهلاً لكرامة الله، في الحصول على رضاه، وفي الأخذ بألطاف القوَّة منه.

وهذا خط إيحائيّ يدعو المؤمنين إلى استلهام التجربة الحية لمن سبقوهم بالإيمان المتحرك في ساحة الصراع، لينطلقوا من خلاله في التفكير بواقعية الحالة الروحية في التحرك في مواقع القوة العملية.

اعداد: سيد مرتضي محمدي


طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)