• عدد المراجعات :
  • 1524
  • 2/24/2012
  • تاريخ :

موقف الإسلام من الطائفية

حقوق الإنسان في الإسلام

مع أدنى مراجعة لآيات القرآن يتضح دور الدين في محاربة الطائفية والتأسيس لثقافة التعددية والاعتدال في التعامل مع الاختلافات الدينية. قال تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ *وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ *فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (سورة الشورى، 13-15). وبعد التدبر في الآيات الكريمة المتقدمة نستوحي ما يلي:

1- شرع الله سبحانه للبشرية ما يوحدهم ويجنبهم الخلاف والصراع، وجعل من وحيه ووصاياه لأنبيائه العظام (ع) إقامة الدين وعدم التفرق فيه. وإقامة الدين الذي هو ضمانة الوحدة ليس إلا الاجتماع على قيمه ومبادئه وتطبيقها على كل البشر على اختلاف لغاتهم وقومياتهم وأعراقهم.

وإذ تؤكد الآية القرآنية على وحدة دين الله، تنفي أن يكون تعدد الرسالات الإلهية واختلافها في بعض الجزئيات التطبيقية قادحاً في وحدة الدين الواحد الحق، حيث مع ذلك تبقى الرسالات الإلهية واحدة في أسسها وأصولها.

ولأن الدين ينشد توحيد المجتمع البشري على القيم والمبادئ الإلهية، فإنه ينبذ الاختلاف فيه وتفرق أتباعه إلى طوائف متصارعة ومتناحرة. وتعبير الآية القرآنية: (وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) إشارة إلى أن الدين قد تصل إليه يد التحريف فيُجعل مادة للصراع والانقسام. وعلى هذا، فإن الخلافات الدينية والصراعات الطائفية ليست من صناعة الدين، وإنما هي من صناعة المنتسبين للدين. وهذا البيان القرآني هو إعلانٌ صريحٌ ونداءٌ بصوت عالٍ لكل البشرية عن براءة الدين الإلهي من الطائفية التي يمارسها المنتسبون له. وقد أشار القرآن إلى هذه الحقيقة في مواطن شتى، راجع: (سورة آل عمران/103-105)، (سورة الأنعام/159)، (سورة الأنفال/46)، (سورة الروم/ 31-32) .

2- إن حالة الطائفية التي تظهر عند المنتسبين للدين أولاً وبالذات هي ليست أزمة معرفية منشؤها الجهل بما عند الآخر المختلف، وإنما هي في المقام الأول مشكلة نفسية مردها إلى عقدة الأنا وحب العلو والتي هي منشأ الظلم والبغي والحسد والتجاوز على الآخر. وهذا ما يشير له قوله تعالى: (وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) . وقد أشارت لذلك آيات قرآنية في مواطن شتى، راجع (سورة البقرة/109)، (سورة البقرة/213)، (سورة آل عمران/19)، (سورة آل عمران64)، (سورة الجاثية/16-17) . وأيضاً أشارت آيات قرآنية أخرى إلى أن الطائفية مردها إلى الطمع في الوصول إلى المكاسب الشخصية والامتيازات الذاتية، راجع (سورة النساء/ 51-53)، (سورة النساء/94) .

ولأن عقدة الأنا وحب العلو غالباً ما تتضخم عند أصحاب السلطة وعند من يمتلك نفوذاً اجتماعياً، أصبح هنالك نحو من الارتباط الوجودي بين الطائفية وبين أصحاب النفوذ والسلطة. ولهذا تتلون السلطة التي تتوجه إليها أطماع فواعل وصناع الطائفية إلى اجتماعية أو دينية أو سياسية، بحسب الصنف الاجتماعي الذي ينتمي إليه الفاعل.

 ولهذا نستطيع القول: أن فواعل وصناع الطائفية في الجملة هم يشتركون مع بعضهم البعض في هدف جامع وهو البحث عن العلو والسلطة على المجتمع.

والآية القرآنية المتقدمة تمثل بصيرة في النظر إلى الفتن الطائفية والصراعات الدينية، إذ أنها تكشف النقاب عن الدافع الأساسي لكل الصراعات التي تتلبس بلباس الدين والعقيدة، والذي يتمثل في حب العلو والطمع في السلطة والرئاسة، أما اللباس الديني والمذهبي للصراع فليس إلا مطية من أجل تحقيق أجندات ذاتية وشخصية.

3- في سياق الحديث عن دور الدين في تكريس الوحدة والاستقرار الاجتماعي، أكدت الآيات القرآنية محل البحث على أن تعامل الإسلام مع أهل الكتب قائم على عدة ركائز:

أ: إن تعامل الإسلام مع أهل الكتاب ليس قائماً على التمييز والتهميش لاعتبارات طائفية، وإنما هو قائم على القسط والعدالة وحفظ الحقوق: (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ)، "سواءً في القضاء والحكم، أو في الحقوق الاجتماعية، أو القضايا الأخرى" (2).

وعلى هذا، فإن تعامل الإسلام مع الآخر المختلف قائم على التفكيك بين الاعتقاد ومدى تطابقه مع الحق الزلال الذي جاء به وبين ضمان الحقوق للمُخالفين الدينيين والمذهبين.

ب: إن الإسلام لا يغرق في الاسترسال مع الاختلافات الدينية ويتغاضى عن المشتركات: (اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ) .

ج: إن الإسلام كفل للآخر المُختلف حرية الاعتقاد، على أن يتحمل مسؤولية اختياره: (لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) . 

د: لأن قبول الحق لا ينفع إلا من قبله ولا يضر إلا من رفضه وأعرض عنه، فإن الإسلام لا يلجأ إلى الخصومة مع المُخالف من أجل إكراهه على قبول الحق (3): (لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ) .

هـ: إن الإسلام لا يُمارس دور الوصاية مع المُخالفين له في الدين والاعتقاد، وإنما يرجئ محاسبتهم إلى الله سبحانه: (اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) . وهكذا يؤسس القرآن ركائز الاستقرار والتعايش بين الفرقاء في الدين والمذهب على أساس العدالة والحرية وعدم التغاضي عن المشتركات الدينية والإنسانية.

وقد يقال: إن التفسير الديني القائم على ثنائية الحق والباطل هو المسؤول عن صناعة الطائفية، لكونه يبتني على عنصر الحسم وحصر الحق في قالبٍ خاص يحتكره، ومن ثم رفض تعددية الفهم والتفسير الديني، الأمر الذي يؤسس للعصبية ضد الآخر المختلف. وبكلمة موجزة، إن قدسية الفهم الديني هي المسؤولة عن إشعال فتيل الخلافات الدينية والفتن الطائفية. وعليه يكون التخلي عن قدسية التفسير الديني الخاص في قبال التفسيرات الدينية الأخرى هو صمام الأمان وضمانة الاستقرار الاجتماعي.

إلا أن هذه المقولة وأشباهها تتضمن خلطاً واضحاً بين الطائفية وما تعنيه من انتهاك حقوق الآخر المختلف وبين الاعتقاد بانحصار الحق في مذهب خاص، إذ لا يلزم من الأخير التعامل مع الآخر المختلف على أساس طائفي.

مضافاً إلى أن الدين قد تكفل بصيانة الحقوق لكل المخالفين في الدين أو المذهب، وهذا ما أكدته الآية القرآنية محل البحث، وأكده القرآن في مواطن متفرقة، راجع: (سورة البقرة/ 139)، (سورة المائدة/ 42)، (سورة المائدة، 48)، (سورة التوبة/6)، (سورة سبأ/24-26)، (سورة الحجرات/ 13) .

 

اعداد و تقديم : سيد مرتضي محمدي

القسم العربي - تبيان

المصادر:

(1) الأمثل، ج15، آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ص320

(2) من هدى القرآن، ج8، آية الله السيد محمد تقي المدرسي، ص364


الطائفية في المجتمع - علماء السوء وحب السلطة

الطائفية في المجتمع - الدين المُحرّف وصناعة الطائفية

الطائفية في الدولة -  الملأ

العلمانية من الألوان الفكرية المعاصرة

العدالة في أدبيات الفكر الإسلامي المعاصر

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)